تقرير خاص

كيف يسهم صندوق التنمية الوطني في تحقيق مستقبل مستدام؟

4 دقائق
صندوق التنمية الوطني (NDF)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

يدرك القادة حول العالم حقيقة جليّة الآن مفادها أن رحلة أي تحوّل اقتصادي لن تكتمل إلا إذا اتخذت من ممارسات الاستدامة نهجاً لها، خاصة مع التقلبات الاقتصادية المتتالية وتنامي التهديدات المناخية التي يحتاج علاجها إلى تغيير غير مسبوق في سياسة الحكومات والشركات على حد سواء بوضع معايير البيئة والمجتمع والحوكمة (ESG) على رأس أولويات كل مؤسسة.

ويمثل التمويل ركيزةً أساسية في دفع العالم نحو مستقبل أكثر استدامة، إذ يحتاج تحقيق الصفر الكربوني إلى استثمارات إضافية تصل إلى 20 تريليون دولار على مدى العقدين المقبلين. حيث أشار تحليل صادر عن صندوق النقد الدولي أن الصناديق التي تركز على الاستدامة تلعب دوراً مهماً في تمويل الانتقال إلى اقتصاد أكثر اخضراراً والمساعدة في تجنب بعض الآثار الأكثر خطورة لتغير المناخ.

ولكن شركات القطاع الخاص والصناديق الاستثمارية لن تستطيع الوصول إلى ذلك المستقبل المنشود وحدها، وإنما تحتاج إلى داعم قوي وأدوات تحفيزية فعالة وآليات تمويل متطورة، وهنا يظهر دور المؤسسات المالية التنموية (Development Financial Institutions) والمعروفة باسم (DFIs) في تعزيز النمو الاقتصادي ودعم التنمية الاجتماعية عبر تمويل القطاعات الاستراتيجية والمشاريع الوطنية الكبرى من ناحية، وتوجيه القطاع الخاص، من خلال عقد الشراكات وتقديم التسهيلات، إلى المشاركة في تمويل المشروعات ذات الأولوية الوطنية من ناحية أخرى.

ويتولى صندوق التنمية الوطني (NDF) في المملكة العربية السعودية، منذ تأسيسه في عام 2017، مهمة الإشراف على تمويل التنمية المستدامة، ومواءمتها مع رؤية السعودية 2030، عبر مجموعة رائدة من البنوك والصناديق التنموية التابعة له، إذ يعد الصندوق من أكبر الصناديق المالية التنموية في مجموعة اقتصاديات دول العشرين من حيث نسبة الأصول إلى الناتج المحلي الإجمالي، فتصل قيمة الأصول إلى 496 مليار ريال سعودي. فكيف يساهم صندوق التنمية الوطني في خلق مستقبل أكثر استدامة؟

قادت التحديات الاقتصادية والبيئية الأخيرة إلى اتباع ممارسات تمويلية مختلفة، ووضع آليات وأدوات تمويلية جديدة، ومضاعفة جهود التنمية، وجاءت استراتيجية صندوق التنمية الوطني التي أطلقها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الوطني، لتدعيم أهداف التنمية المستدامة وتحفيز مساهمة القطاع الخاص بما يزيد على ثلاثة أضعاف التأثير التنموي في اقتصاد المملكة بحلول عام 2030.

وتتمثل أهداف الاستراتيجية الرئيسية في دعم التنمية الوطنية، والتخصيص الأمثل لرأس المال، وتطوير آليات فعالة لتوحيد رأس المال وتمويله، وتعزيز ممارسات التمويل المستدامة، وزيادة إقبال القطاع الخاص على تمويل الشرائح المستهدفة، وتعزيز التكامل مع المؤسسات المالية في القطاع الخاص، وترسيخ ثقافة الأداء المبني على الكفاءة والشفافية، وتعزيز كفاءة وفعالية المنظومة، وبناء القدرات الداخلية، والمساهمة في الريادة وتعزيز القيادة.

ضمان الاستدامة في صندوق التنمية الوطني

ويبرز هدف “تطوير آليات فعّالة للحصول على رأس المال والتمويل” في استراتيجية الصندوق ضمن الأهداف الخاصة بضمان الاستدامة، إذ يهدف صندوق التنمية الوطني إلى مراجعة احتياجات التمويل، وتأمين الأموال اللازمة من خلال اعتماد إطار تمويل وإدارة فعال ومستدام، وقد اعتمد عدة مبادرات لتحقيق هذا الهدف مثل تحديد مصادر بديلة ومتنوعة للتمويل، وتطوير نموذج لتوحيد رأس المال على مستوى المنظومة، والسعي لإنشاء تصنيف ائتماني للصندوق، وتطوير قدرات الاستثمار على مستوى الصندوق.

الهدف الآخر الذي أدرجه الصندوق في استراتيجيته الجديدة لتحقيق ضمان الاستدامة، هو “تعزيز ممارسات التمويل المستدامة” عبر الصناديق والبنوك التابعة له، من خلال التأكد من أن جميع الصناديق تتبع ممارسات تمويل مستدامة بما في ذلك التقييم المناسب للبرنامج، والتسعير على أساس المخاطر، ومنهجيات إدارة المخاطر، والسياسات البيئية والاجتماعية والمسائل المتعلقة بالحوكمة، وما إلى ذلك. واعتمد الصندوق هنا أيضاً عدة مبادرات لتحقيق هذا الهدف، ومنها وضع آلية لدعم الصناديق والبنوك وتقديم المشورة لها عبر مراحل مختلفة من تطوير الاستراتيجية وتنفيذها وقياس الأداء، وتقييم فرص تحسين كفاءة التكلفة عبر الصناديق والبنوك التابعة للصندوق، وإضفاء الطابع الاجتماعي على المبادئ التوجيهية للصندوق ونشرها لتحسين الإنتاجية الإجمالية.

سد فجوة التمويل

يتمتع صندوق التنمية الوطني، كمؤسسة مالية تنموية، بإمكانات تفوق المؤسسات المالية التقليدية كالبنوك والصناديق الاستثمارية، ما يجعل دوره محورياً في تعزيز الاستدامة ودفع عجلة التنمية، إذ يوجه جهوده إلى القطاعات التي ربما لا تنجذب إليها المؤسسات المالية التقليدية الباحثة عن تحقيق الأرباح السريعة، كما يتحمل قدراً أكبر من المخاطر، ناهيك عن تشجيع القطاع الخاص على تمويل المشروعات الكبرى بسبب مشاركتها في التمويل.

يتبع لصندوق التنمية الوطني بنوك وصناديق تتولى تمويل ودعم قطاعات استراتيجية كالزراعة والصناعة والتنمية والموارد البشرية والبنية التحتية والإسكان والمنشآت الصغيرة ومتوسطة الحجم وغيرها. إذ يتولى كل منها تمويل مشروعات ذات أولوية وطنية في قطاعات مختلفة تتماشى مع رؤية السعودية 2030، وأهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة.

فعلى سبيل المثال، يمنح صندوق التنمية الصناعية السعودي، أحد الصناديق التابعة لصندوق التنمية الوطني، قروضاً ميسرة وتسهيلات للمشروعات التي تستثمر في المدن الأقل نمواً سواء من الناحية الصناعية، أو النواحي الاقتصادية، لدعم تنميتها وتحقيقاً لرؤية المملكة 2030. كما يشجع صندوق التنمية الزراعية على إنتاج المحاصيل ذات الكفاءة المائية العالية، والحفاظ على التنوع الجيني للبذور والنباتات المزروعة، وأنسال الحيوانات الأليفة وما يتصل بها من أنواع برية، ودعم الاستثمار السعودي في الأنشطة الزراعية خارج المملكة العربية السعودية، لرفد الأمن الغذائي الوطني.

معايير تمويل قائمة على الاستدامة

يربط صندوق التنمية الوطني والصناديق والبنوك التابعة له أغلب أنشطة تمويله للمؤسسات بمدى التزام المؤسسة أو الشركة أو الشخص الذي يطلب الحصول على تمويل بمعايير الاستدامة. إذ تلتزم الصناديق والبنوك التابعة له بآلية اختيار للمشروعات التي ينوون تمويلها، فعلى سبيل المثال تنظر هذه الصناديق إلى الأبعاد الاقتصادية التي تقيس الأثر التنموي للمشروع، مثل فرص العمل التي يتيحها المشروع، وتوطين الوظائف، والمساهمة في الإنتاج المحلي، والفاعلية في جذب الاستثمار الأجنبي، وغيرها.

الاهتمام برأس المال البشري

يحرص صندوق التنمية الوطني على الاستثمار في القدرات البشرية باعتبارها مكوّناً رئيسياً لتحقيق التنمية المستدامة، خاصة أنه أحد الأهداف المرتبطة برؤية السعودية 2030. فعلى سبيل المثال، يحرص صندوق تنمية الموارد البشرية على إطلاق برامج تدريبية تتوافق مع احتياجات سوق العمل الجديد، كما توفر الصناديق الأخرى دورات وتدريبات متخصصة في مجالاتها للطلاب والخريجين وكذلك الموظفين لتطوير مهاراتهم.

من الضروري أن تعير المؤسسات المالية التنموية دورها المحوري في قيادة قاطرة الوصول إلى مستقبل أكثر استدامة، لتضع استراتيجية تناسب هذا الدور مثلما فعل القادة في صندوق التنمية الوطني (NDF)، لقيادة التحول الاقتصادي وتحقيق النمو والازدهار.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .