لماذا يحتاج الأطباء إلى تدريب على مهارات القيادة؟

5 دقائق

تنطوي مهنة الطب على مبدأ القيادة؛ إذ يتحمّل الأطباء جميعهم تقريباً مسؤوليات قيادية مهمة طوال مسيرتهم المهنية، ولكن، على عكس أي مهنة أخرى يكون فيها التحلي بمهارات إدارية أمراً ضرورياً، لا يتلقى الأطباء تعليماً حول مهارات القيادة، ولا يكافأون عادة على القيادة الرشيدة. وعلى الرغم من تسمية المؤسسات الطبية لمهارة "القيادة" باعتبارها كفاءة طبية أساسية، إلا أنه من النادر أن تُدرّس المهارات القيادية أو تُعزز عبر سلسلة متصلة من التدريب الطبي. كما يُظهر المزيد من الأدلة أنّ مهارات القيادة والممارسات الإدارية تؤثر إيجاباً على نتائج المريض ومؤسسة الرعاية الصحية، ما يعني وجوب إدماج التدريب على القيادة رسمياً في مناهج التدريب الطبي وتدريب المقيمين.

في معظم المهن، يتحمل الأشخاص الذين يُظهرون مهارات قيادية راسخة مسؤوليات قيادية أكبر في مراحل متدرجة من مسيرتهم المهنية. في مجال الطب، لا يبدأ الأطباء بإدارة الفرَق وتوجيهها في بداية حياتهم المهنية فحسب، بل إنهم أيضاً يتدرجون في المناصب بانتظام.

وخلال السنوات الأولى من التدريب الطبي للخريجين، أو تدريب المقيمين، يقود الأطباء المقيمون في جميع التخصصات فرقاً من الطلاب المقيمين الجدد، وغيرهم من موظفي الرعاية، دون أن يخضعوا إلى أي تدريب رسمي، ودون خبرة في مجال إدارة الفرق. ومع ذلك ينتقل الدارسون لمهنة الطب من سنة دراسية إلى أخرى، دون أن تكون مهارات القيادة جزءاً من اختباراتهم أو تعليمهم، حيث ينتقل الأطباء المقيمون في السنة الأولى (المتدربون) إلى السنة الثانية بكل سهولة، وكذلك ينتقل الطلاب المقيمون في السنة الثانية إلى السنة الثالثة، وينطبق الأمر ذاته أيضاً على الأطباء المقيمين الذين هم على وشك التخرج، رغم أنّ كل خطوة من هذه الخطوات تنطوي على مسؤوليات إدارية أكبر. ثم يمتد نطاق القيادة وتحمّل المسؤولية حالما يدخل الأطباء في مرحلة ممارسة الطب على نحو مستقل.

وعلى الرغم من أنّ المتدربين في مجال الطب يقضون سنوات في دراسة علوم وظائف الأعضاء والتشريح والكيمياء الحيوية، فليس أمامهم إلا القليل من السبل الرسمية التي يتعلم المتدربون من خلالها مهارات القيادة الرئيسية، مثل كيفية قيادة فريق، ومواجهة مشكلات الموظفين، وتدريب الآخرين وتطويرهم، وحل الصراعات. وتطوّر بعض برامج الأطباء المقيمين في جميع أنحاء البلد مسارات مهنية خصيصاً لأولئك الراغبين في تأدية وظائف الإدارة والقيادة، ولكن، غالباً ما تكون هذه المسارات موجهة نحو الأفراد الذين يسعون بوضوح إلى مناصب إدارية أو إلى مشاريع إدارة منشآت الرعاية الصحية في تدريبهم؛ غير مدركين حقيقة "أن تكون طبيباً يعني أن تمارس القيادة". وتُعتبر مجموعة الأفراد التي قد تستفيد من مهارات القيادة في العمل اليومي أوسع كثيراً من تلك التي لديها اهتمامات مهنية معينة في الإدارة.

وعلى الرغم من غياب تركيز الاهتمام بتطوير القدرات القيادية لدى المتدربين، تشير الأدلة إلى أنّ جودة القيادة تؤثر على المرضى ونتائج نظام الرعاية الصحية والإيرادات على حد سواء. على سبيل المثال، تَبيّن أنّ المستشفيات التي حصلت على تقييم أعلى من حيث ممارسات الإدارة، ودرجات عالية فيما يتعلق بمجالس الإدارة، تُقدم رعاية ذات جودة عالية، ولديها نتائج طبية أفضل، بما في ذلك انخفاض معدل الوفيات. كما ارتبطت ممارسات الإدارة المحسّنة بارتفاع معدل رضا المرضى، والأداء المالي الأفضل. إضافة إلى ذلك، تؤثر القيادة الفعالة على زيادة رضا الطبيب وسعادته؛ فيرتبط وجود قدرة قيادية بتخفيف الشعور بالإرهاق لدى الأطباء، وبقدر أعلى من الرضا.

هذه الفوائد جوهرية في مجال الرعاية الصحية، والذي هو قطاع يعاني من معدلات عالية من الإرهاق بين أفراد الطاقم الطبي. وهو ما يتطلب من الأطباء أن يمارسوا دور القيادة على نطاق أوسع؛ يشمل فرقاً متعددة التخصصات من ممرضين وأخصائيين اجتماعيين ومساعدي أطباء وغيرهم من المهنيين في مجال الصحة.

لهذا، يجب على الكليات الطبية وبرامج تدريب المقيمين تعديل المناهج الدراسية لتشمل تطوير المهارات القيادية على جميع مستويات التدريب، وينبغي أن يكون البرنامج القيادي صارماً ولا يقل أهمية عنم تطوير الاستنتاج الطبيم، أو المهارات الإجرائية لديهم. كما يجب أن يتمحور منهج القيادة على مجموعتين أساسيتين من المهارات. أولاً، يُعد الإلمام بمهارات التواصل بين الأفراد أمراً مهماً للقيادة الفعالة في الرعاية الصحية الحديثة، ويشمل القدرات المتعلقة بتنسيق فرق العمل على نحو فعّال، والتدريب والتقييم، والتواصل بين المهنيين، وإظهار الذكاء العاطفي. وقد تم الإقرار بأهمية هذه المهارات من قبل مؤسسات الرعاية الصحية على مستوى العالم، بما فيها الجمعية الطبية الأميركية (American Medical Association)، وهيئة الخدمات الصحية الوطنية (National Health Service)، والكلية الكندية لقادة قطاع الصحة (Canadian College of Health Leaders).

ثانياً، توجد مجموعة منفصلة من المهارات الضرورية تتناول الإلمام بالأنظمة؛ إذ يحتاج الأطباء في مجال الرعاية الصحية اليوم إلى فهم أعمال مؤسسات الرعاية الصحية، بما فيها مفاهيم مثل الهيكل التنظيمي للتأمين، والتكاليف التي تترتب على المرضى. كما أصبح الأطباء مسؤولين أكثر فأكثر عن فهم مبادئ الجودة والسلامة، والتصرف بناء عليها من أجل تصويب الأنظمة التي يعملون ضمنها، وتحسينها. أخيراً، ونظراً إلى طبيعة عملهم الحساسة، يجب أن يشعر الأطباء بالراحة فيما يتعلق بالتعرف على الأخطاء والإفصاح عنها ومعالجتها، ومساعدة فرقهم على فعل الشيء نفسه.

ويمكن أن يأخذ التعليم الرسمي حول هذه المواضيع إطار فن التعليم المخصص، وذلك أثناء الدراسة في كلية الطب وتدريب المقيمين وجلسات التوجيه ولقاءات بناء المهارات، والتي تُعتبر شائعة في المهن الأخرى التي تتطلب تطوّراً إدارياً. وينبغي، على الأقل، تقديم بعض الحصص الدراسية مطولاً على مدى عدة سنوات، وهو أمر حيوي؛ لأنه كما يرتقي المتدربون ضمن المستويات الطبية، ويتحملون المزيد من المسؤولية (أي الإشراف على طلاب الطب لأول مرة كمتدربين، والإشراف على الفرق لأول مرة كمقيمين جدد)، فإنّ قدرتهم على الانخراط مع فحوى القيادة تتغير.

كما يجب أن تقدِّر تقييمات أداء المتدرب مدى تقدمه في قدراته القيادية بوضوح، إلى جانب ضرورة وجود معالجة موجهة لأولئك الذين لا يُظهرون الكفاءة، ويجب عدم السماح للمقيمين بالمضي قدماً في التدريب دون تحقيق الكفاءة المحددة مسبقاً في هذه المجالات. أيضاً، ينبغي تطوير أنظمة التقييم للحد من التحيز الذي يستهين بالقدرات القيادية لدى النساء والأقليات ويقلل من شأنها. والأهم من هذا، إجراء دراسات على مدى طويل من أجل تقييم صارم فيما يتعلق بفاعلية برامج تعليم مهارات القيادة وقياسها؛ فقد وجدت مراجعة منهجية، أجريت عام 2015 على برامج تطوير المهارات القيادية لدى الأطباء، أنّ قلّة قد أبلغوا عن نتائج سلبية أو آثار لتدخلات تلك البرامج (أي تأثير التدريب على مقاييس جودة الرعاية) على مستوى النظام.

وفي حين أنّ هذه التغييرات تبدو مرهقة؛ نظراً إلى الكم الهائل من المعلومات التي يكون المتدربون مسؤولين عنها بالفعل، فضلاً عن طبيعة التدريب المقيد بالوقت، إلا أنّ الدراسات أظهرت أنّ المتدربين "يرغبون" في تطوير مهارات القيادة لديهم رسمياً. وإليك عدة برامج تَبرز كأمثلة على كيفية تحقيق هذا:

كما وُصف للمرة الأولى في مقالة هارفارد بزنس ريفيو عام 2013، فقد طوّر برنامج طب الأذن والأنف والحنجرة في جامعة فاندربيلت (Vanderbilt) برنامجاً فرعياً لمدة أربع سنوات للمقيمين، يتضمن ما يلي: محاور فيلق تدريب ضباط الاحتياط البحري (Naval ROTC)، والتدريب الخطابي، وبرنامج ماجستير إدارة أعمال مصغّر، ومشروع القيادة كابستون (capstone leadership project). ويوضّح هذا البرنامج للمتدربين سياسات الرعاية الصحية والشؤون المالية وأصول حل النزاعات وبرامج القوائم المرجعية واستخلاص المعلومات والخطابة وجلسات محاكاة التواصل بين شخصين، هذا خلال المؤتمرات الصباحية أو جلسات العشاء (عندما يُعفى المقيمون من الوجود في غرفة العمليات). ويستخدم المتدربون في النهاية المهارات التي اكتسبوها من أجل التعاون مع طلاب جامعة فاندربيلت وأطباء الرعاية الأولية وغيرهم، على مشروع صحة السكان، خلال إحدى سنوات تدريبهم الأربع. ويشير مؤسس برنامج كلية طب الأذن والأنف والحنجرة ورئيسه في جامعة فاندربيلت، الدكتور رولاند إيفي، إلى أنّ تقديم محتوى مماثل إلى الكلية هو مفتاح كسب الثقة والقبول؛ نظراً لأهمية التعليم على مهارات القيادة، ولضمان نمذجة مناسبة لقيادة فعالة.

في الوقت نفسه، يخضع طلاب الطب في جامعة الخدمات المنظمة للعلوم الصحية (Uniformed Services University of the Health Sciences)، إلى منهج دراسي يمتد لأربع سنوات، يتمحور حول تطوير سمات القيادة، ويُقدم المنهج التعليمي التدريب الطبي العسكري ومهارات القيادة (Military Medical Practice and Leadership) في السنوات قبل السريرية، ويركز على الوعي الذاتي ومهارات التواصل وديناميكيات الفريق. بعد ذلك، يشارك الطلاب في أربع تجارب على "تدريبات عملية في الميدان الطبي" تمتد لعدة أيام، ويُعرَّفون خلالها بمهامهم كمسؤولين عسكريين، ويتلقون محاضرات، ويخضعون لنماذج محاكاة تركز على رعاية المرضى والعمليات وإدارة الأزمات. ويقيَّم طلاب طب السنة الرابعة في النهاية بناء على معرفتهم الطبية وقدراتهم القيادية في إطار مجال المحاكاة التكتيكي. ورغم تركز هذا البرنامج في مرحلة التعليم الطبي الجامعي، إلا أنه تميز بجمعه للخبرات التعليمية والعملية ذات الطبيعة التقييمية على المدى الطويل، كما يمكنه أن يلائم وضع التعليم الطبي للخريجين، مع تخفيض حاد للوقت اللازم.

لا شك أنّ تعزيز التدريب على مهارات القيادة في مجال الطب سيرفع تكاليف التدريب والتقييم، إلا أنه، وبينما نسعى لتحسين العلاجات والإجراءات التي نجريها لخفض معدل الوفيات وتحسين جودة الرعاية، يجب علينا أيضاً السعي إلى تحسين مهارات الأطباء الذين يقودون جوانب نظام الرعاية الصحية جميعها. لأنه، وكما تُبيّن الأدلة، يمكن أن يُحدث ذلك فرقاً مهماً في نتائج الرعاية الصحية والخبرات والاستدامة المالية على حد سواء.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي