ملخص: عندما تكون معتاداً على النظر إلى شخصيتك كمحترف وصاحب إنجازات قد لا تتقبل أن تتسبب تصرفاتك ومستوى طموحك بالتشكيك في هذه النظرة. لكن تخفيض سقف طموحاتك لا يعني بالضرورة التخلي عن تاريخك المليء بالنجاح ولا يعني التحول إلى شخص متقاعس. فقد يعني أنك قد أدركت أخيراً كيف تحافظ على نجاح وطموح مستدامين. تتحدث كاتبة هذا المقال عن ثلاث استراتيجيات تمكّنك من تقبل فكرة تخفيض سقف طموحاتك، حتى لو تعارضت هذه الفكرة مع نظرتك إلى نفسك كمحترف مفعم بالحماس.
تنهال علينا في بداية كل عام جديد النصائح حول طرق التخطيط الفعالة لتطوير مهاراتنا المهنية في السنة الجديدة وكيف نحقق أهدافاً رئيسية لطالما أجلّنا السعي إلى تحقيقها. ولكن ماذا لو لم تتناسب هذه الطرق مع ظروفك في هذا العام؟
يُعبر عملائي على نحو متزايد عن رغبتهم في تخفيض سقف طموحاتهم المهنية آنياً على الأقل. وفي هذا السياق كشف تقرير حديث لمؤسسة غالوب (Gallup) أن الإجهاد بين العاملين وصل إلى أعلى مستوى له على الإطلاق وأن "تحسن الظروف" يطول ثلث العاملين فقط. ومع الضغوط التي فرضتها الجائحة والإجراءات التي اضطررنا جميعاً إلى اتخاذها للتأقلم في مجالاتنا المهنية، فليس من المستغرب أن ننحني قليلاً للريح.
وغالباً ما تترافق الرغبة في التخفيف من التحديات مع التردد أو حتى الشعور بالعار. وعلى الرغم من الواقع الذي يشي بأن العديد من العاملين يعانون من الشعور بالضيق خلال السنوات القليلة الماضية، فقصة نجاح الحياة المهنية ما تزال تحمل نفس العناوين، على غرار: ثابر في عملك لكي تحصل على ترقية، استحوذ على المزيد من العملاء، حقق شهرة أكبر، ارتقِ في السلم الوظيفي.
وتلك العناوين تعطي انطباعاً بأن الرغبة في وتيرة أقل اندفاعاً في العمل والاكتفاء بعدد أقل من العملاء والمسؤوليات قد تهددان مسيرتك المهنية. وقد أعرب عدد من الزملاء والعملاء عن مخاوفهم من أن ذلك التخفيف قد يؤدي إلى خروجهم من سياق العمل أو نسيانهم من قبل عملائهم حتى لو اقتصر ذلك على فترة عام أو عامين. وقد تبدو فكرة التراجع من الناحية النفسية وكأنها خيانة لتاريخهم، وهم الذين عملوا واجتهدوا لبناء مسيرة متنامية من الإحالات والأعمال التجارية الجديدة التي يرفضونها الآن.
ولهذه المخاوف مبرراتها حيث كشف البحث الذي أجرته سيلفيا آن هيوليت حول النساء اللائي يعدن إلى العمل بعد أخذ إجازة للاعتناء بأطفالهن عن المستوى المذهل للصعوبة التي واجهنها، حتى لو قصرت الفجوة الزمنية وتمتعن بمؤهلات عالية الكفاءة. وليس مستغرباً أن يواجه أي من العاملين، ذكراً كان أو أنثى، الصعوبة نفسها في العودة إلى العمل بعد فترة إجازة أو حتى فترة يتسم فيها حجم العمل بالانخفاض النسبي.
لكن في حال شعرت بالإرهاق أو عدم القدرة على التحمل وبصرف النظر عن المخاطر المهنية المحتملة، فمن المهم أن تدرك تماماً متى تنهار أو متى تكون على وشك الانهيار. إليك ثلاث استراتيجيات يمكنك من خلالها تقبل فكرة تخفيض سقف طموحاتك، حتى لو تعارضت هذه الفكرة مع نظرتك إلى نفسك كمحترف مفعم بالحماس.
ركوب الأمواج
كما تحدثت في كتابي "اللعبة الطويلة الأمد: كيف تفكر على المدى البعيد في عالم قصير الأجل" (The Long Game: How to Be a Long-Term Thinker in a Short-Term World)، يميل العاملون ولأسباب منطقية إلى الاستمرار في مضاعفة الاعتماد على الاستراتيجيات التي أثبتت فعاليتها بالنسبة إليهم في العمل، (فمثلاً إن كنت تعتمد على استراتيجية توسيع شبكة معارفك المهنية فمن الوارد أن تستمر في الاعتماد عليها). ولا تعد هذه استراتيجية سيئة بشكل عام، لكنها ستصبح عبئاً ثقيلاً عليك في حال أخفقت في معرفة متى يجب أن تنتقل إلى استراتيجية أخرى، (من المفيد أن تعمل على توسيع شبكة معارفك المهنية، لكن القيمة الإضافية لإضافة جهة جديدة إلى هذه الشبكة ستكون منخفضة عندما تتراجع عندك تقييمات الأداء لأسباب أخرى مثل تجاهل تحسين مهارات التحدث أمام الجمهور).
فالسر هنا هو فهم كيفية "ركوب الأمواج" ومعرفة الوقت المناسب لركوب موجة أخرى والتركيز على استراتيجية جديدة. وينطبق ذلك على المجالات المهنية وغير المهنية (على سبيل المثال تحويل الوقت الذي تقضيه في حفلات بناء الشبكات إلى حضور فصول دراسية لتعليم فن التحدث أمام الجمهور). وبعد أعوام أو عقود من العمل الجاد قد يحين الوقت بالنسبة إلى العديد من العاملين لتحويل اهتمامهم لصحتهم في حال تراجعها، أو لطفل يحتاج إلى الاهتمام كما يفعل أحد عملائي الآن، أو أي اهتمامات شخصية خارج نطاق العمل.
لا وجود لجدول زمني كامل
بات الجميع يعرف مخاطر "فخ المقارنة" في هذه الأيام، حيث نقيس تقدمنا من خلال مقارنته مع تقدم الأقران والزملاء، وذلك ما يقودنا إلى فقدان البوصلة أحياناً. قد يُعد ذلك سلوكاً مفيداً في بعض الأحيان إذ يتيح لنا تصور وجود إمكانيات جديدة لدينا ويحفزنا على المنافسة الشريفة، لكنه غالباً ما يؤدي إلى جلد الذات. لماذا لم أستطع أن أترقى في العمل عندما ترقى زيد؟ لماذا لا يمكنني إبرام عقد ضخم مع أحد العملاء كما فعل عمرو، أو لماذا لم أنشر كتاباً مثلما فعل خالد العام الماضي؟ ما العيب فيَّ؟
قد يبدو التذكير بأن "لكل منا مساره الخاص" دون فائدة، لكنه صحيح. عبرت لي زميلة عبر مكالمة هاتفية عن إحباطها لبطء تقدم المشاريع التي تعمل عليها حيث لم تتقدم بالسرعة التي كانت تتمناها. والسبب وفاة أقرب أصدقائها وشريكتها في العمل بشكل مفاجئ قبل بضعة أشهر فقط. وكانت عميلة أخرى على وشك اتخاذ خطوات لتحقيق مجموعة من الأهداف المهنية عندما ضربت كارثة طبيعية المنطقة التي تقطن فيها. وانشغلت بجهود الإغاثة بدوام كامل تقريباً وهي قلقة حيال تأثير ذلك على عملها.
من الطبيعي أن نرغب في تحقيق الأهداف التي وضعناها سلفاً، وبخاصة عندما نرى الناس من حولنا يحققون أهدافهم. لكن علينا أن نتسامح مع أنفسنا وأن ندرك أن جدول أعمال كل شخص منا تقريباً سينحرف عن مساره في مرحلة ما، ولا نعرف متى أو بأي طريقة.
قد يبدو الآن قضاء بعض الوقت في تخفيف أعباء العمل، في حال كنت في حاجة إلى تخفيفه، وكأنه اتخاذ خطوة إلى الوراء، ولكنه قد يمنحك الطاقة والرؤية اللتين تحتاج إليهما للمضي قدماً بسرعة أكبر وفعالية أعلى مستقبلاً. ولأن الكثير من الناس حالياً يقوم بإعادة تقييم لأولوياته وطموحاته في عالم ما بعد الجائحة، فقد يكون الوقت مثالياً لاستجماع قواك، وذلك لأن القليل من الأشخاص "سيتفوقون عليك" في المسار الوظيفي التقليدي مقارنة بالأوقات السابقة، لذا فأخذ استراحة قد لا يشعرك بتأنيب الضمير.
افهم شروط النمو
غالباً ما يبدو النجاح وكأنه لعبة فيديو، حيث يقود الاجتهاد في العمل إلى النجاح، أي قضاء المزيد من الوقت لإجراء الاتصالات وطرح المقترحات وإنجاز المزيد من المهام. لكن في بعض الأحيان عليك أن تتوقف، بخاصة إذا أرهقت نفسك وتعرضت قدرتك على الإنجاز بالطرق التقليدية للخطر. لأنك بحاجة للقيام بعمل آخر.
منذ ما يقرب من عقد من الزمان توقفت عن العمل لمدة شهر (وكتبت عن تلك التجربة لهارفارد بزنس ريفيو). يستلزم أخذ استراحة طويلة تقديم التضحيات (استراحة تكون فيها بعيداً عن أجواء العمل). وكنت حينها في الأيام الأولى من إدارة أعمالي، وكنت متوترة للغاية بشأن الآثار الاقتصادية لإيقاف العمل لأنني لم أكن قد قمت بتكوين أي مصادر للدخل الخامل بعد. وتسبب بعدي عن أجواء العمل بخسارة ما كان يُعد في ذلك الوقت عائدات كبيرة من العملاء الذين كنت أتقاضى منهم أتعاباً شهرية.
لكن بنظرة إلى الماضي قبل عشر سنوات، يبدو المال لي ضئيلاً جداً نسبة إلى ذكريات سعيدة لقضاء شهر من الترحال في أرجاء الهند. وحتى على المدى القصير، اكتشفت فائدة غير متوقعة. فبعد أيام قليلة من عودتي كتبت مقالاً عن خمسة أشياء يجب أن تتوقف عن ممارستها في عملك وكانت نتيجة التأمل الذاتي الذي ألهمتني تلك الرحلة أن أمارسه لأعرف الطريقة التي أرغب بها أن أعيش حياتي. وقد حقق ذلك المقال نجاحاً غير متوقع، وكان من أكثر المقالات شعبية في العام على الرغم من نشره في منتصف ديسمبر/كانون الأول.
عندما تسمح لنفسك بالقيام بممارسات مختلفة، سواء كانت رحلة سياحية لمدة شهر أو عاماً من التخلي عن عقلية العمل المجهد والتركيز على مجالات أخرى من حياتك ورفاهيتك، ستحصد نتائج مختلفة. وعلى الرغم من أنك قد "تقصر" في بعض المقاييس التي اعتدت عليها لتقييم نفسك، فقد تجد أيضاً مصدراً للإلهام في مجالات جديدة أو تستخلص أفكاراً جديدة قد تصبح ملهمة لك وللآخرين في المستقبل.
عندما تكون معتاداً على النظر إلى شخصيتك كمحترف وصاحب إنجازات قد لا تتقبل أن تتسبب تصرفاتك ومستوى طموحك بالتشكيك في هذه النظرة. لكن تخفيض سقف طموحاتك لا يعني بالضرورة التخلي عن تاريخك المليء بالنجاح ولا يعني التحول إلى شخص متقاعس. فقد يعني أنك قد أدركت أخيراً كيف تحافظ على نجاح وطموح مستدامين.