التركيز سمة لا تقدر بثمن، فهو يساعدك على الاستمرار بالعمل على المهمة وإنجازها بسرعة. إلا أنّ سلبيات الإفراط في التركيز قد تكون مشكلة؛ فهو يستنزف طاقتك الذهنية، ويقلل اهتمامك بالناس، ويمنعك من ملاحظة ما يحدث حولك. وفي الحقيقة، من المفاجئ أن التركيز المفرط هو دليل شائع على اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط لدى البالغين، الذي هو محاولة فاشلة وعاجزة للسيطرة على العقل الجامح.
سلبيات الإفراط في التركيز
قد لا تتضح آثار فرط التركيز المختلفة عندما تنجرف في نظام تركيزك اليومي. وفيما يلي بعض الأعراض الشائعة لفرط التركيز، وإذا كان أحدها مألوفاً فيجب عليك فحص دور التركيز في نظامك اليومي، فقد يكون السبب الذي يحتاج إلى معالجة.
عدم امتلاك الطاقة المعتادة
إذا لاحظتَ أنك تشعر بالتعب كثيراً، فكر في احتمال أنك تبالغ في استهلاك طاقتك الذهنية في التركيز. وبعض أنواع التركيز أسوأ من غيرها.
مثلاً، أثبتت أبحاث كثيرة أن احتمال تسبب التركيز الداخلي (مثل تركيزك على حركة ذراعك في مباراة الغولف) بالتعب أكبر منه لدى التركيز الخارجي (مثل التركيز على تحليق كرة الغولف). على الرغم من عدم وضوح السبب ذاته تحديداً، إلا أنه من الممكن أن يجعلك التركيز الداخلي تلاحظ تعبك أكثر.
الحل. في حالة التعب العام، من الممكن أن تحاول تخصيص فترة لعدم التركيز أثناء يومك. إذ تمنحك القيلولة القصيرة (5 – 15 دقيقة) وضوحاً أكبر في التفكير لمدة 1 - 3 ساعات. أو إذا كنتَ في خِضم العمل على مهمة ما ولا يمكنك التوقف، تستطيع تغيير نوع تركيزك من الداخلي إلى الخارجي؛ فالتركيز الخارجي يعزز طريقة العمل الأكثر تلقائية ويقلل الشعور بالتعب المرتبط بالجهد.
وهو ما يعني أنك إذا كنت تتبع في عملك قائمة من التعليمات لإنجاز مهمة معينة، يجب أن تحاول حفظ القائمة بدلاً من قراءتها وإجهاد نفسك في محاولة تذكرها، وسوف تتمكن من إكمال المهمة دون الضغط على ذاكرتك قصيرة الأجل. لن تكون الدقائق الإضافية التي تقضيها في حفظ القائمة بصورة جيدة مرهقة لعقلك بالقدر ذاته.
أداؤك ليس في ذروته
لا يكفي التركيز وحده ليكون أداء القائد في ذروته؛ فيجب عليه إدارة متطلبات طاقة عقله عن طريق وضع توقيت لعمله كي لا تصل طاقة عقله المبذولة إلى ذروتها إلا عند الضرورة. وتتطلب إدارة الطاقة هذه التنقل بين التركيز واللا تركيز. وفي الحقيقة، يعترف أصحاب الإنجازات الكبيرة أن أهمية الاستراحات والسماح للذهن بعدم التركيز لفترة من الزمن مساوية لأهمية "وقت العمل".
وأحد أسباب ذلك هو اعتماد ذروة الأداء على التركيز وتأكيد الذات معاً، أي أنه يجب عليك التركيز بشدة على مهمة معينة، ولكن يجب أن يكون الجانب الآخر من ذاتك حاضراً في ذهنك بصورة مثلى. لأن حضور جوانبك المتنوعة في العقل يتطلب تفعيل دارات اللا تركيز. ولذلك يجب عليك تخصيص أوقات "توقف عن العمل" لعقلك أثناء يومك، لتتمكن من توحيد التجارب التي تساهم في تحقيق الذات.
الحل. خذ الوقت اللازم لتحضير عقلك كي تضمن حضور جميع جوانب ذاتك فيه (الجزء المركز والطموح والعاطفي والمنطقي والمتحمس من ذاتك). وعندما يكون هذا التوازن في وضعه الأمثل، ستشعر أنك حققت ذاتك. يمكنك استدعاء هذه الأجزاء من ذاتك عن طريق طرح أسئلة معينة مثل: أي جزء من عملك يجعلك تشعر أنك تُلبي رسالة معينة؟ ما الذي يمنحك حس الهدف؟ هل تشعر أنك تُعبر عن ذاتك على نحو كامل أم أنك تتأقلم ببساطة؟ قبل أن تسرع في الإجابة، اعلم أن عقلك يحتاج إلى بعض الوقت لجمع البيانات اللازمة للإجابة عن هذه الأسئلة.
اقض بعض الوقت دون التركيز على أي شيء كي تسمح لعقلك بدمج حس الذات هذا. وهناك طريقة بسيطة لفعل ذلك تتمثل في تقطيع يوم العمل عن طريق الخروج للمشي قليلاً. بين أحد الأبحاث أن المشاركين فيه شعروا أنهم مرتاحون وطبيعيون ومسترخون ونشيطون أكثر بعد المشي في حديقة عامة. وهناك طريقة أخرى يمكنك التوقف عن التركيز من خلالها وهي التساؤل عما يلي: هل أنت مختلف أو غير "عادي" بطريقة ما؟ تبين الأبحاث أن الأشخاص الذين يعتقدون أنهم عاديون ويقيدون أنفسهم بهذه الفكرة ليسوا منفتحين على التجارب. وهذا يعيق الابتكار ويمنع ارتقاءهم في وظائفهم.
ومن أجل تحدي الوضع الراهن، يجب عليك القيام بأمر استكشافي من أجل تنشيط انفتاحك للتجربة، تواصل مع شخص ما على موقع "لينكد إن" (LinkedIn) وحدد موعداً لاجتماع ترغب في عقده منذ زمن طويل، أو اتصل بصديق اتصالاً عفوياً. فهذا النوع من الانفتاح يعزز حس الذات لديك.
لا تحقق أهدافك
قد يبدو تحقيق الأهداف نشاطاً قائماً على التركيز ويستهلكك بالكامل. ولكن تشير أبحاث كثيرة إلى أن شبكة دارات اللا تركيز ضرورية لتحقيق الأهداف.
يساعدك تخيل أهدافك على تحقيقها، وبما أن تخيل أحداث مستقبلية يتضمن التجول بين معلومات التجارب السابقة المخزنة في مناطق متنوعة من الدماغ (من أجل بناء تصورات جديدة)، وهذا يتطلب تفعيل دارات اللا تركيز في الدماغ. وعند الإفراط في التركيز تتوقف دارات التخيل في دماغك، ما قد يؤثر على تخطيطه لتحقيق الهدف.
كما أن دارات اللا تركيز ضرورية من أجل المحاكاة الذهنية، وإذا كان تحقيق هدفك يتطلب المحاكاة، فلن يكون التركيز وحده قادراً على تحقيقه. مثلاً، قد تعمل على وضع استراتيجية لمشروع يتطلب تخطيط التصورات. وتتطلب محاكاة التصور والنتائج الممكنة ألا تكون متشدداً جداً، بل أن تجرب أفكاراً مختلفة وترفضها إلى أن تشعر بالرضى عن إحداها.
الحل. يمكن أن يساعدك تخيل تحقيق الهدف في تحقيقه فعلاً. وكذلك الأمر بالنسبة لمحاكاة الطريقة التي قد تحققه لك. خصص بعض الوقت كل أسبوع من أجل تخيل تحقيق هدفك ومحاكاة بعض الطرق لتحقيقه. سيبعد هذا النوع من تخطيط التصور عقلك عن التركيز المستمر وسيهيئه لتحقيق أهدافك.
فلنقل مثلاً إنك تريد رفع دخلك، بدلاً من انتظار تحقق ذلك من تلقاء نفسه، أجر عدة تصورات محاكاة وأكملها حتى النهاية. هل يمكنك طلب زيادة على راتبك؟ كيف؟ هل يمكنك العمل في وظيفة جانبية؟ ما هي؟ أين؟ هل يمكنك الانتقال إلى وظيفة أخرى؟ ماذا يمكن أن يترتب على كل من هذه الخيارات؟ دوّن تفاصيل ما يمكن أن يترتب عليها وأنت تتخيلها، فمن الممكن أن يساعدك هذا التفكير ذهاباً وإياباً في اكتشاف حلول غير متوقعة.
سهولة الشعور بالارتباك
قد يكون سبب شعورك بالارتباك هو تشتتك بسبب وجود الكثير من الأعمال التي يجب عليك تنفيذها في وقت واحد، وقد يكون بسبب استمرارك بالتركيز المفرط طويلاً، ما يؤدي إلى تخفيض المرونة الذهنية التي تحتاجها لإتمام عدة مهمات معاً. على الرغم من احتمال أن يكون تعدد المهام مضراً للعقل، إلا أن 2,5% من الناس قادرون على العمل بعدة مهام معاً على نحو جيد تماماً، ويتقنون التنقل بينها ببراعة. وتبين الأبحاث أنه من الممكن التدرب على تعدد المهام بالفعل.
الحل. عندما يكون لديك الكثير من الأعمال التي يجب فعلها، يمكنك التفكير بالاسترخاء والعمل وفق "عقلية قاذف الكرات البهلواني" بدلاً من التشنج. وسوف تتمكن عن طريق التدرب على هذا النوع من الانتقال بين المهمات من جعل تعدد المهام أسهل، وتحقق تحسناً فيه مع مرور الوقت، حتى إذا ارتكبت بعض الأخطاء في البداية.
من أجل تهيئة عقلك للعمل على عدة مهمات معاً، يجب أن تجعل تفعيل دارات اللا تركيز أمراً عادياً، وهذا سوف يساعد على استرخاء عقلك ويزيد مرونته. ويمكن للتأمل الواعي أو تمارين التمدد البسيطة في منتصف النهار مساعدتك على الشعور بالاسترخاء أكثر. كما يمكنك تخفيف تحكم عقلك الواعي قليلاً من أجل زيادة مرونتك.
وإحدى الطرق للقيام بذلك هي الخربشة؛ فالرسم العشوائي ينشط دارات اللا تركيز، مما يتيح لعقلك أن يصبح أشبه بإسفنجة قادرة على الامتصاص. وهذا سيستدعي العقل اللا واعي للعب دور أكبر في تفكيرك، وهو ما سيجعلك أكثر مرونة عند الحاجة.
تتمكن هذه التمارين: التنقل بين الانتباه الداخلي والخارجي والتخيل والمحاكاة والمشي والقيلولة والتأمل الواعي والتمدد والخربشة، من مساعدتك على الاحتفاظ بطاقتك وتجنب سلبيات الإفراط في التركيز ورفع أدائك إلى ذروته ورفع فرصك في تحقيق أهدافك وإدارة مشاعر الارتباك في أثناء يوم العمل.
اقرأ أيضاً: