في بداية مسيرتي المهنية في الشركة، كنت بارعاً في الرد على الفور على رسائل البريد الإلكتروني ومواكبة العديد من الطلبات التي تلقيتها من الزملاء والموردين، وبصدق، أي شخص يراسلني على البريد الإلكتروني. كان هناك شعور غريب بالرضا يمنحني إياه التعامل مع رسائل البريد الإلكتروني بكفاءة؛ شعرت أنني أتحكم بكل شيء.

في عام 2009، عندما أصبحت مندوباً لمبيعات الأدوية، اعتقدت أن هذا النهج في عملي علامة على النجاح، فقد أفادني جيداً إلى حد ما. كنت مهتماً جداً بالعملاء، وكان فريقي يراني شخصاً يمكن الاعتماد عليه ويمكنه التعامل مع أي طلبات مفاجئة من القادة في المكتب الرئيسي.

قادني نجاحي إلى الاعتقاد خطأً أنه إذا نجح النهج مرة واحدة، فسوف ينجح دائماً. بصفتي خريجاً حديثاً بدأ مسيرته المهنية للتو، وقعت بسهولة في فخ هذه العقلية، فقد حققت نجاحاً كبيراً على الفور. ولكن بعد بضع سنوات، عندما عُرض عليّ منصب رفيع وازدادت مسؤولياتي، أدركت عيوب نهجي المتمثل في أن أكون متاحاً دائماً.

ببساطة، لاحظت أن العديد من القادة الناجحين يفعلون عكس ما كنت أفعله تماماً من خلال وضع حدود واضحة لأوقاتهم ومساحتهم الشخصية. شعرت أني في قارب يصارع الغرق، بينما بدت قوارب القادة الناجحين تطفو بسلاسة على مياه هادئة.

ما الخطأ الذي ارتكبته؟

كانت مديرتي واضحة في تعليقاتها: “يجب أن تغير طريقتك في إدارة وقتك لتتمكن من التركيز على المهام ذات الأولوية العالية أولاً. أنت لا تلبي التوقعات، وما أراه هو أنك تؤدي الكثير من العمل الشاق دون تقديم نتائج ملموسة”.

كانت محقّة. واجهت صعوبة في إحراز تقدم في المشاريع لأنني كنت أحاول تولي مسؤولية كل شيء بنفسي. كنت أقضي ساعات طويلة في الرد على رسائل البريد الإلكتروني غير المهمة بدلاً من العمل على المهام الأصعب ذات الأولوية الأعلى.

على مدار السنين خلال مسيرتي المهنية، ومن خلال التحدث إلى المسؤولين التنفيذيين والمؤلفين وروّاد الفكر في مدونتي الصوتية “القائد الجديد” (The New Leader)، تعلمت العديد من الدروس القيّمة حول كيفية إدارة الأشخاص الناجحين لوقتهم وطاقتهم في العمل.

فيما يلي 3 أمثلة عملية يمكن أن تساعدك في تقييم نهجك الحالي في إدارة الوقت والطاقة وإجراء التعديلات الضرورية لتعزيز إنتاجيتك وتقليل التوتر في الوقت نفسه.

أعطِ الأولوية لجدول مواعيدك وليس لصندوق بريدك الوارد

أسأل الضيوف في مدونتي الصوتية دائماً هذا السؤال: “ما الأداة التي تستخدمها لتنظم عملك وتبقى منتجاً؟” كانت الإجابة الأشيع التي سمعتها “جدول المواعيد”.

يمكنني القول إن جدول المواعيد هو الأداة الأعلى فعالية لإدارة الوقت لأنه يحتوي على مساحة محدودة، فيفرض عليك أن تكون حاسماً في الجدولة، ويعمل بمثابة مرشح للبريد الإلكتروني يساعد في فرز الرسائل التي لها أولوية حقيقية؛ لا يمكنك إدخال كافة طلبات البريد إلكتروني إلى جدول المواعيد، لذلك يصبح لزاماً عليك تصنيفها بحسب الأولوية. بالطبع، يمكن أن يكون العمل انطلاقاً من صندوق البريد الوارد أو إنشاء قوائم طويلة للمهام أمراً ممتعاً بسبب الشعور بالإنجاز الذي يأتي من إنهاء المهام، ولكن إذا لم تُترجم هذه المهام إلى استخدام عملي للوقت خلال اليوم، فيمكن أن تصبح مصدراً إضافياً للتوتر.

مع تقدمي في مسيرتي المهنية، كنت محظوظاً لأني تمكنت من التعلم من الموظفين المهرة من حولي وتغيير نهجي في إدارة الوقت. بدلاً من أن أغرق في دوامة البريد الإلكتروني والرد على الرسائل دون تفكير كل أسبوع، بدأت بتنظيم المهام في جدول مواعيدي بناءً على أولويتها. خصصت 30 دقيقة في أيام العطلة لجدولة المهام خلال الأسبوع المقبل. حجزت الفترات الزمنية الفارغة في جدول المواعيد لإنجاز العمل المركز وتركيز طاقتي على المهام ذات الأولوية العالية أو المشاريع الرئيسية (عادةً بين الساعة 9 صباحاً – 12:30 ظهراً، في يومين إلى 3 أيام في الأسبوع).

ساعدني هذا النهج بطريقتين:

  • شعرت بثقة أكبر وبالسيطرة على أسبوعي لأني كنت أعرف أين يجب أن أركز،
  • وبدأت إنتاجيتي تتحسن. بدلاً من مجرد الرد على رسائل البريد الإلكتروني والتعامل مع الأمور العاجلة، تمكنت من التركيز على تحقيق النتائج، وهو الأمر الذي كُلفت به في الأساس.

يمكنك فعل الشيء نفسه، من خلال إنشاء فترات زمنية في جدول المواعيد تتوافق مع الوقت الذي تشعر فيه بأكبر قدر من التركيز والنشاط من اليوم.

نصيحة احترافية: ابحث عن نظمِك فوق اليومي

يدرك معظمنا مفهوم الساعة البيولوجية، ولكن هناك أيضاً مفهوم معروف بدرجة أقل يُسمى الإيقاع أو النَظْم فوق اليومي الذي يؤدي دوراً رئيسياً في تحديد مستويات الطاقة لدينا.

في الستينيات، اكتشف الباحث في النوم، ناثانيل كلايتمان، ما أطلق عليه “دورة الراحة والنشاط الأساسية”، التي تشير إلى فتراتٍ تبلغ كل منها 90 دقيقة في الليل نتنقل خلالها عبر أنماط نوم مختلفة (من الخفيف إلى العميق، وهكذا). ولاحظ أيضاً نفس الفترات المكونة من 90 دقيقة تحدث خلال النهار، إذ ننتقل بين مستويات أعلى وأدنى من اليقظة. أطلق كلايتمان على هذا النمط اسم النظم فوق اليومي.

لتحديد نظمك أو إيقاعك فوق اليومي، اسأل نفسك؛ “متى أشعر بأكبر قدر من الطاقة والتركيز خلال اليوم؟ متى أبدأ الشعور بالتعب وأفقد التركيز؟” يجب أن تتماشى الفترات في جدول مواعيدك مع الدورات التي يكون فيها عقلك يقظاً ومنتجاً بأعلى درجة. بالنسبة لي، تمتد تلك الدورات من الساعة 9 إلى 10:30 صباحاً ومن الساعة 11 صباحاً إلى 12:30 ظهراً، مع استراحة 30 دقيقة بينهما. إذا لم يسر يومي كما هو مخطط له في فترة بعد الظهر، فلن أتوتر كثيراً لأني أعلم أني أنجزت جزءاً مهماً من العمل خلال أكثر ساعاتي إنتاجية.

بصفتك موظفاً شاباً، يمكن أن يُظهر استخدام هذا النهج لكبار القادة أنك تتمتع بالقدرة والفعالية ويمكنك تطوير مهارة مهمة للتقدم الوظيفي في المستقبل.

فكّر على مراحل

إذا كانت الاستفادة من جدول المواعيد استراتيجية محدودة النطاق لإدارة الوقت، فيمكن اعتبار التفكير على مراحل استراتيجية كُلية. أجريت مؤخراً مقابلة مع الكاتبة والأستاذة الجامعية والمسهمة في هارفارد بزنس ريفيو، دوري كلارك، حول كتابها الجديد “اللعبة الطويلة: كيف تكون مفكراً طويل المدى في عالم قصير المدى؟” (Playing the Long Game:How to Be a Long-Term Thinker in a Short-Term World). خلال المقابلة، كشفت كلارك عن مفهوم التفكير على مراحل، وهي طريقة لاتخاذ خيارات ذكية حول كيفية تخصيص الوقت.

جوهر الطريقة هو أنه لا يمكن إنجاز كل شيء دفعة واحدة، لذلك من المهم التفكير على المدى الطويل والتخطيط لوقتك على مراحل تتراوح بين 6 و12 شهراً. قالت لي كلارك: “يتيح لي هذا النهج التركيز عند الضرورة، وتجميع المهام المتشابهة معاً لتقليل الحمل المعرفي لتعدد المهام، والحفاظ على نشاطي من خلال تغيير روتيني”.

في الأساس، تدور النصيحة حول تبنّي منظور طويل الأمد لإدارة الوقت والأولويات؛ انظر إلى أهدافك للعام المقبل، ورتبها بحسب الأولوية، وقلّص المهام التي يمكن تأجيلها أو أعِد جدولتها لتجنب إرباك نفسك.

على سبيل المثال، لنفترض أنك مدير منتجٍ من المقرر طرحه بعد 6 أشهر من الآن. من المرجح أن يتطلب إنجاز هذا المشروع قدراً كبيراً من العمل الجاد والملتزم. قد تخرج عن المسار الصحيح إذا حاولت العمل على طرح المنتج بينما تتولى التزامات إضافية مثل الانضمام إلى لجنة أو تعلم العزف على آلة موسيقية جديدة أو التدريب المكثف تحضيراً لحدث رياضي قادم. في هذه الحالة، قد تجد نفسك منهكاً أكثر من اللازم بدلاً من التركيز على أولويتك الرئيسية.

من المهم أن تتذكر أنه بمقدورك إنجاز العديد من المهام على أفضل وجه، ولكن لا يمكنك إنجازها كلها دفعة واحدة.

نصيحة احترافية: ميّز العمل الذي يتطلب التعاون والتفاعل عن العمل الذي يتطلب التركيز الفردي

ينشأ مفهوم التفكير على مراحل بالكامل من مفهوم يسمى “العمل الذي يتطلب التعاون والتفاعل والعمل الذي يتطلب التركيز الفردي” الذي وصفه لأول مرة جاريد كلاينرت. نحن مهنيون نعمل في عالم سريع الخطى، ومن السهل أن يتشتت انتباهنا أو نفقد التركيز، تقول كلارك إن معرفة العمل الذي يتطلب التعاون والتفاعل والعمل الذي يحتاج إلى التركيز الفردي تمكّنك من استخدام قوة التركيز لصالحك.

على سبيل المثال، إذا كنت جديداً في قطاع أو مؤسسة ما، فابدأ بالتركيز على العمل الذي يتطلب التركيز الفردي الضروري لفهم دورك بصورة أفضل. يمكن أن تكون الأشهر الستة الأولى عبارة عن مرحلة تعلم إذ تدرس مجالك وتبني مهارات جديدة، تليها مرحلة إبداعية تتمثل في مشاركة رؤاك وأفكارك مع الآخرين داخل الشركة ونشر المحتوى على لينكد إن مثلاً.

بعد عام من العمل المركز الفردي، يحين الوقت الآن للانتقال إلى وضع العمل الذي يتطلب التعاون والتفاعل، يمكنك خلال السنة التالية التركيز على بناء شبكة علاقاتك من خلال حضور المؤتمرات أو الحلقات الدراسية عبر الإنترنت أو التحدث في ورش العمل. إذا نظرنا إلى فترة السنتين الماضيتين الآن، ستكون قد بنيت بعض الأسس المهنية الصلبة بينما قد لا يزال البعض الآخر غير متأكد بشأن خطوته التالية.

الفكرة الرئيسية هي تجنب التفكير القصير المدى والتفكير على المدى الطويل عند إدارة الوقت والأولويات.

لا تقاوم حقيقة محدودية الوقت

بغض النظر عن مقدار الجهد الذي تبذله، تذكّر أنه ليس هناك سوى 24 ساعة في اليوم. يؤدي التخطيط المفرط إلى إنشاء بيئة عمل ننتقل فيها باستمرار من مهمة إلى أخرى، ما يؤدي إلى استنزاف طاقتنا في هذه العملية.

يصف خبير الإنتاجية ديف كرينشو، الذي يعطي إحدى أكثر الدورات التعليمية شعبية على لينكد إن لعام 2020، الأمر على هذا النحو: “تعلمنا أن السعادة تأتي من إنفاق أقل مما تملك، في حين أن التعاسة تأتي من إنفاق أكثر مما تملك. إذا أفرطت في إنفاق المال، فستواجه الديون وتضطر إلى دفع الفائدة. ينطبق الأمر نفسه على الوقت أيضاً”.

لم أفكر قطّ بمبدأ إفلاس الوقت أبداً حتى قرأت أعمال ديف، دفعني ذلك للتوقف والتفكير. بدأت تبنّي مفهوم قصر إنفاق الوقت، واعتبرته مؤشراً إيجابياً على صحتي العامة ورفاهتي. قلل هذا التحول في العقلية شعوري بالذنب عند أخذ فترات راحة قصيرة لاستنشاق الهواء النقي أو لتعبئة زجاجة ماء أو إجراء بعض تمارين التمدد بين الاجتماعات الافتراضية. كنت أجد صعوبة في الماضي في مواكبة العمل وشعرت دائماً أنني لا أجد الوقت الكافي.

يلخص ديف الأمر جيداً ويقول: “تقبّل حقيقة محدودية الوقت. تقبّل أنها حقيقة غير قابلة للتغيير. يتيح لك ذلك الشعور بأن لديك وفرة في الوقت وأنه بمقدورك التعامل مع حالات الطوارئ غير المتوقعة بسلاسة”.

نصيحة احترافية: ابدأ بخطوات صغيرة

قد لا يكون من الممكن التخلص من جدول المواعيد المزدحم على الفور، لكن هناك خطوات يمكنك اتخاذها لإدارة الوقت بفعالية أكبر.

تتمثل نقطة الانطلاق الممتازة في إنشاء فواصل زمنية في جدول مواعيدك لخلق مساحة زمنية لالتقاط أنفاسك وتجنب ازدحام جدولك. ابدأ بخطوات صغيرة مع دمج فترات زمنية صغيرة مدتها 15 دقيقة في يومك لتكون بمثابة وقت محمي. يوفر اقتطاع هذه الفترات الزمنية الصغيرة مساحة لالتقاط أنفاسك وتجنب الشعور بالإرهاق.

النهج الآخر لإدارة الوقت هو حماية وقتك بجد. من السهل في العمل الانجذاب إلى محادثات أو مشاريع غير مخطط لها لأننا نجدها ممتعة أو مثيرة للاهتمام في الوقت الحالي (أو لأننا نواجه صعوبة في رفضها)، لكن الحقيقة هي أن لا أحد سيحمي وقتك من أجلك؛ فهذه مسؤوليتك.

في المرة المقبلة التي تجد فيها نفسك تواجه طلباً ينتهك وقتك، حاول الرد بالقول مثلاً “لدي التزامات محددة الآن، هل يمكننا التحدث لاحقاً؟” هناك احتمالات؛ إذا كان الطلب عاجلاً، فقد يبحث مقدِّم الطلب عن شخص آخر لمتابعته، ما يعفيك من مصدر إلهاء محتمل آخر، وإذا كان يحتاج إلى مساعدتك فعلياً، فيمكنك ترتيب موعد معه في الوقت الذي يناسبك. من خلال وضع الحدود، تُظهر للآخرين أنك على استعداد للتعامل معهم ولكنك تعرف كيفية تحديد أولوياتك بفعالية مثل المحترفين.

تذكّر أن إدارة الوقت ليست نشاطاً يمكنك تنفيذه مرة واحدة ومن ثم نسيانه، إذ سيتعين عليك تعديل نهجك والتجربة لمعرفة الأفضل لك بمرور الوقت. الاستراتيجيات التي مررنا على ذكرها أعلاه طريقة رائعة للبدء. اسمح لنفسك باستخدامها، وسترى تحسينات في عملك وجودة حياتك عموماً.