الاستقرار والتغيير: وجهان لعملة واحدة لتحقيق التميز في مكان العمل

6 دقيقة
إدارة الاستقرار
بي إم إميدجيز/ غيتي إميدجيز

ملخص: غالباً ما ننظر إلى التغيير في عالم العمل اليوم على أنه حتمي ونركز جهودنا على إدارته، فنفكر في الأساليب والعمليات والتكنولوجيا وأساليب التواصل التي نحتاج إلى تطبيقها لتنفيذه بسلاسة أكبر. بالطبع، بعض التغييرات ضروري وبعضها الآخر حتمي، لكن ليست التغييرات كلها كذلك. تشير الدراسات العلمية التي تناولت القدرة على التنبؤ والتحكم والانتماء ومكان العمل والهدف إلى أنه قبل التفكير في إدارة التغيير يجب أن نضع باعتبارنا الظروف التي يحتاج إليها الموظفون في مكان العمل ليكونوا منتجين. يوضح الكاتب في هذا المقال أهمية تجديد مفهومنا عن الاستقرار وفوائده وفهم طرق ممارسة "إدارة الاستقرار".

لنفترض مثلاً أنك تلقيت رسالة إلكترونية تعلمك بأن إعادة تنظيم شاملة سيجري تنفيذها في العمل على مدار الأشهر القليلة المقبلة. إن لغة الرسالة إيجابية ومفعمة بالأمل وتتحدث بعبارات متفائلة عن الفرص العديدة التي ستتيحها عملية التحول أو إعادة التنظيم الأخيرة.

لكن التأثير النفسي لرسالة مثل هذه غالباً ما يكون أقل إيجابية من المتوقع، فأول ما تثيره هو انعدام اليقين بشأن ما سيحدث مقترناً مع الشعور بفقدان القدرة على التصرف، إذ لا يمكنك التأثير في الأحداث الوشيكة. ومع تقدم عملية إعادة التنظيم التي يجري تنفيذها عادة على مدار عدة أشهر، تحل الشركة الفِرق وتعيد تنظيمها، ما يؤثر في شعورك بالانتماء وفي شبكات الدعم الاجتماعي التي اعتدتها. ومع نقل الموظفين من مكان لآخر، تتغير الوجوه المحيطة بك يومياً أيضاً، وبالتالي تختل العادات اليومية التي اعتدتها، ومع تبلور الهيكلية الجديدة، قد لا تدرك موقعك منها فيتلاشى إحساسك بقيمة جهودك.

يزيد كل تحول من هذه التحولات صعوبة أداء الموظفين لمهامهم على أكمل وجه. فبحسب الدراسات العلمية، يحقق الموظفون أفضل أداء عندما تكون بيئة العمل متوقعة، ويمتلكون قدرة نسبية على التحكم بمحيطهم المباشر، وينتمون إلى شبكة علاقات مستقرة، ويشعرون بالارتباط بمكان العمل وعاداته اليومية، ويدركون تماماً الغرض من جهودهم. إذاً، وفقاً لهذه الأبحاث، يبدو التغيير المستمر عائقاً للأداء الوظيفي لا محفزاً له.

لكننا لا نفكر في التغيير بهذه الطريقة عادة؛ فقد ترسّخ لدينا اعتقاد أن التغيير مفيد دائماً وأن الزعزعة هي السبيل الوحيد لمستقبل أفضل حتماً، وأن مقاومة الموظفين لتبنّي الاستراتيجية أو الهيكلية الجديدة ما هي إلا عقبة يجب تجاوزها وليست مؤشراً على احتياجاتهم الحقيقية في العمل. نتيجة لذلك، غالباً ما ننظر إلى التغيير في عالم العمل اليوم على أنه حتمي ونركز جهودنا على طرق إدارته، فنبحث عن الأساليب والعمليات والتكنولوجيا وأساليب التواصل التي نحتاج إلى تطبيقها لتنفيذه بسلاسة أكبر.

بالطبع، بعض التغييرات ضروري وبعضها الآخر حتمي، لكن ليست التغييرات كلها كذلك. تشير الدراسات العلمية التي تناولت القدرة على التنبؤ والتحكم والانتماء ومكان العمل والهدف إلى أنه قبل التفكير في إدارة التغيير يجب أن نضع باعتبارنا الظروف التي يحتاج إليها الموظفون في مكان العمل ليكونوا منتجين. لذلك يجب أن نخفف حماسنا للمبادرة بالتغيير في مؤسساتنا وأن نكون أكثر حذراً عندما تجبرنا الأحداث الخارجية عليه، كما يجب أن نجدد مفهومنا عن الاستقرار وفوائده وفهم طرق ممارسة ما أدعوه "إدارة الاستقرار" (Stability Management).

للتوضيح، إن مجال "إدارة الاستقرار" غير موجود حالياً، ولكن يمكننا رسم خطوطها العريضة بناءً على الأدلة النفسية والممارسات التي اكتشفتُ أنها تدعم بيئات العمل التي تتيح للموظفين تقديم أفضل ما لديهم.

ما هي إدارة الاستقرار؟

على عكس إدارة التغيير التي لا تظهر إلا عند اقتراح تغيير محدد، يجب أن تكون إدارة الاستقرار نهجاً تنظيمياً مستمراً ونشطاً دائماً لأنها تعالج الاحتياجات النفسية البشرية الأساسية الدائمة التي لا يمكن التحكم بها وتفعيلها أو إيقافها بحسب الرغبة. بمعنى آخر، هي ليست وسيلة لحل مشكلة مؤقتة، بل طريقة لإدارة بيئة العمل بالكامل.

تركز إدارة الاستقرار على تعزيز ما ثبتت فعاليته في العمليات اليومية، أما إدارة التغيير فتركز على معالجة المشكلات والتحديات. بالإضافة إلى ذلك، تؤكد إدارة الاستقرار الحاجة إلى الاهتمام بالموظفين، في المقابل تركز إدارة التغيير بشدة على الملاحظات والآراء. وفي حين تركز إدارة التغيير على المؤسسة عموماً وما سيتغير فيها وعلى التواصل بشأن التغييرات المستقبلية الملحّة، فإن إدارة الاستقرار تركز على الفِرق المحلية وعلى ما سيبقى ثابتاً وشرح الواقع للموظفين.

إدارة الاستقرار تقدّر أهمية الفرق.

تؤدي الفرق دوراً رئيسياً في تعزيز استقرار أعضائها، لقد اكتشف فريق البحث الذي كنت أرأسه في شركة سيسكو (Cisco) 3 مجموعات من الشروط التي تتنبأ بأداء الفريق على نحو أفضل:

  • تتعلق المجموعة الأولى بإسهامات الأفراد؛ على سبيل المثال، هل يفهم الموظف ما هو متوقع منه؟ وهل سيحصل على الفرصة للاستفادة من مواطن قوته باستمرار؟ وما إلى ذلك.
  • تركز المجموعة الثانية من الشروط على الفريق عموماً؛ على سبيل المثال، هل يتعاون أفراد الفريق فيما بينهم؟ وهل هم متوافقون في فهمهم لمعنى التميز في العمل؟
  • وتربط المجموعة الثالثة من الشروط الفريق بالمؤسسة على نطاق أوسع؛ على سبيل المثال، هل تحفز رسالة المؤسسة أعضاء الفريق؟

كشفت النتائج التي توصل إليها باحثو سيسكو أن كل مجموعة من هذه الشروط؛ أي الإسهامات الفردية وبيئة عمل الفريق وبيئة الشركة، تختلف من فريق إلى آخر. وعلى الرغم من أن مجموعتين من هذه المجموعات الثلاث، وهما المجموعة المتعلقة بالأفراد والمجموعة المرتبطة بالشركة، لا تتعلقان في ظاهرهما بالفريق، فقد كان الفريق العامل الأهم فيهما، فخبرتنا في العمل تتشكل من خلال الأشخاص من حولنا.

علاوة على ذلك، لم تركز دراسات شركة سيسكو على الفِرق فقط، بل على الأداء أيضاً، لذلك حددت مجموعات مختلفة من الشروط التي تميز الفرق ذات الأداء الأفضل. كان الاستقرار عاملاً مشتركاً يربط بين هذه الشروط كلها. على سبيل المثال، يساعد فهم التوقعات أو القدرة على العمل بفعالية في خلق شعور بالقدرة على التنبؤ والتحكم، كما أن تلقي الدعم من الزملاء يعزز الشعور بالانتماء. وبالإضافة إلى ذلك، يمنحنا فهم العلاقة بين جهودنا اليومية واتجاه المؤسسة وتأثيرها عموماً معنى لعملنا. تعتمد هذه العوامل إلى حد كبير على تماسك الفريق، لذلك تسعى إدارة الاستقرار إلى الحفاظ على سلامة الفرق وفعاليتها وتدعم قادة الفرق في بناء فرق ناجحة، وهي تعتبر الفرق الوحدة الأساسية المهمة في أي مؤسسة.

إدارة الاستقرار تركز على الثوابت.

فيما يتعلق بما تفعله الفرق باستمرار لتعزيز الشعور بالاستقرار، وجدت في بحثي الأخير العديد من الحالات التي تبذل فيها الفرق قصارى جهدها للحفاظ على العادات واحترامها. لقد أوضح لي الأستاذ والباحث في كلية هارفارد للأعمال، مايكل نورتون أن البشر يستخدمون العادات لتنظيم عواطفهم، ومن الواضح أن الفرق ليست استثناءً من هذه القاعدة.

على سبيل المثال، لاحظتُ في أحد الفرق أن القائد حوّل تقديم الدعم المتبادل إلى إجراء أسبوعي، حيث يبدأ كل أسبوع بلقاء سريع يتحدث فيه أعضاء الفريق عن المهام الموكلة إليهم وإذا ما كانوا يحتاجون إلى مساعدة من الزملاء، وينتهي الأسبوع بلقاء آخر يقدم فيه أعضاء الفريق الشكر علانية لمن قدم الدعم لهم وللآخرين. وهنا نرى كيف ساعدت العادات على إدارة مشاعر التوتر والافتقار للانتماء.

وخلال جائحة كوفيد-19، رصدتُ عادات فعالة مماثلة في فرق أخرى. على سبيل المثال، إنشاء عادة جديدة تتمثل في أن يحيّي الزملاء بعضهم بعضاً عبر الإنترنت صباحاً ومساءً بدلاً من التحية المعتادة في مكان العمل (لتعزيز الشعور بالانتماء مرة أخرى)، كما لاحظتُ تحويل عملية مشاركة المعلومات في أثناء الأزمات إلى إجراء روتيني يتمثل في اجتماع أسبوعي إلزامي لمناقشة المستجدات، ما يعزز الثقة في تدفق المعلومات. عموماً، تسعى إدارة الاستقرار إلى إبراز أهمية العادات وتعزيزها واحترامها.

إدارة الاستقرار تعطي الأولوية للتواصل الواضح والمباشر.

لقادة المؤسسات دور رئيسي في إدارة الاستقرار أيضاً، فهم قادرون على ضمان أن يفهم قادة الفرق دورهم المحوري في تعزيز الاستقرار (وتدريبهم عليه)، كما يمكنهم الحفاظ على تماسك الفرق قدر الإمكان (كما هي الحال مثلاً في شركات الاستشارات، حيث تنتقل الفرق نفسها عادةً من مشروع إلى آخر، بدلاً من حلّها وإعادة تشكيلها في كل مرة). ويمكنهم أيضاً ضمان أن يعزز التواصل ضمن المؤسسة الاستقرار من خلال صياغة رسائله بلغة واضحة؛ أي اختيار كلمات مرتبطة بالواقع ولا يتغير معناها بمرور الوقت، بعيداً عن العبارات الملطفة الغامضة واللغة المفرطة في التفاؤل التي غالباً ما نراها في الاتصالات التنظيمية حالياً.

على سبيل المثال، انتشر مؤخراً مقطع فيديو على تيك توك لمقابلة مع موظفة يبلغها فيها المسؤولون في الشركة قرار تسريحها من العمل بطريقة أثارت موجة من الغضب والاستياء بين المشاهدين، وكان من الواضح أن غياب التواصل الحقيقي الصريح كان أحد الأسباب الرئيسية لهذا الغضب. بدلاً من الادعاء بأن تسريح موظف ما جاء نتيجة لـ "قرار جماعي"، أو أنه يتعلق بـ "بيانات النتائج المحققة ومؤشرات الأداء الرئيسية" أو غيرها من التعابير الغامضة والفضفاضة، يجب على القادة التحدث بلغة واضحة ومباشرة في مثل هذه المواقف الصعبة. في مقطع الفيديو، عبّرت الموظفة المُسرحة نفسها بطريقة أوضح وأبسط عن سبب التسريح قائلة للمسؤولين الذين كانوا يتحدثون إليها: "لقد قررتم توظيف عدد كبير من الموظفين وأدركتم الآن بالفعل أنكم لا تستطيعون تحمل تكلفتهم". هذه رواية أفضل بكثير. ومثلما قال لي أحد الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلة في سياق إعداد كتابي الأخير: "الموظفون قادرون تماماً على التعامل مع الحقائق وتقبّلها". والحقيقة هي في حد ذاتها مصدر للاستقرار حتى عندما تصف التغيير.

يبدو أننا ضللنا الطريق في ظل عمليات إعادة التنظيم وإعادة الهيكلة المستمرة في أماكن عملنا، ومع إدخال قيادات وتكنولوجيات وعمليات وسياسات وبرمجيات جديدة باستمرار على نحو يعوق سير العمل اليومي، ومع معاناة فرق العمل المعاد تشكيلها للتكيف مع أحدث التحولات والابتكارات الاستراتيجية. ولم نعد نفهم ما هو مجدٍ من منظور الأعمال، فغالبية عمليات الاندماج تدمر القيمة، كما أن عمليات تسريح العاملين لا تعالج المشكلات الأساسية، وتشوشت رؤيتنا لما يحتاج إليه الموظفون حقاً للعمل بأكبر قدر من الفعالية. السؤال الرئيسي الذي يجب أن تطرحه أي شركة في عالم اليوم المضطرب ليس عن طرق الزعزعة أو إدارة التغيير، بل عن طرق مساعدة الموظفين على تقديم أفضل ما لديهم.

يعتمد تحقيقنا للتحسين أو النمو أو الابتكار الذي نسعى إليه على توفير الاحتياجات النفسية الأساسية التي تعزز أداء الموظفين، ويعتمد النجاح في تحقيق ذلك باختصار على الاستقرار في المقام الأول.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي