استقصيت آراء مجموعة رائدة من النساء القياديات من مجلس المائة في جامعة نورث ويسترن حول حياتهن المهنية؛ سألت: كم واحدة منكن تعمل في الوظيفة أو المسار المهني نفسه الذي بدأت به بعد التخرج من الكلية؟ كانت النتيجة 3 نساء فقط من أصل 100 امرأة. ثم سألت عن عدد النساء اللاتي بقين في المجال نفسه منذ تخرجهن، فارتفع العدد إلى نحو 20 امرأة.
إذاً، في سن الحادية والعشرين، كانت 20% من النساء يعرفن المجال الذي يرغبن في العمل فيه (ونجحن فيه في نهاية المطاف)، في حين تمكنت 3% منهن فقط من اختيار الوظيفة والقطاع المناسبين معاً منذ بداية حياتهن المهنية.
لا تقلقوا يا أبناء جيل الألفية، فأنا لا أوجه لكم تحذيراً بل أحاول أن أهدئ توتركم؛ لا تقلقوا كثيراً بشأن وظيفتكم الأولى، فعلى الأرجح أنها لن تكون الأفضل على أي حال، ولا بأس في ذلك.
علاوة على ذلك، هناك مجالات أهم يجب التركيز عليها لتضمن لكم تطوير مهاراتكم وإتاحة خيارات عدة في حياتكم المهنية على المدى الطويل، بغض النظر عن الوظيفة التي تختارونها اليوم.
يجب أن تركزوا على التعلم والكسب والإسهام؛ ستساعدكم هذه المجالات الثلاثة في التغلب على التوتر والقلق بشأن مقابلات العمل أو فرص بناء العلاقات التي يجب أن تسعوا إليها.
تعلّم
بعد تخرجي في الكلية، انضممت إلى مؤسسة بيس كور (Peace Corps) في أميركا اللاتينية بهدف السفر وتغيير العالم، وقد سافرت حقاً لكني لم أكن واثقة من أني سأتمكن من تغيير العالم، ولم أعمل في النهاية في قطاع المساعدات الدولية أيضاً.
لكني تعلمت الكثير عن نفسي وعن التواصل مع الآخرين وضبط توقعاتي وإدارة المواقف الصعبة في مكان العمل. لقد تطلب مني العمل في مؤسسة بيس كور التفكير بطريقة إبداعية والتغلب على الصعوبات وحل المشكلات في الظروف غير الاعتيادية ودفع نفسي خارج منطقة راحتي. وبالإضافة إلى استخدام هذه المهارات في عملي اليومي، أستخدم عادة أمثلة من تلك الفترة عندما أحتاج إلى إبراز قدراتي.
هناك دائماً دروس يمكن تعلمها بغض النظر عن وظيفتك الأولى بعد التخرج في الجامعة؛ راقب الأشخاص في محيطك، ولاحظ ديناميات الفريق، لماذا يحب الموظفون المدير أو يكرهونه؟ مَن الذي تتطلع إليه أو تقتدي به وأنت تتسلق السلم الوظيفي؟ لماذا يستمر الحمقى الذين يجلبون معظم العملاء الجدد في التقدم؟ من يتمتع بالسلطة والنفوذ ومن يُهمّش؟ ما نهج الأفراد الذين يجدون حلولاً للمشكلات باستمرار؟
اكسب
لا يسير فعل ما تحب وكسب الرزق منه دائماً جنباً إلى جنب، لكن كسب المال غالباً ما يمهد لك الطريق لفعل ما تحب في نهاية المطاف. لا عيب في أي عمل شريف، فلا تيأس إن لم تحصل على وظيفة في إحدى الشركات الكبرى؛ يمكنك العمل نادلاً أو في مركز اتصالات، أو في عمل مستقل (فريلانس) في شركة صغيرة. اعمل في وظيفة عادية نهاراً، مثل البيع بالتجزئة، وتابع شغفك في الفن أو التدوين مساءً وابنِ حضورك ومهاراتك على وسائل التواصل الاجتماعي. اعمل في أي شيء لتكسب قوت يومك وستتمكن من الادخار للمستقبل شيئاً فشيئاً. لقد مررت بفترات متعددة لم أعمل فيها في وظيفة ثابتة خلال العشرينيات من عمري؛ إذ عملت مؤقتاً نادلة في مطعم وصانعة قهوة في مقهى وجليسة أطفال، وشغلت وظائف متعددة، وفعلت كل ما بوسعي لتغطية نفقاتي ما بين الوظائف وفي أثناء بحثي عن فرصتي "الحقيقية" التالية.
منحني هذا التركيز على كسب المال المرونة ومجموعة متنوعة من الخيارات، فتمكنت من السفر إلى العاصمة على نفقتي الخاصة لإجراء مقابلة عمل وحصلت على الوظيفة فعلاً، وكانت لدي الموارد المالية للالتحاق بفصل تحضيري لاختبار القبول للدراسات العليا في مجال الإدارة عندما قررت فجأة الالتحاق بكلية إدارة الأعمال. وبعد سنوات، تمكنت من بدء مشروعي الخاص بصفتي رائدة أعمال بعد أن ادخرت راتبي في وول ستريت بعد حصولي على ماجستير إدارة الأعمال. لم أُضطر قط إلى التخلي عن أي فرصة جديدة لأني كنت قادرة على إعالة نفسي بعمل جديد، ومنحتني القدرة على دفع فواتيري باستمرار شعوراً بالفخر والقوة بغض النظر عن تواضع الوظيفة.
أَسهِم
أكثر ما يرغب فيه جيل الألفية، بل الجميع في الواقع، هو الإنجاز والرضا وامتلاك غاية سامية؛ إذا لم تكن قادراً على استثمار أفضل مهاراتك وشغفك في وظيفتك الحالية، فعليك توجيه هذه الطاقة والحماس إلى مجالات أخرى يمكنك أن تحدث فيها أثراً إيجابياً. انخرط في عمل خيري جانبي أو انضم إلى مجلس إدارة مؤسسة غير ربحية، شارك في قضية أو مؤسسة تهتم بها، استخدم المهارات التي تأمل أن تطورها في حياتك المهنية وقدّمها إلى مؤسسة محلية تحتاج إلى مساعدتك. وفي النهاية ستتمكن من إظهار شغفك والتزامك للشركة التي ستعمل فيها في المستقبل، ولعلك تبني علاقات قيّمة تمهد الطريق لفرصتك الكبيرة التالية. يمكن أن يؤدي العمل التطوعي في بعض الأحيان إلى فرص غير متوقعة، بما فيها الحصول على وظيفة أحلامك.
سيتعافى الاقتصاد في نهاية المطاف على الرغم من صعوبة تخيل ذلك في الوقت الحالي. ستتحسن الأمور؛ يحدث ذلك دائماً. بينما تنتظرون انتهاء الركود الاقتصادي لا تشككوا في قيمة شهاداتكم الجامعية فإمكاناتكم في الكسب على المدى الطويل أعلى، وفرصة الاستغناء عنكم أقل، وفوائد شبكة العلاقات التي بنيتموها لا تقدّر بثمن وستدوم طويلاً. وبما أنكم من الجيل الأول من المواطنين الرقميين، فمهاراتكم التقنية لا تقدّر بثمن.
أياً كان ما تفعلونه أو تحاولون إنجازه اليوم، ركّزوا على ثلاثية التعلّم والكسب والإسهام، وإذا كان بمقدوركم التركيز على مجال واحد أو اثنين في الوقت نفسه، فسيكون بوسعكم في نهاية المطاف التفوق في المجالات الثلاثة، وستعثرون على ذلك المسار الوظيفي أو الوظيفة أو أي طريق آخر مرضٍ يقودكم إلى السعادة والازدهار.