كيف تتأكد أنك قادر على تحمُل تغيير وظيفتك الحالية؟

4 دقيقة
مسارك المهني
بابو شوكر

على مدار الأعوام الماضية، أصبحت خبيرة في مجال الزعزعة الشخصية بعد الاستقالة من وظيفة مرموقة في إحدى الشركات في وول ستريت ومتابعة العديد من مسارات ريادة الأعمال والمشاركة في تأسيس شركتين استثماريتين وإعادة اكتشاف نفسي بصفتي كاتبة ومتحدثة. إذا كنت تنوي تعديل مسارك المهني، فثمة أسئلة مهمة يجب طرحها. لكن ربما يكون السؤال الأبرز: “هل يمكنني تحمل هذا التغيير؟”.

تعتمد الإجابة عن هذا السؤال جزئياً على الغاية أو الهدف الذي تسعى إليه من خلال مسارك المهني الجديد.

عندما نشتري شيئاً ما، فإننا في الواقع نستخدمه أو نستفيد منه لتلبية حاجة معينة أو أداء وظيفة ما. تتضمن كل وظيفة نرغب في تنفيذها تقريباً بعض العناصر الوظيفية والعاطفية. على سبيل المثال، عندما تنوي شراء منزل، فثمة حاجة واضحة يجب تلبيتها، وتتمثل في توفير مأوى للعيش. على الرغم من ذلك، عندما تشتري منزلاً أكبر من الحجم الذي يلبي احتياجات المأوى الأساسية أو تقضي ساعات في زراعة حديقة في الفناء الخلفي، فثمة جوانب عاطفية تتعلق باختيار منزل أكبر أو إنشاء حديقة جميلة بطريقة تلبي الرغبات الشخصية.

ينطبق الشيء نفسه على حياتك المهنية. من الناحية الوظيفية، يسهم مسار حياتك المهنية في توفير مصدر رزق يساعد في تلبية احتياجات أسرتك الغذائية، بالإضافة إلى تغطية تكاليف تعليم أبنائك وتأمين معاشك التقاعدي. أما من الناحية العاطفية، عندما تعمل في مجال يناسب اهتماماتك ومهاراتك، فسوف تشعر بالرضا عن ذاتك، بالإضافة إلى المكانة الاجتماعية التي تحصل عليها نتيجة الوظيفة التي تشغلها. لذلك، فأنت بحاجة إلى كل من الجوانب الوظيفية والعاطفية في حياتك المهنية. رأيت بعض الأشخاص ممن يسمحون لتلك الحاجات العاطفية أن تطغى على التفكير العقلاني، وبالتالي، يتخذون قرارات متسرعة تتعلق بتغيير مسارهم الوظيفي دون وجود خطة مستقبلية أو شبكة أمان تحميهم من العواقب المالية وعدم الاستقرار. بالإضافة إلى ذلك، رأيت أشخاصاً يعانون قلقاً مستمراً بشأن الأمور المالية لدرجة أنهم يترددون في اتخاذ خطوة جريئة لتغيير وظيفتهم، حتى عندما تكون لديهم شبكة أمان قوية وتأمين مالي مستقر.

أخبرني أحد الرجال أنه بعد 20 عاماً من العمل في مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات، بدأ يشعر بالملل ويتساءل عما يجب فعله بعد ذلك. لكن يبدو أنه لم يتمكن من العثور على الحافز الكافي والإرادة القوية لتجربة مسار وظيفي جديد. ما السبب؟ كانت إجابته الأولية تتعلق بتوفر الأمان المالي أو غيابه. لكن بعد ذلك، أجرى بعض العمليات الحسابية، ولاحظ أن القيمة الصافية لثروته كانت كافية بحيث يمكنه العيش دون استلام راتب لـ 10 سنوات. على الرغم من ذلك، لم يرغب في المخاطرة بتغيير وظيفته. أدرك أن السؤال الصحيح الذي يجب عليه طرحه لم يكن: “هل يمكنني تحمل عواقب تغيير وظيفتي؟” بل “لماذا لا أجرّب ذلك؟”

إذا كنت تواجه صعوبة في فهم سبب عدم استعدادك لخوض هذه المخاطرة، حتى عندما يبدو ذلك مناسباً ومنطقياً من الناحيتين العاطفية والمالية، فيجب عليك التفكير في تقنية طورتها شركة تصنيع السيارات تويوتا تسمى “الأسباب الخمسة”. تستكشف هذه التقنية العلاقة السببية التي تكمن وراء مشكلة معينة، بهدف تحديد السبب الأساسي للفشل. يأتي الرقم 5 من ملاحظة تجريبية حول عدد التكرارات التي تحتاج إليها لحل مشكلة معينة. على الرغم من أن هذه التقنية تُستخدم عادةً بعد فشل المنتج بهدف الوصول إلى جذور المشكلة، لكن يمكن استخدامها أيضاً لفهم سبب صعوبة تغيير مسارك المهني. على سبيل المثال: “لدي ما يكفي من المال للاستقالة من وظيفتي الحالية، لكنني لا أفعل ذلك”. السبب الأول: “لا أعرف ماذا سأعمل بعد ذلك”.

السبب الثاني: “لا أعرف العمل الذي أحبه”.

السبب الثالث: “ليس لدي وقت للتفكير، فأنا دائماً مشغول بالعمل”.

السبب الرابع: “أفضل الاستمرار بالعمل في المجال الذي أتقنه”.

السبب الخامس: “وظيفتي هي هويتي”.

الآن، نحن نتقدم في الاتجاه الصحيح للوصول إلى نتائج مفيدة.

يمكن أن يكون اكتشاف هوية جديدة أحد أكثر الأشياء المخيفة التي يمكن أن تواجهها في حياتك. لكن بمجرد أن تفهم أن المخاوف المالية تخفي السبب الحقيقي لترددك في تغيير وظيفتك، ستكون قادراً على خوض تجربة جديدة.

لكن ماذا لو لم يكن لديك ما يكفي من المال حقاً؟ ربما تكون الأحلام محركاً للزعزعة والابتكار، لكنّ المال هو العنصر الأساسي الذي يمكن أن يساعد في تحقيق تلك الأحلام والانتقال بها إلى مستوى أفضل. لنأخذ مثالاً من عالم تكنولوجيا المعلومات. سيكون من غير المعقول أن نتخذ خطوة مفاجئة ونتوقف عن استخدام البرامج القديمة دون التأكد من أن الإصدار الجديد يعمل على نحو صحيح. لذلك، يعمل مطورو البرامج على تشغيل النسختين جنباً إلى جنب لفترة من الوقت قبل إيقاف تشغيل البرمجيات والميزات الحالية. بالطريقة نفسها، يمكنك الاستمرار في وظيفتك القديمة بالتزامن مع استكشاف مسار مهني جديد.

لطالما أرادت مؤلفة كتاب “الهدوء” (Quiet) الأكثر مبيعاً في صحيفة نيويورك تايمز، سوزان كين، أن تصبح كاتبة، لكنها قررت تأجيل هذا الحلم والتفرغ لشيء عملي أكثر؛ إذ اختارت أن تصبح محامية. عند بلوغها سن الـ 33، كانت ترغب في الاستقالة من عملها، لكنها قررت إنشاء مصدر بديل للدخل، لأنها تقول إنها لا تتمتع بالشجاعة الكافية لتتخلى عن عملها من أجل خوض تجربة جديدة. لذلك، أنشأت شركة استشارية صغيرة لتدريب الناس على مهارات التفاوض، واتخذت من الكتابة هواية تمنحها السعادة، دون أن تجعلها محور حياتها. أسهم وجود مصدر بديل للدخل في تسهيل الانتقال إلى وظيفة جديدة من الناحيتين المالية والعاطفية؛ إذ لم تكن مضطرة للتفكير بالأعباء المالية وكيفية تأمين احتياجاتها الأساسية، ما منحها حرية أكبر للكتابة.

إن تحويل مهنتك الجديدة إلى نشاط ثانوي لفترة من الوقت، لأشهر أو حتى سنوات على سبيل المثال، يتيح لك فرصة لاستكشاف أحلامك المهنية قبل أن تقرر الالتزام بأحدها. يجب عليك أن تمنح نفسك الفرصة لتجربة شيء ربما يبدو مثيراً للقلق والخوف من المجهول أو ربما يكون غير تقليدي أو بعيد المنال. إذا كنت تعلم أن الوقت حان لإجراء تغيير ولم تفعل ذلك، فإن قدرتك العاطفية على متابعة شيء جديد تضعف قليلاً كل يوم. سواء قررت إجراء تغيير أو الاستمرار بالوضع الحالي، فإن ثمة مخاطر تنتج عن هذا القرار.

يبدو الاستمرار في العمل في الوظيفة القديمة والوظيفة الجديدة في آن معاً أمراً جيداً، لكن يمكن أن يمثل تحدياً نفسياً صعباً؛ إذ يتطلب ذلك تحمل ضغط العمل المزدوج. يميل البشر إلى اتباع أنماط التفكير الثنائية (إما هذا أو ذاك)، أي إنهم ينظرون إلى الأمور على أنها اختيار بين اثنين فقط. على سبيل المثال، يكون مفتاح الكهرباء قيد التشغيل أو الإيقاف. إما نبقى داخل المنزل أو نخرج. لذلك، بحكم العادة، فإن السؤال الذي نميل إلى طرحه على أنفسنا هو: “هل نبقى في الوظيفة الحالية، أو ننتقل إلى وظيفة جديدة؟” بدلاً من ذلك، حاول أن تسأل نفسك، “كيف يمكنني البقاء في وظيفتي الحالية وبناء مسار مهني جديد؟” إذا حاول عقلك جذبك إلى التفكير الثنائي “البقاء أو الرحيل”، فتذكر أنك ستكون في وضع أفضل وظيفياً وعاطفياً إذا عملت على ممارسة الأنشطة والتعليم وبناء العلاقات التي تحتاج إليها للانتقال بنجاح نحو وظيفة جديدة، بدلاً من التخلي عن الوظيفة الحالية تماماً وفقدان الاستقرار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .