عندما يبدأ أي شخص العمل بوظيفة جديدة، يطلع غالباً على السياسات الأساسية والإجراءات الرسمية المتعلقة بأمور مثل الإجازات، ولكن كتيبات إرشاد الموظفين لا توضح الجوانب الأخرى، مثل ضرورة المطالبة بالحصول على ترقية أو انتظار تقديمها من الإدارة، أو المدة المتوقعة للرد على الرسائل الإلكترونية، أو تحديد إذا كانت الاجتماعات تبدأ في الموعد المحدد أو تتأخر بضع دقائق.
تشكل هذه الأعراف السلوكيات الفردية والجماعية وتمثل انعكاساً للثقافة التنظيمية أو أسلوب العمل المتبع، ويتعلم الموظفون هذه الأعراف بمرور الوقت من خلال مراقبة تصرفات الأشخاص المحيطين بهم وفهم السلوكيات المقبولة في بيئة العمل. على سبيل المثال، قد يتساءل موظف جديد إذا كان من المقبول الاختلاف علناً مع الزملاء. يمثل تحديد الأعراف بطريقة مدروسة وضمان التزام الجميع بها وتقديرها عنصراً أساسياً يسهم في توضيح الأمور للموظفين، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للقادة في أوقات الاضطرابات وعدم الاستقرار عندما يحتاج الموظفون إلى دليل ومرجع يرشدهم في العمل.
يمكن أن يؤدي غرس عرف أساسي يعتمد على الإنصاف ويضمن تكافؤ الفرص أمام الموظفين جميعهم لتحقيق النجاح، مع توفير الدعم والمكافآت بطريقة عادلة، إلى إنشاء دورة محمودة من التفاعل الإيجابي والنجاح المستمر داخل بيئة العمل. عندما يسود الإنصاف في مكان العمل، يعبر الموظفون عن تقديرهم من خلال ارتفاع الإنتاجية وتأكيد الالتزام تجاه مؤسساتهم، وبالتالي، يصبح الإنصاف عرفاً ذاتي التعزيز يزداد قوة مع مرور الوقت. وفي المقابل، يمكن أن يؤدي عدم الإنصاف إلى حلقة مفرغة ومستمرة من النتائج السلبية، لذلك، من الضروري أن يعمل القادة على ترسيخ عرف الإنصاف في بيئة العمل.
لتحقيق ذلك، يمكنك أن تصبح رائداً في تغيير أعراف الإنصاف وأن تسهم في إنشاء بيئة تشجع الموظفين على تبني النهج نفسه. وقد صاغ الباحث القانوني، كاس سانستين، مصطلح "رواد الأعراف" في الأصل للإشارة إلى الأشخاص الذين يسهمون في تشكيل تصوراتنا حول ما نراه طبيعياً ومقبولاً ومتوقعاً. وتمثل ريادة الأعراف أداة فعالة ضمن مجموعة أدوات القادة؛ إذ تتفوق الأعراف في بعض الحالات على السياسات والإجراءات الرسمية من حيث التأثير في تشكيل السلوك. على سبيل المثال، لا تجدي سياسة الشركة التي تمنح إجازات غير محدودة نفعاً إذا لم يشعر الموظفون بالقدرة على الاستفادة منها عملياً بسبب النظرة السلبية للإجازات الطويلة. على نحو مماثل، لن تنجح المؤسسات التي تتبنى ثقافة حرية التعبير عن الآراء في تشجيع الموظفين على طرح مخاوفهم إذا لاحظوا تهميش زملائهم أو تشويه سمعتهم أو معاقبتهم عند إبداء آرائهم.
ولإنشاء أماكن عمل تتميز بالإنصاف والأداء المتميز، يجب علينا أن نعمل على تحديد السلوكيات التي نرى أنها طبيعية ومقبولة.
فيما يلي 3 طرق يمكن للقادة من خلالها التأثير في أعراف مكان العمل وتشجيع الموظفين على أن يكونوا رواداً في صياغتها وتغييرها لبناء بيئة عمل منصفة وتسمح للجميع بتحقيق النجاح.
تعديل التصورات حول أسلوب العمل المتبع.
لا تكون تصوراتنا حول أفكار الآخرين وتصرفاتهم دقيقة دائماً، ما يؤدي إلى تكوين معتقدات خاطئة حول السلوكيات المقبولة أو المرغوبة؛ أي تحديد العرف الاجتماعي في سياق محدد. على سبيل المثال، تشير الأبحاث الحديثة إلى أن معظم الأميركيين يؤيدون مبادرات التنوع والشمول، ولكنهم يقللون عادة من شأن الدعم الذي يقدمه الآخرون لهذه المبادرات.
في بيئة العمل، يحدث ما يسمى بــ "الجهل الجماعي" بسبب عدم توافر معلومات كاملة عن معتقدات الآخرين الشخصية، كما أن المعلومات المتاحة لدينا؛ أي المبنية على ملاحظاتنا لسلوكياتهم الظاهرية، لا تعكس بالضرورة مشاعرهم الحقيقية. وعلى الرغم من ذلك، يجب ألا تحول المعتقدات الخاطئة دون استفادة الناس من الفرص المتاحة لهم، لذلك، يتطلب تحقيق الإنصاف توفير المعلومات التي يحتاج إليها الناس لاتخاذ الإجراءات المناسبة.
على سبيل المثال، لم تصبح إجازة الأبوة متاحة للرجال إلا مؤخراً في بعض الدول. وبالتالي، فإن العرف الاجتماعي المتعلق بالاستفادة من هذه الإجازة لا يزال يتطور ويتبلور تدريجياً، ما يؤدي إلى تردد الرجال في أخذ إجازة الأبوة التي يحق لهم الحصول عليها خوفاً من ردود فعل زملائهم السلبية. على سبيل المثال، كشف استطلاع للرأي في بنك سانتاندر في المملكة المتحدة أن 65% فقط من الموظفين الذكور توقعوا أن يدعم زملاؤهم سياسة العمل المرن، على الرغم من أن الرجال جميعهم تقريباً أعربوا عن تأييدهم لهذا التوجه عند سؤالهم عن آرائهم الشخصية.
أظهرت التجربة إن إبلاغ بعض الرجال بأن زملاءهم يدعمون العمل المرن أدى إلى زيادة رغبتهم في الحصول على إجازة أبوة لمدة تتراوح بين 5 و8 أسابيع بنسبة 62%، أو نحو 13 نقطة مئوية، مقارنة بالرجال الذين لم يحصلوا على هذه المعلومات. ساعد توفير المعلومات لتصحيح المفاهيم الخاطئة الكثير من الرجال على التصرف بما يتوافق مع قيمهم وتفضيلاتهم الشخصية. ونظراً لأن البشر يمتلكون دافعاً فطرياً للتكيف والانتماء إلى الجماعة، فإن تصحيح المعتقدات المغلوطة بهذه الطريقة يشكل وسيلة فعالة لتعديل السلوك ومنع انتشار الأعراف السلبية والخاطئة.
إلى جانب توفير المعلومات التوضيحية وجهود التوعية، يمكن أن يسهم رواد تغيير الأعراف في تقليل الغموض من خلال تجسيد السلوكيات المرغوبة لإثبات إمكانية تنفيذها بنجاح. كان وزير النقل السابق، بيت بوتيجيج، والمؤسس المشارك لموقع ريديت، أليكسيس أوهانيان، من رواد تغيير الأعراف، إذ أخذ كل منهما إجازة أبوة وتحدث صراحة عن تجربته الإيجابية، ما ساعد على إزالة التصورات الخاطئة بأن الرجال لا يحصلون على إجازة أبوة أو لا يمكنهم طلبها أصلاً، على الأقل في المؤسسات التي يتوافر فيها هذا النوع من الإجازات.
على الرغم من أن كبار القادة قد يتمتعون بامتيازات أكثر وصلاحيات وسلطة أكبر وقدرة على إحداث التغيير، فبإمكان الموظفين العاديين المساهمة أيضاً في تغيير أعراف مكان العمل حتى لو لم يشغلوا مناصب تنفيذية عليا. في كثير من الأحيان، يكون الأشخاص الذين يؤثرون في توقعاتنا هم الأقرب إلينا، يقول تاجر مبيعات الأسهم، روناك باتيل، عن إجازة الأبوة التي أخذها واستمرت 16 أسبوعاً: "كلما زاد عدد الرجال الذين يحصلون على هذه الإجازات، أصبح الأمر طبيعياً ومقبولاً أكثر".
لتغيير التصورات حول الأعراف السائدة، اطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- ما هي البيانات أو المعلومات التي يمكنك جمعها أو مشاركتها لتغيير معتقدات الموظفين الحالية حول قضية ما؟
- ما هي السلوكيات التي يمكنك تجسيدها لتعزيز تحول ثقافة مؤسستك نحو الأفضل وبطريقة إيجابية؟
- ما هو السلوك الذي تمارسه حالياً وتتمنى أن يتبناه عدد أكبر من الموظفين، وكيف يمكنك إبراز هذه التصرفات بدرجة أكبر في مكان عملك؟
استهداف الجمهور المناسب.
على الرغم من أن أي شخص يمكنه أن يكون رائداً في تغيير الأعراف، ففعالية جهودنا تزداد عندما نوجهها نحو الجمهور المناسب الذي يعتبرنا مصادر موثوقة ومؤثرة. يمكن أن يكون طرح قضية الإنصاف أكثر إقناعاً عندما يصدر عن شخص يستفيد من غياب الإنصاف، أو من شخص يتحدى الصور النمطية من خلال النجاح في مجالات لم يكن من المتوقع نجاحه فيها.
يمكن أن يكون الأشخاص غير المتوقعين هم أفضل رواد تغيير الأعراف لأنهم يتحدون الصور النمطية. تشير الأبحاث إلى أن المسؤولين التنفيذيين وكبار المدراء من الرجال أصحاب البشرة البيضاء حصلوا على تقييمات أداء أعلى عندما وظفوا عدداً أكبر من النساء وأصحاب البشرة الملونة، في حين لم يحصل المسؤولون التنفيذيون والمسؤولات التنفيذيات من أصحاب البشرة الملونة على التقدير نفسه.
وعلى نحو مماثل، حازت العالمات كاثرين جونسون وماري جاكسون ودوروثي فون، وهن الشخصيات الرئيسية في فيلم "شخصيات مخفية"، شهرة واسعة بسبب عبقريتهن في الرياضيات، بالإضافة إلى أنهن كن رائدات حققن العديد من الإنجازات في جوانب متعددة داخل وكالة ناسا في الستينيات؛ فقد بدأن بتغيير الأعراف السائدة من خلال كسر الحواجز والقيود وتمهيد الطريق للآخرين.
وفي كلا المثالين، أصبح هؤلاء الأشخاص من رواد تغيير الأعراف الموثوقين لأنهم خالفوا الصور النمطية؛ ففي المثال الأول، وظف الرجال من أصحاب البشرة البيضاء نساء وأشخاصاً من أصحاب البشرة الملونة، وفي المثال الثاني، استطاعت نساء من ذوات البشرة الداكنة التقدم في السلم الوظيفي وتحقيق إنجازات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
للعثور على الجمهور المناسب لتطبيق ريادة تغيير الأعراف، اطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- ما هي المجالات أو المحادثات أو المواقف التي يمكن أن أكون فيها شخصاً غير متوقع يدعم التغيير في قضية معينة؟
- هل هناك أشخاص مختلفون عني يمكنني دعمهم أو الدفاع عنهم بقصد إحداث أثر إيجابي؟
- ما هي مصادر مصداقيتي (مثل الخبرة والصلاحيات والقدرة على الإلهام)، ومن هم الزملاء الذين يثقون بي؟
- من هو الشخص غير المتوقع الذي يمكنني الاعتماد عليه للمساعدة في دعم قضيتي؟
الاستفادة من العمل الجماعي.
تحقيق الإنصاف ليس مهمة فردية بل جهداً جماعياً. وفي كثير من الأحيان، يتطلب تحويل الإنصاف إلى عرف التنسيق والتعاون؛ إذ تنتشر الأعراف عندما يتبناها عدد أكبر من الأشخاص.
أرادت إحدى الشركات التي عملنا معها تقليل الغموض في الاجتماعات الهجينة وقررت أن يتحدث المشاركون الافتراضيون الذين يحضرون الاجتماعات عن بعد قبل المشاركين الحاضرين ضمن المقر المكتبي. على غرار ما لاحظه معظمنا منذ بداية الجائحة، أدركت الشركة أنه بمجرد أن يبدأ المشاركون الحاضرون ضمن المقر المكتبي النقاش، يصبح من الصعب جداً على المشاركين الافتراضيين التحدث. أدرك القادة أن هذا العرف الجديد الذي يتعلق بإعطاء الأولوية للمشاركين الافتراضيين لا يمكن تحقيقه بمجرد إصدار تعليمات من الإدارة العليا. لذلك، استعانوا بمجموعة من منظمي الاجتماعات لتجربة الطريقة الجديدة ومشاركة الملاحظات وتجسيد كيفية تطبيق هذا الأسلوب عملياً. وبعد فترة وجيزة، بدأت الأخبار تنتشر عن هذه الممارسة الجديدة، فأصبحت الشركة قادرة على تقديمها للموظفين بوصفها ممارسة تزداد انتشاراً يوماً بعد يوم.
اتبع الصحفي في هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي، روز أتكينز، نهجاً مماثلاً عندما بدأ بتوسيع نطاق مشروع المساواة 50:50، الذي يهدف إلى تحقيق المساواة في تمثيل النساء والرجال في التغطية الإعلامية. بعد تحسين منهجيته القائمة على البيانات والأهداف، التي يعتمد فيها الصحفيون على حساب عدد النساء والرجال الذين يظهرون في المحتوى الذي يقدمونه بهدف تحقيق التكافؤ، بدأ أتكينز بمشاركة نهجه مع زملائه المؤثرين في شبكة بي بي سي الذين اختارهم بعناية ودقة. بسبب طبيعة المشروع التطوعية ومحدودية موارده عندما انطلق في عام 2017، لم يكن أتكينز قادراً على إلزام أي شخص بالانضمام إليه أو تقديم حوافز لجذب المشاركين. ولكن نظراً لأنه يمتلك سجلاً حافلاً بالإنجازات التي تتعلق بتحقيق العدالة في البرامج التي يقدمها، بالإضافة إلى مصداقيته وسمعته بين زملائه الصحفيين، فقد تمكن من عرض الفكرة بطريقة بسيطة ومباشرة، فكان يقول: "وجدنا أن هذا النهج مفيد في عملنا، لذلك، ربما ترغب في تجربته أيضاً". وبعد 7 سنوات، انضم أكثر من 750 فريقاً آخر من فرق صناعة المحتوى في شبكة بي بي سي إلى مشروع 50:50.
قد تعتقد أن شخصاً واحداً لا يمكنه تغيير الأعراف في مؤسسة كبيرة، لكن هذه الأمثلة تظهر أنه عندما يبدأ الأفراد بتعديل تصرفاتهم والأمور التي تقع ضمن نطاق مسؤولياتهم ومهامهم اليومية ويستعينون بمجموعة صغيرة من الزملاء للانضمام إليهم، فمن الممكن أن يحدث شخص واحد أثراً كبيراً وتغييراً ملموساً وهادفاً.
هذا ما حدث عند تشجيع طلاب من مدارس إعدادية أميركية مختارة بطريقة عشوائية على التعبير علناً عن معارضتهم للتنمر، وذلك ضمن إطار برنامج للحد من النزاعات. انخفضت حالات النزاع المبلغ عنها بدرجة كبيرة، ولا سيما عندما كان الطلاب الذين شاركوا في البرنامج يتمتعون بالقدرة على التأثير الاجتماعي. كان هؤلاء الطلاب الذين يعتبرون نماذج اجتماعية مؤثرة محط انتباه زملائهم الذين يلتمسون توجيههم حول كيفية التصرف، وعندما عبروا عن رفضهم للنزاعات أسهموا في تشكيل تصورات الطلاب الآخرين حول الأعراف المقبولة والسلوكيات الطبيعية.
حاول تطبيق ذلك. تشاور مع فريقك لإنشاء مجموعة من الأعراف التي تتفقون جميعكم على الالتزام بها، مثل بدء الاجتماعات وإنهائها في الوقت المحدد، أو جدولة الفعاليات الاجتماعية خلال ساعات العمل، أو إجراء لقاءات أسبوعية لمراجعة الملاحظات. بعد ذلك، احرص على إبراز هذه الأعراف بحيث تكون واضحة ومألوفة وحاضرة دائماً في الأذهان، مثل كتابتها على ملصقات في غرف الاجتماعات أو مشاركتها عبر الرسائل الإلكترونية لتذكير الفريق بجلسات مراجعة الملاحظات الأسبوعية لتعزيز الالتزام بها، كما يمكن أن يتناوب أعضاء الفريق على الدفاع عن الأعراف، إذ يعمل المدافع على مساعدة الجميع على الالتزام بالأعراف المتفق عليها ويتدخل إذا أوشك أحد ما على تجاوزها. إذا توصلت إلى طريقة فعالة، فيمكنك مشاركتها مع بعض أعضاء الفرق أو الأقسام الأخرى وتشجيعهم على تطبيقها.
للاستفادة من العمل الجماعي بصفتك رائداً لتغيير الأعراف، اطرح على نفسك الأسئلة التالية:
- ما هو العرف الذي أود نشره في أنحاء مؤسستي كافة؟
- كيف يمكنني إثبات فعالية هذه الفكرة في عملي أولاً؟
- من هم الزملاء (المؤثرون تحديداً) الذين يمكنني إقناعهم بالمشاركة معي في تجربة تغيير الأعراف؟
يسهم وضوح الأعراف داخل المؤسسة في توفير الثقة والاستقرار في الظروف الغامضة أو المضطربة، والأهم من ذلك هو أن ريادة تغيير الأعراف تساعدك على إنشاء مكان عمل أكثر إنصافاً، حيث يمكن للجميع تقديم أفضل ما لديهم والشعور بالرضا عن عملهم في الوقت نفسه.