ملخص: قد نشعر أنه يستحيل علينا التخلص من السلبية التي تحيط بنا في الوقت الحالي. لحسن الحظ، تظهر البحوث أنه يمكننا حماية أنفسنا من الآثار الضارة للسميّة من خلال اتخاذ عدة خطوات تضمن لنا "النمو"، وهو مصطلح نفسي يصف الحالة التي يشعر فيها الأفراد بالحيوية والتعلم. وقد تشجع الاختيارات البسيطة حالة النمو تلك. ويعرض المؤلفون عدة أساليب مستندة إلى البحوث تساعدنا على "تبنّي الإيجابية"، بما فيها توخي الحذر بشأن الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي التي نستهلكها، ومراقبة الأفكار السلبية التي ننطق بها بصوت عالٍ، وتبنّي عقلية محايدة عند مواجهة التحديات.
تحيط السلبية بنا من كل جانب، من الأخبار التي نقرأها، ووسائل التواصل الاجتماعي التي نتصفحها، والمحادثات التي نجريها ونسمعها. نحن نمتص التوتر من عائلاتنا وأصدقائنا وزملائنا في العمل، وهكذا نسبب ضرراً لأنفسنا.
أجرت منصة "مايتي" (Mighty)، وهي منصة مجتمعية (أسسها مايك) توفر معلومات صحية وتوحد آراء الناس حول قضايا صحية محددة، استقصاءً على أكثر من 70,000 شخص من القرّاء وأعضاء المجتمع منذ شهر مارس/آذار حول وعيهم وتصوراتهم وتجاربهم مع أزمة فيروس كورونا. وأفاد المشاركون في شهر سبتمبر/أيلول بأن المشاعر الثلاثة الأولى التي هيمنت عليهم خلال الأزمة تمثّلت في الإحباط والقلق والغضب. لقد تضاعف عدد المشاركين الذين اختاروا الغضب كأحد أهم العواطف المهيمنة على عقولهم منذ شهر مارس/آذار، حيث ارتفع من 20% إلى 45% في شهر سبتمبر/أيلول.
قد تخلّف النظرة السلبية آثاراً سامة علينا. وفي الواقع، أظهر البحث الذي أجرته كاتبة المقال "كريستين" أننا نتعثر عند تعرضنا للسلبية أو للسلوكيات الفظة، فالتعرض لتلك السلوكيات يتعارض مع ذاكرتنا العاملة ويقوّض أداءنا. كما أن مجرد سماع الكلمات غير اللائقة يقلل من قدرتنا على معالجة المعلومات واسترجاعها، فنميل إلى الانغلاق على أنفسنا والتوقف عن التواصل مع الآخرين وتقديم المساعدة لهم، لا سيما مع تزايد انتشار الأفكار المختلة والعدوانية (وأحياناً الأفعال).
لحسن الحظ، يُظهر بحث كريستين أيضاً أن هناك طريقة ناجحة لمواجهة تلك التأثيرات تتمثّل في التركيز على النمو، وهي الحالة النفسية التي يشعر فيها الأفراد بالحيوية والتعلم. حيث يشعر الأفراد في حالة النمو بالتطور والنشاط بدلاً من الركود أو الاستنزاف.
وفي دراسات متعددة أجريت عبر مجموعة من القطاعات، وجدت كريستين أن الأشخاص الذين يختبرون حالة النمو تلك هم أكثر صحة ومرونة وقدرة على التركيز على أعمالهم. وعندما يشعر الناس أنهم بحالة نمو، سيكونون في منأى عن المشتتات وعوامل التوتر والسلبية. وفي دراسة أجريت على 6 مؤسسات في 6 قطاعات مختلفة، أظهر الموظفون الذين يتمتعون بالتحفيز الذاتي نسبة من الاحتراق الوظيفي أقل بـ 1.2 مرة مقارنة بأقرانهم. وكانوا أكثر ثقة بأنفسهم وتمتعوا بقدرة أكبر على التحكم بالمواقف بنسبة وصلت إلى 52%. وكان احتمال أن تقودهم السلبية إلى الشعور بالتشتت أو الشك الذاتي ضعيفاً.
كيف تزيد تركيزك على النمو إذاً، لا سيما عندما تكون غارقاً في مستنقع السلبية؟ يُشير بحثنا إلى بعض الأساليب.
تجنّب السلبية
قيّم البيانات التي يمتصها عقلك: المعلومات التي اخترت قراءتها، والوسائط التي تستهلكها، والموسيقى التي تستمع إليها، والأشخاص الذين تختار قضاء الوقت معهم، وأولئك الذين تبدي لهم تقديرك واحترامك، فالسلبية تتسرب إلى عقولنا من خلال تلك المصادر. ثم اتخذ خيارات إيجابية بسيطة بعيداً عن السلبية.
راع ما تقوله بصوت عالٍ
اللغة السلبية ماكرة وقوية، لذلك، راع ما تفكر فيه وتقوله. صحيح أن الأشخاص حولك قد يؤثرون عليك وعلى مزاجك، لكن تذكر أن قدرتك على السيطرة على أفكارك ومشاعرك تفوق قدرة أي شخص آخر. وما تقوله بصوت عالٍ ينطوي على تأثير كبير أيضاً. ووفقاً لتريفور معوض، وهو مدرب في مجال التكييف العقلي ويعمل مع نخبة الرياضيين، فإن تلفظنا بالأفكار ينطوي على ضرر أكثر بـ 10 مرات ويقوض قدرتنا على تحقيق النمو مقارنة بمجرد التفكير فيها في عقولنا فقط.
لذلك، فكر ملياً في كيفية تأطير موقف ما والتحدث عنه. فبدلاً من أن تقول: "هذا أسوأ ما رأيته على الإطلاق" أو "الوضع كارثي" (أو "وخيم" أو "فظيع")، عدّل لغتك بحيث تكون أكثر حيادية، كأن تقول: "هذا الموقف يمثل تحدياً بالنسبة لي"، لتعترف بذلك بوجود فرصة للنمو أو التعلم؛ وتكون بذلك أقررت بالحقيقة وقوّضت قدرتها على جرّك إلى مستنقع السلبية.
تبنّ عقلية محايدة
تجعلنا الأفكار السلبية والمخاوف نحيد عن المسار الصحيح. من المرجح أن نواجه صعوبة في أداء مهامنا الأساسية أحياناً. لكن التفكير السلبي المتكرر على المدى الطويل يرتبط بالتدهور المعرفي ومرض ألزهايمر؛ كما أنه يلحق الضرر بالآخرين لأنهم يتعرضون بعد ذلك لسلبيتنا. من السهل جداً بالطبع التركيز على الأشخاص أو المواقف السامة، كأن نلقي اللوم على الآخرين، أو نفرط في التفكير في موقف ما أو تحليله. لكن الحل الأفضل يتمثّل في تبني عقلية استباقية، والتركيز على ما يمكننا التحكم فيه وما يجب أن نفعله بعد ذلك.
ويقترح معوّض استخدام التفكير المحايد، وهو طريقة غير انتقادية وغير تفاعلية لتقييم المشكلات وتحليل الأزمات تنطوي على التركيز على اللحظات الحالية، والتفاعل مع كل لحظة عند حدوثها، والتركيز على كيفية إحداث تأثير في عملك التالي. لذلك، لا تنجر وراء تحليل حالات الفشل السابقة ولا تجعل المخاوف أو الأفكار المستقبلية تسيطر على عقلك، بل فكر في حاضرك فقط.
مارس الامتنان باستمرار
هناك الكثير من الفوائد للتعبير عن الامتنان، فهو يقلل من شعورنا بالتوتر، ويجعلنا أكثر سعادة، ويساعدنا في الوصول إلى أهدافنا. كما يؤدي التعبير عن الامتنان بشكل روتيني إلى زيادة الدعم الاجتماعي الذي نتلقاه، ما يقلل من التوتر وآثاره السلبية. وتزداد فاعليته عند ممارسته مع التفكير المحايد. تحدث لاعب الوسط في فريق "سياتل سيهوك" (Seattle Seahawk) والفائز في مبارة الـ "سوبر بول" النهائية، راسيل ويلسون، عن كيفية استخدامه تلك الممارستين لتجاوز وفاة والده، وخسارته في مباراة الـ "سوبر بول"، وتأثير كوفيد على حياته الشخصية والمهنية، إضافة إلى تحديات أخرى. ويقول ويلسون أن "التعبير عن الامتنان" يساعدنا في تقبّل المحن والصعوبات وتجاوزها.
وحفّزت نصيحته عائلتنا على التفكير في بعض الإيجابيات التي جلبتها الجائحة. على سبيل المثال، قررنا عقد اجتماع "زووم" بشكل أسبوعي، مثل العديد من العائلات الأخرى، لتوحيد أفراد العائلة المنتشرين في جميع بقاع الأرض والذين لم يكونوا على تواصل منتظم سابقاً.
تعلّم إدارة طاقتك
يمكنك أيضاً زيادة قدرتك على التحمل في مواجهة السلبية والتركيز على النمو من خلال ممارسة الرياضة وتناول الطعام الصحي والحصول على قسط كافٍ من النوم، وهي الممارسات التي نؤمن بضرورة اتباعها لكننا نفشل عندما نغرق في مستنقع السلبية. فعندما نمارس الرياضة، تضخ عضلاتنا "جزيئات الأمل" في أنظمتنا الجسدية، ما يفيد صحتنا العقلية والجسدية على حد سواء. ويمكنك تعظيم تلك التأثيرات من خلال ممارسة الرياضة في الخارج أو مع الآخرين أو في أثناء الاستماع للموسيقى.
ويساعدك الأكل الصحي أيضاً في تفادي السلبية. ما هو رد فعلك للمواقف التي تسبب شعورك بالغضب وأنت جائع؟ نحن نفتقر إلى القدرة على ضبط النفس المطلوبة للاستجابة بوعي وصبر. والنوم مهم أيضاً، وقد يؤدي عدم انتظامه إلى إضعاف القدرة على ضبط الذات وضبط النفس، ما يقود إلى مزيد من السلبية. وربطت البحوث بالفعل قلة النوم بالإحباط ونفاد الصبر والعداء والقلق وانخفاض مستويات المرح ومستويات الثقة والانحراف في مكان العمل والسلوكيات غير الأخلاقية. كما يؤدي الحرمان من النوم أيضاً إلى تقويض العلاقة بين القادة وموظفيهم، ويقلل من مقدار المساعدة التي يقدمها الأشخاص للآخرين.
ابحث عن علاقات إيجابية، داخل مكان العمل وخارجه
وجد بحث كريستين أن فصل الطاقة عن العلاقات ينطوي على تأثير أكبر بمقدار 4 إلى 7 مرات على شعور الموظف بالنمو مقارنة بالعلاقات الإيجابية النشطة، وهي الحالة التي يمتلك فيها شخص ما مجموعة دائمة ومتكررة من الأحكام السلبية والمشاعر والنوايا تجاه شخص آخر. ولتعويض تلك التأثيرات، تواصل مع الأشخاص المفعمين بالطاقة واقضِ مزيداً من الوقت معهم، أي الأشخاص الذين يجعلونك تبتسم وتضحك ويرفعون معنوياتك.
قد لا تتمكن من إيقاف تدفق المشاعر السلبية في حياتك، لا سيما في الوقت الحالي، لكن يمكنك مقاومة آثارها السامة و"تبنّي الإيجابية" من خلال اتخاذ خيارات ذكية حول هوية الأشخاص الذين ترغب في التواصل معهم، والعقلية التي تتبناها، والمعلومات التي تستهلكها. وقد تساعدك تلك الاختيارات في تحسين نفسك ومَن هم حولك أيضاً.