خلال عرض تقديمي لمجموعة من التنفيذيين الباحثين عن عمل، والذين يمرون بمرحلة انتقالية على الصعيد المهني، أوضحت إحدى المسؤولات عن التعيين أنها بعد سنوات من مراجعة السير الذاتية للمتقدمين إلى مناصب الإدارة التنفيذية العليا، لاحظت وجود أرضية مشتركة فيما بينهم، ألا وهي: لم ينجُ أي من كبار المهنيين من التعرض إلى بعض الإخفاقات أو مواقف رفضوا فيها أو فرص ضائعة ولم يستطيعوا تحويل الفشل إلى النجاح. فاجأت هذه المعلومة الحضور، خصوصاً أولئك الذين سُرحوا مؤخراً، والذين أدركوا أنّ تلك المسؤولة عن التعيين تُمثل شركة جيدة عندما يتعلق الأمر بالمحن التي تواجه المهنيين والموظفين على الصعيد المهني.
كانت تلك المسؤولة عن التعيين على حق، إذ لا ينبغي أن يعرقل الفشل والندم مسيرتك المهنية، بل يمكن لتلك المواقف في الواقع أن تدفع مسيرتك إلى الأمام في حال تعاملت معها بحكمة.
وبغرض معرفة كيف تعامل الأشخاص الناجحون مع المواقف التي لم يحصلوا فيها على ما يُريدون، قابلتُ مجموعة من الخبراء الاستشاريين والمدربين وغيرهم من المهنيين في عالم الأعمال، وسألتهم: "اذكروا لي موقفاً واجه كل واحد منكم وحدث أن تم رفضكم فيه، لكنه كان لمصلحتكم في النهاية".
عندما عاد المجيبون بالزمن إلى الوراء وفكروا في الوظائف التي لم تُعرض عليهم، أو التي رُفضوا فيها، أو في برامج الدراسات العليا التي لم تقبلهم، أو في الترقيات التي ذهبت إلى أشخاص آخرين، فإنهم اتفقوا جميعاً على أنهم كانوا في وضع أفضل على المدى الطويل. رغم أنّ معظمهم أصيبوا بخيبة أمل في بادئ الأمر، إلا أنّ اكتساب مهارة التفكير من منظور شامل على مر الزمن، ساعدهم على إدراك أنّ تلك الإحباطات المبكرة منحتهم الفرصة لتجربة أمور مختلفة واكتساب رؤى قيمة.
أوضحتْ لي دوري كلارك، وهي إحدى رائدات الفكر في مجال التجديد على المستوى الشخصي، أنها رُفضت في برامج الدكتوراه التي تقدمت إليها كلها، وقالت "اكتشفتُ في النهاية أنّ تفاصيل متطلبات أطروحات الدكتوراه كان من شأنها أن تقضي علي".
أخبرتني جينا وارنر، الرئيسة التنفيذية للرابطة الوطنية لما بعد الدراسة (National AfterSchool Association) قائلة "لم أجتز امتحان نقابة المحامين في المرة الأولى، ما يعني أنني لم أتمكن من قبول الوظيفة التي عُرضت عليّ في مكتب المحامي العام. لكن ذلك جعلني أتطوع في حملة انتخابية لمجلس الشيوخ الأميركي، وعندما فازت المرشحة حصلت على وظيفة للعمل معها، وهي فرصة أفضل بكثير بالنسبة إلي".
رُفض المدرب التنفيذي نيهار تشايا من قبل جميع الشركات الاستشارية الكبرى التي أجرى مقابلات معها عندما كان طالب ماجستير في كلية "وارتون لإدارة الأعمال" (Wharton)، واعترف قائلاً "كان الأمر صعباً عليّ، عندما تدرس في كلية على درجة عالية من التنافسية، حيث يسأل الجميع عن الإنجازات التي يحققها الطلاب، فإنك لا تريد التخرج من دون أن تكون هنالك وظيفة بانتظارك بعد استثمار هذا الجهد والمال كله في برنامج تعتقد أنه سيرتب لك مستقبلك". لكن تشايا أدرك، مع مرور الزمن، أنه "تجنب كارثة كانت من الممكن أن تحدث له في حياته المهنية"، يضيف "لقد عملت بنشاط وانشغلت بكل تفاصيل منصبي في شركة مجلس الرؤساء التنفيذيين (كوربوريت إكزيكوتيف بورد)، وأدركت أنّ تدريب القادة وتقييم مهارات القيادة كانا شغفي، وانتقلت إلى بناء حياتي المهنية هناك".
كيفية تحويل الفشل إلى النجاح في المسار المهني
تنطوي لحظات الكشف تلك على بعض الحقائق الشاملة التي يُمكن للمهنيين على أي مستوى الاستفادة منها، وإليكم ثلاث استراتيجيات للتعافي وإحراز التقدم عندما تواجه فقدانك لهدف مهني سعيتَ إليه بشغف ذات يوم:
اعترف بالألم العاطفي الذي تشعر به
كتب الاستشاري رون أشكيناس، في مقالته على موقع مجلة هارفارد بزنس ريفيو، والتي تحمل عنوان "أهمية الرفض لتحقيق النجاح" (Rejection Is Critical for Success)، ما يلي "غالباً ما يرافق الرفض شكوك عاطفية مؤلمة حول كفاءتنا وجدارتنا، لذا فإننا إما نحاول تجنبها أو التظاهر بأنها غير هامة". لكن من الأهمية بمكان عدم تجاهل شعورك، نحن نشعر بالألم عندما نواجه الرفض، والاستجابة الفسيولوجية التي يخلقها ذلك الرفض في أجسادنا وعقولنا تشبه الألم الجسدي. إنّ تاريخنا البدائي هو سبب المشاعر القوية التي نحس بها عندما نواجه الرفض أو ردود الفعل السلبية، أي إنها المشاعر ذاتها التي يحسها البشر عندما يجدون أنفسهم مضطرين لمغادرة القبيلة بعد اعتراضهم على مسألة ما قد تؤدي إلى تعرضهم لخطر جسدي أو حتى الموت. لو لم يكن الرفض مؤلماً، لربما وجد أسلافنا أنفسهم يسيرون في طرق مهلكة، ويعرضون أنفسهم للحيوانات البرية أو لعدو مسلح. عندما تدرك أنّ المشاعر التي تمر بها بدائية وطبيعية، فمن شأن هذا أن يساعدك على تخطي الألم بصورة أسرع.
سل نفسك التالي "هل حدث هذا الرفض بسببي، أم بسبب شخص آخر، أم بسبب كلينا؟"
عندما رُفض تشايا كمستشار، كانت استجابته الأولى هي السعي نحو الحصول على تفسير، وسأل نفسه الأسئلة التالية: لماذا جرى توظيف زملائي في الدراسة، بينما لم يقبلوني أنا شخصياً؟ هل كان ذلك بسبب خطأ ارتكبته؟ أم بسبب فشلي في فعل أمر ما؟ أم هل الشخص الذي أجرى معي المقابلة لم يتمكن من رؤية إمكاناتي والقيمة التي أنا على استعداد لتقديمها؟ إنّ الحقيقة وراء عدم اختيارك لإحدى الفرص، هي بسبب وجود مشكلة عدم التوافق في كثير من الأحيان، مثل عدم توافق القيم بينك وبين الطرف الآخر، وليس بسبب أمر ارتكبته أنت أو أي شخص آخر.
أدرك تشايا في النهاية أنّ اهتمامه الحقيقي يكمن في التدريب، يقول: "لا أعتقد أنني كنت سأكون هنا اليوم لو أني قُبلت ذلك الوقت، لأنّ القبول آنذاك لم يكن ليدفع بي قدماً نحو شغفي الخاص على الإطلاق، ذلك بسبب التنافس على ما اعتقدت أنه كان "ينبغي" عليّ فعله مقارنة بزملائي". هنالك منفعة إضافية لذلك النوع من التحول في التفكير، إذ تؤكد دراسات حديثة أنه عندما يعزو الشخص الإخفاق الذي يتعرض له إلى عدم التوافق، بدلاً من إلقاء اللوم على نفسه أو على أي شخص آخر معني، فإنه أقل عرضة للاستسلام، وتتشكل لديه دوافع أكبر للتطور.
احتضن مواطن قوتك
بعد رفض دوري كلارك في برامج الدكتوراه التي تقدمت إليها، بدأت العمل في مجالي الكتابة وتقديم المشورات، أي أنها عملت في المجالات المهتمة بها والتي تُظهر مواطن قوتها. وهي اليوم مؤلفة لثلاثة كتب مدرجة ضمن قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، وتكتب لصالح صحف ومجلات كبرى، ولديها عملها الاستشاري المزدهر. ولأنها كانت مدركة أنّ حصولها على شهادة الدكتوراه لم تكن فرصتها الوحيدة للنجاح، فقد تخلت كلارك عن حلمها الأول من أجل اكتشاف حلمها التالي، ولكي تتمكن من تحقيق الاستفادة القصوى من مواهبها دون الشعور بالندم. إذا نظرت إلى الوراء لوقت طويل جداً، بدلاً من السعي بجوارحك كلها نحو العمل في مجال تُظهر فيه مواهبك، فإنك تُخاطر باحتمال إهمال فرص جديدة، وخير مثال على ذلك قرار جينا وارنر بالتطوع في حملة انتخابية لمجلس الشيوخ الأميركي، بدلاً من تركيزها مطولاً على عدم قبولها في امتحان المحاماة. إنّ بذل جهود واعية للتطلع إلى الأمام بدلاً من التطلع إلى الماضي، يمكِن أن يُفضي إلى إحداث نمو على المستوى الشخصي واكتشاف خيارات خلّاقة.
إنّ قدرتك على تحويل الفشل إلى النجاح، ورؤية الجانب المشرق من فشل متصور أو فرصة ضائعة يمكنها مساعدتك على الانتقال إلى فرص أكبر وأفضل، مع المحافظة على ثقتك بنفسك خلال تلك العملية. يقول آدم غرانت، وهو أستاذ في كلية "وارتون" (Wharton) "نحن أكثر من مجرد كلمات مكتوبة في سيرنا الذاتية، نحن أفضل من الجمل التي نربطها معاً في خلطة من الكلمات تحت عدسة المقابلة. لا أحد يرفضنا، إنهم يرفضون عينة من عملنا، وأحياناً بعد رؤيتها من خلال منظور ضبابي فقط".
شاهد أيضاً: فيديو: الفشل حتى تحقيق النجاح.