كيف تختار مبادرات أقل لكن ذات تأثير أكبر؟

16 دقيقة
تخلص من العبء الاستراتيجي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تزايد تعقيد الاستراتيجية وصعوبتها على مدى العقود القليلة الماضية. وإذا كنت تعمل في مؤسسة كبيرة، فمن المحتمل أن يكون لدى شركتك استراتيجية تسويق (لتحديد رغبات المستهلكين وتلبيتها)، واستراتيجية على مستوى المؤسسة (للاستفادة من أوجه التعاون)، واستراتيجية عالمية (لاقتناص فرص العمل في جميع أنحاء العالم)، واستراتيجية ابتكار (للنجاح في المنافسة)، واستراتيجية رقمية (للاستفادة من الإنترنت)، واستراتيجية اجتماعية (للتفاعل مع المجتمعات عبر الإنترنت). ويعمل أصحاب المواهب في كل مجال من تلك المجالات على تنفيذ قائمة طويلة من المبادرات العاجلة.

وتمتلك الشركات كل الحق بالطبع في التفكير في كل تلك التحديات، فما التغيير التكنولوجي السريع، والمنافسة العالمية، ورغبات المستهلكين دائمة التطور إلا أمثلة قليلة من الضغوط التي تواجهها الشركات والتي تسفر مجتمعة عن قلب الطرق التقليدية لممارسة الأعمال التجارية رأساً على عقب. وعندما نستجيب لأي تحد من تلك التحديات الجديدة، فإننا نحمّل مؤسساتنا أعباءً إضافية ونضع توقعات متزايدة لموظفينا. وتنتابني الدهشة عندما أزور الشركات لإجراء البحوث وكتابة الحالات من مقدار ما ينجزه الموظفون في فترات زمنية قصيرة وبموارد محدودة؛ إلا أن الجانب الآخر من ذلك الإنجاز يخبئ بين طياته شعور أولئك الموظفين بالقلق بشأن ساعات عملهم الطويلة وكيفية بلوغ الأهداف الممتدة التي تبدو مستحيلة.

لا تعزز تلك المبادرات حسنة النية نجاح الشركة، بل تبعث وتيرتها المتكررة على القلق. لنتأمل ربحية الشركات على سبيل المثال: تحقق ربع الشركات في مؤشر “إس آند بي 500” (S&P 500) عوائد طويلة الأجل أقل من تكلفة رأس المال. كيف يعقل أن يكون نجاح العديد من الشركات التي تعج بالموظفين الموهوبين وذوي الاندماج العالي بالعمل عوائد قليلة مقارنة بالجهد الذي يبذله موظفوها؟ لماذا يقود العمل الجاد والاستراتيجية المتطورة إلى نجاح مالي دائم لبعض الشركات وإلى فشل ساحق لشركات أخرى؟

فكرة المقالة باختصار

المشكلة

تطلب الشركات أداءً أعلى من موظفيها استجابة للضغوط والتحديات التنافسية المتزايدة التي تواجهها. لكن غالباً ما تكون القيمة التي تقدمها تلك المؤسسات متدنية جداً مقابل الجهود الجبارة التي يبذلها عمالها الموهوبون والمندمجون في أعمالهم.

المنهجية

يمكن للقادة معالجة تلك المشكلة عن طريق تبسيط الاستراتيجية، أي اختيار عدد أقل من المبادرات ذات التأثير الأكبر. تمنح الاستراتيجية المستندة إلى القيمة المسؤولين التنفيذيين نظرة شاملة حول العديد من الأنشطة التي تجري داخل مؤسساتهم.

العملية

لن تكون المبادرة الاستراتيجية مجدية إلا إذا انطوت على واحد أو أكثر مما يلي: خلق قيمة للزبائن من خلال زيادة استعدادهم للدفع، أو خلق قيمة للموظفين من خلال جعل العمل أكثر جاذبية، أو خلق قيمة للموردين من خلال تقليل تكلفة التشغيل.

أعتقد أن الإدارة الاستراتيجية أمام فرصة جذابة للعودة إلى الأساسيات، بمعنى أنه يمكننا جعل الاستراتيجية أكثر قوة من خلال تبسيطها واختيار عدد أقل من المبادرات التي تتمتع بتأثير كبير. وأصف في هذا المقال إطار عمل سهل الاستخدام يدعى الاستراتيجية المستندة إلى القيمة؛ يمنح هذا الإطار المسؤولين التنفيذيين أرضية مشتركة لتقييم المبادرات الاستراتيجية وتطوير رؤية شاملة حول العديد من الأنشطة التي تجري ضمن مؤسساتهم.

عناصر الاستراتيجية المستندة إلى القيمة

يكمن مبدأ بسيط في صميم هذا النهج، ألا وهو أن الشركات التي تحقق نجاحاً مالياً دائماً تخلق قيمة كبيرة لزبائنها وموظفيها ومورديها. وبالتالي، لن تجدي المبادرة الاستراتيجية نفعاً إلا إذا انطوت على أحد العناصر التالية:

خلق قيمة للزبائن من خلال زيادة استعدادهم للدفع

عندما تجد الشركات طرقاً للابتكار أو تحسين المنتجات الحالية، سيكون الناس على استعداد لدفع مزيد من الأموال لاقتناء منتجاتها. على سبيل المثال، تفرض شركة “آبل” أسعاراً أعلى على العديد من فئات المنتجات لأنها تزيد “استعداد الزبائن للدفع” من خلال تصميم منتجات جميلة وسهلة الاستخدام. كما تزيد شركة “غوتشي” (Gucci) من “استعداد الزبائن للدفع” من خلال ابتكار منتجات تعزز المكانة الاجتماعية. وغالباً ما نستخدم مصطلحي “الاستعداد للدفع” و”السعر” بالتناوب في المحادثات غير الرسمية، لكن من المفيد التمييز بين الاثنين. يمثّل “استعداد الزبائن للدفع” أعلى سعر يمكن للزبون دفعه، وهو مماثل لنقطة انسحاب الزبون، أي افرض سنتاً واحداً أكثر من المبلغ الذي يكون الزبون على استعداد لدفعه، وسيحجم عن الشراء.

يركز المدراء في كثير من الأحيان على تنمية إجمالي الإيرادات بدلاً من زيادة الاستعداد للدفع. وقد يطرح مدير يركز على النمو السؤال التالي: “ما الذي سيساعدني في زيادة المبيعات؟” في حين قد يرغب شخص مهتم بنهج الاستعداد للدفع في أن يجعل زبائنه يصفقون للشركة ويهللون لها. من جهة أخرى، يحلل المدير الذي يركز على المبيعات قرارات الشراء ويأمل في التأثير على قرارات الزبائن؛ بينما يبحث المدير الذي يركز على القيمة عن طرق لزيادة استعداد الزبائن للدفع في كل مرحلة من رحلة الزبون، وهو ما يكسبه ثقة الزبون وولاءه. وتقنع الشركة التي تركز على القيمة زبائنها في كل تفاعل أنها تضع مصالحهم الشخصية في مقدمة أولوياتها.

خلق قيمة للموظفين من خلال جعل العمل أكثر جاذبية

ستكون الشركات التي تجعل العمل أكثر تشويقاً وتحفيزاً ومرونة قادرة على جذب المواهب، حتى لو لم تقدم تعويضات متميزة لموظفيها مقارنة بالشركات الأخرى في القطاع ذاته. غالباً ما يكون دفع رواتب أعلى للموظفين الشيء الصحيح الذي يجب فعله بالطبع، لكن ضع في اعتبارك أن التعويضات الأكثر سخاء لا تخلق قيمة في حد ذاتها؛ بل تنطوي على نقل الموارد من الشركة إلى قوة العمل فقط.

على النقيض من ذلك، يخلق تقديم وظائف أفضل قيمة كبيرة ويخفض الحد الأدنى من مقدار التعويضات التي يجب أن تقدمها الشركة لجذب المواهب، أو ما نطلق عليه “استعداد الموظف للبيع” (WTS). بمعنى آخر، اعرض على موظف مرتقب تعويضات أقل من استعداده للبيع، وسيرفض عرض عملك على الفور؛ بل قد يفضل حتى مواصلة العمل في شركته الحالية. لا تخلط المؤسسات التي تركز على القيمة بين التعويضات واستعداد الموظفين للبيع، كما هو الحال مع الأسعار واستعداد الزبائن للدفع،

بل تفكر الشركات التي تركز على القيمة في احتياجات موظفيها بشكل شامل (أو العوامل التي تحفّز استعداد الموظفين للبيع). على سبيل المثال، عندما علمت شركة “غاب” (Gap) أن إحدى أكبر مشكلات عمال التجزئة هي عدم وجود جداول مواعيد مخصصة ومحددة، بدأت تجربة توحيد أوقات بداية مناوبات العمل ونهايتها، ونظّمت جداول مواعيد الموظفين بحيث يكونون مسؤولين عن نفس أوقات المناوبة كل يوم. بالإضافة إلى ذلك، يُتيح تطبيق “شيفت مسنجر” (Shift Messenger) للعمال تغيير مواعيد المناوبات بحريّة، وهو تطبيق مبتكر طوّر خصيصاً للشركات متعددة المتاجر. وارتفعت إنتاجية العمل بنسبة 6.8% وزادت نسبة المبيعات بنحو 3 ملايين دولار في المتاجر المشاركة خلال فترة اختبار دامت 10 أشهر. وتمكنت شركة “غاب” من تحسين الأداء المالي للشركة وزيادة رفاهة موظفيها من خلال خلق القيمة لهم، حتى أن بعض العمال أبلغوا عن تحسن جودة نومهم.

خلق قيمة للموردين من خلال تقليل تكلفة التشغيل

يتوقع الموردون وجود حد أدنى من التعويضات مقابل منتجاتهم، تماماً كالموظفين. وتخلق الشركة قيمة لمورديها من خلال مساعدتهم في زيادة إنتاجيتهم، أي كلما انخفضت تكاليف الموردين ينخفض أدنى سعر يرغبون في قبوله مقابل سلعهم، وهو ما نطلق عليه استعداد الموردين للبيع (WTS). على سبيل المثال، عندما أسست شركة “نايكي” مركزاً للتدريب في سريلانكا لتعليم مورديها الآسيويين عمليات التصنيع الرشيق، ساعدت تقنيات الإنتاج المحسّنة الموردين في جني أرباح أفضل تشاركوها بعد ذلك مع شركة “نايكي”.

يقيّم المسؤولون التنفيذيون الذين يركزون على القيمة كل خطوة استراتيجية وكل فكرة تُعرض أمامهم من خلال عدسة خلق القيمة. فإذا لم تخلق المبادرة قيمة للزبائن أو الموظفين أو الموردين، وإذا لم تحرك المبادرة مستوى “استعداد الزبائن للدفع” أو “استعداد الموظفين للبيع، فهي مبادرة عديمة الجدوى. وعرضتُ تلك الفكرة في رسم بياني بسيط يدعى عصا القيمة، حيث يقع استعداد الزبائن للدفع في أعلى العصا ويقع استعداد الموظفين للبيع في أسفلها. ويمكن للشركات زيادة المقدار الإجمالي للقيمة التي جرى خلقها وتقديم أداء مالي استثنائي عندما تجد طرقاً لزيادة سعادة الزبائن وزيادة رضا الموظفين وفائض الموردين (الفرق بين سعر البضائع وأدنى سعر يكون المورد على استعداد لقبوله لقاء تلك البضائع). (راجع الشكل التوضيحي “فرصة خلق القيمة”.)

وضع الاستراتيجية المستندة إلى القيمة موضع التنفيذ

تُعتبر الرؤى الاستراتيجية الثاقبة بسيطة، ولا يتطلب تنفيذها إلا اتباع نظام وعمليات محددة. ولاحظت عند إعداد البحوث وعملي مع المؤسسات التي تجسد الاستراتيجية المستندة إلى القيمة بعض الأنماط الرئيسة.

التركيز على القيمة بدلاً من الربح

من المدهش أن المدراء الذين يركزون على القيمة لا يشعرون بالقلق إزاء العواقب المالية المباشرة لقراراتهم، بل يكونون واثقين من أن خلق القيمة المتميزة سيؤدي إلى تحسين الأداء المالي بمرور الوقت.

على النقيض من ذلك، غالباً ما تعمل الشركات المهووسة بالعوائد قصيرة الأجل على تقويض عملية خلق القيمة. على سبيل المثال، رفضت شركة “إكسايت” (Excite)، إحدى بوابات الإنترنت الأولى، في عام 1997 شراء تقنية البحث التي تحولت في النهاية إلى شركة “جوجل” مقابل مبلغ زهيد بلغ 1.6 مليون دولار، لأن التقنية كانت جيدة جداً في نظرها. يعتمد نموذج أعمال شركة “إكسايت” على الإعلان، وكلما قضى المستخدمون وقتاً أطول على موقعها، ازداد احتمال زيارتهم للموقع مجدداً، وتزايدت الأموال التي ستجنيها الشركة. وكانت فكرة توجيه المستخدمين إلى موقع آخر من خلال تقديم نتائج بحث وثيقة الصلة بالموضوع فكرة سيئة في عالم “إكسايت”. لكن الشركة أدركت لاحقاً أنه كان من الأفضل وجود محرك بحث جيد تصل جودته إلى 80% من جودة المحركات الأخرى لتحسين ربحيتها. ولو كان مسؤولوها التنفيذيون يفكرون في كيفية خلق القيمة لزبائنهم بدلاً من تحقيق صافي مبيعاتهم، لاتخذوا قراراً مختلفاً وأكثر ربحية.

جذب الموظفين وتقديم خدمة أفضل للزبائن

تصبح الشركات أكثر جاذبية للزبائن والموظفين عندما تحاول العثور على طرق لزيادة “استعداد الزبائن للدفع” أو “استعداد الموظفين للبيع”، وبالتالي خلق القيمة. على سبيل المثال، تمتلك شركة “أوبر” ضعف نسبة سائقات سيارات الأجرة التي تمتلكها الشركات الأخرى لأنها جعلت الوظيفة أكثر أماناً، وهو ما أدى إلى زيادة رضا السائقات على وجه الخصوص. وتشتهر مؤسسة “باي كير” (BayCare) الصحية في فلوريدا بجودة برامجها التدريبية على مستوى الولايات المتحدة، وليس من المستغرب أن تجذب الشركة المهنيين في مجال الرعاية الصحية الذين يقدّرون أهمية التعليم المستمر.

وتحدث ديناميكيات مماثلة في المنافسة للحصول على الزبائن. على سبيل المثال، تخلق شركة التأمين “ديسكفري” (Discovery) في جنوب إفريقيا قيمة من خلال تقديم مجموعة كاملة من خدمات تحسين الصحة، بما في ذلك الوصول إلى نوادي اللياقة البدنية، والأجهزة الصحية القابلة للارتداء، بالإضافة إلى تقديم الحوافز لشراء الأطعمة الصحية من محلات السوبر ماركت. وكما هو متوقع، يجد الأفراد المهتمون بالصحة بشكل خاص أن سياسات شركة “ديسكفري” أكثر جاذبية، وهي ميزة غير عادلة حقاً. تقدم الشركات التي تركز على القيمة خدماتها للزبائن الذين يفضلون منتجاتها، كما أنها تجذب المواهب التي تقدر استراتيجية المؤسسة وثقافتها وتعزز أداء الشركة بشكل عام.

تقدم الشركات التي تركز على القيمة خدماتها للزبائن الذين يفضلون منتجاتها، كما أنها تجذب المواهب التي تقدر استراتيجية المؤسسة وثقافتها.

خلق قيمة للزبائن أو الموظفين أو الموردين (أو مجموعة ما منهم) في وقت واحد

يفترض التفكير التقليدي القائم على فهمنا المبكر للنجاح في قطاع التصنيع أن تكاليف الشركات سترتفع إذا عززنا رغبة المستهلكين في الدفع، أي أن الأمر يتطلب مستلزمات أكثر تكلفة لخلق منتج أفضل. في المقابل، تجد المؤسسات التي تركز على القيمة طرقاً لتحدي ذلك المنطق.

وقد أكدت شركة “بيست باي” (Best Buy) على تلك الفكرة حوالي عام 2012. كانت شركة “أمازون” تهدد متجر “بيست باي” العملاق بتقديم مجموعة واسعة من المنتجات للمستهلكين بأسعار منافسة. وكانت شركة “وول مارت” ومنافسون تقليديون آخرون يسرقون الحصة السوقية من خلال التركيز على الأجهزة الإلكترونية الأكثر شيوعاً وبيع كميات كبيرة منها بأسعار منخفضة. واعتاد المستهلكون التوجه إلى “صالات العرض” ليتخذوا قرارات بشأن المنتجات التي يرغبون في اقتنائها ومن ثم يشترونها في مكان آخر عبر الإنترنت. رداً على ذلك، قاد هيوبرت جولي، الرئيس التنفيذي الجديد لشركة “بيست باي” عملية إصلاح تشغيلية واستراتيجية واسعة النطاق. وحولت الشركة متاجر “بيست باي” البالغ عددها أكثر من 1,000 متجر إلى أصول بدلاً من اعتبارها التزامات. ودعت الموردين إلى تأسيس متاجر داخل المتجر كوسيلة لجذب الزبائن واستبقائهم. وأبرمت كل من شركات “آبل” و”سامسونج” و”سوني” وحتى “أمازون” في النهاية عقوداً مع شركة “بيست باي”، واستثمرت مئات الملايين من الدولارات في متاجرها ودعمت موظفيها. أتاح مفهوم المتاجر داخل المتجر لشركة “بيست باي” تقديم خبرة أعمق في مجال المنتجات والمبيعات (زيادة رغبة الزبائن في الدفع) وأتاح للبائعين خفض تكاليف التشغيل، وبالتالي زيادة فائض الموردين. بالإضافة إلى ذلك، بدأ تجار التجزئة استخدام المتاجر كمراكز توزيع، وهو ما أتاح لشركة “بيست باي” التغلب على شركة “أمازون” فيما يتعلق بأوقات الشحن. وأخيراً، غيرت المبادرة طريقة تفكير المدراء حول الوجود الرقمي لشركة “بيست باي”. لطالما نظرت الشركة إلى موقعها على الويب على أنه بديل يهدد الأعمال الأساسية، وهو ما دفعها إلى تقليل استثمارها فيه. لكن اليوم، أعادت الشركة تصور موقع الويب كوسيلة للسماح للزبائن باستكشاف خياراتهم قبل التوجه إلى متجر فعلي، واستثمرت في تعزيز وجودها على الإنترنت. (راجع الشكل التوضيحي “استراتيجية شركة “بيست باي” المستندة إلى القيمة”).

وفرت عمليات التحول تلك لشركة “بيست باي” فرصة جديدة للازدهار، ووجدت طرقاً عديدة لزيادة رغبة الزبائن في الدفع ورغبة الموظفين في البيع في وقت واحد، كما هو معهود عن الشركات التي تركز على القيمة. ونمت الأرباح، كما كان متوقعاً. وبحلول عام 2016، ارتفع عائد شركة “بيست باي” على رأس المال المستثمر من نسبة سلبية إلى 23%، وتضاعفت هوامش أرباحها قبل احتساب الضرائب.

ويوجد العديد من الأمثلة الأخرى من مجموعة متنوعة من القطاعات. على سبيل المثال، عندما خلقت شركة “كويست داياغنوستيكس” (Quest Diagnostics) ظروف عمل أكثر جاذبية لموظفي مراكز الاتصال، انخفض معدل الإنهاك، وانخفضت حالات الغياب غير المخطط لها، وارتفعت النسبة المئوية للمكالمات التي تم الرد عليها في غضون 60 ثانية. بعبارة أخرى، انخفضت التكاليف المتعلقة بالموظفين (على الرغم من تزايد فرص كسب مزيد من المال من خلال الأداء الاستثنائي) وازدادت القيمة. وازداد استعداد زبائن شركة “كويست” للدفع بسبب تزايد جودة الخدمة المحسنة. كما ينطوي نموذج الأزياء السريعة في شركة “زارا” على تقليل مستويات المخزون (خفض رأس المال العامل المطلوب للموردين وزيادة الفائض) وتزويد الزبائن بأحدث التوجهات في الموديلات والألوان (زيادة استعداد الزبائن للدفع). ويُتيح أسطول سيارات الإسعاف التابع لشركة “بروغريسيف” (Progressive) لشركة التأمين تقديم رعاية أفضل للزبائن الذين تعرضوا لحادث ما، وهو ما يؤدي إلى زيادة استعداد الزبائن للدفع، وتقليل عمليات الاحتيال والنفقات الإدارية ويخفض التكاليف واستعداد الموظفين للبيع.

السعي وراء العناصر التكميلية باعتبارها مصدراً غنياً لخلق القيمة

تبرع المؤسسات المستندة إلى القيمة في اكتشاف العناصر التكميلية أو المنتجات والخدمات التي تعزز قيمة عروضها الأساسية. وتعتبر العناصر التكميلية ميزة مألوفة في المشهد الاستراتيجي، كالطابعات وخراطيش الحبر وماكينات وكبسولات القهوة والأجهزة اللوحية والكتب الإلكترونية، لكن قد يكون من الصعب تحديد ماهيتها في البداية. عندما أسألُ الطلاب عما يمكن أن يكمل العرض السينمائي، يفكرون في الفشار والكولا، ومبيعات التذاكر مسبقة الدفع، والمقاعد المريحة أكثر، إلا أنهم نادراً ما يقترحون خدمات رعاية الأطفال، وهي الخدمة التي تقدمها شركة “هاركينز ثياترز” (Harkins Theaters) لزبائنها، وهي سلسلة من دور السينما في ولاية أريزونا، حيث يؤدي موظفوها دور مراكز اللعب مع محترفين مدربين يعتنون بالأطفال بينما يشاهد آباؤهم فيلماً ما على مقربة منهم لإبلاغهم في حالة ظهور أي مشكلات. وكما يوضح ذلك المثال، غالباً ما تبدو العناصر التكميلية غير مرتبطة بالعمل الأساسي، ويتطلب تحديدها التفكير بشكل خلاق في رحلات الزبائن.

وقد تكشف مراقبة رحلة الزبون عن كثب عن طرق جديدة لاستخدام العرض الجديد لخلق قيمة للزبائن، حتى إذا كان ذلك العرض عنصراً تكميلياً واضحاً لنشاط تجاري قائم بالفعل. على سبيل المثال، تغلّبت شركة “أمازون” على شركة سوني في سوق أجهزة القراءة الإلكترونية على الرغم من تأخر وصولها إلى ذلك السوق، وعدم امتلاكها أي ميزة تقنية، وعملها بميزانية تسويق محدودة أكثر. كيف؟ من خلال إتاحة الوصول اللاسلكي، إذ حثّ الوصول المجاني إلى الإنترنت عبر تقنية “3 جي” في منصة “كيندل” (Kindle) الزبائن على شراء الكتب، وحظيت تلك الميزة بقيمة كبيرة لدى الزبائن ولدى منصة “أمازون”.

إذا لم تخلق المبادرة قيمة للزبائن أو الموظفين أو الموردين، وإذا لم تحرك المبادرة مستوى “استعداد الزبائن للدفع” أو “استعداد الموظفين للبيع، فهي مبادرة عديمة الجدوى.

تزيد العناصر التكميلية من استعداد الزبائن للدفع لقاء الحصول على المنتج الأساسي، في حين تنطوي البدائل على تأثير معاكس، لذلك قد تعتقد أنه من السهل التمييز بين الاثنين، لكن ذلك صحيح في الإدراك المتأخر فقط. على سبيل المثال، كان من المفترض أن تكون أجهزة الكمبيوتر الشخصية بديلاً عن الورق. (هل تتذكر المكتب الخالي من الأوراق؟) لكن تبين أنها مكملة للورق، فمع انتشار أجهزة الكمبيوتر الشخصية في كل مكان، ازداد الطلب على الورق. وكان يُعتقد أن أجهزة الصراف الآلي ستقضي على وظائف الصرافين في البنوك، لكن ذلك لم يحصل. وأثبتت تنسيقات الموسيقى الرقمية أنها بديلاً للأقراص المدمجة، لكنها أصبحت مكملة للحفلات الموسيقية المباشرة. ويكشف تاريخ الشركات عن نمط واضح من خلال العديد من الأمثلة وفي مختلف القطاعات، إذ غالباً ما تخطئ الشركات في التفرقة بيم العناصر التكميلية والبدائل. تُعتبر المؤسسات التي تركز على القيمة أفضل في اكتشاف العلاقة الحقيقية بين التكنولوجيا الجديدة والمنتجات القديمة لأنها تدرك تماماً كيفية استفادة الزبائن من التغييرات التكنولوجية. وعلى النقيض من ذلك، ترى الشركات التي تركز على نمو المبيعات وعلى تحقيق الدخل أن معظم التطورات تمثل تهديدات لنماذج أعمالها، وعادة ما تتخذ موقفاً دفاعياً، وتفقد فرصاً مهمة لخلق قيمة بطرق جديدة.

تحويل مجمعات الأرباح للاستحواذ على القيمة المتولدة بمرور الوقت

اعتاد خبراء الاستراتيجية التمييز بين خلق القيمة (موضوع هذا المقال بأغلبه) والاستحواذ عليها (كيفية جني الأموال من القيمة التي جرى خلقها). تركز الشركات التي تستند إلى القيمة على عملية خلق القيمة، لكنها مرنة إلى حد ما بشأن عملية الاستحواذ عليها. كما أنها تقدم حلولاً تتجاوز منتجاتها الأساسية، وذلك نظراً لأنها تركز على احتياجات الزبائن. تعمل حزم المنتجات والخدمات تلك على تعزيز فرص الاستحواذ على القيمة لأنها تتيح للشركات تحويل مجمعات أرباحها من عرض إلى آخر مع تغيّر دورة حياة المنتج أو السوق بشكل عام.

وتُعتبر أجهزة “آبل” المحمولة خير مثال على ذلك. كان جهاز “آيفون” بداية تطويره مختلفاً تماماً عن المنتجات المنافسة وقدم قيمة كبيرة لزبائنه. ثم طوّرت شركة “آبل” لاحقاً خدمات مثل “آي تيونز”، لكنها لم تتمكن من تحقيق دخل منها، فأدركت الشركة أن الحفاظ على سعر العناصر التكميلية منخفضاً زاد من جاذبية أجهزة “آبل”. لكن من الصعب القول في الآونة الأخيرة إن استعداد الزبائن للدفع للحصول على أجهزة “آبل” أعلى بكثير من استعدادهم للدفع لقاء الهواتف المنافسة. كيف استجابت شركة “آبل” للمنافسة المتزايدة؟ حوّلت الشركة مجمع الأرباح من الأجهزة إلى الخدمات (أو التطبيقات)، وهو القطاع الذي نادراً ما تكون قدرته التنافسية موضع نزاع. (راجع الشكل التوضيحي “مجمع أرباح شركة آبل المتغير”).

لا تقتصر التحولات في مجمعات الأرباح على شركة “آبل”. على سبيل المثال، تدعم شركة “أمازون” منصة “كيندل” لتعزيز استعداد الزبائن للدفع لقاء الكتب الإلكترونية. وتحول شركة “مايكروسوفت” أرباحها من وحدات تشغيل الألعاب إلى الألعاب. وأنشأت شركة “أولا” (Ola) الهندية للنقل التشاركي مجموعة كاملة من خيارات الدفع (بما في ذلك “هوسبيكاش” (Hospicash)، وهو عرض مبتكر يغطي نفقات السفر إلى المستشفيات ونفقات ما بعد الخروج منها) التي تساهم في المرونة الاستراتيجية لشركة “أولا”. ويوجد نمطان جديران بالذكر في هذا الصدد؛ أولاً، تميل الشركات إلى تحويل مجمعات الأرباح بعيداً عن الأسواق التي تحتدم المنافسة فيها إلى قطاعات يسهل الدفاع عن هوامش الأرباح العالية فيها. ثانياً، تكون العواقب المالية لتلك التحولات إيجابية إذا كانت المنتجات تكميلية، فمع انخفاض سعر أحد المنتجات، يزداد استعداد الزبائن للدفع (وفرص الاستحواذ على القيمة) لقاء العناصر التكميلية.

الخطوة الأولى

يكمن نهج “الاستعداد للدفع” و”الاستعداد للبيع” في صميم الاستراتيجية المستندة إلى القيمة، ولكن نظراً لأن المفاهيم مجردة تماماً، قد يكون من الصعب معرفة كيفية جعلها تنبض بالحياة في مؤسستك. وغالباً ما نستخدم في كلية هارفارد للأعمال أداة تجسيد مرئي يُطلق عليها خريطة القيمة لمساعدة المسؤولين التنفيذيين في تحديد الفرص الاستراتيجية. أثبتت تلك الأداة فاعليتها في كل شيء، بدءاً من إجراء دراسة مفصلة لشركة معينة مدة نصف يوم إلى إصلاح شامل للاستراتيجية، كما أنها مفيدة لاختبار مبادئ الاستراتيجية المستندة إلى القيمة على كل ما يجري في شركتك.

يمكنك أن تبدأ في اختيار مجموعة من الزبائن، ربما الشريحة الأكثر ربحية، ومن ثم جمع قائمة المعايير التي تعتبر مهمة لأولئك الزبائن عند إجرائهم عملية الشراء. يُطلق على تلك المعايير اسم محفزات القيمة، أي سمات المنتج والخدمة التي تحدد مدى “استعداد الزبائن للدفع”. ويجب عليك بعد ذلك ترتيب محفزات القيمة من الأكثر أهمية إلى الأقل أهمية من وجهة نظر الزبائن. ويمكنك في النهاية أن تجري تقييماً على كل محفز من محفزات القيمة وأن تحدد مدى جودة شركتك في تلبية توقعات الزبائن، وأن تكرر العملية نفسها مع منافسيك الرئيسين.

من المهم أن تتجنب وضع افتراضات حول أكثر ما يقدّره زبائنك ومدى جودة أدائك. وإذا كنت تنوي إعادة صياغة استراتيجيتك على أساس خريطة القيمة، فستحتاج إلى بيانات جيدة لمساعدتك في إعدادها. ودائماً ما ينطوي تحليل الشركات الجاد لخرائط القيمة على عنصر مفاجأة، كأن تكتشف إحدى الشركات أن أحد محفزات القيمة ينطوي على أهمية أقل مما افترضت أو أن أداءها في أحد المجالات كان أدنى من توقعاتها. وأجد عند وضع تلك المفاجآت جانباً أن معظم الشركات تمتلك إحساساً دقيقاً إلى حد ما حول أدائها، لكنها تتجاهل نظرة زبائنها لأداء منافسيها، لكن ذلك أيضاً يتطلب إجراء البحوث وجمع البيانات.

تأمّل خريطتي القيمة لشركة “تاترا بانكا” (Tatra banka)، وهو أول بنك خاص في سلوفاكيا في فترة ما بعد الشيوعية. تأسست شركة “تاترا” في عام 1990، وسرعان ما قادت الخدمات المصرفية الأوروبية في تبني التكنولوجيا الرقمية. وقدمت بدايةً خدمات الصيرفة عبر الهواتف المحمولة في عام 2009، وخدمات الاستدلال البيولوجي من خلال الصوت في عام 2013، وتكنولوجيا التعرف على الوجه في عام 2018، وحصلت على أكثر من 100 جائزة لخدماتها المبتكرة. وجمع البنك في أثناء عملي مع شركة “تاترا” في تطوير استراتيجيتها البيانات من الزبائن من خلال الاستقصاءات والمقابلات الشخصية واستخدمها لإنشاء خرائط قيمة للزبائن المميزين والسوق الشامل. ويتضح لنا عند دراسة تلك الخرائط سبب النجاح البارز لشركة “تاترا” في القطاع السوقي السابق، حيث تُعتبر التكنولوجيا المتنقلة الممتازة أكثر ما يقدّره الزبائن المتميزون، وقد قاد البنك منافسيه على ذلك الطريق. وعلى النقيض من ذلك، انصب اهتمام زبائن السوق الشامل على ما إذا أوفى البنك بوعوده، وتلك هي أحد المجالات التي لم تتميز فيها شركة “تاترا”. (راجع الشكل التوضيحي “خرائط قيمة زبائن شركة “تاترا”).

قد تُستخدم محفزات القيمة بصفتها محركات ابتكار، وذلك لأنها تكمن بين الأفكار المجردة المتمثلة في “الاستعداد للدفع” و”الاستعداد للبيع” وبين السمات المحددة التي تصف منتجاتك أو خدماتك الحالية. ويوجد ميزتان لتلك الفكرة؛ أولاً، تُعدّ محفزات القيمة مفيدة لإجراء تحليل على الأعمال التجارية الحالية، وهي مهمة بسيطة هدفها ربط أحد محفزات القيمة بنماذج التشغيل ومؤشرات الأداء الرئيسة ومقارنة الأداء بأداء المنافسين. ثانياً، قد تكون محفزات القيمة مفيدة في التفكير في الفرص، وذلك لأنها لا تحدد تفاصيل كيفية تلبية احتياجات زبون معين، كما أنها تساعدك في استكشاف طرق جديدة لإرضاء الزبائن والموظفين والموردين. فمن غير المرجح أن يتساوى نجاح الشركة مع نجاحك في بيع مزيد من المنتجات عند التركيز على محفزات القيمة، بدلاً من أنماط النجاح السابقة أو توجهات القطاع. (راجع الشكل التوضيحي “خرائط القيمة للموظفين والموردين”).

تنطوي الخطوة التي تلي إعداد خريطة القيمة على تحديد محفزات القيمة التي توفر أقصى الإمكانات لخلق القيمة المستقبلية والتفكير ملياً في المبادرات الاستراتيجية التي ستدعمها. تُعتبر تلك الخطوة دقيقة للغاية، ومن غير المنصف إيجازها هنا (يتوفر شرح أوسع في كتابي الذي يحمل عنوان “استراتيجية أفضل وأبسط” (Better، Simpler Strategy))، لكن تذكر تلك المبادئ الثلاثة.

استثمر في عدد قليل من محفزات القيمة المترابطة

يُعتبر اختيار كيفية تحسين عرض قيمة شركتك في نهاية المطاف مسألة توقع العائد على فرص الاستثمار المختلفة. ما هي تكلفة تعزيز أحد محفزات القيمة المعينة، وما هي الزيادة التي تتوقعها في “استعداد الزبائن للدفع” في المقابل؟ تجد العديد من الشركات أنه من المفيد تحديد مجموعة من محفزات القيمة المترابطة التي تسهم مجتمعة في تحقيق الهدف الأكبر، وهو ما يساعد تلك الشركات في التميز في أذهان زبائنها (“تاترا هي الشركة التكنولوجية الرائدة في مجال الخدمات المصرفية”)، ويجعلها فاعلة من الناحية التشغيلية، إذ غالباً ما تحصل محفزات القيمة المترابطة على دعم من أنشطة مماثلة. على سبيل المثال، أتاح بناء القدرات الرقمية لشركة “تاترا” تحسين العديد من محفزات القيمة المهمة.

قاوم الرغبة في اللحاق بالركب

عندما يدرس المسؤولون التنفيذيون خرائط القيمة لأول مرة، يركز الكثيرون منهم على محفزات القيمة التي تتخلف فيها شركاتهم عن الشركات الأخرى، ويحددون بسرعة المبادرات التي تتيح لهم اللحاق بركب المنافسة. لكن ذلك النهج خاطئ لأن القدرة على الاستحواذ على القيمة تعتمد على الاختلافات في خلق القيمة. فعندما يختار الزبون بين شركتين لهما خرائط قيمة متطابقة تقريباً، سينصب اهتمامه على السعر. وكلما زاد التشابه بين خرائط قيمة الشركتين، زاد الضغط للتنافس على السعر. بمعنى آخر، ينطوي الهدف على زيادة التمايز وليس سد الفجوات.

واصل إصرارك على إجراء التنازلات

أجد عندما أعمل على نهج خرائط القيمة مع المسؤولين التنفيذيين أنهم يفهمون من الناحية النظرية ضرورة أن تختار جميع الشركات المجالات التي يجب أن تركز فيها طاقاتها ومواردها. لكنهم يرغبون عندما يطورون خرائط القيمة الخاصة بشركاتهم في تعزيز كل محفز من محفزات القيمة إلى الحد الأقصى، ويكون دافعهم ذلك قوياً؛ لكن يجب عليهم التخلي عن تلك الدوافع، وذلك لأن الاستراتيجية القوية تنطوي على التنازلات دائماً، ولا يمكن لأي شركة أن تبرع في كل شيء في النهاية.

يكمن خلق قيمة للزبائن والموظفين والموردين في صميم الاستراتيجيات التي تسفر عن أداء ممتاز. وينعكس ذلك التوجه نحو خلق القيمة في أفضل الشركات في كل قرار يتخذه الموظفون في جميع مستويات المؤسسة. ويظهر التركيز على خلق القيمة في الخطط الاستراتيجية الكبيرة وفي القرارات اليومية الصغيرة.

حصل تفاعل بيني وبين مندوبة مبيعات في محل لبيع الزهور قبل بضع سنوات يوضح كيف يمكن للتركيز على خلق القيمة أن يتغلغل في المؤسسة بأكملها، وفي أقصر تفاعلات الزبائن حتى. كنت أنوي إرسال الزهور إلى صديق في عيد ميلاده، إلا أنني نسيت ذلك تماماً، ولم أتذكر إلا بعد أيام قليلة؛ فاتصلت بالمتجر على الفور لعمل الطلب، كان الوقت بعد الظهيرة، وسألتني مندوبة المبيعات عما إذا كنت أرغب في تسليم الزهور في ذلك اليوم أو في اليوم التالي. واعترفتُ بأني نسيت عيد ميلاد صديقي وطلبت منها إرسال الزهور بأسرع وقت ممكن. لكن ردها فاجأني، إذ قالت: “يمكننا تحمّل اللوم على تأخر التسليم إن أحببت”.

لم أكن أريدها أن تكذب من أجلي بالطبع، لذلك لم أقبل عرضها. إلا أنني أدركت من خلال تلك المحادثة القصيرة أن مندوبة المبيعات تلك لم تعتبر وظيفتها على أنها مجرد بيع للزهور، بل كانت تركز على خلق قيمة لزبائنها من خلال زيادة “استعدادهم للدفع”، وهو ما فعلته بالضبط. وتلقيت في العام التالي بريداً إلكترونياً من المحل نفسه قبل أيام قليلة من عيد ميلاد صديقي يذكرني أن الوقت قد حان لعمل الطلب. قدمت الطلب بالفعل، على الرغم من أن السعر كان باهظاً، لكنني كنت على استعداد لدفع المبلغ كصفقة منصفة لقيام المتجر بحل مشكلتي، وهو ما مثّل نجاحاً بارزاً لاستراتيجية محل بيع الزهور.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .