في شهر أغسطس/آب من العام 2018، أعلنت عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس، السيناتور إليزابيث وارين، أنّها في صدد اقتراح التغيير الأكثر أهمية في مجال حوكمة الشركات الأميركية خلال الأعوام المئة السابقة. إذ يتبيّن من قراء مقالتها أنّ مقترحها سيطلب من كلّ شركة تحقق إيرادات تزيد على مليار دولار أن تصبح "شركة منافع" (benefit corporation) - وهي شركة لا تتحمل واجباتها الائتمانية تجاه المساهمين (shareholders) فقط إنّما تجاه جميع "أصحاب الحصص" (stakeholders) الرئيسيين.
ترى وارين أنّ مثل هذا الميثاق سيؤدي إلى إعادة تعريف غاية الشركة - بعيداً عن أحادية التركيز على زيادة قيمة الأسهم (أو قيمة حقوق المساهمين) إلى الحدّ الأقصى - والدفع نحو اتجاه الموازنة بين الحاجة إلى إعطاء العوائد للمستثمرين ورفاهية موظفي الشركة وعملائها وجماعاتها. وتضيف أنّ هذا يمكن أن يزيد من الاستثمار والأجور الحقيقية ليعكس مسار 30 عاماً تقريباً من عدم المساواة.
لفتت وارين الانتباه إلى شيء مهم للغاية، ففي أغلب قاعات اجتماع مجالس الإدارة وصفوف ماجستير إدارة الأعمال، يُشار إلى الفكرة القائلة أنّ المهمة الأولى للشركة تكمن في زيادة قيمة حقوق المساهمين إلى الحد الأقصى على أنّها فكرة صحيحة تماماً.
ولكن بالنظر إلى الطريقة التي تُجسد هذه الفكرة فيها حالياً، فإنّ فكرة التركيز على زيادة قيمة حقوق الأسهم على حساب كل شيء آخر هي فكرة خطيرة للغاية، ليس على مجتمعنا فحسب بل على صحة الأعمال أيضاً. والتركيز فقط على تحقيق الربح الأقصى قد يفرض على الشركات أن تخفض الأجور وأن تحاول التأثير على العملية السياسية لتصبّ في صالحها. وهذا لا يمكن أن يكون صحيحاً، فالأسواق لا تقود إلى الازدهار والحرية إلا عندما تكون حرة ونزيهة حقاً. ومن البديهي أنّه إذا كانت الشركات قادرة على التخلص من النفايات السامة في النهر والكذب على مستهلكيها والالتقاء معاً فيما يخص تحديد الأسعار، فإنّ زيادة الأرباح إلى الحد الأقصى لا تزيد من الثروة الإجمالية أو الحرية الفردية. (في مقاله حول قيمة حقوق المساهمين، يشدد ميلتون فريدمان على أنّه يجب على الشركات أن تلتزم بالقواعد، أي ألا تخالف القانون، ولكنّه لم يتطرّق إلى كيفية تفكير الشركات في قدرتها على تغيير القواعد).
قال إدوين فرانسيس غاي، أول عميد لكلية هارفارد للأعمال، إنّ الغرض من الشركة هو "تحقيق ربح لائق، بشكل لائق" - وليس زيادة الأرباح بأي تكاليف - ومن وجهة نظري، هذا ما ينبغي للشركات الأميركية أن تسير عليه.
لكن لماذا تركّز الشركات على قيمة الأسهم؟ وهل سيغير اقتراح السيناتور ذلك؟ بحسب خبرتي، فإنّ المدراء لا يسعون إلى زيادة قيمة الأسهم لاعتقادهم بأنهم ملزمون بذلك قانوناً. وباستثناء بعض الحالات (مثل عندما تطرح الشركة نفسها للبيع)، فإنّ المدراء في الواقع غير مطالبين قانوناً بزيادة قيمة الأسهم إلى الحد الأقصى. وفي حين يتمثل واجب المدراء في الاعتناء بالشركة والإخلاص لها والولاء للمساهمين والشركة، فإنّ قاعدة الحكم على المشروع التجاري تعطيهم مجالاً واسعاً جداً لتفسير ما يعنيه ذلك عملياً. يعمل مدراء معظم الشركات العامة على زيادة قيمة الأسهم في معظم الأوقات لأنهم يخشون أن يُطردوا إن لم يفعلوا ذلك، ولأنّهم يعتقدون أنّهم إن فعلوه سيصبحون أثرياء. وطالما تخاف الشركات من المستثمرين الناشطين (activist investors)، وطالما ترتبط أجور المدراء التنفيذيين بقيمة الشركة، فإنّ المدراء سيسعون إلى زيادة سعر أسهم الشركة إلى الحدّ الأقصى.
مطالبة الشركات باعتماد ميثاق جديد يتضمّن التزامات تجاه مجموعة أوسع من أصحاب الحصص، ستعود بفائدة كبيرة تتمثل في تذكير قادة الأعمال (ومحاميهم!) بأنّ سلطتهم التقديرية أكبر مما يعتقدون. وليس واضحاً أنّ هذه السلطة التقديرية ستغير سلوكها ما لم يكن هناك تحولات مماثلة في كيفية نظر المدراء والمستثمرين إلى أدوارهم والحوافز التي تواجههم.
لو كنت مكان السيناتور وارين، فإنّ هذا ما كنت سأسعى لتحقيقه.
إنّ المطالبة بحوافز قائمة على الأسهم لكبار المدراء من أجل استبقائهم فترة أطول نسبياً، كما تقترح اليسناتور، هي خطوة أولى رائعة، ولكنني كنت لأركّز أيضاً على زيادة المعلومات المتاحة للمستثمرين عندما يعملون على اتخاذ قراراتهم. لماذا لا يكون الإبلاغ عن مجموعة مناسبة من المقاييس غير المالية إلزامياً للشركات؟ ثمة دليل قوي على أنّ التركيز على المدى الطويل، والتركيز على مروحة أوسع من أصحاب الحصص، يحسّن الأداء بالنسبة للكثير من الشركات. دعونا نمنح المستثمرين المعلومات التي يحتاجونها لكي يضعوا هذا النوع من المعلومات في عين الاعتبار.
كنت لأبذل كل ما في وسعي لدعم الشركات التي تحاول بالفعل تحقيق التوازن بين الربح والغاية. ومن الأمثلة على ذلك، شركة أتنا (Aetna) التي زاد رئيسها التنفيذي الأجور والمزايا بشكل كبير لأكثر من 5 آلاف موظف متدني الأجر، لأنّ هذا كان الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله. وشركات مثل كوستكو وتريدر جو (Trader Joe's) التي - كما أظهرت زينب تون - لا تستثمر بكثافة في موظفي المتاجر فحسب، بل توفّر أيضاً أقل الأسعار في قطاعها، وأداؤها المالي قوي، وخدمة عملاء أفضل من منافسيها. هناك الآلاف من رجال الأعمال يديرون شركات ملتزمة بالخير للمجتمع والمنفعة الخاصة، ولكنهم مجبرون على التنافس مع أولئك السعداء باستخدام الطرق المختصرة.
هذا ما يجب أن يتغيّر. فمن أجل الموازنة بين المواطنة العالمية للشركات والربحية، نحتاج إلى تغيير القواعد حتى لا يكون التسابق نحو القاع هو السبيل الأكثر فعالية للتنافس، ولكي نضمن أنّ معاملة الناس بشكل جيد هي الشيء المربح الذي يجب فعله. وهذا يعني الاستمرار في حثّ الشركات على رفع الحدّ الأدنى للأجور وجعل توفير المنافع الصحية والتعليمية أمراً إلزامياً - أو على الأقل أن تكون الرواتب ذات امتيازات ضريبية. وهذا يعني مواجهة طفرة العمل التعاقدي والتأكد من عدم تخلّي أصحاب العمل عن مسؤولياتهم بمجرّد تصنيف الموظفين كمتعاقدين.
وهذا يعني أيضاً منح الموظفين صوتاً قوياً في مكان عملهم بحيث لا يخافون رفعه. تقترح وارين أن يكون للموظفين تمثيل إلزامي في مجالس إدارة الشركات، ولكنني أشعر بأنّ هذا التغيير يمكن أن يحدث إذا دعمته إعادة اكتشاف قوة إشراك الموظفين. تُعتبر "الاتحادات" كلمة قذرة في الكثير من دوائر الأعمال، وأنا لست من المعجبين بالاتحادات القديمة، ولكن ثمة دليل دامغ يشير إلى أنّ الأجور ترتفع عندما يتمكّن الموظفون من تنظيم أنفسهم جماعياً وبطرق منتِجة. والآن، دعونا نجد طريقة لتحقيق ذلك في القرن الحادي والعشرين.
الأهم من ذلك، فإنّ هذا يعني أيضاً الاستثمار في البنية التحتية والتعليم. يبقى الناس عادة في وظائف يكرهونها لأنهم يخشون فقدان الرعاية الصحية، ولا يستثمرون كثيراً في التعليم لأنهم يخشون أن يقعوا تحت وطأة ديون الطلاب. دعونا نبني قوة عاملة يمكنها المنافسة في عصرنا هذا - ثم نفرض على الشركات أن تعاملهم كما نودّ أن نُعامل نحن.
مطالبة الشركات باعتماد ميثاق جديد هي خطوة أولى مهمة، ولكن لا يمكن أن تكون الأخيرة.