يتطلّب بناء المهارات تدريباً، وهذا أمر واضح في جميع جهود من يرغبون في التحسّن. عادةً ما تُقسّم المهام الكبيرة إلى عناصر صغيرة يمكن العمل عليها مراراً وتكراراً، مثل السلم الموسيقي عند تعلم الموسيقى، والتزحلق بين المرتفعات البسيطة قبل التزحلق على الجليد، وبعض الحركات على اللوح في لعبة الشطرنج.
إلا أن هذا نادراً ما يحدث في مجال الإدارة، رُغم ضرورة تطوير العديد من المهارات المميزة ودمجها معاً. بعض من هذه المهارات مطلوب في كل شيء، مثل وضع الأهداف، والتنسيق بين الوحدات، والتدخل عند تدهور أداء أحد المرؤوسين، وبعضها يتعلق بعمل بعينه مثل انتقاد خطط المشروعات المعقدة، والتفاوض على الصفقات مع الموردين والعملاء.
باستطاعة أي مؤسسة تحديد العناصر الأهم لنجاح مدرائها ومساعدتهم على تطويرها، إلا أن هناك عائقاً شائعاً وهو الطريقة التي يتم تنظيم معظم الأعمال الإدارية بها. هناك فرص قليلة لممارسة المهارات النقدية نظراً لقلة استخدام الكثير منها. على سبيل المثال، عند إطلاق مشروع، ستعمل ممثلة الإدارة العليا مع فريقها لتحديد مراحل المشروع وأهدافه، ووضع خطط العمل، وتنظيم المهام والبدء فيها، ولكن ستمضي عدة أشهر قبل أن تتمكن تلك المديرة وفريقها من استخدام نفس المهارات مرة أخرى، حتى لو أدركوا لاحقاً أنه كان بإمكانهم إطلاق المشروع على نحو أفضل.
إذاً، كيف يتم تنظيم العمل الإداري -أو على الأقل بعضه- بما يسمح بالتدريب المستمر والنمو؟ لمعرفة ما يمكن فعله، دعونا ننظر إلى وظيفة تُقسم بطبيعتها إلى أعمال صغيرة يكررها الأشخاص باستمرار: المبيعات. هذا مثال جيد، لأن المبيعات تتضمن اتصالاً متكرراً بالعملاء، وتعدّ كل زيارة منفصلة وسيلة مثالية لممارسة المهارات. فمندوبة المبيعات التي تسعى إلى تحسين فهمها لأفكار العملاء حول تصميم منتج مقابل آخر، أو تقوية تقنياتها لإنهاء صفقة مبيعات، بإمكانها أن تتواصل مع عملاء حقيقيين في حضور مدرّب (رئيسها أو ربما زميل لها). يُفضّل أن يتناقش المدرب مع مندوبة المبيعات مسبقاً حول المهارة التي تحاول مندوبة المبيعات تحسينها، وحتى يراجعها معها قبل الزيارة، ثم يقدّم المدرب تقييمه لما تم بنجاح وما يحتاج إلى العمل عليه في المرة القادمة. ومن الضروري لهما أن يجريا عدة اتصالات مبيعات معاً بعد ذلك، لممارسة المهارات الجديدة وتثبيتها، كما يمكنهما إتمام التدريب بلعب الأدوار كذلك. العناصر الأساسية هنا هي التقييم والتكرار، وهذا ما يجعله تدريباً.
في إحدى شركات مستحضرات التجميل، حولت الإدارة هذا المنهج إلى ما يشبه اللعبة. طُلب من الشركاء في الفرع وضع هدف عالٍ جداً لمبيعات الفرع خلال الأسبوع التالي، هدف سيفوق كل ما حققوه من قبل. ثم ولمدة يومين، خرجوا في أزواج لإجراء زيارات المبيعات، وأخذوا يتبادلون الأدوار في تحليل أداء بعضهم البعض وتقديم تقييم. كان أداء الجميع يوضح في رسم بياني معلّق على الحائط، وانعقدت اجتماعات خاصة لمراجعة التقدم وتحديده. وهكذا حققوا هدفهم المرتفع، وصار روتين التدريب جزءاً من أعمال المبيعات المستمرة، حيث أضافت فكرة التدرب مع الشركاء على الاستراتيجيات المبتكرة لتحسين الأداء بعداً تحفيزياً للوظيفة.
وعلى الرغم من أن وظائف المبيعات تقدم أوضح الفرص، فإنه باستطاعتك إدخال التدريب المنظم في أي وظيفة أو هيكل مؤسسي عملياً بقليل من الإبداع. على سبيل المثال، تأتي فرق البحث الإكلينكي من مختلف المستشفيات ومناطق الرعاية الإسعافية في "نورثويل هيلث" (Northwell Health)، (المعروفة سابقاً بـ شور -إل أي جيه هيلث North Shore-LIJ Health)، إلى مركز التعلم والإبداع التابع لها بصفة دورية لتقوية مهارات صناعة القرار والعمل الجماعي والتواصل لديهم، وهناك يحصلون على محاكاة عالية الجودة للتحديات الممكنة، حيث يلعب ممثلون دور المرضى وأفراد الأسر في تدريبات تقوم على أساس لعب الأدوار، ويتلقون تقييمات مباشرة بعد كل محاكاة، ثم يكررونها. كما يمكنهم عرض جلسات ملخصة مسجلة بالصوت والصورة.
الغرض من هذا كله ليس فقط تحسين مهارات التشخيص والعلاج عموماً، ولكن أيضاً للتعامل مع مشكلات محددة. على سبيل المثال، كان الغرض من إنشاء إحدى برامج التدريب هو تقليل معدلات الوفيات بسبب الخمج، وهو خطر لا يحظى بالانتباه اللازم في جميع المستشفيات. أولاً، أخذت الممرضات في البداية دورات تعليمية في إدارة حالات الخمج، ثم "عالجن" مرضى غير حقيقيين، وتبع كل جلسة قصيرة تقييم مباشر ونقاش للمشكلات التي تضمنتها الجلسة. كان الهدف هو تعلم الخطوات الصحيحة في بيئة منخفضة المخاطر، بدلاً من تصحيح الأخطاء المهددة للحياة على مرضى حقيقيين بعد ارتكابها. وبعد مضي 4 سنوات على تطبيق البرنامج، انخفض معدل الوفيات بسبب الخمج بنسبة 50%.
وتوضح تجربة "يونايتد ألومنيوم" (United Aluminum)، في نيو هيفن، كونيتيكت، كيف تستفيد المؤسسات على مستوى أعلى من دمج التدريب ضمن العمل المعتاد. في التسعينيات، أدركت إدارة شركة "يونايتد" أنه يتعين عليهم تحسين تنفيذ الطلبيات في وقتها لتحقيق النجاح. في ذلك الوقت، كانت 20% تقريباً من الطلبيات يتم شحنها متأخراً، وكانت هذه مشكلة لأن الشركة تورّد أجزاء تدخل في أعمال التصنيع لدى شركات أخرى. ورغم استثمار شركة "يونايتد" مبالغ كبيرة في عدة أنظمة للإشراف على العمليات، فلم ينجح شيء.
كانت كل مشاريع التحسين بإدارة متخصصين واستشاريين من خارج الشركة، إلا أن هذا المنهج في التحسن الذي ينظر إلى الهدف الأكبر لم يكن كافياً. لذا، حاولوا دمج خطوات تشبه التدريب ضمن أعمالهم ليروا ما إذا كان بإمكانهم إحراز تقدم في حل المشكلة.
ولإطلاق جهودهم بطريقة فعالة، دعا أفراد الإدارة العليا جميع من في الشركة للانضمام إليهم في التجربة. اختاروا أسبوعاً للهدف، ومنحوا الجميع مدة 6 أسابيع وطلبوا منهم اختبار ما يمكنهم تحقيقه في وظائفهم خلال هذه المدة. كان هدفهم إحداث تغيير جذري بحيث يتم تسليم كل الشحنات المتأخرة خلال هذا الأسبوع المحدد للهدف. حرصت الإدارة على التأكيد للجميع أن هذه تجربة وليست فخاً للإيقاع بهم، وأن الأداء خلال هذا الأسبوع لن يكون المعيار الجديد للأداء.
شارك الجميع، وأنشأ الموظفون والمشرفون والمهندسون ومندوبو المبيعات الكثير من الفرق بشكل غير رسمي، واختبروا العديد من الابتكارات. بدلاً من عمل بضع مشروعات ضخمة "تُخاطر فيها بكل شيء"، شجعت الشركة العاملين على التركيز على جوانب صغيرة من وظائفهم. كانت الفكرة في أداء هذه الجوانب من وظائفهم بصورة متكررة ومحاولة تحسينها في كل مرة حتى يصلوا إلى وسائل فعالة. وعندما حلّ أسبوع الهدف، تم تسليم الطلبيات في الموعد بنسبة 100%. وحدث هذا أيضاً في الأسبوع اللاحق عليه. وهكذا صار نظام التدريب المستمر تدريجياً النمط المستمر في العمل، بعد أن كان جديداً بالنسبة لمدراء وموظفي شركة "يونايتد"، حيث جعلوا من التغييرات التي أثبتت نجاحها جزءاً من المؤسسة واستمروا في إجراء تجارب "التدريب" الصغيرة في الشركة بأكملها.
منذ ذلك الأسبوع النموذجي، لم تقلّ مصداقية الشركة فيما يتعلق بالتسليم عن 95%، واليوم، بعد مضي 20 سنة على التجربة الأولية، تعرب الشركة عبر موقعها الإلكتروني عن فخرها بأن "نسبة تسليماتها في الموعد تتخطى 98% عاماً بعد عام".
تبدو تجربة كل من "نورثويل هيلث" و"يونايتد ألومنيوم"، معقولة ومنطقية ومقبولة عندما تقرأ عنها، لكن الأمر يتطلب قدراً معتبراً من الإبداع والشجاعة لتكوين هذا المنهج التدريبي وتطبيقه. وإلى جانب استثمارات الموارد، هناك عدد من العقبات النفسية يجب تخطيها، فعلى الأفراد تجاوز الإجراءات الرسمية لمراجعة الأداء والتشجيع على الكثير من المكاسب البسيطة من خلال نقاشات الأداء المتكررة مع رؤسائهم وشركائهم.
وللاستفادة بأقصى قدر ممكن من التدريب في مؤسستك، سترغب في التركيز على المهام التي يمكن اختبارها بسرعة، والتي تقدم بيانات نتائج مباشرة، قابلة للتكرار والإعادة، حيث ستشهد في هذه المجالات مكاسب متضاعفة.