ملخص: صدق أو لا تصدق، لست مضطراً لأداء مهمات الوظيفة التي تم تعيينك لأدائها! بل يمكنك تحويل أي وظيفة (مُملة) إلى وظيفة تحبها. كيف ذلك؟ من خلال تصميم الوظائف.
- ترتبط عملية تصميم الوظائف بالعقلية والمهارة اللتين تسمحان بصياغة وظيفتك وتشكيلها وإعادة تعريفها بحيث تُمدك بالحيوية دون الخروج عن السياق العام للمهمات المطلوب أداؤها.
- تحقق عملية تصميم الوظائف أقصى درجات النجاح عندما تتمكّن من إضفاء الطابع الشخصي على عملك مستغلاً قواك الخارقة؛ أي مواطن قوتك واهتماماتك المميَّزة التي تجعلك شخصاً استثنائياً.
- هناك 3 طرق يمكنك من خلالها استخدام قواك الخارقة في عملك: التفكير في آليات العمل والعنصر البشري والغاية المنشودة.
نشأ الكثيرون منا على الإيمان بفكرة أن تعييننا في شركة ما يوجب علينا أن نلتزم التزاماً حرفياً بفعل كل ما هو منصوص عليه في الوصف الوظيفي لأدوارنا، بمعنى أنك مسؤول عن فعل (س)، وهذه هي الطريقة التي يجب عليك اتباعها لفعله.
ويقتضي الإنصاف أن نشير إلى أن هذا الفكرة كانت منطقية في الماضي، لأن معظم الأفراد كان يُكافأ على فعل ما يؤمر به.
لكن هذه العقلية لم تعد مقبولة هذه الأيام، ولم تعد تصلح كطريقة للتفكير. فقد أدت التطورات التكنولوجية المتلاحقة وتغيُّر توقعات العملاء إلى عجز الكثير من الأدوار الوظيفية عن التكيُّف بالسرعة الكافية لمواءمة السياق العام للمهمات المطلوب أداؤها. وإذا التزمتَ التزاماً حرفياً بفعل ما تم تعيينك لفعله، فسيفوتك (أنت وعملك) الكثير في نهاية المطاف. بالإضافة إلى ذلك، ستشعر بالملل وغياب الحافز والإلهام.
ويمتلك كلٌ منا أفكاراً خاصة ومواطن قوة حبته بها الطبيعة، علاوة على الرغبة في تعلُّم أشياء جديدة. ولم تعد فكرة "فعل ما نؤمَر به" وصفة جيدة لتحقيق إنجازات أو أعمال عظيمة، كما لم تعد فكرة "العمل في صمت" و"التركيز على العمل الذي بين يديك فحسب" لاستكمال يوم العمل ملائمة لسياق العمل في العصر الحديث.
لكن ثمة حل لهذه المشكلة: من خلال تصميم الوظائف.
وعملية تصميم الوظائف باختصار هي القدرة على أخذ زمام المبادرة لإضفاء الطابع الشخصي على دورك الوظيفي الحالي. وترتبط هذه العملية بالعقلية والمهارة اللتين تسمحان بصياغة وظيفتك وتشكيلها وإعادة تعريفها بحيث تُمدك بالحيوية دون الخروج عن السياق العام للمهمات المطلوب أداؤها. ويمكنك التدرُّب على ممارستها شيئاً فشيئاً منذ هذه اللحظة واستخدامها طوال حياتك المهنية.
تحقق عملية تصميم الوظائف أقصى درجات النجاح عندما تتمكّن من إضفاء الطابع الشخصي على عملك مستغلاً قواك الخارقة؛ أي مواطن قوتك واهتماماتك المميَّزة التي تجعلك شخصاً استثنائياً. (وكلنا نمتلك هذه القوى). وهناك 3 طرق يمكنك من خلالها استخدام قواك الخارقة في عملك: آليات العمل والعنصر البشري والغاية المنشودة.
(لم تكن تعتقد أنك ستقرأ مقالة مثل هذه دون مطالعة "3 قوى" أليس كذلك؟).
آليات العمل
كيف أستخدم مواطن قوتي لأستمتع بالعمل الذي أؤديه يومياً؟
لقد نشأتُ في كَنَف أبٍ يعمل سائق شاحنة وأمٍّ تعمل سكرتيرة. وكانت الطريقة التي تُنظر بها أسرتي إلى العمل تقوم على فكرة أن المرء يجب ألا يتوقَّع أن يحب ما يعمل. وقد اشتكيتُ لأبي ذات مرة من شعوري بالملل في وظيفتي في السوبر ماركت، فأجابني: "من الطبيعي ألا تحب عملك، لذا يسمونه العمل".
ولعلّك قد نشأتَ أنت أيضاً في ظل عقلية كهذه. لكنها وصفة للإصابة بالاحتراق الوظيفي والشعور بالإحباط. ومن هنا كان تصميم وظيفتك بما يلائم مواطن قوتك أكثر إرضاءً من أداء عمل لا تحبه مقابل الحصول على راتب أو أجر فحسب.
ولك أن تنظر مثلاً إلى تشارلز الذي يعمل مدير مبيعات في شركة لبيع المشروبات. كنا قد التقينا معاً قبل 6 أعوام، عندما حضر ورشة عمل كنتُ أحاضر بها في كلية لندن للأعمال. كان تشارلز شخصية مُنفتحة، وقد بدأ مسيرته المهنية مندوباً للمبيعات. كان يحب التفاعل مع الآخرين، ولطالما شعر بالطاقة والحيوية حينما كان يمارس البيع. وبعد أقل من عامين، أصبح رئيساً لقسم المبيعات في الشركة، وبعدها بقليل، تمت ترقيته مرة أخرى إلى منصب مدير المبيعات.
كان تشارلز يكسب الكثير من المال، ويقود فريقاً مكوناً من 20 فرداً، لكن للأسف لم يعد يحب وظيفته كما كان من قبل. لقد عيّن موظفين يتحدثون إلى العملاء، لكن نادراً ما أتيحت له الفرصة للتحدث معهم بنفسه. وكان يقضي معظم وقته فيما أسماه اجتماعات "مُملة"، أو معالجة ما بدا أنه أعمال عاجلة يكلّفه بها مديره. وهكذا لم يعد عمله هادفاً كما كان من قبل.
ثم شرع في عملية تصميم الوظائف. فقد قرر تشارلز أن يستقّل سيارته كل أسبوع ويزور أحد عملاء الشركة، ليس بقصد بيع أي شيء، بل للتحدث معهم فقط وممارسة قوته الخارقة. لم يكن هذا جزءاً من وظيفته الرسمية، لكنه أحبه، ومن هنا بدأ الكثير من مهماته الأخرى يأخذ معنى بمجرد أن أضاف هذا العمل التطوعي إلى قائمة مهماته. وإذا أراد أن يجري مقابلة شخصية مع مرشح لشغل وظيفة معينة، فكان يجد لديه الآن قصصاً جديدة يرويها. وإذا أراد أن يلتقي مرؤوسيه المباشرين، فيمكنه التواصل معهم بشكل أفضل حول آليات العمل في السوق التي يواجهونها.
ويمكننا جميعاً فعل ما فعله تشارلز إذا تحلينا بالعقلية الصحيحة؛ أي أخذ زمام المبادرة لاستحداث مهمة جديدة مثيرة في عملنا، سواء كانت مهمة كبيرة أو صغيرة. فكّر في الأمر كطريقة لتخصيص مكافآت غير مالية تقدمها لنفسك، بحيث تدفعك إلى الاستيقاظ في الصباح وأنت تشعر بالسعادة والتطلع لنيلها.
العنصر البشري
كيف أحسّن علاقاتي في العمل حتى تكون أكثر إلهاماً؟
قد يبدو أنك لا تمتلك الكثير من الخيارات عندما يتعلق الأمر بزملائك. ولا يمانع الكثيرون منا في "قبول" علاقات العمل التي تصيب معنوياتنا بالإحباط، وإن كانوا يقبلونها على مضض، لا لشيء إلا لأننا نعتقد أنها ستساعدنا على تحقيق النجاح. وننسى أنه يمكننا في معظم الأحيان انتقاء الأقران الذين نختار أن نحيط أنفسنا بهم.
وتُعتبر صديقتي كيسيا خير مثال على ذلك. فقد كان على كيسيا ذات مرة "قطع" علاقة عمل، على الرغم من أنها بدت علاقة ناجحة جداً. فعندما قبلت أول وظيفة لها في الأوساط الأكاديمية، بدأت كيسيا مشروعاً بحثياً مع زميل وموجه كان يعمل أستاذاً جامعياً أعلى منها منصباً. وقد نُشر البحث في مجلة مرموقة. واستمر الاثنان مؤلِّفَين مشارِكَين لما يقرب من عقد من الزمان، ولكن مع مرور الوقت، أخذ أستاذها يكيل الانتقادات لأسلوبها في الكتابة ولطريقتها في العمل. بدأت كيسيا تشعر بأن علاقتهما باتت علاقة غير سوية وأن الأمر يزداد سوءاً بمرور الأيام. لقد تمت ترقيتها مرتين، وهي الآن تحمل المسمى الوظيفي نفسه الذي يحمله "موجهها" الذي استمر في إبقاء كيسيا تحت جناحه، فكان يُملي عليها الموضوعات التي يجب بحثها وكيفية تحليل البيانات، ولم يكُف عن توجيه انتقادات لاذعة لأسلوبها في اختيار الكلمات. وأدت العلاقة بينهما إلى إفساد شعور كيسيا تجاه العمل. وبعد تفكير طويل ومؤلم، قرّرت إنهاء شراكتهما والعمل مع زملائها الآخرين الذين منحوها الشعور بالطاقة والحيوية.
هل كان هذا خياراً واضحاً؟ كلا، لم يكن الأمر واضحاً لكيسيا. في الواقع، لن يكون هذا النوع من القرارات واضحاً للكثيرين. وحذارِ أن تقع في هذا المزلق، واحرص بدلاً من ذلك على أن تسأل نفسك: "كيف أزيد من تفاعلاتي مع الزملاء الذين يلهمونني ولا يُفسدون جودة حياتي؟".
حتى إذا لم يكن لديك خيار فيما يتعلق بالأشخاص الذين تعمل معهم، فلا يزال بإمكانك إعادة صياغة جودة علاقاتك. جرّب هذه الطريقة: اختر شخصين تتفاعل معهما بانتظام واكتب لهما رسالة عبر البريد الإلكتروني تصف فيها ذكرياتك عن المرات التي استخدما فيها قواهما الخارقة لتقديم إسهامات مميَّزة في عملك أو مؤسستك. واحرص على استخدام الكثير من التفاصيل. ("كان هذا هو الموقف، وهذا ما فعلتماه، ولقد صنعتما الفارق بهذه الطريقة"). وكلما كنت أكثر تحديداً، زادت قوة العلاقة التي ستنشئها. إذ تساعد القصص المعبّرة عن الامتنان على تعزيز التواصل، وتسهم في تقدير الآخرين لجهودك وتحسين علاقاتك.
الغاية المنشودة
ما القصة التي أرويها لنفسي عن سبب أدائي لعملي، وهل يمكنني جعل السردية أكثر إلهاماً؟
ينتظر البعض أن يمنحه مديره أو قائد مجموعته إحساساً بالغاية المنشودة. لكن إذكاء الإحساس بالغاية المنشودة في قرارة نفسك يتطلب أكثر من مجرد إلقاء خطبة مفوَّهة أو التذكير برسالة الشركة. إذ تتوقف الغاية المنشودة في المقام الأول على فهم مدى تأثيرك في الآخرين وتطوير قصة حول سبب قيامك بما تفعله.
وهذا يعني أن الغاية المنشودة هي في الأساس قصة ترويها لنفسك، ويمكنك صياغة هذه القصة بالطريقة التي تروق لك. يمكنك تطوير سردية أفضل حول "السبب" الذي يقف وراء سلوكياتك.
استثمر بعض الوقت في التعرُّف إلى عملائك؛ أي الأشخاص الذين يحتاجون إلى عملك لتحقيق أهدافهم. قد يكون هذا العميل موظفاً آخر في مؤسستك يستخدم عملك لاتخاذ قراراته وصناعة منتجاته، أو قد يكون العميل شخصاً خارج شركتك، مثل الشخص الذي يجب عليك التأثير فيه أو بيع شيء له.
تحدّث إلى عملائك. اسألهم عما إذا كان عملك يجعل حياتهم أفضل أم يحيلها إلى جحيم. كن فضولياً ومنفتحاً في أثناء هذه المحادثات، وابحث عن طرق لتحسين كل ما تقدمه. سيساعدك هذا على معرفة المهمات الجديدة التي يمكنك أداؤها والمهمات التي تحرص على أدائها وتفيد بها الآخرين.
وإليك طريقة أخرى لفهم أثر عملك: احرص في كل نشاط تؤديه في العمل على أن تسأل نفسك: "لماذا أفعل هذا؟". على سبيل المثال، إذا كنتَ تعد تقريراً محاسبياً كل أسبوع، فاسأل نفسك: "لماذا أُعدُّ هذا التقرير؟". واستمع إلى القصة التي ترويها لنفسك عن هذه المهمة. قد تجد أنك لا تحب قصتك الحالية. وقد تجد أن إجابتك الأولى هي: "لأنني مضطر لذلك، إنها وظيفتي". (شكراً أبي).
وإذا كان الأمر كذلك، فحاول إضفاء طابع شخصي على الغرض من المهمة بحيث تجدها أكثر إلهاماً. على سبيل المثال، بعد التعرُّف إلى عملائك، يمكنك صياغة إجابتك على النحو التالي: "أُعدُّ هذا التقرير الأسبوعي حتى يتمكن القادة من اتخاذ قرارات رشيدة". ثم تابع الأمر مع نفسك واسأل: "لماذا أهتم باتخاذهم قرارات رشيدة؟". قد يبدو الأمر أشبه بلعبة، ولكن إذا تمكنتَ من العثور على قصة تشعر بأنها تهمك، فستكون أكثر شغفاً بعملك وستزداد لديك القدرة على التحمُّل.
وتذكَّر أن الانتقال من عقلية الوظيفة التقليدية إلى عقلية تصميم الوظائف لن يغيّر كل شيء دفعة واحدة. إذ لا يزال عليك أن تساعد شركتك على تحقيق أهدافها النهائية. ولا يزال عليك إنجاز العمل من أجل الحصول على الراتب أو الأجر. لكن عملك سيبدو هادفاً بشكل أكبر. ولن يبدو مثل "رحلة تخوضها مكرهاً إلى أن تصل إلى عطلة نهاية الأسبوع". وسيستفيد منك صاحب العمل بشكل أكبر، لأنك حينما تكتسب مزيداً من الشعور بالطاقة والحيوية، ستزداد قدرتك على المثابرة والإبداع، ومن ثم تساعد مؤسستك على التكيُّف مع المتغيرات المحيطة.