كشفت شركة استراتيجي آند (Strategy&) النقاب عن نتائج دراستها السنوية "Global Innovation 1000"، التي تحلل من خلالها أداء ألف من الشركات المبتكرة ذات الرفع المالي العالي، والشركات المتفوقة في مجال النمو والربحية، والتي تنفق بشكل كبير على البحث والتطوير. وبحسب الدراسة، تتمتع هذه الشركات بست سمات مشتركة في منهجيات الابتكار، تقع المسؤولية في تحقيق أربع منها على المسؤولين التنفيذيين في تلك الشركات. وتتمثل هذه السمات في ارتباط استراتيجية الابتكار واستراتيجية العمل لدى هذه الشركات بشكل وثيق، وارتباط الفريق التنفيذي ببرنامج البحث والتطوير الخاص بالشركة، وبناء وتعزيز ثقافة الابتكار على امتداد عمليات الشركة، والتحكم في عملية اختيار المشروع في وقت مبكر من عملية الابتكار. أما السمتان الباقيتان فتتمحوران حول تركيز جهود الابتكار استناداً إلى آراء المستخدمين النهائيين، ودمج جميع السمات لابتكار تجارب مميزة للعملاء قادرة على تغيير السوق المعنية.
تعد القدرة على الابتكار من أهم ما يميز الشركات التي تقدم أداء أفضل من غيرها، ولذلك فإن اكتشاف العوامل الجوهرية التي تتيح للشركات تقديم ابتكارات عالية الجودة هو أمر بالغ الأهمية. وتوفر نتائج أحدث نسخة من الدراسة السنوية "Global Innovation 1000" التي تصدرها شركة استراتيجي آند، الإجابة عن هذا السؤال الذي يطرح بشكل دائم، إذ يلقي التقرير الضوء على تأثير وجود فريق تنفيذي ملتزم بالابتكار- وعلى رأسه الرئيس التنفيذي- على قدرة الشركة على الابتكار.
وفي إطار الدراسة السنوية "Global Innovation 1000"، التي تحلل من خلالها شركة استراتيجي آند ألف شركة عامة تنفق على البحث والتطوير أكثر من غيرها، تناولت الدراسة في عام 2018 مجموعتين من الشركات، تضمنت المجموعة الأولى الشركات "المبتكرة ذات الرفع المالي العالي"، وهي شركات حققت نجاحاً مالياً على مدار السنوات الخمس الماضية أكثر من المجموعات الصناعية في قطاعها، على الرغم من أن إنفاقها على البحث والتطوير كنسبة مئوية من المبيعات كان أقل مقارنة بتلك المجموعات. وهذه هي الشركات التي تستغل البحث والتطوير بكفاءة أكبر من نظرائها في القطاع لإطلاق منتجات وخدمات مبتكرة يرغب العملاء بشرائها.
الأداء المتميز للشركات
وتناولت الدراسة أيضاً الشركات التي تفوقت على منافسيها في مجال النمو والربحية، ثم أجرينا استطلاع رأي لمجموعة من قادة ومدراء تلك الشركات، وأجرينا تحقيقاً في منهجيات الابتكار التي اعتمدتها مجموعة واسعة من الشركات بمستويات أداء مختلفة. وكشفت دراستنا أن الشركات المبتكرة ذات الرفع المالي العالي ومجموعات الشركات الأكبر ذات الأداء القوي نسبياً تتمتع بست سمات مشتركة في منهجيات الابتكار. وتقع المسؤولية في تحقيق أربع من هذه السمات الست على المسؤولين التنفيذيين في تلك الشركات. أما السمتان الباقيتان فتتمحوران حول تركيز جهود الابتكار استناداً إلى آراء المستخدمين النهائيين، ودمج جميع السمات لابتكار تجارب فريدة للعملاء قادرة على تغيير السوق المعنية.
السمة الأولى:
السمة الأولى للشركات ذات الأداء المتميز في استبياننا، فهي أنها تربط بشكل وثيق بين استراتيجية الابتكار واستراتيجية العمل لديها. وينبغي على المسؤولين التنفيذيين التأكد من أن شركاتهم لا تستثمر في مجموعة عشوائية من المشاريع المتباينة. فمن بين مجموعة الشركات التي تفوقت على غيرها ضمن القطاع الذي تعمل فيه، أشار مدراء 77% منها إلى أن استراتيجياتهم الموجهة نحو الابتكار تتوافق بشكل تام مع استراتيجيات أعمالهم، مقارنة مع 54% من الشركات ذات النمو المتوسط، و32% من الشركات ذات النمو البطيء.
كما لاحظنا أيضاً وجود فروقات من حيث المواءمة الاستراتيجية بين نماذج الابتكار الثلاثة التي قمنا وفقها بتصنيف الشركات على مدى السنوات الـ 11 الماضية، وهي الشركات التي تسعى لتلبية احتياجات العملاء، والشركات التي تعمل بشكل دائم على قراءة ورصد السوق، وشركات التكنولوجيا. وبينما تحتاج الشركات الساعية لتلبية احتياجات العملاء إلى التواصل مع العملاء مباشرة لتوليد أفكار جديدة، فإن الشركات التي ترصد السوق لا تكتفي بفعل ذلك الأمر بسرعة، بل تقوم أيضاً بمتابعة اتجاهات السوق بوتيرة سريعة، وتعمل على تعزيز أدائها من خلال تقديم ابتكارات إضافية في منتجاتها الحالية. أما شركات التكنولوجيا، والتي تمثل النسبة الأكبر من الشركات المبتكرة، فهي تستخدم خبرتها التكنولوجية لابتكار منتجات وخدمات جديدة لجذب العملاء.
هذا وتتمتع الشركات التي تحرص على تلبية احتياجات العملاء، بربحية أعلى ونمو في إيراداتها يفوق ما تحققه الشركات في الفئتين الأخريين. وتجدر الإشارة إلى أن 84% من تلك الشركات تؤكد أن استراتيجياتها الابتكارية تتوافق بشكل تام مع استراتيجيات أعمالها، في حين تبلغ هذه النسبة 48% فقط لدى الشركات التي ترصد السوق، و53% لدى شركات التكنولوجيا.
وتعتبر شركة "دي آي سي" (DIC)، وهي شركة متخصصة في مجال الكيماويات، إحدى أبرز الشركات المبتكرة ذات الرفع المالي العالي، وقد سعى فريق إدارتها في السنوات الأخيرة إلى ربط أنشطة البحث والتطوير في الشركة باستراتيجيات أعمالها. وتقسم الشركة عمليات البحث والتطوير إلى قسمين، الأول هو قسم التكنولوجيا الموجهة مباشرة إلى العميل، والذي يركز على تقديم ابتكار إضافي يعزز كفاءة تطوير وتميز منتج حالي، كما يعمل عن كثب مع وحدات الأعمال في سياق استراتيجية الشركة. وفي هذا الأمر، يقول كيوتاكا كاواشيما، المدير التنفيذي ومدير عام البحث والتطوير في الشركة: "يتم التحكم في الميزانية وإدارتها من قبل وحدات الأعمال التي تقوم بدورها بالمصادقة على موضوعات التكنولوجيا والبحث والتطوير". وقد أصبح وجود قسم مستقل يركز على المزيد من الابتكار أمراً أكثر توافقاً مع استراتيجية العمل، كما أنه يوفر مزيداً من الحرية في مجال اختيار مشاريع فردية للعمل عليها.
السمة الثانية:
ترتبط بكبار قادة الشركات المبتكرة الناجحة، حيث أشار المشاركون في الاستبيان ممن حققوا نمواً أعلى من أقرانهم إلى أن الفريق التنفيذي في شركاتهم يرتبط بشكل وثيق ببرنامج البحث والتطوير الخاص بالشركة. وذكر نحو 78% من هذه الفئة أن فريقهم التنفيذي على صلة وثيقة بأنشطة البحث والتطوير والاستراتيجية، مقابل 62% في الشركات متوسطة النمو، و53% في الشركات التي تتمتع بنمو أقل من المتوسط. كما أظهر التقرير أن الفرق القيادية في الشركات الساعية لتلبية احتياجات العملاء، عبر نماذج الابتكار الثلاثة سالفة الذكر، تكون غالباً متوافقة بشكل وثيق مع استراتيجية الابتكار فيها (84% مقابل 63% لدى الشركات التي ترصد السوق و57% لدى شركات التكنولوجيا).
وما يثير الاهتمام هو أن جميع الشركات "المبتكرة ذات الرفع المالي العالي" التي قابلناها أو قمنا بتحليلها أشارت إلى أن كبار قادتها على صلة وثيقة باستراتيجية الابتكار. وظهرت شركة ستانلي بلاك آند ديكر على قائمتنا للشركات "المبتكرة ذات الرفع المالي العالي" منذ إطلاق هذه الدراسة لأول مرة في عام 2007. ويقول تيم هاتش، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في ستانلي إنجينيرد فاستيننغ (Stanley Engineered Fastening)، أحد أقسام الشركة: "يشارك الفريق التنفيذي في عملية الابتكار بدءاً من رأس الهرم. فعندما نقوم بمراجعات لمشروع أو لمنتج ما، يقوم الرئيس التنفيذي دائماً بطرح أسئلة حول رأينا بالابتكارات المقترحة وكيف سنعمل على تسويق الأفكار التي يتم تطويرها من قبل فرق العمل".
السمة الثالثة:
أما السمة الثالثة للشركات عالية الأداء والشركات المبتكرة فهي بناء وتعزيز ثقافة الابتكار على امتداد عمليات الشركة. وأشار نحو ثلاثة أرباع المشاركين (71%) في الاستبيان من تلك الشركات التي حققت نمواً أسرع، إلى أن ثقافة الشركة تتوافق بدرجة كبيرة مع استراتيجية الابتكار فيها، مقارنة مع 53% من الشركات التي سجلت نفس النمو الذي حققته الشركات المنافسة، و33% من الشركات التي سجلت نمواً أبطأ.
ويتولّى الرئيس التنفيذي دوراً رئيساً في خلق الثقافة المؤسسية وضمان إسهامها في تشجيع وتعزيز الابتكار. وينبغي أن يحدد قائد المؤسسة التوقعات والأهداف المتعلقة بالابتكار، بحيث تكون واضحة لكل موظف في الشركة. وتنطوي كلمات وأفعال الرئيس التنفيذي على تأثير كبير، حيث أن العمال والموظفين الطموحين سوف يلتقطون هذه الإشارات حول أولويات القيادة، ويسعون بالتالي إلى الارتقاء لتلك المتطلبات لتحقيق تقدمهم المهني داخل الشركة. وفي السياق ذاته، ولأن تصريحات الرئيس التنفيذي علنية في العادة، فمن المرجح أن تؤدي إلى جذب المرشحين المحتملين الذين يتمتعون بشغف بالابتكار إلى تلك الشركة بالذات.
وفي حقيقة الأمر، ينبغي أن تأخذ سياسة التوظيف عامل الابتكار في الاعتبار، إذ يجب أن تتبنى هدف بناء قوة عاملة متنوعة. وبما أن الأشخاص الذين ينحدرون من خلفيات ثقافية ووظيفية مختلفة يتناولون القضايا من زوايا مختلفة، فإنه من المرجح أن يساهموا بتقليل الآثار الضارة المترتبة على التفكير الجماعي، ومنع الجمود، وتعزيز تدفق أفكار جديدة.
كما يمكن لهيكل المكافآت والحوافز في الشركة، والذي يضعه فريق القيادة، أن يعزز ثقافة الابتكار. ويجب أن يكون وضع سجل لتصور الأفكار الجديدة وتنفيذها أمراً موضوعاً في الاعتبار عند مراجعات الأداء الفردية. وفي سياق متصل، ينبغي ألا تكون هناك عواقب سلبية بالنسبة لأولئك الذين يفشلون في محاولة تقديم نهج أو منتج جديد، إذ إن ثقافة اللوم تعيق الابتكار.
ويمكن تكليف أفراد معينين بمسؤولية محددة لدعم الابتكار. ويمكن للمؤسسة أو الشركة في إطار تأكيدها على أهمية الابتكار، تعيين رئيس تنفيذي للابتكار، مسؤول عن الأفكار الجديدة، يستطيع استكشاف الأفكار المبتكرة التي تنبثق عن أشخاص آخرين ويعمل على تعزيزها.
كما يمكن أن تقوم الشركة بتوزيع موظفيها المختصين بالابتكار في مواقع استراتيجية بمختلف أقسامها. وفي هذا السياق نورد مثالاً عن الشركات "المبتكرة ذات الرفع المالي العالي"، وهي أماديوس آي تي غروب، التي تعد مزوداً عالمياً رائداً لحلول وبرمجيات السفر والتي تتخذ من إسبانيا مقراً لها، إذ عينت هذه الشركة رواداً في مجال الابتكار ضمن وحدات البحث والتطوير والأعمال. ويتمثل دور هؤلاء الرواد في تعزيز وتحسين نهج الابتكار في الشركة كل من موقعه، وتشجيع الناس على تقديم الأفكار ومن ثم جمع تلك الأفكار وتقديمها لبقية أعضاء الشركة حتى يمكنهم الاطلاع عليها والتفاعل معها.
السمة الرابعة:
تتمثل السمة الرابعة لأفضل الشركات المبتكرة أداء في أنها تتحكم في عملية اختيار المشروع في وقت مبكر من عملية الابتكار. وفي واقع الأمر، عندما سألنا الشركات المشاركة في الاستبيان عن المرحلة الأكثر أهمية في عملية الابتكار، هل هي مرحلة التفكير أم مرحلة اختيار المشروع أم تطوير المنتج أم تسويقه، كانت مرحلة اختيار المشروع هي الإجابة الأكثر تداولاً. وتعد المرحلة الأولى من عملية الابتكار بلا شك حاسمة لتحقيق النجاح، فمعظم التكاليف طويلة الأجل لتطوير المنتجات، (ما يصل إلى 70% في دراستنا) يتم الالتزام بها بالفعل بمجرد الانتهاء من مرحلة تصور واختيار المشروع. وإن سوء الاختيار في وقت مبكر سيؤدي إلى استنزاف الموارد بسرعة.
وأظهرت الدراسة أن الشركات التي سجلت نمواً نسبياً قوياً كانت أكثر براعة من غيرها في اختيار المشروع. كما أنها تفوقت على نظرائها من حيث إدراك الفرص والإمكانات التي يمكن تحقيقها من خلال تحسين قدراتها في عملية الاختيار بشكل أفضل، لتحدد بذلك الأهمية الحاسمة لعملية اختيار المشروع.
ومن هنا ينبغي على المدير التنفيذي التأكد من وجود نظام مناسب وفعال لتحديد المشاريع وتقييمها وترتيب أولوياتها واتخاذ القرارات الصعبة اللازمة. وفي كثير من الأحيان يتم إنشاء لجنة توجيهية للإشراف على عملية اختيار المشروع، بما في ذلك مراقبته. وإما أن تكون هذه اللجنة التوجيهية مسؤولة مباشرة أمام المدير التنفيذي، أو أن يكون المدير التنفيذي عضواً فيها.
ويعمل القادة في أماديوس آي تي غروب على تتبع مسارات الابتكار بعناية بالغة، ويستخدمون معايير واضحة لاختيار المشروع. وحول هذا يقول ماريون ميسناج، رئيس البحث والابتكار والمشاريع في أماديوس آي تي غروب: "عندما نتناول موضوع الابتكار فإننا نتأكد بداية من أن لدينا حل مناسب للمشكلة المطروحة. كما يهمنا معرفة أن المشكلة التي نتعامل معها جديرة بأن نبذل جهوداً لإيجاد حل لها، وأن لدينا حلاً مناسباً لها، وأن يكون أيضاً هناك شهية تجارية إزاء هذا الحل، لكي نضمن وجود ما يكفي من الأشخاص المستعدين لدفع ثمن هذا الحل الذي نقترحه".
وفي الختام، نؤكد مجدداً أن للمدير التنفيذي دوراً محورياً وهاماً في سياق عملية الابتكار، وذلك لعدة أسباب ليس أقلها أنّ المشاركة الوثيقة لفريق القيادة تزيد من فرص النجاح. ويجب على المدير التنفيذي أيضاً التأكد من أن استراتيجية الابتكار تتماشى بشكل وثيق مع استراتيجية عمل الشركة، وأن ثقافة الشركة تساعد الابتكار على الازدهار فيها، وأن عملية اختيار المشروع تخضع لتحكم دقيق في وقت مبكر. وبمجرد أن تتمتع أي مؤسسة أو شركة بهذه السمات، ستكون في وضع مثالي لتوليد تدفق مستمر من الأفكار الجديدة، والتي تعد شريان الحياة لأي شركة تريد النمو والتطور.