أعلم أن سؤالي يبدو غريباً ولكنّ هناك سبباً وجيهاً وراءه: تعريض نفسك للإجهاد هو الوسيلة الوحيدة لتصبح أقوى جسدياً وعاطفياً وفكرياً وروحياً بطريقة منهجية، بل إنك ستضعف إذا لم تُخضعها للإجهاد.

نعيش مع فكرة خاطئة مفادها أن الإجهاد عدو لنا، ولكن عدونا الحقيقي في الواقع هو فشلنا في الموازنة بين الإجهاد وفواصل الراحة التي نحتاج إليها. إذا أجهدت جسدك فترة طويلة من الزمن، فستكون النتيجة إنهاك جسمك وتدميره، ولكن إذا لم تُخضع جسدك لضغط كافٍ، فسيضعف ويضمر وستفوتك فرصة التعرف على مقدراتك الكامنة.

في الواقع، لا يتحدى معظمنا نفسه بما يكفي لإطلاق العنان لطاقاتنا الكامنة، ولا نمنح أنفسنا وقتاً كافياً للاسترخاء والنوم وتجديد طاقتنا بقدر ما ينبغي.

يسهل ملاحظة ذلك على المستوى الجسماني. عندما لا تمارس تمارين الكارديو بانتظام، بصفتها شكلاً من الإجهاد، تنخفض قدرة القلب على ضخ الدم بكفاءة بمعدل 1% سنوياً بين سن الثلاثين والسبعين عاماً، ويتسارع انخفاض هذا المعدل بعد ذلك. وبالمثل، يؤدي إهمال تدريبات القوة، أو ما يُعرف بتمارين رفع الأثقال، إلى خسارة نحو 1% من كتلة العضلات الصافية كل عام بعد سن الثلاثين.

ولكن يمكن عكس هذه التأثيرات السلبية حتى في مرحلة متقدمة من العمر. ففي سلسلة من الدراسات، أُخضعت مجموعة من المقيمين في دور رعاية المسنين ممن يبلغ متوسط أعمارهم نحو 87 عاماً إلى برنامج يتضمن جلسات لتمارين القوة مدة كل منها 45 دقيقة وبمعدل 3 مرات أسبوعياً، بحيث يحصلون على قدر كافٍ من الراحة والتعافي بين الجلسات. تبين أن قوتهم ازدادت وسطياً أكثر من الضعف في غضون 10 أسابيع فقط.

قد يبدو المبدأ بسيطاً ولكنه ليس بديهياً تماماً. كلما عرّضت نفسك لضغوط أكبر، زادت قوة الإشارة التي يتلقاها جسمك لتعزيز النمو. يُدعى هذا النمو التعويض المثالي (supercompensation)، ويحدث فعلياً في أثناء التعافي. أما العامل المحدد لهذا النمو فهو غالباً قدرتك على تحمل المشقة.

تأمّل للحظة مفهومَ الانتباه. التركيز العميق هو جوهر الأداء الاستثنائي. لسوء الحظ، تميل عقولنا إلى الشرود والانتقال من فكرة إلى أخرى. بالإضافة إلى ذلك، أصبح الحفاظ على التركيز أصعب في هذا العصر الرقمي، إذ لم يسبق لنا أن اضطررنا إلى مواجهة هذا الكم الهائل من الإلهاءات المغرية مثلما هو الحال اليوم.

تعمل آلية تدريب العقل بمبدأ تدريب الجسم نفسه. يمكنك تعريض تركيزك للإجهاد من خلال التركيز على شيء واحد لفترة زمنية محددة، مثل عد أنفاسك أو أداء مهمة شاقة أو حتى قراءة كتاب صعب.

وهكذا، عندما يحاول عقلك شدك إلى التفكير بأشياء أخرى، فإن التحدي الحقيقي يكمن في إعادة تركيزك إلى التنفس أو أداء المهمة أو إكمال قراءة الكتاب، وبالتالي تتعلم على نحو فعال التحكم في تركيزك. كلما كثفت تدريبك، حتى لفترات قصيرة من الوقت، زادت قوة تركيزك.

البديل هو اضمحلال التركيز، لأن معظم ما نفعله يومياً لا يتطلب منا سوى بذل جهد قليل جداً، ولكنه لا يوفر سوى شعور مؤقت بالرضا.

بالنسبة لي، فإن كتابة هذه المدونة طريقة متعمدة أتحدى من خلالها نفسي لدفعها إلى منطقة عدم الراحة عدة ساعات أسبوعياً. مثل أي شخص آخر، لا يسعدني الشعور بالألم، وحتى أتجاوز مقاومتي الداخلية، ألتزم بالكتابة في وقت محدد ولمدة 90 دقيقة متواصلة قبل أخذ قسط من الراحة. فكتابة مقالة تجبرني على الانخراط في التفكير بعمق والبحث حول موضوع يهمني، ثم صياغة أفكاري في عبارات سهلة وبسيطة تعبر عما أريد قوله تماماً.

لكن التفكير بعمق قد يكون محبطاً وغير مريح، خصوصاً عند بدء العملية، إذ أشعر غالباً بأني مضطر إلى النهوض من مكتبي وتناول شيء ما أو التحقق من بريدي الإلكتروني أو الانشغال بأي شيء آخر غير الكتابة.

أستسلم أحياناً لهذه المغريات، لكني تعلمت تأجيل الانغماس بها خصوصاً عندما أذكِّر نفسي أن الحفاظ على تركيزي على المهمة التي بين يدي أكثر فائدة ويشعرني بأني أكثر حيوية وإنتاجية وقيمة مما لو تركتها وتوجهت لأداء مهام يومية بسيطة.

في الحقيقة، يتيح لنا إنجاز أي عمل صعب أو أداء تمرين شاق أو قراءة كتاب مليء بالتحديات الذهنية تقدير فترة الراحة والتعافي التي تلي ذلك والاستمتاع بها، ويتيح لنا أيضاً النظر إلى الاستراحة بصفتها فرصة مستحقة بالكامل للتعافي بدلاً من النظر إليها بصفتها مضيعة للوقت وكسلاً.

نميل بطبيعتنا إلى تجنب الإجهاد والانزعاج، لكننا نواجه صعوبة أيضاً في تقدير الراحة والتعافي بالقدر نفسه. نعمل بدلاً من ذلك في منطقة رمادية، فنادراً ما ننخرط بجد في أعمالنا ونادراً ما نستغرق بعمق في فترات الاستراحة.

ضع في اعتبارك الممارسات التي يمكنك دمجها في حياتك ومن شأنها أن تتحداك للخروج من منطقة راحتك بانتظام، ثم الانخراط بوعي في التعافي. إن أفضل طريقة للشعور بالرضا والمعنى في حياتك هي زيادة نطاق تجربتك في الانتقال من الجهد المكثف إلى أخذ فترة راحة كافية للتجديد العميق.