وفقاً لأحدث البحوث التي أجراها مكتب إحصاءات العمل، فإن ما يقرب من نصف حالات الزواج في الولايات المتحدة تتألف من زوجين عاملين. وترتفع هذه النسبة إلى 63% في الأسر التي تضم أطفالاً. وبغض النظر عن وجود الأطفال أم لا، تُعتبر مزايا الأسر التي يعمل فيها الزوجان هائلة، بما في ذلك وجود قدر أكبر من الاستقرار المالي وفرصة للشريكين لتحقيق الإنجاز الوظيفي، إلا أنها تحتاج إلى الكثير من الجهد في سبيل تحقيق التوازن بين الأسرة والعمل.
حيث يواجه الزوجان العاملان مجموعة فريدة من التحديات والتنازلات في سبيل تحقيق التوازن بين الأسرة والعمل ولاحظتُ خلال عملي مدرباً تنفيذياً كيف أصبح من الشائع بشكل متزايد أن يطلب هؤلاء العملاء المشورة، ليس فقط في مكان العمل وإنما في المنزل أيضاً. كيف يمكنك جني ثمار كونك إحدى الأسر التي يعمل فيها الزوجان وأن تظهر أفضل ما لديك في العمل وفي المنزل، خصوصاً عندما تكون لديك ولدى شريكك مهن مشغولة ومتطلبة؟
يُعتبر التفاوض حول هوية الشريك الذي ستحظى وظيفته على الأولوية، وتحقيق التوازن بين الأسرة والعمل والتوفيق بين جدولي العمل، وواجبات الأسرة والعائلة، والحفاظ على حدود صحية بين الحياة المنزلية وحياة العمل، من أكثر القضايا صعوبة في التعامل. ورغم من اختلاف ظروف كل أسرة، لاحظت أن الأزواج الذين تغلبوا على هذه التحديات قد طوروا أنظمة تعمل على تحسين وقتهم وطاقتهم كفريق واحد. وفيما يلي بعض من أنجح الممارسات التي اتبعها عملائي.
اعتبر عائلتك فريقاً واحداً
قد يكون من السهل أن تكون منهمكاً في عملك عندما تعمل في وظيفة كثيرة المتطلبات، فيصبح وقتك في المنزل آخر الأولويات في قائمة مهماتك. وللتغلب على ذلك، يجب عليك منح عائلتك أو شريكك المستوى نفسه من التفاني الذي تضفيه على فريقك في العمل.
ويعدّ ابتكار اسم لفريق منزلك أو عائلتك طريقة ممتعة لتغيير عقليتك، لأنه قد يساعدك في تذكيرك وتذكير شريكك بأنه لا ينبغي تفضيل "مسيرة أي منكما المهنية". بدلاً من ذلك، يجب أن تنظرا إلى نفسيكما كحلفاء. اختار أحد القادة الذين عملت معه ومع زوجته التي كانت لديها مسيرة مهنية ناجحة اسم "فريق الأبطال" بعد اسم العائلة. واختار زوجان آخران شعاراً لفريقهم ألا وهو "امض بثبات".
وقد ساعدتهم هذه الأسماء في اعتبار أنفسهم جسداً واحداً يتخطى صعوبات التحديات اليومية، تماماً كما يفعلون مع زملائهم في العمل. بدأ فريق الأبطال بالتخطيط لجدول المنزل كجسد واحد، مع أخذ المتطلبات المهنية وأنشطة الأطفال والنزهات العائلية الممتعة في الحسبان. وساعدهم اتباع هذا النهج في الحد من الاستياء الذي عادة ما ينشأ عند فشل الزوجان العاملان في العمل معاً.
اعتد على قول "لا" بضمير مرتاح
قد تكتسب المزيد من النفوذ وتتلقى عدداً متزايداً من الطلبات التي تتجاوز مسؤوليات العمل اليومية مع تقدم حياتك وحياة شريكك المهنية. إذ قد تُدعى إلى تناول العشاء مع العملاء أو الانضمام إلى مجالس الإدارة أو التحدث في المناسبات أو حتى أن تصبح مرشداً. وغالباً ما تكون هذه الأنشطة مجزية، إلا أنها تتطلب وقتاً وطاقة. وللحفاظ على معادلة صحية بين العمل والمنزل، سيتوجب عليك الاعتياد على قول "لا" بضمير مرتاح. إلا أن معرفة وقت رفض طلب ما ليس بالأمر السهل دائماً.
وقد قدمت إحدى النساء المهنيات التي عملتُ معها مثالاً على ذلك. إذ شعرت بضرورة الانضمام إلى مجلس الإدارة في مدرسة ابنها لأنها أرادت المشاركة في دعم تعليمه، وقد فعل الكثير من زملائها الشيء نفسه من أجل أطفالهم. ولكن كلما تعمّقنا في القضية أكثر، أصبح من الواضح أن التعامل مع هذا الدور كان من منطلق الواجب بدلاً من مجرد "الرغبة"، لأن ذلك من شأنه أن يقلب موازيين ما كان بالفعل وضعاً متأزماً في المنزل.
لذلك، نظرت عميلتي في القيمة المضافة لخياراتها. إذ يمكنها أن تقضي وقتها خارج العمل مع أولياء الأمور والمدرسين في المجلس، أو أن تقضيه مع ابنها في أوقات ممتعة. واختارت هي وزوجها الخيار الأخير. وكانا قادرين – من خلال إجراء محادثة صادقة حول ما هو مهم بالنسبة إليهما – على التحايل على جداول أعمالهما، والوجود مع ابنهما بطريقة جلبت النفع لجميع أفراد الأسرة.
للعثور على معادلة العمل والحياة التي تدعم أفضل حالاتك، يجب عليك أن تفعل الشيء نفسه. ادرس القيمة المضافة لكل طلب تتلقاه بعناية عن طريق طرح الأسئلة التالية على نفسك:
- هل هو شيء يمكنك إضافة قيمة فريدة من خلاله؟
- هل يمكنك استخلاص القيمة من خلال الحضور أو الانضمام؟
- ماذا سيكون تأثير هذا الطلب على زوجتك وفريقك المنزلي؟
وحقيقة الأمر هي أنه لا يمكنك فعل كل شيء وحدك، ولا يمكن لشريكك ذلك أيضاً. لهذا السبب يجب أن يكون لكل طلب تقبله قيمة مضافة كبيرة.
قسّما واجباتكما وفق نقاط قوة ومصالح بعضكما البعض
إن البقاء على رأس مسؤوليات الأسرة والعائلة هو صراع مستمر مع عمل الشريكين. إذ لا بد من أن تكون استراتيجياً ومنضبطاً بشأن هوية مؤدي المهمات، خصوصاً مع تطور منصبك ومنصب شريكك الوظيفي.
وقد يكون تقسيم المسؤوليات وفقاً لنقاط قوة واهتمامات البعض الآخر منقذاً. كان أحد الأزواج الذين التمسوا مشورتي في صراع مستمر بسبب ضغوط مواصلة تقاذف واجبات الأسرة. بيد أنني جعلتهم يضعون قائمة بمسؤولياتهم الكاملة، بهدف تخفيف حدة التوتر، بدءاً من تفريغ غسالة الأطباق إلى إدارة الفواتير، وحتى إيصال أطفالهم إلى الأنشطة الصيفية وإحضارهم منها. وطلبت منهم بعد ذلك تصنيف كل عنصر في القائمة وفق مشاعر "أكره القيام بذلك" أو "لا أمانع القيام بذلك" أو "استمتع في القيام بذلك". ثم تمكن الزوجان من إعادة تحديد الواجبات بناءً على نقاط القوة ومستويات الاهتمام لدى كل منهما، وهو ما قلل التوتر لديهما بشكل كبير وعظّم قدرتهما على أن يكونا فاعلين وحاضرين. وإذا وجدت أن بعض العناصر الموجودة في قائمتك مهمة ولكنك وشريكك تكرهان تأديتها، فقد يكون الاستعانة بمصادر خارجية خياراً مفيداً للغاية.
ضع جدولاً لعقد اجتماعات دورية للتخطيط للمستقبل
سوف توجد بالفعل أوقات تضطر فيها أنت وشريكك إلى التفاوض بشأن التوقعات واتخاذ القرارات بشأن هوية الشخص الذي ستتصدر مسيرته المهنية الأولوية. وللقيام بذلك، يجب أن يبقى الزوجان العاملان في تواصل مستمر. ويكمن الحل البسيط في تحديد مواعيد اجتماعات دورية للتخطيط للمستقبل وتحديد التوقعات. ويجب أن تمثّل هذه الاجتماعات أوقاتاً للتواصل المفتوح والصادق، التي ستساعدك في البقاء مشاركاً نشطاً في القرارات الكبيرة المتعلقة بالتغييرات المهنية أو المشاريع أو الأهداف.
وفيما يلي بعض الأطر الزمنية التي يمكنك اتباعها واختيار أفضل ما يناسبك ويناسب شريكك:
- سنوياً: خطط للمستقبل مرة واحدة كل عام، بغض النظر عن الإجازات والعروض المدرسية والمؤتمرات والأحداث المهمة الأخرى المرتقبة.
- فصلياً/شهرياً: خطط مرة واحدة شهرياً للسفرات المرتقبة أو المواعيد النهائية أو فترات العمل المزدحمة.
- أسبوعياً: ناقش خطتك للأيام المقبلة مرة واحدة أسبوعياً بهدف تقليل المفاجآت والإحباطات.
وقد وجد أحد عملائي أن عقد اجتماع أسبوعي واحد للتخطيط للمستقبل كان أمراً حاسماً بالنسبة إليه ولزوجته بغية العمل بصورة منسقة. لأنهما عملا صباح كل يوم أحد أثناء وجبة الإفطار على استلال أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهما وعمل مسح سريع للأسبوع لقراءة واجباتهما والأماكن التي يجب على كل منهما قصدها. وهو ما ساعدهما في البقاء على وفاق، ومكّنهما من مشاركة التطورات الهامة، وقد أصبح اتباع هذا النهج وقتاً مرتقباً من أوقات المتعة.
إضافة إلى إبقائك أنت وشريكك على المسار نفسه، تُعتبر اجتماعات التخطيط للمستقبل أوقاتاً رائعة لطلب الدعم من بعضكما البعض. فإذا كنت تعدّ لأداء عرض تقديمي مهم وتحتاج إلى قضاء المزيد من الوقت للتحضير، أو إذا كان شريكك يتوقع أسبوعاً حافلاً بالأعمال بشكل خاص، ستتيح لك نظرة مستقبلية التخطيط لهذا الأسبوع والإعداد له، ومعرفة ما ينتظرك على جدول أعمالك عندما يبرز ما هو غير متوقع. نتيجةً لذلك، ستكون قادراً على تحقيق التوازن بين الأسرة والعمل ودعم الشريك الذي يمر بأوقات عصيبة بسهولة أكبر.
تحديد "أوقات عمل مكتبية" و"أوقات عمل منزلية"
قد يكون الحفاظ على حدود واضحة بين العمل والمنزل تحدياً خاصاً للزوجين العاملين. ويشعر العديد من العملاء بالذنب حيال ما يجري في المنزل أثناء وجودهم في العمل، بينما يكبحون الرغبة في التقاط أجهزتهم المحمولة وإكمال مهماتهم الوظيفية أثناء وجودهم في المنزل. وتتمثل إحدى الطرق لكسر هذه الحلقة في تحديد "أوقات عمل مكتبية" و"أوقات عمل منزلية".
وتُعتبر أوقات العمل المكتبية بمثابة كتل من وقت العمل المثمر. ويمكن استخدامها أيضاً للإشارة إلى الأوقات التي ستناقش فيها أنت وشريكك قضايا العمل، بدلاً من تركها تتسرب إلى كل محادثة. على سبيل المثال، أضافت إحدى النساء المهنيات التي دربتها أوقات العمل المكتبية التالية إلى جدول أعمال زوجها ليوم السبت:
- من الساعة 9:00 صباحاً وحتى الساعة 10:00 صباحاً: تناول وجبة الإفطار معاً، وأن يكونا حاضرين تماماً.
- من الساعة 10 صباحاً حتى وقت الظهيرة: يستكمل إحدى الشريكان العمل (وقت العمل المكتبي رقم 1)
- من الساعة 1 مساءً حتى الساعة 3 مساءً: يستكمل الشريك الآخر العمل (وقت العمل المكتبي رقم 2)
- عند الساعة 3 مساءً: الاستمتاع مع الأصدقاء أو العائلة لبقية اليوم.
بينما تُمثّل أوقات العمل المنزلية الحيز المادي في منزلك، مثل المكتب أو الحجرة، وتستخدم لإنجاز القليل من العمل الإضافي أو الرد على بعض الرسائل الإلكترونية. ويُعد تحديد حيز مادي معين للعمل بمثابة حدود قوية بين حياة العمل والحياة المنزلية، ويساعد على تعزيز التوقعات، بمعنى ضرورة حماية وقت الشريك عندما يبدأ وقت عمله المنزلي، والعكس بالعكس.
ويجدر بنا أن نتذكر أنه لا يوجد تعارض بين العمل والمنزل، بل إنهما جانبان مختلفان من الحياة يعملان على التفاعل والتأثير على بعضها البعض باستمرار. كما أن النجاح كزوجين عاملين بطريقة تمكّن الشريكين من أداء أفضل ما لديهما يتطلب دراسة نظام التشغيل لديك بانتظام. وسيزيد وضع هذا النظام وتطويره من إمكانية جني العديد من الفرص التي يمكن أن يوفرها وضعك.
اقرأ أيضاً: دليلك إلى الموازنة بين ضغوط العمل والحياة العائلية.