فرصة سانحة أمام الحكومات العربية لتشجيع المواطنين على ترك الوظيفة الحكومية

3 دقيقة
الوظيفة الحكومية
shutterstock.com/mayam_studio

قبل سنوات ظهر مصطلح البطالة المقنعة، وهو وصف يطلق على موظفي القطاع العام الحكومي الذين يتكدسون في المكاتب بلا عمل ويشغلون وظائف زائدة عن الحاجة. وحتى قبل عشر سنوات من الآن، كانت الحكومات العربية تشعر بالحرج الشديد من تسريح الموظفين الزائدين أو تحفيزهم لترك العمل في القطاع الحكومي، لكننا اليوم أمام فرصة لجميع الحكومات العربية لتقديم برامج مدروسة، لتبدأ عملية جادة نحو إطلاق العنان لموظفي الحكومة لاستكشاف حظهم في العمل الخاص عبر ريادة الأعمال أو الانتقال للعمل في القطاع الخاص.

الفرصة اليوم مواتية أكثر من أي وقت مضى بسبب ثورة الريادة في المنطقة العربية، والتي نشهد فيها نمواً غير مسبوق، ففي التقرير الجديد لمشروع مرصد ريادة الأعمال العالمي (Global Entrepreneurship Monitor) الصادر عام 2022، والذي يستطلع آراء ألفي شاب من كل بلد من البلدان الـ 115 حول العالم التي تشارك سنوياً في الاستطلاع، ورد أن أكثر من 90% من الشباب السعودي يرون بأن تأسيس مشروع في قطاع عملهم أصبح أكثر سهولة، وكذلك رأى أكثر من 70% من الإماراتيين والقطريين والمصريين. وعبّر الشباب من السعودية والإمارات والمغرب ومصر وعمان وقطر والسودان عن ثقة تزيد عن 60% بقدرتهم شخصياً على إطلاق مشاريعهم الخاصة.

إنها فرصة عظيمة للحكومات العربية لتطلق العنان لهذه الطاقات، وتتفهم الحاجة لدى بعض الشباب وعائلاتهم لتحقيق ما يسمى الأمان الوظيفي قبل القرار بالانتقال الكامل إلى المشروع الخاص، فالأبحاث العلمية تؤكد أن الانتقال للعمل الخاص يتطلب تدرجاً، عبر البدء بما يسمى العمل الجانبي (Side Hustle)  الذي يمكن أن يمنحه الموظف بعض الوقت ليتمرس فيه ويصبح مؤهلاً للوقوف على قدميه قبل أن يقرر الاستقالة من وظيفته. وفي مقال نشر على هارفارد بزنس ريفيو تقدم خبيرة تطوير الأعمال ومؤلفة كتاب كيف تصبح رائد أعمال، دوري كلارك، نصائح قيمة لمن يود الانتقال لمشروعه الخاص قبل أن يستقيل من وظيفته.

لماذا تحتاج الحكومات العربية إلى نفض الغبار عن قضية الترهل في الجهاز الحكومي، والاستفادة من رأس المال البشري المتكدس في المكاتب الحكومية بتحفيزه إلى الانتقال لمشاريع خاصة؟ الجواب: لأن عدد موظفي القطاع العام في الدول العربية يفوق النسب العالمية بأضعاف وبات يشكل عبئاً على التنمية في هذه الدول، ويتسبب في تحويل هؤلاء الموظفين إلى حالة من الخمول والركون إلى الروتين والابتعاد عن تطوير الذات. وحسب صندوق النقد الدولي، تبلغ نسبة العاملين في القطاع الحكومي من مواطني دول الخليج 90%، وهي نسبة مرتفعة جداً مقارنة بالمعيار العالمي الذي يبلغ 11%. وكذلك، تزيد نسب موظفي الحكومة في باقي الدول العربية عن المعدل العالمي بضعفين أو ثلاثة، ففي دراسة مستندة لبيانات البنك الدولي نشرها مركز البحوث الاقتصادية، وشملت سبع دول عربية هي مصر والمغرب وتونس وجيبوتي والأردن وفلسطين ولبنان، تبين أن نسبة العاملين في القطاع العام بلغت 26%. ويشكّل هذا الرقم الكبير من موظفي الحكومة حسب البنك الدولي، وخاصة في دول الخليج،  فاتورة متضخمة تثقل موازانات الدول وتشكل تحدياً أمام التنمية.

ماذا عملت الدول العربية استجابة لهذه الأزمة الإدارية المتضخمة التي تسبب تآكل مواردها البشرية والمادية معاً؟ دولة الإمارات كانت الأسرع في اتخاذ هذه القرارات الجريئة مع حرصها على توفير الدعم لمواطنيها والانتقال التدريجي في القرارات التحوّلية، وكان أبرز ما قدمته الإمارات هو القرار الجديد من مجلس الوزراء بمنح موظفي الحكومة الراغبين إجازة لمدة عام كامل مع دفع نصف الأجر، كي تتاح للمواطنين فرصة استكشاف قدراتهم في الأعمال الحرة. كما قامت الحكومة الإماراتية بإطلاق برنامج نافس الذي يشجع المواطنين على العمل في القطاع الخاص مقابل حزمة دعم لأجور ورواتب الموظفين من المواطنين بما لا يقل عن 8 آلاف درهم شهرياً للسنة الأولى لكل موظف، و5 آلاف درهم شهرياً للسنوات الخمس التالية.

وفي السعودية، التي تشهد أعلى نسب الطامحين لافتتاح مشاريعهم الخاصة حسب تقرير مرصد ريادة الأعمال العالمي أعلاه، أصدر مجلس الشورى قبل عامين ونصف تقريباً قراراً يسمح للموظف الحكومي بممارسة التجارة والأعمال الحرة، لكن القرار لم يدخل حيز التنفيذ بعد. ولا شك أن المملكة التي تعد قاطرة محركة للمنطقة في قراراتها بحاجة لإيجاد صيغة عاجلة تُخرج المارد السعودي من قمقمه، لكن بخطة تخارج مدروسة ومشجعة، فالشباب السعودي حسب تقارير ريادة الأعمال التي تنشر كل يوم، طاقات كامنة متحفزة تنتظر الإطلاق.

وما نقوله عن السعودية ينطبق على باقي دول الخليج ومصر وباقي الدول العربية، لأن الفرصة سانحة وقد لا تتكرر. فالمنطقة بحاجة لرواد الأعمال، وفي الوقت نفسه، فإن القطاع الخاص يبحث عن المهارات، ويدخل في حرب تسمى حرب البحث عن المواهب، بينما أصحاب المواهب، أو كثيرون منهم على الأقل، مازالوا أسرى تقاليد الأهل والعائلة في التمسك بالوظيفة الحكومية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي