لنفترض أنك قررت ترك عملك للاهتمام أكثر بأولادك. قد تجد لنفسك وظيفة جديدة بساعات عمل أقل بحيث تستطيع قضاء وقت أطول مع أولادك، أو تنتقل إلى عمل بمسؤوليات وضغوط أكثر ولكن براتب أكبر، يمكّنك من تغطية المصاريف المتزايدة للجامعات، أو لعلك تقرر التركيز على مسؤولياتك المنزلية لبعض الوقت قبل البحث عن عمل جديد.
وهنا يكون السؤال عن الطريقة وليس السبب: كيف تغادر عملك بالطريقة الصحيحة؟ وكيف تبدو شخصاً موثوقاً به وأميناً وشفافاً بينما تعمل في الوقت نفسه بما يتناسب مع مصالحك؟ وكيف تحافظ على رأس مالك المهني الذي اجتهدت كثيراً في بنائه على المدى الطويل؟
لسوء حظ الآباء العاملين، لا يوجد دليل لترك العمل، كما أن العواطف المرتبطة بترك العمل كثيراً ما تتضخم عندما يكون تفكيرك منصباً على العائلة والأولاد. إذ يمكن أن يتملكك الشعور بالذنب أو الحماس أو الاضطراب أو الغضب أو الارتياح أو ربما جميع هذه المشاعر معاً أو غيرها بين الحين والآخر. لكن لا يجب لأي منها أن يمنعك من التعامل مع عملية ترك العمل بطريقة تحسّن بها من شبكة علاقاتك ومستقبلك المهني.
وعلى أي حال، هناك استراتيجيات مفيدة وتقنيات محددة يمكنها أن تجعل عملية الانتقال فعالة وخالية من التوتر قدر الإمكان.
وباعتباري متخصصة في رأس المال البشري منذ مدة طويلة، فقد رأيت الكثير من الموظفين يقومون بتغييرات في عملهم، كان بعضها فعالاً وسلساً، وتعلمت تقنياتهم وأساليبهم. والآن، باعتباري مدربة تنفيذية ومستشارة للآباء العاملين، فإنني أعمل مع الكثير من التنفيذيين الذين يسعون لتجاوز عملية الانتقال الوظيفي بذكاء، وأقدم لهم النصائح حول كيفية اتباع هذه الاستراتيجيات في تحركاتهم. وباعتباري أيضاً أماً عاملة، فقد سنحت لي الفرصة لتطبيق هذه النصائح عندما غيرت عملي مرتين منذ ولادة ابنتي الأولى.
وفيما يلي 7 تقنيات على أي أب أو أم يعملان استخدامها عند تغيير العمل:
قُلها مباشرة دون مواربة. "رياض، قررت ترك عملي في الشركة. لقد قبلت عملاً آخر سيمنحني المرونة اللازمة لتلبية احتياجات عائلتي"، إذ يجب أن تقدم الأخبار الأهم أولاً بواقعية وحياد. فلا تهدر 5 دقائق في المحادثة قبل الإعلان، ولا تتطرق لأي منغصات في أسلوب حياتك أو للساعات الطويلة التي تقضيها في العمل عندما تنقل الخبر، فهذه الأمور كلها أصبحت غير مهمة لك.
كن لبقاً، مهما كانت مشاعرك. حتى لو صرخ عليك مديرك في يوم من الأيام لأنك تغيبت عن حضور الاجتماع الأسبوعي عندما اصطحبت ابنك إلى طبيب الأطفال، فإن هذا وقت الترفع عن هذه الأمور. وتذكر دائماً أن الانطباعات الأخيرة هي التي تعلق في الذاكرة، ويجب عليك أيضاً أن تترك انطباعات تشير إلى قيمتك وأسلوب عملك المهني. إن قولك: "أقدّر السنوات الأربع التي قضيتها هنا والفرصة التي أتيحت لي لأكون جزءاً من فريق رائع"، سوف يضعك في موقع أفضل على المدى البعيد مقارنة بالواقع الذي سيتركه إدلاؤك بتصريح سلبي.
عالج ردة الفعل السلبية. قد يتفاجأ مديرك، أو يغضب بسبب قرارك، لعلك تمثل له شخصية الموظف الذي يرغب في الاحتفاظ به، أو ربما تركك العمل يعني تخفيضاً في عدد الموظفين ضمن قسمك لن يُسمح بتعويضه. لذلك كن مستعداً لردة فعل سلبية، سواء انتكاسة أو استخفاف أو هيجان أو عدم تصديق، وتدرب على ردة الفعل التي ستبدر منك لتلطيف الأجواء. يجب أن تُظهر تفهمك للمشاعر وتقرّ بمشروعيتها "أفهم أن قراري مفاجئ"، واجعل الأمور شخصية كأن تقول: "أتفهم وجهة نظرك بصفتك قائداً للشركة، لكنني اتخذت هذا القرار بصفتي فرداً وأماً فقط". ثم وجّه المديح: "ليس لقراري علاقة بنظرتي لك بصفتك مديراً. لقد كنت دوماً مدافعاً عني، وأنا أقدر ذلك".
أظهر انفتاحاً. يُصدم الكثير من الآباء العاملين الذين دربتهم عند تقديم استقالتهم حيث يكتشفون مدى تقدير شركاتهم لهم، إذ تصبح الشركة فجأة مستعدة لتقديم مناصب جديدة ومرونة أكثر وحتى إجازات تفرّغ في محاولات يائسة للإبقاء عليهم. حتى ولو كانت نيتك بالمغادرة لا رجعة عنها، كن منفتحاً على ما يقدم لك من خيارات جديدة. فربما تجد أمامك حلولاً لم تكن تتوقعها وأفضل مما ألزمت نفسك به. وفي النهاية، الأمر يستحق النقاش.
لا تكترث لما يقال عنك. أي أم أو أب يتركان عملهما لأي سبب له علاقة ولو بعيدة عن العائلة، سيكونان محطّ تعليقات كثيرة من الآخرين، والكثير منها غير منطقي مثل "لا تستطيع التحمل، عيب عليك"، وبعضها تعليقات حسنة النية ومحبطة مثل "احذري، زميلتي في الجامعة تركت عملها بعد ولادة طفلها الأول ولم تعتر على عمل بعدها". لا تصغ لهذه التعليقات. ضع غشاوة على عينيك، انظر في الطريق أمامك وتولى إدارة الأمور بنفسك وبحسب المؤشرات والضوابط التي وضعتها لنفسك، وليس تلك التي يضعها الآخرون.
تحوّل إلى استشاري. بمجرد الإعلان عن نيتك في ترك العمل، اجتهد وافعل أكثر مما هو مطلوب لمساعدة زملائك في عملية الانتقال، مثل تقديم جداول الملخصات وقوائم التحقق والرسوم البيانية التي توضح العمليات المعقدة واجتماعات تخطيط المشاريع، وتصرف كما لو كنت شخصاً انتدب من وكالة "ماكنزي" لمساعدة المؤسسة على العمل من دونك. واعمل لساعات متأخرة إن لزم الأمر لتظهر مدى التزامك بدعم زملائك في غيابك. سوف تبدو مهنياً من الدرجة الرفيعة ومحترفاً.
خذ علاقاتك معك. عندما تترك عملك، لا تترك علاقاتك المهنية خلفك. بل خذ العلاقات التي بنيتها معك إلى دورك الجديد مع المدراء والزملاء والمرشدين والتلاميذ، حتى لو كنت تنوي قضاء الوقت في المنزل. إن استخدامك لعبارات مثل "على الرغم من أننا لن نعمل سوية بعد الآن، لكنني أريدك أن تعرف أنك كنت مرشداً لي دائماً، وسوف تبقى كذلك بالنسبة لي". أو "لا شك في أنني أتطلع للعمل معك مرة أخرى في المستقبل" سوف تُثير إعجاب الآخرين وتترك انطباعات إيجابية دائمة حتى مع أسوأ زملائك. ثم فكر في شبكة علاقاتك المهنية مع كامل فريق عملك، وتأكد من أنك لا تفقد أي أصول مهمة مع تغيير دورك.
خلاصة القول، سيواجه الآباء العاملون عند تغيير عملهم، مجموعة من الشكوك والهواجس. لكن التركيز على آليات المغادرة سيجعل الانتقال في مصلحة مصداقيتكم وسيبقي الطرق مفتوحة لكم للمستقبل.