لن أنسى ما حَيِيْتُ نائب مدير المبيعات الذي أرسل رسالة إلكترونية على مستوى الشركة، بعد 5 أيام فقط من تسلمه العمل بالشركة، واصفاً فيها جميع زملائه في العمل بأنهم "بلغوا من الحماقة مبلغاً عظيماً"، "مغلِظاً القول للإدارة العليا، ومعلناً تركه للعمل في الحال. كان نحو 950 موظفاً بالكاد يعرفون اسمه، وبعد هذه الرسالة الإلكترونية ما كانوا لينسونه أبداًً فهو "ذلك الرجل الذي تحطم واحترق بعد أسبوع واحد فقط من العمل".
هذه أسوأ طريقة متصورة يمكن للمرء أن يترك وظيفته بها. لن يحصل نائب رئيس المبيعات هذا على أي رسائل توصية فيما بعد، ولن يكون أهلاً للتعيين مرة أخرى، وتستقِر سمعته عند كثير من زملائه السابقين في العمل بوصفه الرجل الذي فقد السيطرة وترك وظيفته. مع أنّه ليس سهلاً على المرء أحياناً أن يقاوم مغادرة الوظيفة على نحو يحدث بعض الدويّ؛ خصوصاً إذا كان مكرَهاً على المغادرة؛ فإن الأفضل لمصلحتك دائماً أن تفارق زملاءك في العمل وأنت على وفاق معهم.
إذا كان أسلوب الاحتراق هو الأسوأ في ترك الوظيفة؛ فإن الذبول الوظيفي هو الأسلوب الذي يليه في المرتبة. لا تَغِبْ عن أنظار زملائك فجأةً من دون أن تغتنم فرصة الإبقاء على علاقات طيبة معهم. فلا عِبرة من أنك مسرَّح من وظيفتك، أو مفصول منها، أو منتقِل إلى وظيفة أخرى؛ فأمضِ بعض الوقت في شكر من ساعدك من الزملاء شخصياً؛ وكن صادقاً، فالمبالغة في ذلك ستبدو مصطَنَعةً. ولتكن علاقاتك الطيبة مع زملائك السابقين هي الدافع المقنِع الذي يدفعك لذلك، فهي ستدوم طويلاً ولن ترتبط بعمل معين. أحدهم كنت قد فصلته من العمل منذ سنوات، دعاني على الغداء منذ فترة قريبة ليحدثني عن أحدث فرصه في العمل التجاري؛ وآخَر كنت قد سرَّحته من العمل، فمازال يراجعني ليتحقق من صحة أحدث المناقشات التي تدور في قسم الموارد البشرية. فنحن لا نتوقف عن مساعدة بعضنا لبعض.
ينبغي ألا تكون شبكة العلاقات هي الشيء الوحيد المستفاد من وظيفتك السابقة. ما عيّنات عملك التي يجب أن تأخذها معك؟ إن كنت تعمل مصممَ شبكات، أو كاتباً، أو مدرِّباً متخصصاً، أو خبير اتصالات، أو مديرَ تسويق؛ فستحتاج عينات من عملك وقد يصعب عليك كثيراً الحصول عليها بعد ترك وظيفتك. بالطبع لا تأخذْ خطط العمل الاستراتيجية، ولا الأسرار التجارية، وإلا وقعت في مشاكل خطيرة؛ وليس هذا من اللائق.
إن كنت مسؤولاً عن إدارة الموردين والمتعاقدين فخذ معك بيانات التواصل معهم. فالموردون لديهم من المصلحة الشخصية ما يدفعهم دائماً إلى التحقق من أنك قد حصلت على عمل مربِح؛ وأما الزبائن فيختلف الأمر معهم بعض الشيء. إن كانت وظيفتك تحتم عليك التعامل بكثافة مع العملاء، ولديك من العلاقات الطيبة معهم ما يمكِّنك من عرض المساعدة عليهم وتعريفهم بممثل الشركة الجديد قبل مغادرتك لها، فافعل فإنه من الأهمية بمكان. وعلى الرغم من أنه في أغلب الأوقات لن يقبل أحد من العملاء عرضك، فإنه مما يدعو إلى الإعجاب أن تفعل ذلك. وبوضوح، لا تأخذ قوائم العملاء ولا معلوماتهم الخاصة عند مغادرتك للعمل. وإن كنت تعتقد أنك صديق لبعض العملاء في هذا العالم الشديد الترابط فمن اليسير أن تعثر عليهم.
وفي الختام، خذ نسخة من ملف إنجازاتك الباسِم كما أحب أن أسميه. فمن المستحسن أن تكون لدى كل شخص مجموعة واحدة على الأقل من هذه الأشياء: الرسائل الإلكترونية التقديرية من قِبَل العملاء والزملاء، وخطابات الشكر من الرئيس الأعلى، والمراجعات الإيجابية من رئيسك المباشر، وما شابه ذلك. فإنك لا تعلم أبداً متى قد تحتاج إلى هذه المعلومات. وعليك أن تقرأ هذا الملف بانتظام ثم تبتسم؛ فسوف يذكرك بمن تكون أنت.
يشير مغزى هذه القصة إلى الآتي: قاوم الدافع الذي يلِحّ عليك للتنفيس عن إحباطك وأنت تغادر وظيفتك، ولا تغادر كذلك متسللاً على استحياء كالمنهزم. بل فكر في ترك الوظيفة على أنه فرصة للارتقاء بعلاقاتك المهمة إلى المرحلة التالية من مسيرتك المهنية، وإظهار إنجازاتك وأهمية عملك للآخرين.