لماذا لا يعتبر تراجع عدد الشركات العامة مدعاة للقلق؟

4 دقائق

أعلن إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا المتخصصة في صناعة السيارات، عبر تغريدة على موقع تويتر أنه يعتزم تحويل الشركة إلى شركة خاصة، أي إلغاء تسجيل شركة تيسلا في البورصة الأميركية. وفي تطور مماثل، تراجع عدد الشركات المسجلة في البورصات الأميركية بنسبة 50% تقريباً مقارنة بما وصل إليه العدد في ذروته عام 1996 على الرغم من الزيادة الهائلة في القيمة السوقية الكلية. وطُرحت الكثير من التكهنات التي تحاول تفسير هذا التوجه المثير للجدل. ونطرح هنا سبباً جديداً حول الأمر؛ وهو توسع الدور الذي تلعبه الشركات الرقمية في الاقتصاد الأميركي. 

وتوجد ثلاثة تطورات قد تؤدي إلى تراجع عدد الشركات المسجلة في البورصة، وهي: أولاً، إفلاس الشركة أو فشلها أو إغلاقها، وثانياً، إلغاء تسجيل الشركة التي تتحول إلى الملكية الخاصة أو التي يتم الاستحواذ عليها، وثالثاً، تراجع عدد عمليات الطرح الأولي للاكتتاب العام. وبدأت هذه العوامل الثلاثة جميعها تزداد شيوعاً مع مرور الوقت، وهو ما نرى أنه ناتج عن زيادة اعتماد الشركات على العناصر غير الملموسة والمعرفية في نماذج الأعمال المستخدمة.

وبدأت الشركات الرقمية الناشئة تنافس رأس المال البشري الذي يمتلك المعرفة والاستراتيجية والخبرة، وأصبحت تهاجم أكبر الشركات الراسخة. وتعمل هذه الشركات كمؤسسات صغيرة تستخدم التخزين السحابي و البنية الأساسية القائمة على الإنترنت، وتقوم بطرح منتجاتها وتوزيعها بسرعة أكبر من الشركات التي كانت تنافس بما لديها من مصانع ومستودعات ومخزونات وموردين. وامتد هذا التأثير المتسارع كذلك إلى عمر الشركات، إذ اكتشفنا أنّ أعمار الشركات انخفضت بشكل كبير مع كل عقد جديد لإدراج الشركات في البورصة منذ الستينيات. وتؤكد دراسات أخرى أنّ السبب في ذلك لا يرجع إلى عمليات الاستحواذ فحسب، حيث يتم شطب الشركات مبكراً حتى عندما تكون العينة مقتصرة على الشركات المشطوبة لمشاكل مالية. بالإضافة إلى ذلك، ونظراً لانتقال الإنتاج إلى آسيا واتجاه المزيد من الشركات الأميركية إلى الاستراتيجيات الرقمية، لم تعد الشركات بحاجة كبيرة إلى أقسام المالية والتسويق والإنتاج والتوزيع والحسابات والموارد البشرية بتفاصيلها الموسعة. وأصبح التعاقد على هذه الوظائف يتم من الباطن باستخدام المنصات الرقمية، في حدود الحاجة لها. باختصار، تؤدي الاستراتيجيات الرقمية والتقدم التكنولوجي السريع إلى ارتفاع معدلات إغلاق الشركات العامة القائمة، دون أن تزيد في المقابل من الطلب على عمليات الطرح الأولي للاكتتاب العام. ونحن نرى أنّ هذا التوجه هو أكبر سبب فردي لتراجع عدد الشركات المسجلة. وما يدعم هذا الرأي هو ما شهدته الثلاث فترات الأولى من القرن الحادي والعشرين التي امتد كل منها لمدة خمسة أعوام؛ 2001 إلى 2005 و2005 إلى 2010 و2011 إلى 2015، من ارتفاع غير مسبوق في صافي عدد عمليات الشطب؛ وهو عدد عمليات الشطب ناقص عدد عمليات التسجيل، في مجالات البرمجيات والإلكترونيات وصناعة الكمبيوتر.

كما يؤدي الاتجاه نحو الشركات الرقمية إلى ارتفاع معدلات أنشطة الاندماج والاستحواذ التي لا تزال مستمرة في تسجيل مستويات قياسية كل عام. ولا تقل قيمة الشركات الرقمية بما تمتلكه من رأسمال غير ملموس عن قيمة الشركات في القرن العشرين بما تمتلكه من أراض ومصانع. ولذلك، قدمت الشركات الرقمية الناجحة، حتى وإن تكبدت بعض الخسائر، فرصاً استحواذية مغرية للشركات التي تعتمد على عمليات التبديل والتوفيق بين الأصول غير الملموسة المشتراة والأصول الخاصة بها. ومثال على ذلك شركتي ياهو وواتساب، اللتان استحوذت عليهما شركتا فيرايزون (Verizon) وفيسبوك، في صفقات بمليارات الدولارات. وتزداد ربحية مثل هذه العمليات مع زيادة مزايا المتحرك الأول (من يتحرك أولاً للسوق لعرض منتج أو خدمة) وتصاعد وتيرة التطور التكنولوجي والعوامل الشبكية الخارجية. ولذلك، تعتبر الاستراتيجية السائدة بين الشركات الرقمية الناشئة هي تحقيق النمو السريع والبيع عن طريق صفقة استحواذ، لا النمو البطيء الثابت لتحقيق الأرباح ثم الطرح الأولي للاكتتاب العام. وتؤدي زيادة أنشطة الاندماج والاستحواذ بطبيعة الحال إلى انخفاض عدد الشركات المسجلة.

وتحتاج الشركات المستجدة اليوم إلى أكثر من مجرد التمويل، إذ تحتاج إلى خبرات بشرية واتصالات وعلاقات استراتيجية ومستثمرين يفهمون نموذج الأعمال الذي تستخدمه ويمكنهم إقناع غيرهم من المستثمرين بتقديم تمويل متعدد المراحل. وما تحققه هذه الشركات من خلال الشراكات مع مستثمري الأسهم الخاصة المحنكين يفوق كثيراً ما تحققه مع مستثمري القطاع العام المجهولين. وعلى عكس مستثمري الأسهم العامة، يحقق مستثمرو الأسهم الخاصة قيمة أكبر للشركات التي يستثمرون فيها من خلال إدخال قاعدة معرفية متطورة إلى الشركة، والوصول المباشر إلى المعلومات الخاصة للمدراء، وتقديم الملاحظات المباشرة على الخطط الاستراتيجية للشركة، والإدارة الفعالة للشركات من خلال تمثيلها في المجالس، وإقامة اتصالات مع فرق علمية خارجية، وتحديد الشراكات الاستراتيجية وتيسيرها. ويساعد مستثمرو القطاع الخاص الشركات المستجدة على إيجاد الموردين المناسبين لوظائف الموارد البشرية والتسويق والإنتاج والتوزيع والحسابات، وهو ما كان ينفذ داخلياً في السابق. ولذلك تفضل الشركات اليوم البقاء في أيدي مستثمري الأسهم الخاصة لفترات أطول من الشركات الصناعية المتعطشة لرؤوس الأموال. فمثلاً، لا تزال شركتا أوبر وإير بي إن بي (AirBnB) شركتين خاصتين على الرغم من تحقيق كل منهما قيمة سوقية تبلغ عشرات المليارات من الدولارات.

كما أنّ القيود التي تفرضها عمليات الإبلاغ المالي للشركات الرقمية لا تساعد على إحراز تقدم في مسألة تسجيل الشركات الرقمية أيضاً. وغالباً ما يكون مستثمر القطاع العام منساقاً بشكل كبير وراء تحقيق الأرباح الفورية، وبدأت تتزايد شكوك رؤساء الشؤون المالية في قدرة المتداول اليومي على تقييم الشركات الرقمية. ومثال على ذلك تعليقات إيلون ماسك الأخيرة وقرار شركة ديل التحول إلى الملكية الخاصة. ولذلك، تسعى الشركات الرقمية المستجدة إلى استقطاب مستثمري القطاع الخاص الذين يمكنهم فهم نماذج أعمالهم بشكل أفضل من مستثمري القطاع العام وتقديم ضخ مالي متعدد المراحل دون استعجال. وعلاوة على ذلك، لا تتطلب عمليات الاكتتاب العام الأولي الكثير من التكاليف فحسب، بل إنها تستهلك الكثير من الوقت والجهد الإداري. وبالتالي، فالنتيجة المنطقية هي استمرار الشركات المستجدة اليوم، على الأرجح، في القطاع الخاص وعدم سلوكها نهج الشركات ذات البنى الأساسية الكثيفة التي كانت موجودة في منتصف القرن العشرين.

إذاً، فما الذي يمكن القيام به لزيادة عدد الشركات المسجلة في البورصات الأميركية، وهل هو هدف يستحق الاهتمام من الأساس؟ على الرغم من أننا غالباً ما نتعامل مع سوق الأسهم باعتبارها مقياساً للنشاط الاقتصادي، ونتعامل مع سوق الاكتتابات الأولية المزدهرة باعتبارها علامة مميزة للمشاريع الريادية الناجحة، فلا يوجد دليل على أنّ انخفاض عدد الشركات المسجلة في الفترة الأخيرة أثر سلباً على الاقتصاد الأميركي، حيث لا تزال القيمة السوقية الكلية للشركات المسجلة في البورصة الأميركية مستمرة في الارتفاع، ولا تزال البطالة تحت نطاق السيطرة، ولا تزال الولايات المتحدة محتفظة بدورها الريادي في التقدم التكنولوجي. أما التغير الوحيد الذي حدث، فهو إتمام المزيد من الصفقات من خلال التمويل الخاص وتمويل المزيد من الشركات التي تدخل إلى سوق الاكتتابات الأولية بصفة مبدئية من قبل أصحاب رأس المال المغامر (أو ما يسمى برأس المال الجريء) أكثر من أي وقت مضى. ولا يضيع مستثمرو القطاع العام الفرصة كذلك، إذ بدأت المؤسسات الاستثمارية الآن توجيه المزيد والمزيد من مدخرات المستثمرين العامة نحو الشركات الرقمية عن طريق شراء حصص في صناديق الأسهم الخاصة. وإجمالاً، يعتبر تراجع عدد الشركات المسجلة علامة على نجاح المؤسسات الأميركية في تكييف الهياكل التنظيمية مع المحافظة على استراتيجياتها التجارية المتغيرة، وهو ما يعد مدعاة للثناء لا القلق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي