لماذا لم تستطع تحليلات التسويق الوفاء بوعدها؟

7 دقائق
تحليلات التسويق

لقد وجدنا مفارقة في تيارين تحليليين هامين، إذ نشر موقع (CMO) أحدث استبيان له حول تحليلات التسويق في الشركات، وقد أجرت هذا الاستبيان كلية فوكوا للأعمال في جامعة ديوك، برعاية شركة ديلويت ورابطة التسويق الأميركية. ونتج عن هذه الاستبيان أنّ النسبة المئوية لميزانيات التسويق التي تنوي الشركات تخصيصها للتحليلات على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة سترتفع من 5.8% إلى 17.3%، وهي زيادة كبيرة بنسبة 198%. ونتوقع هذه الزيادات رغم ما يقوله أهم المسوقين عن ضآلة تأثير التحليلات على أداء الشركة بأكملها، إذ يبلغ وسطي الأداء 4.1 نقطة على مقياس من 7 نقاط، حيث تشير النقطة رقم (1) إلى الفعالية المتدنية والنقطة رقم (7) إلى الفعالية المرتفعة. والأهم من ذلك هو عدم وجود ارتفاع يذكر لأثر التحليلات على الأداء خلال الأعوام الخمسة السابقة، إذ بلغ 3.8 نقاط على المقياس ذاته.

تحديات تحليلات التسويق

كيف يمكن ألا تشهد الشركات أية زيادة على كيفية مساهمة التحليلات في أدائها، ومع ذلك تستمر بالتخطيط لزيادة إنفاقها عليها بصورة كبيرة؟ بناء على عملنا مع الشركات الأعضاء في معهد علوم التسويق، وجدنا تفسيراً لهذا التناقض عن طريق قوتين متنافستين، وهما البيانات المستخدمة في التحليلات والمواهب المنتجة للتحاليل. وقمنا بمناقشة كيف أعاقت كل قوة منهما المؤسسات عن تحقيق أقصى إمكانات تحليلات التسويق، وقدمنا وصفات محددة من أجل تحقيق توافق أفضل بين نتائج التحليلات والإنفاق المتزايد عليها.

تحدي البيانات

أصبحت البيانات منتشرة في كل مكان، لذلك، قد نظنّ في بداية الأمر أنّ التحليلات ستكون قادرة على الإيفاء بوعدها في إنشاء القيمة. ولكن البيانات تنمو بشروطها الخاصة، وغالباً ما يكون محرك هذا النمو هو استثمارات تكنولوجيا المعلومات وليس أهداف التسويق المتسقة. وبالنتيجة، تبدو مكتبات البيانات غالباً كخزانة تعمّها الفوضى، ويصعب التمييز بين الآراء المطلوبة والبيانات التي لا قيمة لها.

وفي معظم الشركات، لا يتم دمج البيانات التي يتم تجميعها عن طريق أنظمة مختلفة، فتبقى مجزأة مع عدم توفر المتغيرات التي تطابق البيانات واستخدام نظم ترميز مختلفة. على سبيل المثال، قد تشير بيانات أجهزة الهواتف النقالة وبيانات أجهزة الكمبيوتر إلى مسارات تصفح متماثلة، إلا أنه سيكون من الصعب تحديد سلوك التصفح إذا لم يكن بالإمكان مطابقة بيانات المستهلك مع بيانات الصفحات التي تم الدخول إليها. لذلك يجب التفكير بفهم كيفية دمج البيانات وقياسها قبل جمعها، تحديداً لأنّ ذلك سيخفض كلفة المطابقة.

بالإضافة إلى أنّ معظم الشركات لديها كميات هائلة من البيانات، ما يصعّب معالجتها في الوقت المناسب. ويتضمن دمج بيانات عدد كبير من المستهلكين والمعاملات استخدام رموز وأنظمة وقواميس لترجمتها. وبمجرد تحقيق اتساق هذه البيانات يمكن أن تفوق كميات المعلومات الهائلة طاقة قوة المعالجة وخوارزمياتها. فهناك العديد من النهج التي يمكن استخدامها لقياس التحليلات، ولكن جمع البيانات التي لا يمكن تحليلها أمر غير فعال.

وتتمثل المفارقة في امتلاك بيانات أكثر من اللازم، بأنّ البيانات المتوفرة غالباً ما تحتوي على معلومات أقل من اللازم. وكلما زادت البيانات والمجالات المجموعة أصبح التداخل بينها أقل، وهذا يتسبب بنشوء فجوات في البيانات. مثلاً، قد يكون هناك اختلاف كبير في بيانات التعامل لزبونين متماثلين على مستوى العمليات التجارية. في حين يمثل أحدهما فرصة بيع، قد يقدم الآخر احتمال ربح ضئيل. لذلك، يجب تصميم البيانات مع الأخذ بعين الاعتبار التقدير الصحيح للبيانات غير المتوفرة، لكي يتمّ ملء فجوات البيانات كما يلزم لتحريك الاستراتيجية.

ربما كان الأسوأ هو أنّ البيانات ليست سببية غالباً. على سبيل المثال، صحيح أنّ إعلانات البحث قد تترابط مع المشتريات لأن الزبائن مندفعين للشراء، إلا أنّ هذا لا يعني أنّ الإعلانات هي التي سببت المبيعات. فالمستهلكون يبقون مندفعين للشراء حتى لو لم تعلن الشركة، إذن، كيف يمكننا معرفة ما إن كانت الإعلانات فعالة أم لا؟ والأسوأ من ذلك هو أنّ هذه المشاكل تتفاقم مع نمو البيانات. ولن يتمكن أي استثمار، مهما بلغ حجمه، من ترجمة البيانات المطلوبة من دون خطة التحليلات المناسبة.

يجب أن تقوم الشركات بأمرين كي تتمكن من الاستفادة من قوة التحليلات في وظائف التسويق لديها. أولاً، بدلاً من إنشاء بيانات ثم اتخاذ قرار بما ستفعله بها، يجب على الشركات أن تقرر ما ستفعله أولاً، ثم تحدد البيانات التي تحتاجها لفعله. وهذا يعني دمج التسويق مع تكنولوجيا المعلومات بصورة أفضل، وتطوير الأنظمة حول ما يحتاجه فريق الإدارة العليا من المعلومات بدلاً من إنشاء ثقافة "اجمع البيانات، وصلّ".

ثانياً، يجب أن تنشئ الشركات نظرة شاملة ومتكاملة للمستهلكين تأخذ بعين الاعتبار سلوك كل مستهلك منذ استيقاظه صباحاً حتى خلوده للنوم ليلاً. ويجب جمع كل نقطة عمل محتملة لكل من الاتصالات وعمليات الشراء.عندئذ فقط يمكن للشركات أن تفهم زبائنها تماماً عن طريق التحليلات وأن تطور تجارب ذات مواصفات محددة لإرضائهم. يبين استبيان موقع (CMO) الذي أشرنا إليه آنفاً أنّ أداء الشركات في هذا النوع من التكامل لم يتطور على مدى الأعوام الخمسة الماضية، ما يشكل تحدياً لقدرة الشركات على الإجابة عن أهم الأسئلة بشأن زبائنها.

تحدي محلل البيانات

وجد استبيان موقع (CMO) أيضاً أنّ 1.9% فقط من قادة التسويق قالوا أنّ شركاتهم تملك الموهبة المناسبة للاستفادة من تحليلات التسويق. إذ يصعب إيجاد محللي بيانات بارعين كما يصعب إيجاد البيانات الجيدة. وللأسف، لم يتغير المعدل العام على مقياس من 7 نقاط، حيث تشير النقطة رقم (1) إلى عدم امتلاك الموهبة المناسبة والنقطة رقم (7) إلى امتلاك الموهبة المناسبة، بين عامي 2013 (المتوسط = 3.4 والانحراف المعياري = 1.7) و2017 (المتوسط = 3.7 والانحراف المعياري = 1.7).

تشير الفجوة بين ما تعد به التحليلات وواقعها إلى تباين يحتاج إلى حل. ويجب على الشركات أن تحقق توافقاً أكبر بين استراتيجية بياناتها وموهبة تحليل البيانات من أجل تحقيق النتائج الواعدة التي يمكن أن تحققها التحليلات لمدراء التسويق. وفي غياب الموهبة ستكون البيانات، حتى العظيمة منها، بلا فائدة وستمنع الشركة من الاستفادة بشكل كامل من إمكانات البيانات. إذن، ما هي بعض المميزات التي يجب أن تبحث عنها الشركات في عالِم بيانات جيد؟ يجب عليها مايلي:

تحديد مشكلة الشركة بوضوح. غالباً ما يجد المدراء، الذين يعتمدون على علماء البيانات لمعرفة ما يمكن فعله إزاء مشكلة الشركة، قيمة كبيرة في مجرد الحصول على مساعدة ذاك الشخص في تحديد المشكلة. على سبيل المثال، قد لا يدرك المسوق، الذي يذهب إلى محلل بيانات ويطرح أسئلة عن المحادثات المحركة، أنّ هناك بيانات على قمة قمع عمليات الشراء أيضاً قد تكون ذات صلة أكبر بتحريك المبيعات على المدى الطويل. وبدلاً من استلام الطلبات كما هي، يجب على محلل البيانات أن يستلم الطلبات كما يجب أن تكون، عن طريق تحقيق تكامل الإرشادات مع حاجات الشركة بصورة دقيقة. على سبيل المثال، يجب عليه عندما يُطلب منه تقييم أثر إعلانات التسويق في المبيعات أخذ أثرها على ملكية العلامة التجارية بعين الاعتبار أيضاً.

فهم كيف تحدد الخوارزميات والبيانات مشاكل الشركة. ستشهد الشركات تحليلات أكثر فعالية إذا فهمت الفرق أهداف الشركة بوضوح واطّلعت على الاستراتيجية واهتمت بالهيكلية التنظيمية وتعاملت بصورة مباشرة مع الزبائن. ولتمكين هذا الفهم يجب على محللي البيانات قضاء وقت فعلي خارج التحليلات، ربما عن طريق زيارة الزبائن لتقديم فهم لمتطلبات السوق، وحضور اجتماعات تخطيط السوق لاستيعاب أهداف الشركة بصورة أفضل، والمساعدة على ضمان توافق كلّ من البيانات (تكنولوجيا المعلومات) وتحليلات البيانات والتسويق مع بعضها البعض.

فهم أهداف الشركة. تحيط طلبات متعددة بتحليل البيانات، كنادل يخدم عدداً كبيراً من الزبائن. لذلك، يمكّن إدراك أهداف الشركة بوضوح محللي البيانات من وضع أولويات للمشاريع وتخصيص وقت للمشاريع الأهم (التي تملك أعلى قيمة هامشية للشركة). يجب أن تكون الطلبات مركزية وتعطى الأولوية بحسب: أولاً، امتلاك نتائجها إمكانات لتغيير طريقة تنفيذ الأعمال. وثانياً، العواقب الاقتصادية لتغييرات مماثلة. وتطور شركات عديدة صيغاً موحدة لضمان تقييم الطلبات على قدم المساواة، وتتمثل فائدة هذه العملية في أنها تخفف احتمالات تعامل زبائن البحوث الانتهازيين مع المحللين ليطلبوا منهم إجراء دراسة من أجل دعم استراتيجية محددة مسبقاً لأسباب سياسية بدلاً من اختيار إحدى الاستراتيجيات التي تصب في صالح الشركة.

إيصال الآراء وليس الحقائق. تخبرنا نظرية التواصل عن وجوب تشارك ناقل المعلومات ومتلقيها المجال ذاته من المعارف من أجل نقل المعلومات. وهذا يعني أنّ المحللين بحاجة لفهم ما يمكن لمدراء الشركة فهمه. فالكتابات ذات الحروف الصغيرة والأرقام المعقدة والمعادلات والمصطلحات المتخصصة والتأكيد على عملية وضع النماذج بدلاً من الآراء والتفسيرات هي أخطاء شائعة تقع عند تقديم التحليلات. لماذا نستخدم نموذجاً معقداً لتقديم المعلومات في حين يكون تقديم المعلومات برسم بياني بسيط كافياً؟ يجب تنظيم العروض التقديمية حول الآراء وليس حول خطط التحليلات. وهذا سبب آخر لضرورة تواصل المحللين خارجياً مع الزبائن وداخلياً مع المدراء الذين يستعينون بعملهم. بالإضافة إلى ذلك، بدلاً من تقديم "تقدير المعايير" يجب على المحلل شرح كيفية إشارة النتائج إلى خطوات استراتيجية ملموسة. وهذا يتطلب من المحللين بناء تحاليلهم في إطار قرار يساعد المدراء على تقييم السيناريو الأفضل والأسوأ للحالة.

تطوير حدس لتحديد المتغيرات في البيانات من أجل أسئلة الشركة. وهذا يعني أمرين: أولاً، يحتاج المحللون فهماً شاملاً لجميع المحركات ذات الصلة (كالتسويق والمقاييس القمعية). على سبيل المثال، للتحقق من أثر الإعلانات على المبيعات نحتاج إلى إدراك أنّ التغييرات المتزامنة في تصميم المنتج يمكن أن تؤثر على المبيعات، لئلا نعزو خاطئين أثر تغيير المنتج إلى الإعلان الذي يروج له. ثانياً، يجب أن يملك المحللون وسيلة لضمان أن تقود المحركات إلى نتائج بدلاً من أن تقود النتائج إلى المحركات. ومرة ثانية، هذا يتطلب من المحللين فهم طبيعة الأسواق التي يحللونها. وبالنظر إلى ذلك، لا يستطيع النموذج المعقد الذي يهدف إلى التحكم بالمعلومات المفقودة أن يشكّل تعويضاً كاملاً عن نقص المتغيرات المسببة. فالإعجابات تحرك المبيعات والمبيعات تحرك الإعجابات، ولكن تفكيك الاثنين عن بعضهما يعني وجود عامل ما يستطيع التلاعب بأحدهما بصورة مستقلة دون الآخر.

حدد الأداة الأنسب للمشكلة. غني عن الذكر أنّ سنوات التدريب والممارسة من جانب التحليلات ضرورية. إذ لا يمكننا العزف على آلة موسيقية من دون تعلم ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة للمحللين. والأهم هو اختيار الأداة الأنسب لكل مشكلة من بين أدوات عديدة. والأساليب التجريبية بارعة جداً في تقييم الخسائر بصورة دقيقة جداً، حيث يتقن التعلم الآلي الخاضع للإشراف التنبؤ في حين يمكن للتعلم الآلي غير الخاضع للإشراف تفكيك المؤثرات غير الرقمية وتحويلها إلى وسوم أو تصنيفات من أجل تحليلات لاحقة. كما تستطيع الأقسام الاقتصادية والنفسية تحمل نفقات تحليلات معمقة في طبيعة سلوك المستهلك، ويمكن للإحصاءات مساعدتنا في إتقان الاستدلال. وعلى ذلك، يشكل الفهم القوي للتسويق قاعدة لجميع هذه الأدوات والأنظمة في سياق الشركة الضروري لإنتاج مشورة فعالة.

الاتساع يقتل الحدود. يتقن بعض محللي التسويق الحساب والترميز، ويتقن البعض الآخر تأطير المشاكل وإيجاد التفسيرات وربطها بتبعات العمل التجاري. وتتقن مجموعة أصغر بكثير الأمرين معاً. تحتاج الشركات إما إلى جمع هذه المهارات المتنوعة في شخص واحد عن طريق التدريب وتراكم أنواع مختلفة من الخبرات، أو (وهو الأغلب) تحتاج إلى تجميع فريق يستطيع استخدام التقنيات بسهولة كافية كي يتمكن من التفاعل معها بصورة منتجة، وضمان وجود آليات لمطابقة الخطة (والمحلل) مع المشكلة. ويحتاج هذا التطابق إلى مواهب عليا مع اتساع المنظور لموازاة الموارد التحليلية مع مشاكل الشركة.

في ضوء النمو المطرد في تحليلات التسويق ومعلومات الزبائن والمنافسين والأسواق، تحظى الشركات بفرصة غير مسبوقة لإسعاد زبائنها عن طريق تقديم المنتجات والخدمات المناسبة للأشخاص المناسبين في الأوقات المناسبة وبالصيغ والمواقع والأجهزة والقنوات المناسبة. ولكن تحقيق تلك الفرصة يتطلب نهجاً فاعلاً واستراتيجياً لتحليلات التسويق. ويجب على الشركات أن تستثمر في المزيج الصحيح من البيانات والأنظمة والأشخاص لتحقيق هذه الأرباح.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي