دراسة حالة: تشتّت الجهود على عدة جبهات

13 دقيقة
كانت كارلا تقتل البطل الرئيسي لمسلسلها. ورغم أن ذلك منحها ذلك شعوراً جيداً لكن الوضع لم يكن في أحسن الأحوال.

أخذت تنقر بأصابعها على طاولة المونتاج وأمعنت النظر في الشاشة التي أمامها وهي تستعرض لقطات من الحلقة الأخيرة لهذا الموسم من مسلسل (Dope)، وهو المسلسل الدرامي الذي تعرضه شركة إنتاجها منذ زمن بعيد ويتناول عمل وكالة مكافحة المخدرات الأميركية. سألت ميلاني التي كانت قد كتبت الحلقة وأخرجتها: "ما المشكلة"؟

أجابت كارلا: "في الجملة الأخيرة، نحن بحاجة إلى لقطات أسرع بين الحريق والمختبر ولقطات الفلاش باك. كما أن الأغنية غير مناسبة. صحيح أن المشاهدين يجب أن يشعروا بالحزن، لكن يجب أن يكونوا مصابين بالصدمة. فبطلهم يقضي نحبه أمام أعينهم – ودون أي إنذار مسبق."

بدت ميلاني منزعجة، في حين شعرت كارلا بالذنب وتأنيب الضمير. فمسلسل (Dope) كان يُفترض أن يكون مسلسل ميلاني الآن. وكانت كارلا قد نقلت مسؤولية إدارة المسلسل إلى مساعدتها العام الماضي بحيث يتاح لها المزيد من الوقت لتقضيه في العمل على مسلسليها الآخرين اللذين تعرضهما شركة (C3 Productions) على الشبكة ذاتها، (RBN). لكن هذا المشهد – الذي يوصل الموسم العاشر من المسلسل إلى ذروته من خلال الموت المفاجئ للبطل الرئيسي – كان في غاية الأهمية بالنسبة لكارلا. فقد كانت قد دفعت ميلاني إلى تبنّي نهاية مثيرة للمسلسل تُعتبر قنبلة الموسم وساعدتها في كتابة السيناريو. وكان واجبها يقتضي منها ضمان حسن التنفيذ أيضاً.

قالت ميلاني بتوتر: "الشبكة تريد النسخة النهائية من الحلقة بحلول منتصف الليلة".

نظرت كارلا إلى الساعة. إنها الثالثة من بعد الظهر. لقد كانت في موقع تصوير مسلسل (911)، وهو مسلسلها البوليسي الذي دخل عامه الثاني، منذ مطلع الصباح، كما كان من المتوقع أن تجري مراجعة لنص مسلسل (Forty Stories) مع الممثلين، وهو مسلسلها الأحدث الذي يستعرض حياة سكّان ناطحة سحاب في مانهاتن، منذ ما بعد الظهر وحتى المساء. كانت تنوي قضاء وقت قصير في موقع تصوير مسلسل (Dope) لكي تعطي الموافقة النهائية لميلاني على عملها. لكنها الآن باتت مضطرة للعودة، مضحية بالفسحة الزمنية بين التاسعة ومنتصف الليل والتي كانت تأمل بقضائها في العمل على فكرة جديدة وهي عبارة عن مسلسل درامي كوميدي عن الشيخوخة سيكون جديداً بالكامل ومثيراً بالنسبة لشركة (C3). لقد كانت تحاول كتابة الحلقات التجريبية منذ أشهر، ولكن بما أنّها كانت تعمل لأكثر من 13 ساعة يومياً، فإنها لم تتمكّن من العثور على الوقت المناسب لإنجاز هذه المهمّة.

"سأعود الليلة"، قالت كارلا. وأضافت: "لقد اقتربنا من نهاية العمل".

"بالتأكيد،" قالت ميلاني وهي تشعر بالحزن. "لكننا لا زلنا بحاجة إلى اللمسة السحرية لكارلا".

افترّ وجه كارلا عن ابتسامة باردة. فقد كان مايكل لوف، رئيس قسم البرامج في شبكة (RBN) أول من استعمل هذه الكلمات قبل تسعة أشهر خلال العرض السنوي المباشر الذي تقدّم فيه الشبكات

لأصحاب الإعلانات لمحة عن مواسمها ومسلسلاتها الجديدة. وكانت قد تسرّبت إشاعة تفيد بأن مسلسل (Dope) سوف ينتقل إلى ميلاني، وإن كانت كارلا ستظل موجودة بصفة منتج منفّذ مساعد. وعندما كان الناس يسألون عن معنى ذلك، كان مايكل يطمئنهم إلى أن كل مسلسل تقدّمه شركة (C3) على شبكة (RBN) سيظلّ يحمل "اللمسة السحرية لكارلا" – أي الحدث المركزي العاطفي، والحوار الذكي، والتحوّلات المفاجئة في الحبكة –التي تضمن الحصول على تصنيف عالٍ في الشعبية الجماهيرية، وخاصة ضمن صفوف الفئة المستهدفة (بين 18 و34 عاماً).

وقد باتت هذه العبارة الآن العبارة الجذّابة التي تخدم مصلحة الشبكة. وعندما كانت كارلا ترشّح منتجين مساعدين لكتابة السيناريو أو الإخراج، كان الهمّ الأساسي دائماً هو "هل يمتلك هذا الشخص المقترح لمساتك السحرية؟" وعندما كانت شبكة (RBN) ترسل الملاحظات الخاصة بالنسخ النهائية من المسلسلات كان الرأي المكتوب غالباً "العمل بالحاجة إلى المزيد من لمسات كارلا السحرية".

ورغم أنّ كارلا كانت في بادئ الأمر قد شعرت بإطراء كبير جرّاء تأييد مايكل لها، إلا أنّها وصلت إلى حدّ الامتعاض من هذا الدعم لاحقاً. فاضطرارها إلى العمل على ثلاثة مسلسلات دفعة واحدة، وجميعها تتألف من 24 حلقة وبجداول زمنية متطلّبة جعلها غير واثقة ممّا إذا كانت تملك ما يكفي من السحر للمضي قدماً في عملها.

تحت الضغط

مع انتقال كارلا إلى موقع مسلسل (Forty Stories)، رنّ هاتفها. كان مايكل على الخط. "هل راجعت تقييم المشاهدين لمسلسلنا للّيلة الماضية؟".

"مايكل، أنت تعلم أنّني لا أدقق في أرقام اليوم التالي".

"لم تكن جيّدة."

"لقد كان الناس مشغولون بدوري كرة السلّة الأميركية. والناس سجّلوا حلقات مسلسلنا ليستعرضوها لاحقاً. وسوف نرى ارتفاعاً من جديد في تقييم المشاهدين للمسلسل خلال عطلة نهاية الأسبوع".

"لم نسجّل هكذا ارتفاع الأسبوع الماضي – لم يكن الارتفاع كافياً. لا شكّ بأنّ ميلاني هي منتجة قديرة. لكنّها لا تزال بحاجة إلى إشرافك عليها".

"أعلم ذلك، وأنا لا أبخل عليها بالإشراف،" قالت كارلا.

"كيف تسير أمور الحلقة الأخيرة؟ آمل أن تستعيدي زمام الأمور فيها. فهي مهمّة".

"سأعمل مع ميلاني على الحلقة الليلة. لكن ليس بوسعي يا مايكل أن أدير ثلاثة مسلسلات دون تفويض مهامي إلى الآخرين. حاولت ذلك الموسم الماضي، والأمر غير مستدام على الإطلاق. فأنا بالكاد تمكّنت من النوم. وأنا أحتاج إلى أن تدير ميلاني مسلسل (Dope)، وآمل أن يتمكن كيستون العام المقبل من العمل بشكل أكبر على كتابة سيناريو مسلسل (911) وإخراجه".

"لا يمكننا فعل ذلك. فالوقت لازال باكراً. كنا محظوظين بتحاشي تسجيل تراجع في الشعبية للسنة الثانية. ونحن بحاجة إلى أن تمسكي أنت بزمام الأمور بالكامل."

"في هذه الحالة، يجب أن نفكّر بخفض عدد الحلقات. بوسعنا تخفيض العدد من 24 حلقة إلى 16، والبدء في وقت لاحق في سبتمبر/ أيلول، وأخذ فاصل أطول بين الموسمين خلال فصل الشتاء. كان سيكون لدي وقت أكبر لأخصصه لهذه المسلسلات الثلاثة لو لم يكن الجدول الزمني مضغوطاً على هذا النحو".

"كارلا، نحن وأنت لدينا ثلاثة من أهم 15 برنامجاً على التلفزيون. السوق آخذة بالتقلّص – وباتت أكثر تشتّتاً – لكن الإيرادات من برامجك في تصاعد. فمسلسل (Dope) لازال يحقق 150 مليون دولار سنوياً من الإيرادات الإعلانية، والمسلسلان المتبقيان يحققان أرقاماً مشابهة. وهذه مبالغ ضخمة لنا ولك. وأنت تريدين خفض عدد الحلقات؟ لو اقترحت هذا الأمر على بيل" مشيراً إلى رئيس شركة (RBN)،" لكان سيسخر منّي ويجعلني أغادر الغرفة خجلاً من نفسي".

"إذا أردتني أن استمر في العطاء وفي تقديم برامج جيّدة تحصل على تقييمات مرتفعة من المشاهدين، فإنني بحاجة إلى وقت لكي أكون مبدعة،" ردّت عليه كارلا وأضافت قائلة: "وأنا لا أحصل على ذلك حالياً".

"سيكون لديك فصل الصيف".

"لن يكفي ذلك الوقت إلا لكتابة السيناريوهات ورسم الخطوط الدرامية. سأعمل على المسلسلات السابقة نفسها، ولن أستطيع العمل على أي شيء جديد".

"أنت تعلمين بأنّك لن تتخلين أبداً عن سيطرتك. هذه المسلسلات الثلاثة تحمل بصمتك الواضحة وهي تحمل اسمك حتى وكأنك أنت من ينتجها. هي تشبه أطفالك. وأنت شخص لا يقبل أقل من الكمال. وهذا هو سبب حبّنا لك".

نعم لقد كان محقّاً؛ فهذه المسلسلات كانت بمثابة أطفالها، ولم تكن تتخيّل أبداً بأن تتخلّى عنها بالكامل. لكنها كانت بحاجة إلى فعل شيء ما لتمنح نفسها المزيد من الوقت للتفكير. "معذرة يا مايكل ولكن يفترض بي أن أكون موجودة في جلسة لقراءة أحد السيناريوهات منذ 10 دقائق".

"بالتأكيد، ولكن دعيني أطرح عليك سؤالاً أخيراً: هل قلت بأنك تعملين على مشروع جديد؟"

"كلا" أجابت كلارا، بعد أن تردّدت لوهلة. كانت تلك هي الحقيقة عملياً، لكنّها شعرت بالذنب مع ذلك. فعندما وضعت التصوّرات الأولى لمسلسلي (911) و(Forty Stories)، ناقشتها مباشرة مع شبكة (RBN). وقد كانت (C3) ملتزمة بعقد لإعطاء الشبكة حق الشفعة (أي الأولوية في البيع) لأي عروض ومسلسلات جديدة، وكان مايكل شريكاً رائعاً لكنّه صعب المراس منذ الأيام الأولى لمسلسل (Dope). لكن فكرتها الجديدة هذه رائدة وأكثر جرأة وغير مناسبة على الإطلاق لشبكة (RBN). وكانت ترى بأن الأنسب هو عرضها على شبكة مثل (AMC) أو (HBO)، أو حتى نتفليكس (Netflix)، أو أمازون أو الشركة الناشئة الجديدة على شبكاتالتواصلالاجتماعي التي كانت تحظى باهتمام أكبر من الناس (Cascade).

كيف بوسعها أن تشرح لمايكل رغبتها بأن تخفّف حضورها في مسلسلاتها الحالية، بحيث تكون قادرة على صنع مسلسل جديد سوف تحاول على الأغلب بيعه إلى شركة منافسة؟ وماذا لو فشلت فكرة هذه الكوميديا الدرامية؟ لقد بذلت جهداً لا يُصدّق في إنجاز هذه المسلسلات الناجحة و"الضاربة" الثلاثة وكانت تعلم بأن هذه الرحلة مهما كانت مذهلة ومربحة لن تستمر إلى الأبد. ربما يجب عليها أن تستوعب عبء العمل الكبير فحسب وأن تتمتع بنجاحها.

من القلب إلى القلب

استغرقت جلسة قراءة سيناريو مسلسل (Forty Stories) وقتاً أكثر من المتوقّع. فالنص الذي كان قد كتبه منتج آخر صاعد ممّن وقع اختيار كارلا عليهم احتاج إلى بعض التعديلات، وكانت مشغولة لدرجة كبيرة بحيث لم تتمكن من تناول طعام العشاء. فتناولت كيساً من اللوز المحمّص وأخذت تقضم حبّاته بسرعة وهي تهمّ في طريق العودة إلى شركة (C3). وبعد مرور ساعتين، وقبيل انتصاف الليل بقليل، تمكنت هي وميلاني من إنجاز المشهد النهائي على أكمل وجه. كانت تشعر بالإنهاك لكن سعادة غامرة كانت قد اجتاحتها.

"لقد أنجزنا المهمّة في الوقت المطلوب بالضبط،" قالت ميلاني وهي تتثاءب. ثم أردفت قائلة: "شكراً جزيلاً. لم أكن أرغب في طلب يد العون منك، لكنني وكما هو واضح كنت بحاجة ماسّة إلى مساعدة منك. أشعر دائماً بأنني قادرة على إنجاز المهام المطلوبة منّي، لكن من الجميل أن نتعاون معاً مجدداً".

نظرت كارلا إليها وقالت: "سيكون الأمر أسهل العام المقبل".

"ربما، لكنني لن أصير مثلك في حياتي. لقد احتسيت القهوة قبل أيام مع كيستون وهو لديه شعور مشابه. ففي نهاية المطاف، هذه هي مسلسلاتك وليست مسلسلاتنا ومن الصعب أن ندير شؤونها من دونك".

"لا أحد يطالبك بأن تكوني مثلي. ما تحتاجينه هو المزيد من "لمسات ميلاني السحرية"". أشرق وجه ميلاني وقالت: "ألا تزالين ترغبين في أن نذهب غداً إلى الإفطار المخصّص لأفضل السيدات المبدعات في العمل التلفزيوني؟".

بدر تأوّه مكبوت من كارلا وقالت: "ليس مطلوباً مني إلقاء كلمة، أليس كذلك؟ هل يجب أن نذهب نحن الاثنتان؟"

"كلا، لن تقدّمي عرضاً، لكن لن يكون من اللائق أن أحضر أنا وأن تغيبي أنت".

"حسناً، تصبحين على خير".

المقترح

في صباح اليوم التالي، دخلت كارلا إلى قاعة الحفلات في فندق بيفرلي هيلتون وإذ بها ترى ديل غروسمان، الرئيس الجديد لقسم المحتوى في شركة (Cascade) الذي سبق أن التقته قبل عام في مسابقة جوائز الإيمي، عندما كان لا يزال في شبكة (HBO).

"كارلا، يسعدني جدّاً أن التقي بك مجدّداً".

"وأنا أيضاً، ديل. مبروك لك انتقالك إلى شركة (Cascade)".

"شكراً لك. أشعر بسعادة عارمة نتيجة هذه الخطوة. هناك الكثير من المسلسلات والبرامج الجديدة، واحد لترانتينو، وآخر لكلوني تمثيلاً وإخراجاً، وعدد المسلسلات محدود بطبيعة الحال. فأنا لا أستطيع الإمساك بهؤلاء النجوم الكبار. لكن الإنتاج رفيع المستوى للغاية، والتصوير يجري في مواقع رائعة وهناك نصوص مذهلة وممثلين ممتازين".

"لكنّ التكلفة كبيرة، أليس كذلك؟" سألت كارلا.

"المستثمرون في الشركة يعتقدون بأن المحتوى هو الأساس. وأنت سيّدة العارفين! فأنت الملكة في شبكة (RBN)".

"هذا لطف كبير منك".

"لا، أنا أعني تماماً ما أقول. فأنت تمتلكين ثلاثة مسلسلات على شبكة دورتها البرامجية مزدحمة. ومع ذلك فأنت تجدين الوقت لحضور فطور عمل".

"أحاول" قالت كارلا بتواضع.

"هل لديك الوقت لتناول طعام الغداء في (Cascade)؟ سيكون الرئيس التنفيذي للشركة راغباً جداً بسماع وجهة نظرك بهذا القطاع، وما الذي يريده الجمهور حقاً، وما هو ترتيب برامجنا بالمقارنة مع البرامج الأخرى؟ أعلم أنك مرتبطة بشبكة (RBN) ولكن..."

"لست مرتبطة بهم،" قاطعته قائلة. "(RBN) تلقي النظرة الأولى لكننا لسنا مرتبطين بهم".

"هذا شيء طبيعي. ولكن إذا كنت مستعدة لفعل شيء مختلف، فإننا سنكون سعداء بمناقشة المسألة معك".

ناولها بطاقته فأخذتها كارلا منه. كان في داخلها جزء يريد أن يغادر فوراً ذلك المكان لكتابة الحلقات التجريبية وتحديد موعد للقاء، ومحاولة تسويق المسلسل. لكنها لم تكن قادرة على فعل ذلك. فقد كانت مضطرة إلى التواجد في موقع تصوير مسلسل (Forty Stories) بعد ساعة، لضمان إخراج الحلقة النهائية بحلة مثالية أيضاً.

لاحقاً، فكّرت في وضعها. هي لا تزال تمتلك الكثير من اللمسات السحرية. لكنّها لم تكن واثقة من قدرتها على توزيع هذه اللمسات على ثلاثة مسلسلات ومغامرة جديدة. فهذا يعني أنها مضطرة إلى التخلّي عن السيطرة لصالح ميلاني وكيستون، أو أنها يجب أن تقنع مايكل بأن المسلسل سيحقق نجاحاً أكبر على المدى البعيد فيما لو نقص عدد حلقاته، حتّى لو تكبّدت شبكة (RBN) وشركة (C3) ضربة مالية على المدى القصير. وكان الخيار الآخر الوحيد هو أن تقنع نفسها بأن فكرة المسلسل الدرامي الكوميدي لم تكن فكرة ملحّة؛ بمقدورها أن تنحّيها جانباً وأن تنتظر حتى تهدأ الأمور في السنوات المقبلة، كما كانت تتوقع.

كانت هذه هي الأفكار الوحيدة التي وجدت الوقت لتسمح لها بعبور رأسها؛ فقد كان الممثلون وطواقم التصوير والمشاهدون جميعاً بانتظارها.

رأي الخبراء

هل يجب على كارلا أن تركّز على مسلسلاتها ذات الشعبية الضاربة أم أن تتخلّى عن السيطرة وأن تبدأ شيئاً جديداً؟

المدراء التنفيذيين في شبكة (RBN) بخصوص فلسفة إنتاج مسلسلات (Dope)، و(911)، و(Forty Stories) مستقبلاً. من الواضح أنّ كارلا و(C3) و(RBN) يريدون المحافظة على رفعة الجودة، وعلى قاعدة جماهيرية قويّة، وعلى إيرادات طائلة. لكن الطلب إلى كارلا بأن تضع "لمساتها السحرية" في كل حلقة من حلقات المسلسلات الثلاثة هو أمر غير مستدام.

كما أن صناعة التلفزيون تمرّ بطور التغيّر حالياً. فحالة الزعزعة التي تسبّبت بها قنوات الكيبل وخدمات البث عبر الانترنت أفسحت المجال أمام مقاربات جديدة. فشبكات البث التلفزيوني لا تزال متمترسة خلف نموذج وإيقاع معيّنين. لذلك من غير المفاجئ بأن تتشبّث شبكة (RBN) بهذا التقليد. لكن كون مسلسلات كارلا الثلاثة قد بدأت بـ 24 حلقة في كل موسم، من الخريف إلى الربيع لا يعني بأنها يجب أن تستمر على هذا النحو. فالعديد من الشبكات بدأت تُظهرُ قدراً أكبر من المرونة وباتت تطلب عدداً أقل من الحلقات، وخاصّة في المسلسلات التي ينتجها أشخاص من ذوي الموهبة الكبيرة.

قبل بضع سنوات، كنت أشرف على مسلسل يحمل البصمة الواضحة لمنتجه الذي يكتب السيناريو أيضاً، والذي كان يعمل بطريقة متسلسلة تشبه طريقة عمل صناع الأفلام والمسلسلات الأوروبية. مما يعني بأننا في بعض المناسبات كنا نحتاج إلى وقت أطول من المعتاد لتسليم مجموعة من حلقات المسلسل، لذلك كنّا مضطرين إلى تقديم العروض الأولى للمواسم في أوقات مختلفة من العام. كما أن عدد الحلقات في كل موسم كان يتفاوت. وبحسب حكمي على الأمور، فإن دفع المسلسل نحو خانة تبني الشكل القياسي والمعتاد في العرض كان سيقتل الجانب العبقري فيه. وقد كان لدى صانع المسلسل وجهة نظر شديد الخصوصية، وكنّا نعتقد – وآمل أن نكون على صواب في اعتقادنا هذا – بأن المعجبين بأسلوبه في العمل وطريقة روايته للحكايات كانوا أكثر اهتماماً بسلامة الأسلوب والمضمون من انتظام مواعيد البث.

بطبيعة الحال، تحتاج كارلا إلى تبنّي قدر أكبر وأفضل من تفويض المهام إلى الآخرين بما أنها مسؤولة عن عدد من المسلسلات التي تعرض حالياً. وهذا الأمر يتطلّب الكثير من التغيّر في الثقافة والسلوك لدى كل من شركة (C3) وشبكة (RBN)، وكذلك من كارلا نفسها. فهي تغمر برعايتها كلاً من ميلاني وكيستون – حيث أنها جاهزة دوماً لتقديم المشورة لهما، والتواصل مع الشبكة نيابة عنهما، والتدخّل في ربع الساعة الأخير لإنقاذ مساعديها لكنهما لن يتوقّفا عن النظر إلى نفسيهما بوصفهما في المرتبة الثانية بعد معلمتهما ما لم تبدأ بالتخلّي عن هذا الدور، وبالوثوق بقدرتهما على التنفيذ بنفسيهما، وتمكينهما من التواصل مباشرة مع شبكة (RBN). وسيكون مكمن التوتّر بالنسبة لها قبول فكرة عدم تبنّي هذين المساعدين دوماً للخيارات التي تفضّلها هي.

في مكالمتها الهاتفية مع مايكل، طرحت كارلا كلتا الفكرتين – إعادة النظر بالجدول الزمني للإنتاج وتقليل حجم مسؤولياتها – لكنّها عادت وتراجعت بعد أن قاوم مايكل هاتين الفكرتين. هي بحاجة إلى أن تثبت له بأن مصلحة الشبكة ومصلحتها على حدٍّ سواء تقتضيان إيجاد سبل جديدة للتعاون.

في اجتماع شخصي ومباشر في مكان يتّصف بطابع "إنساني" نوعاً ما (أي خارج جدران المكتب)، يجب عليها أن تشرح بأنه وعلى الرغم من استثمارهما هما الاثنان في العلاقة بين شركة (C3) وشبكة (RBN)، ومن منطلق المحافظة على سلامة المسلسلات الضاربة الثلاثة على المدى البعيد، إلا أنّها معرّضة للضغوط التي تحدّ من إبداعها وهي تريد العمل على فكرة جديدة تُعتبر مهمّة بالنسبة لها. ويجب عليهما أن يعملا معاً – وبقدر من الصراحة العميقة وبناءً على الآراء المدروسة من فريقها ومن المدراء التنفيذيين في الشبكة – على حل المشكلة والاتفاق على جدول زمني أكثر استدامة، وعلى مجموعة من التوقعات والأدوار للمسلسلات الحالية، مما يفرّغ كارلا خلال فترة زمنية معيّنة.

يتفّهم المدراء التنفيذيون العاملون في قطاع الإعلام هذه الأيام بأنّ المسلسلات المختلفة تناسب أقنية ومنصّات إعلامية مختلفة. فعلى الرغم من أنّ مايكل قد لا يحبّذ فكرة قيام كارلا بصنع مسلسل غير مناسب لشبكته، إلا أنه سيدرك على الأغلب بأنّ شبكة (RBN) سوف تستفيد من منح الفرصة للمخرجة لكي تستعيد طاقتها الإبداعية، ممّا قد يساعدها على خلق شيء من الإثارة في قطاع المسلسلات الدرامية، والأهم من ذلك عدم قتل الدجاجة التي تبيض ذهباً.

عندما يقول شخص رائع الأداء "أنا منهك تماماً وغير قادر على أن أعطيكم أفضل ما لديّ" فإنّ على مديره أن يصغي إليه. لقد حان الوقت لكي تجري كارلا محادثة مع مايكل.

ميليسا جيمس جيبسون: هي المديرة المساعدة لمسلسل (HOUSE OF CARDS) الذي يُبث على شبكة نتفليكس

لقد بَنَت كارلا اسماً وما يشبه العلامة التجارية لمسلسلاتها الثلاثة ذات الشعبية الضاربة، لذلك أتفهّم تردّدها في تغيير الوضع الراهن. فهي مسؤولة عن المحافظة على سلاسة عروض مسلسلاتها وبالتالي عن فهي مسؤولة عن سلامة شركة (C3) أيضاً. لكنها فنانة طموحة للغاية أيضاً وإذا كان الجانب المبدع فيها يدفعها لتجريب شيء جديد، أعتقد أنها بحاجة إلى أن توليه الاهتمام المطلوب. فالأفضل لها قد لا يكون الأفضل لشركتها. والعكس صحيح. ولكن إذا لم تتطوّر علامتها التجارية معها، فإنها ستفقد زخمها وتصبح شيئاً آخر.

لقد نجح مدراء المسلسلات التلفزيونية التي تحظى بالشعبية الكبيرة في تسليم مقاليد الأمور إلى أشخاص جدد لإدارتها وانتقلوا هم أنفسهم إلى مشاريع أخرى دون أن تعاني هذه المسلسلات من تراجع في شعبيتها أو في إعجاب النقّاد بها. فقد انتقلت إدارة مسلسل (Veep) على شبكة (HBO) العام الماضي ومازال يحصل على ترشيحات لجوائز الإيمي. وكذلك الأمر مع (The Walking Dead) على (AMC) و(West Wing) على (NBC) والذي عرض من 1999 وحتى 2006 فهما حافظا على موقعيهما على الرغم من تغيّر هويّة الأشخاص المُبدعين المسؤولين عن تنفيذهما. وكنت محظوظة أنا وفرانك بوجليز بأن استلمنا إدارة مسلسل (House of Cards) عندما تركه بو ويلمون.

لكنّ التغيّرات التي تطرأ على القيادة لا تنجح إلا عندما يستوعب جميع المعنيين بأنّ القيادة الجديدة سوف تدخل تغييرات حتمية على المحتوى لتضع بصمتها فيه. فقرارات ميلاني وكيستون لن تكون بالتأكيد مطابقة لقرارات كارلا. لكنّ الاختلاف لا يعني بالضرورة أنّ هناك شيئاً خاطئاً. فربما كارلا ومايكل لا يعطيان هذين المساعدين حقّ قدرهما. فحتّى لو كانا لا يتمتّعان بذات القدر من الموهبة، لكنّهما في نهاية المطاف قد خرجا من عباءتها وهما بالتأكيد صنفان نادران جرى تعيينهما وترقيتهما لأنّ كارلا شعرت بأنّهما يمتلكان لمساتها السحرية.

ليس هناك من مدير يستطيع أن يعلم بنسبة 100% إذا ما كان الموظف جاهزاً ليتولّى منصباً قيادياً ومتى يكون جاهزاً لذلك. لكنّ كارلا على ما يبدو تعتقد بأنّ ميلاني جاهزة، وبأنّ كيستون ليس بعيداً عنها. فلماذا الانتظار؟ بما أنّ كارلا لديها الرغبة في استكشاف مجال جديد، يبدو الوقت الآن مناسباً لمنحهما الفرصة، تماماً كما منحها مايكل الفرصة.

وكارلا تمتلك ما يكفي من القدرة لتحقيق هذا الشيء. فرغم أنّ شبكة (RBN) قد تفضّل بقاء كارلا في موقع المشرف الأكثر انخراطاً في العمل، إلا أنّ مصلحتها تقتضي أيضاً بأن تظلّ كارلا سعيدة ومتفاعلة مع العمل، وليس هناك من سبب يمنع مسلسلات (Dope) و(911) و(Forty Stories) من المضي قدماً في الوقت الذي تخصصه هي لكتابة حلقات تجريبية من مسلسلها الجديد. لقد أعطت الكثير إلى شبكتها التلفزيونية؛ وأقل شيء يمكن أن تفعله هذه الشبكة هو أن تعطيها الفرصة لكي تسعى وراء تحقيق هذا الحلم. وهناك شيء واضح تماماً: كارلا تحتاج إلى بعض الوقت لكي تحدّق في السقف وتحلم قليلاً.

فإذا ما تشبّثت الشبكة بموقفها، ربما قد تحتاج كارلا إلى استجماع شجاعتها حقاً وإلغاء عقدها معها. لكنّني واثقة من أنّ الطرفين سيتمكّنان من التوصّل إلى تسوية أو حل وسط. ففي نهاية المطاف، ستظل كارلا تستثمر عاطفتها في هذه المسلسلات التي طوّرتها من مجرّد أفكار بسيطة خطرت في رأسها. وبعد استراحة لفترة معيّنة تقضيها في التفكير البنّاء، ربما قد تختار أن تنخرط في العمل مجدّداً وإلى حدّ معيّن – بحيث تتخلّى عن معظم القرارات لصالح مدراء العمل مع الإرخاء بثقلها عندما تقتضي الضرورة.

في النهاية، كارلا تتوق إلى التغيير. وقد أتقنت تماماً فنّ الدراما المخصّصة للشبكات التلفزيونية وهي الآن ميّالة إلى عالم محطات الكيبل والبث عبر الإنترنت، وهو مجال ينطوي على قدر أقل من القيود وقدر أكبر من الفرص لدفع العمل الإبداعي قدماً. في بعض الأحيان، لا شكّ بأنها ستشعر بحالة من اختلال التوازن – فكل العيون ستكون شاخصة إليها في قطاع يتّسم أحياناً بعدم التسامح والتساهل – لكنّها موهوبة وذكية وستعرف كيف تتعامل مع الوضع.

رغم أنّ العديد من القرارات في مجال الترفيه تكون مدفوعة بالخوف، إلا أنّ شجاعة كارلا وعدم شعورها بأي خوف كانا دائماً في خدمتها. فإذا لم تتّخذ هذه الخطوة إلى الأمام الآن، أعتقد أنّها ستندم لاحقاً. ففي حقبة تشهد وصول التلفزيون إلى ذروته، قد تصبح فكرتها قديمة بعد عام أو عامين؛ وقد تفوت اللحظة المناسبة، أو قد يصنع أحد زملائها مسلسلاً مشابهاً. لذلك فهي بحاجة إلى أن تثق بشعورها الداخلي. فهي ليست ذات الشخص أو الفنان الذي كانت عليه عندما صنعت مسلسل (Dope) في البداية. وهناك سبب يمنعها من التوقف عن التفكير في مشروعها الجديد: ففي أعماق قلبها هي تعلم بأنّه سوف يجعلها أكثر انتشاء وسعادة وسيرضيها فنياً أكثر من مجرّد الاكتفاء بالتركيز على شيء تمكّنت من السيطرة عليه تماماً. إن الغريزة الموجودة لدى كارلا هي أهم ما تملكه في نهاية المطاف.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي