كيف نحوّل فن القيادة إلى واقع عملي؟

3 دقائق
ممارسة القيادة
shutterstock.com/everything possible
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

على مدى 10 أشهر تقريباً، سنحت لي الفرصة للسفر إلى أنحاء أميركا الشمالية لإلقاء محاضرات عن مفهوم القيادة في الظروف العصيبة وما يتطلبه ذلك الأمر. أحياناً أقول: “لو كنت أعلم أن موضوع الظروف العصيبة سيكون محور الاهتمام إلى هذا الحد لكنت فكرت في استغلاله والحديث عنه منذ وقت طويل، لكن أعتقد أنني كنت بحاجة إلى تحسّن الظروف الاقتصادية”.

بعيداً عن هذا، مرّ العالم بظروف صعبة شكّل فيها موضوع القيادة ضرورة مُلحة ومهمة لتحقيق النجاح والتغلب على هذه التحديات. أقول ذلك وأنا مدرك تماماً أن جزءاً من المسؤولية عن الركود الاقتصادي الكبير الذي نمر به يتحمله فشل القيادة في القطاعين العام والخاص. لم يؤدِّ أولئك الذين يتولون المناصب القيادية واجباتهم في تطبيق مفاهيم القيادة وتنفيذ أساليبها على نحو صحيح. لذلك، حان الوقت لنتعلم المزيد عن ممارسة القيادة وفهم فنونها.

تتطلب ممارسة القيادة أن يكون القائد قدوة حسنة للآخرين، بالإضافة إلى تقديم الرؤية والتوجيه وتنفيذ كل ما هو ضروري لنجاح الأفراد وتحقيق أهداف المؤسسة. أما فن القيادة، وهو الجزء الأصعب، فيتضمن معرفة ما يجب تنفيذه، بالإضافة إلى التوقيت المناسب والغاية وطريقة التنفيذ.

اسمحوا لي أن أقدم لكم مثالاً شاركه معي نائب الرئيس التنفيذي لشركة تي بي أيه غلوبال (TBA Global)، مارك شيرن، وهي شركة تعمل في تسويق الفعاليات والإعلام. قدَّم مكتب الشركة الكائن في مدينة ديترويت بولاية ميشيغان الأميركية خدمات جيدة لشركات صناعة السيارات، لكن مع حالة الركود التي شهدتها هذه الصناعة في الآونة الأخيرة، خسر المكتب جزءاً كبيراً من أعماله. كان أسهل قرار يمكن اتخاذه في هذه الحالة هو إغلاق المكتب. لكن مارك وفريقه كانت لديهم فكرة أفضل من شأنها الحفاظ على وظائف العاملين. يقول مارك: “كان هدفنا ضمان الاستمرارية والحفاظ على وجود المكتب في مدينة ديترويت بسبب التاريخ الطويل الذي قضته الشركة في تلك المدينة لأكثر من 10 سنوات، في الوقت نفسه، كانت أعمالنا في مجال تنظيم الاجتماعات تشهد نمواً متزايداً”.

لذلك أعادت الشركة هيكلة العمل بمكتبها؛ إذ تحول دوره من تنفيذ الفعاليات والاجتماعات إلى تقديم خدمات تخطيط الاجتماعات. يقول شيرن: “بالإضافة إلى ذلك، كانت ثمة مجموعة من الأشخاص الذين يتمتعون بالمهارات المناسبة لهذا النوع من الأعمال في مكتب مدينة ديترويت، وكانت تكلفة استئجار المبنى أقل بكثير مقارنة بمناطق أخرى. نقلت الشركة أيضاً الموظفين من مدن أخرى، وبالتالي أصبحت تمتلك فرعاً نشيطاً وناجحاً في هذه المدينة”. كما يوضح هذا المثال، فإن فن القيادة يتضمن الحفاظ على وظائف العاملين، بينما تتمثل ممارسة القيادة في اتخاذ قرار إداري صائب بتغيير طبيعة استخدام المكتب وتحويله إلى خدمة الاحتياجات الحالية، ما يسهم في الحفاظ على وجود الشركة وتوفير فرص عمل للموظفين.

إن تعلم الفرق بين هذين الجانبين هو وسيلة جيدة لفهم المطلوب من القادة.

تشمل الممارسة الفعلية للقيادة الجوانب الإدارية. بالنسبة للقادة، ربما يبدو كل من إدارة المسؤوليات وتنفيذ المهام أمراً عادياً وغير مثير، لكنه ضروري لضمان سير العمل بطريقة سليمة وتحقيق الأهداف المرجوة. في حال عدم الاهتمام بالتفاصيل وعدم الالتزام بالأهداف والغايات، يمكن أن تنحرف المؤسسات عن مسارها الصحيح. في الوقت نفسه، يجب على القائد إدارة الأشخاص بالإضافة إلى إدارة التفاصيل. تتضمن إدارة الأشخاص تسكينهم في مناصب يمكنهم من خلالها تحقيق النجاح، بالإضافة إلى تقديم الدعم اللازم لتحقيق أهدافهم.

يتضمن فن القيادة الجوانب الحسية والإبداعية. كما هي الحال في الكثير من جوانب الحياة، يجب أن تختار اللحظات المناسبة لاتخاذ القرارات. ليس من الضروري أن يتدخل القائد في كل موقف؛ إذ يمكن في بعض الحالات أن يكون دوره أكثر فعالية عندما يبتعد ليسمح للفريق باتخاذ القرارات المناسبة. على الرغم من ذلك، ربما من الضروري أن يكون القائد في المقدمة خلال الأزمات لاتخاذ القرارات وتقديم النصائح العملية وتنفيذ الإجراءات اللازمة للمساعدة في إنجاز المهام. إن معرفة الإجراء المناسب والوقت المناسب لاتخاذه يأتي مع اكتساب الخبرة، لكنّ معرفة طريقة تصرف القائد ودرجة مشاركته لا يمكن تحديدها بدقة؛ إذ تُعد هذه المسألة فناً يعتمد على تجربة القائد وقدرته على قراءة الموقف.

على الرغم من وجود العديد من الأسباب التي تدفعنا إلى تعلم المزيد حول فن القيادة وممارستها، يوجد جانب واحد يغفل عنه الكثيرون، ومفاده أن الإدارة هي عملية تنازلية تتضمن التعامل مع التفاصيل، أما القيادة فهي عملية تصاعدية تركز على تقديم التوجيهات والإرشادات للفريق والموظفين لتحقيق النجاح، لذلك تتميز بأنها عملية طموحة بطبيعتها. بالنسبة للمؤسسات التي تكافح في الظروف الصعبة، يُعد الطموح أمراً ضرورياً؛ إذ يسهم في بناء رؤية إيجابية للمستقبل، وبالتالي، يكون سبباً للمثابرة والمضي قُدماً للتغلب على التحديات وتحقيق النجاح. لذلك، تحتاج القيادة الناجحة إلى تحقيق توازن بين الممارسة والقدرة على التفكير الإبداعي والفني لاستشراف المستقبل وتحقيق النجاح والتطور.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .