لماذا يشبّه العلماء خبراء الاقتصاد والمحللين بالشمبانزي؟

3 دقيقة
خبراء الاقتصاد
shutterstock.com/Pla2na

تلاحظون اليوم التوقعات المتضاربة للخبراء وتقارير المؤسسات الدولية التي يديرها الخبراء. يطرح بعضهم أن العالم دخل في مرحلة ركود، ثم يظهر آخر ليقول "لا، إن ما يحدث هو ركود تضخمي"، ثم يقول ثالث "إن الوضع الاقتصادي سيئ لكنه ليس ركوداً". حسناً، ما هو الوضع الحقيقي؟ ثم يتحدث آخر عن العملات المشفرة، وبأنها ستنهار أو ترتفع، ثم يحدث الأمران معاً، تنهار ثم ترتفع، ثم تنهار ثم لا ندري ماذا سيحدث. ويتوقع خبراء آخرون بأن سعر برميل النفط سيبلغ 240 دولاراً بعد الحرب الروسية على أوكرانيا. ومن هؤلاء الخبراء؟ إنهم خبراء شركة ريستاد إنرجي بنكي وخبراء بنكي غولدمان ساكس وباركليز مجتمعين. لكن هذا لم يحدث.

حسناً، ما هي الاحتمالات التي تدور حولها توقعات الخبراء أو مَن يسمَّون بـ "المحللين"؟ إنها واحدة من ثلاثة احتمالات: بقاء الوضع الراهن، أو المزيد منه، أو أقل منه. هذا بحسب ما كتبه دانيال كانمان وأوليفيه سيبوني وكاس سونستين، وهم ثلاثة علماء مرموقون في علم الاقتصاد السلوكي في كتابهم الشهير "التشويش". وخلاصة ما ذكروه بأن توقعات الخبراء تدور دوماً في فلك هذه الاحتمالات الثلاثة على نحوٍ متساوٍ. ويعرض كتاب "التشويش" دراسة عالم النفس فيليب تيتلوك والتي درس فيها تحليلات وتوقعات نحو 300 خبير، من أكاديميين وصحفيين ومستشارين لقادة كبار، ويخلص عالم النفس تيتلوك من تحليل توقعات الخبراء عملياً إلى أن إصابتها للحقيقة كانت أشبه بالشمبانزي الذي يرمي السهام. فهو يستند هنا إلى تجربة علمية معروفة مطبقة على قردة الشمبانزي، حيث توضع الاحتمالات الثلاثة على لوحات معدة لتكون أهدافاً لرمي السهام، ويطلب من الشمبانزي رمي السهام باتجاهها. وبالنتيجة، يصيب قرد الشمبانزي كل لوحة من هذه اللوحات على نحوٍ متساوٍ تقريباً، على الرغم من أنه يسدد بطريقة عشوائية. ولهذا فهو يستنتج أن الخبراء في إصابتهم للتوقعات لا يختلفون عن القردة غير الواعية. وهو يقرّ بأن الخبراء يروون قصصاً رائعة، وقادرون على تحليل المواقف، ولديهم صورة مقنعة عن ما يتوقعونه، ثم يتساءل: ولكن هل يعرفون بالفعل ما سيحدث؟ ثم يجيب: "بالكاد". ويخلص عالم النفس فيليب تيتلوك إلى أن توقعات الخبراء على المدى القصير صعبة لكنها ليست مستحيلة، ولا يختلف فيها تنبؤ الخبير المحلل الذي يكسب لقمة عيشه من التحليل والتوقع عن توقعات القراء اليقظين حسب ماذكره العلماء أصحاب كتاب "التشويش"، لكن التوقعات على المدى البعيد لا تختلف عند الجميع عن تنبؤات الشمبانزي.

هل تذكرون كيف توقع الخبراء في بداية الألفية بأن النفط سينفد من العالم عام 2020؟ ثم جاء خبراء آخرون بعد عام 2010، ليقولوا: "لن ينفد النفط في عام 2020"، لكنه سيتوقف تقريباً وتدريجياً بدءاً من هذا العام وحتى عام 2030 بسبب الانتقال المحموم إلى الطاقة البديلة. ثم جاء عام 2020 وما تلاه، وإذا بالخبراء يقولون: "حسناً، يبدو أن العالم استعجل التوقف عن الاستثمار في الوقود الأحفوري أو النفط التقليدي كمصدر للطاقة لدرجة أن العالم بدأ يعاني أزمة وقود وفحم". إذاً، فلنعد إلى الاستثمار في الوقود الأحفوري. وهذا ما يخطط له كبار مستثمري النفط بعد سنوات من بدء إغلاق المصافي والمناجم وتخفيض الاستثمارات. وتلاحظون من هذه التنبؤات الكبرى، أن فشلها يثبت كل عشر سنوات. وعلى العكس كلما كانت التنبؤات تتحدث عن مرحلة زمنية أقصر، كان احتمال إصابتها ممكناً على الرغم من أنه يبقى صعباً.

وربما تتساءلون عن المقصود بالفترة الزمنية الأقصر. حسب كتاب "التشويش" الذي كتبه علماء الاقتصاد السلوكي الثلاثة الذين ذكرناهم، فإن دقة التنبؤات لما سيحدث خلال ربع سنة أو سنة هو بالكاد يتحقق، حتى أنهم عرضوا دراسة لتوقعات المدراء الماليين للشركات المالية، حول توقعاتهم للعائد السنوي لمؤشر "S&P 500"، ولم تكن الإجابات صحيحة مقارنة بما تحقق فعلاً من عوائد تتجاوز 36%.

وفي تفسير ملفت من كاتب آخر هو مورجان هاوسل في كتابه "سيكولوجية المال"، يبين بالأمثلة المتكررة أن الخبراء يزدهرون في تنبؤاتهم التشاؤمية أكثر من التنبؤات المتفائلة، لأن الناس بحسب تعبير المؤرخ ديردري كلوسكي يحبون سماع من يخبرهم بأن العالم يمضي إلى الجحيم. وهو يتفق مع العلماء الآخرين بأن الحقائق على الأرض كانت كثيراً ما تحدث عكس تنبؤات الخبراء. كما أن عالماً آخر شغله موضوع تنبؤات الخبراء، فقام هذا العالم، وهو السويدي هانس روسلينغ صاحب كتاب "الإلمام بالحقيقة"، بتحضير أسئلة علمية عن قضايا حقيقية، وسألها لكثير من الخبراء الذين حضروا إحدى دورات المنتدى الاقتصادي العالمي، ثم وزع مجموعة من الأسئلة في ملتقى لينداو والذي يحضره العلماء الحائزون على جوائز نوبل، وتوصل عبر تصحيح الأسئلة التي وجهها لهم، وكانت عن معلومات حقيقية وليست عن تنبؤات، بأن إجاباتهم الصحيحة في أفضل الأحوال لم تتجاوز الثلث، وهي بالضبط دقة الشمبانزي في إصابة الأهداف بشكل عشوائي.

والآن، ماذا سنفعل؟ الجواب على المدى القصير من التوقعات التي لا تتجاوز العام الواحد، يمكنك أن تكون أنت الخبير المحلل بعد أن تقرأ وتتابع، وتصبح محللاً أنت الآخر. وعلى المدى البعيد، يمكنك أن تربي قرد شمبانزي أليفاً ليرمي السهام بالنيابة عنك، لأن كل الاحتمالات واردة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي