أزمة كورونا يجب ألّا تؤدي إلى تسريح الموظفين وإليكم السبب

5 دقائق
تسريح الموظفين بسبب أزمة كورونا

يغلب على الشركات الإنكار في البداية عند وقوع أزمة عامة ثم لا تلبث أن تقدم على تسريح العمالة بعدها بقليل. وقد لاحظنا لأسابيع إنكار عملائنا من الشركات ومعارفنا لأي مخاوف بشأن التداعيات الاقتصادية المحتملة الناجمة عن تفشي وباء "كوفيد-19"، ثم تغير مجرى الأحداث بحلول 9 مارس/آذار الماضي، فقد علمنا في بداية الأمر بالإجراءات التي اتخذها معارفنا بداية من فرضهم لقيود على الزوار في مكاتبهم وانتهاء بتشجيعهم للعمل عن بعد. أما الآن، وبعد بضعة أيام فقط، فقد تناهى إلى مسامعنا عزم الكثير منهم على تسريح العمال لاجتياز هذه الأزمة، وأوضح استقصاء أجري مؤخراً حول تسريح الموظفين بسبب أزمة كورونا أن الغالبية العظمى من قادة الشركات يفكرون في اتخاذ إجراءات مالية للتصدي لهذه الجائحة.

كيفية تجنب تسريح الموظفين بسبب أزمة كورونا

لا شك أن الاستجابة للأزمة باتخاذ إجراءات لخفض التكاليف أمر مفهوم، حيث يضطر القادة لاتخاذ قرارات مسؤولة لضمان نجاة شركاتهم، ولكن أولئك الذين يتمكنون من إدارة التداعيات الاقتصادية لهذه الأزمة بوضوح وبشيء من الرحمة إنما هم يعلون من قيمة شركاتهم وسيخرجون من تلك الجائحة أقوى من ذي قبل. لذا فإننا نوصي باتباع التدابير الآتية قبل الإعلان عن التوسع في إجراءات تسريح العمالة.

اقرأ أيضاً: الاتصالات في وقت الأزمات: دروس مستفادة من أحداث الحادي عشر من سبتمبر

مراعاة الشفافية في التواصل

يظن بعض القادة أن اعترافهم بمواجهة الشركة للاضطرابات سيتسبب في إصابة أفضل موظفيها بالذعر وبالتالي رحيلهم عنها، ويفترضون أن قلق الموظفين سيقل إذا أخفت الإدارة ما يجول في أذهان مسؤوليها، ولكن ما من شيء يضاهي الحقيقة، فالجميع يعلم أننا نتعرض لجائحة عالمية، وكلنا نعلم أن التغيرات الطارئة على سلوك المستهلكين قد عصفت ببعض القطاعات الاقتصادية نتيجة لهذا الفيروس، كما شهدنا تباطؤ بعض جوانب الاقتصاد، ولهذا ربما يؤثر تصاعد الشكوك على شركتهم.

كن صريحاً مع موظفيك حول الوضع المالي لشركتك والأهداف التي تأتي في صدارة أولوياتك بدلاً من إجبارهم على تخمين ما قد ينتظرهم. وتختلف هذه الأهداف من شركة لأخرى، ولا يجدر بك التفوه بتصريحات جوفاء لا تؤمن بها، كقولك: "إننا نضع مصلحة موظفينا أولاً". فتلك التصريحات قد تكون مربكة، بل قد تأتي بمردود عكسي في ظل قلق الأفراد بشأن وظائفهم، لذا من الأفضل أن تكون دقيقاً، فعلى سبيل المثال، إذا كان هدفك هو الحفاظ على وظائف العاملين والوفاء بتعهدات البنوك في الوقت ذاته، فعليك التصريح بذلك. وإذا كان هدفك إجراء سلسلة من التغييرات السريعة لتعزيز الأمن الوظيفي، فعليك توضيح أنك تعطي أولوية لهذا القرار وتفضله على ما عداه من التغييرات الأبطأ.

تشارك المحنة

في حال إقدامك على استقطاع جزء من الأجور للحفاظ على وظائف العاملين، فلا بد أن تكون مثالاً يُحتذى وتستقطع أنت أيضاً جزءاً من أجرك يؤثر على دخلك اليومي، وإن لم تفعل، سيشعر العاملون لديك بالظلم وأنهم يقدمون تضحيات في سبيل عدم المساس بأصحاب المناصب التنفيذية العليا. وعليك التعهد باستقطاع جزء من أجور كبار القادة. ويجدر بك بصفتك رئيساً تنفيذياً تحمل أكبر استقطاع للراتب، على غرار مسلك العديد من الرؤساء التنفيذيين لشركات الطيران الذين تنازلوا عن رواتبهم أو خضعوا لاستقطاعات الرواتب التي طالت القطاع بالكامل.

إتاحة الفرصة للموظفين بمشاركة أفكارهم

قد تجد صعوبة في إتاحة الفرصة للموظفين لمشاركة أفكارهم بشكل جماعي حول ما يجب على الشركة فعله، لأنك تخشى شعورهم بالاستياء إذا لم يقع الاختيار على أفكارهم، وربما تخشى أن يفسروا طلبك لمشاركة أفكارهم في صورة جماعية على أنه فقدان للسيطرة على زمام الأمور. ونعرف أحد الرؤساء التنفيذيين الذين انتقدوا فكرة هذه المشاورات المفتوحة، قائلاً: "المشاركة شيء، والفوضى شيء آخر". ولكن مشاركة الموظفين لأفكارهم ليس مرادفاً للفوضى، فنحن ندرك من واقع خبرتنا أن مطالبة الموظفين بالمشاركة الجماعية لأفكارهم أمر ضروري، لأنك إذا أظهرت الاهتمام بآرائهم، حقيقة وليس قولاً، فستحظى بقبول كبير للمبادرات التي تطرحها في نهاية المطاف.

فعلى سبيل المثال، حين بدأ أحد المراكز الطبية بتنفيذ نهج التشارك الجماعي للأفكار في أعقاب الأزمة المالية عام 2008، جاءت معظم التعليقات إيجابية، حيث رحب الموظفون كثيراً بتلك المصارحة ما جعلهم يتصدون لزملائهم الذين رغبوا في مهاجمة أو تخريب هذا الإجراء.

اقرأ أيضاً: اتخذ القرارات الصحيحة الآن بخصوص موظفيك لتزدهر بعد الأزمة

ولبدء عملية المشاركة الجماعية للأفكار، يجب على القادة تقديم بنية واضحة المعالم من خلال توضيح نيتهم إعطاء الأولوية للمبادرات الأقل احتياجاً لرأس المال، والتي تنطوي على مخاطر أقل، والأكثر قدرة على تحقيق تدفق نقدي إيجابي بالتوازي مع الحفاظ على الوظائف، وما إلى ذلك، ثم تحدث بصراحة عن استعدادك لتلقي أي أفكار من العاملين. ويمكنك أيضاً عرض حزم الخيارات النهائية عليهم، والاستماع لخياراتهم المفضلة من بينها. خلاصة القول، لن تفقد السيطرة على زمام الأمور باتباعك لهذا النهج، وإنما تعزز موقفك ودورك القيادي.

استعراض جميع الخيارات (حتى الأقل ملاءمة) من أجل تجنب تسريح الموظفين بسبب أزمة كورونا

قبل تسريح العمالة، تأمل كافة الخيارات البديهية وغير البديهية لخفض التكلفة، فالعمل لمدة 4 أيام أسبوعياً للمناصب التي لديك فيها فائض في الموظفين ستخفض تكلفة العمالة بمقدار 20% تقريباً (بافتراض استمرار بعض التكاليف بسبب النفقات العامة والفوائد)، وربما يوافق بعض الموظفين على العمل بنصف دوام إذا علموا أن ذلك سيحفظ لهم وظائفهم.

يمكنك أيضاً أن تعرض على الموظفين فرصة الحصول على إجازة غير مدفوعة الأجر، إذا رغبوا في ذلك، وقد يساعد أسلوب صياغة هذه الإجازة على أنها "عطلة" في إزالة بعض الآثار المؤلمة للغياب. وقد تجد في الواقع أن بعض الموظفين يرحبون بهذه الخيارات ويتمنون لو كانت متاحة لهم طوال الوقت. وحينما توضّح أن أحد أهدافك الرئيسية هو تجنب تسريح العمالة، فقد تجد قبولاً واسعاً من جانب الموظفين للتضحيات الشخصية الكامنة في تجميد زيادة الرواتب، وتعليق المكافآت، ومنع العمل الإضافي، وإيقاف المدفوعات في صناديق التقاعد مؤقتاً، وخفض أيام الإجازات، وغيرها من تدابير توفير التكاليف.

حاول إبطاء سرعة إجراءات خفض الرواتب لحماية الموظفين الأكثر تأثراً. يمكنك، على سبيل المثال، خفض رواتب موظفيك الأعلى أجراً بنسبة 10%، والموظفين ذوي الراتب المتوسط بنسبة 5%، وباقي الموظفين الذين تقل رواتبهم عن حد معين بمقدار نصف هذه النسبة. وهذا ما حدث في المركز الطبي المشار إليه آنفاً خلال اتخاذه لإجراءات خفض التكاليف، وعبّر الموظفون عن تقديرهم لتجربة كبار القادة لجميع الحلول لتقليل النفقات العامة.

الحفاظ على هدوئك

ربما يكون تقلدك لمنصب القائد في أوقات الاضطرابات أمراً مرهقاً للأعصاب. فإذا تسرعت في التعامل، فقد يتضح أنك بالغت في رد الفعل. وإذا تباطأت في التعامل، قد يتأثر العمل سلباً. وبالتالي فمن الحكمة أن تتحلى "ببرود الأعصاب" أو ما يطلق عليه باللغة السويدية "Is i magen" بمعنى القدرة على الاحتفاظ بهدوء الأعصاب في المواقف الحرجة.

أولاً، عليك إدراك أن المساعدات الحكومية قد تكون في المتناول على الرغم من تردي الأحوال كما يبدو على السطح. يذكر العديد من قادة الشركات حالة الرفض التي قوبلت بها حزم التحفيز الاقتصادي في أعقاب الأزمة المالية في عام 2008، ويرجع جزء من هذا الرفض إلى الاستياء العام من محاولة إنقاذ المؤسسات المالية التي تسببت في الأزمة، ولكن من المرجح أن يبدي العامة دعمهم لحزم التحفيز الاقتصادي في ظل الأوضاع الراهنة لأنه يصعب إلقاء اللوم على قطاع محدد باعتباره المتسبب في الانكماش الحالي. وربما تُوجّه المساعدات الاقتصادية إلى الشركات التي تستطيع منع تسريح العمالة.

فضلاً عن ذلك، فلا يجب أن تتعامل مع جميع المؤشرات السلبية لعملك بالطريقة ذاتها. ففي حال كنت تتعامل مع دور السينما واضطر القائمون عليها إلى إيقاف مشروعك مؤقتاً، فحينئذ لديك سبب للاعتقاد بأنهم لن يتمكنوا من إعادة تشغيل المشروع قريباً لأن قطاع السينما يتلقى ضربة مالية كبيرة. أما إذا كنت تتعامل مع المستشفيات، وأبلغك القائمون عليها برغبتهم في إيقاف مشروعك مؤقتاً حتى يتمكنوا من التركيز على الأعداد الكبيرة من المرضى في الوقت الحالي، فمن الأفضل أن توضح لفرق إدارة هذه المستشفيات أنك تتفهم أولوياتهم الحالية.

اقرأ أيضاً: إدارة الموارد البشرية خلال الأزمات؛ دروس الأزمة الاقتصادية اللبنانية ووباء كورونا

ومن المنطقي أيضاً أن توضح لهم أنك تحاول فهم التداعيات الاقتصادية لهذه الجائحة على شركتك، ويمكن سؤالهم عن إمكانية إجراء مناقشة مفتوحة معك لمساعدتك على فهم مدى احتمالية استكمالهم للمشروع بمجرد استقرار الأوضاع.

ولكن "ببرود الأعصاب" هنا لا يعني تجاهل احتياجات الموظفين، فهذا هو الوقت المناسب لإظهار التعاطف، بدلاً من بناء حاجز نفسي بينك وبين موظفيك. إذ يجب عليك القيادة بشيء من التراحم، خاصة مع الأفراد الأكثر تضرراً داخل شركتك. فثمة مفهوم خاطئ وشائع في الوقت ذاته يروج لفكرة أن الغالبية يضعون مصلحتهم في المقام الأول خلال الاضطرابات، ولكن خبرتنا تفيد بعكس ذلك، فخلال الأزمات تفضل الأغلبية الساحقة تقديم تضحيات إذا كان ذلك يساعد شركاتهم في الحفاظ على وظائف عدد أكبر من زملائهم.

وفي نهاية الحديث عن تسريح الموظفين بسبب أزمة كورونا الحالية، من الصعب اجتياز فترة الانكماش واتخاذ قرارات صعبة لإبقاء شركتك صامدة. ومع ذلك، إذا كان أسلوبك في القيادة مغلفاً بشيء من الرحمة، فسوف تلمس حياة موظفيك بصورة استثنائية وستنجو من هذا التباطؤ الاقتصادي المحتمل، لتصبح أقوى من أي وقت مضى، ما يعزز القيم المشتركة لموظفيك.

اقرأ أيضاً: أيها القادة.. هل لديكم رؤية واضحة لمستقبل ما بعد الأزمة؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي