من بين أكثر الطرق شيوعاً في حث الناس على الادخار تلك التي تأتي من خلال صاحب العمل. وعلى وجه التحديد، الاقتصاد السلوكي - ذلك الزواج بين الاقتصاد وعلم النفس الذي أضاف مصطلحات مثل (Nudging) "الترغيب" إلى المعجم العامي. فقد وفّر أداة قوية لزيادة المدخرات، في شكل التسجيل دون طلب. إنّ الفكرة بسيطة: يدخر الناس أكثر في حسابات التقاعد عندما يتم إلحاقهم تلقائياً من قبل صاحب العمل لا من خلال تسجيل أنفسهم. لقد تبنى معظم أرباب العمل الأميركيين برامج ادخار افتراضية، لكن الفكرة ما زالت تطرق أبواب البلدان الفقيرة، حيث يكون الادخار أقل شيوعاً. ووفقاً لأرقام البنك الدولي، فإنّ نصف البالغين في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) من أصحاب الدخل المرتفع يدخرون في حساب رسمي؛ بينما تبلغ النسبة في الاقتصادات النامية إلى فرد واحد فقط من كل خمسة أفراد. ولكن لدينا الآن بعض الأدلة حول كيفية الارتقاء بالمنهجية السلوكية للمساعدة في تغيير ذلك.
إلى جانب الأوجه الأخرى للنظام الإيكولوجي المالي الرسمي، (البنوك التي في كل مكان وأجهزة الصراف الآلي وبطاقات الائتمان) فإنّ برامج الادخار الافتراضية كانت تاريخياً اختصاص الدول الغنية. لكن في الآونة الأخيرة، شهد العالم انخفاضاً حاداً في أعداد البالغين الذين لا يتعاملون مع المصارف بسبب الانتشار السريع للصيرفة المتنقلة. لقد أصبح عدد الأشخاص الذين يملكون الهواتف أعلى بكثير من عدد الأشخاص الذين يمكنهم الوصول بسهولة إلى فروع المصارف التقليدية، (خاصة بين الفقراء في الأرياف). إلا أنه قبل إجراء دراستنا، لم يختبر أحد ما إذا كان بإمكان الخدمات المصرفية عبر الهاتف النقال تسهيل برامج الادخار الافتراضية. وفي بحث حديث، وجدنا أنّ دفع الموظفين إلى الادخار قد نجح في أفغانستان، وهي واحدة من أقل بلدان العالم نمواً من الناحية المالية.
إنّ "التقنيات المالية"، أو ما يعرف باسم "فينتك" (Fintech)، والتي نسمع عنها في أغلب الأحيان – مثل "آبل باي" (Apple Pay) و"بتكوين" (Bitcoin) و"كراود فندنج" (Crowdfunding) تستفيد من معدلات الاختراق العالية للحسابات المصرفية وبطاقات الائتمان في البلدان الغنية. ولكن كيف تبدو "التقنيات المالية" في الأماكن التي تعاني من نقص الخدمات المالية؟ إنها تتجه نحو الصيرفة المتنقلة بشكل أوسع: وهي طريقة منخفضة التكلفة لنقل العملة المحلية رقمياً باستخدام الهاتف النقال، مدعوماً بشبكة من الوكلاء الذين يقدمون خدمات صرف وإيداع النقد. وبعد عقد واحد من إطلاق خدمة الصيرفة المتنقلة لأول مرة في العام 2007، يوجد الآن أكثر من 118 مليون حساب نشط يستخدم 277 خدمة مالية متنقلة في 92 دولة. ويعمل أرباب العمل على اللحاق بهذا الاتجاه ويدفعون الأجور من خلال الصيرفة المتنقلة في أميركا اللاتينية وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا وجنوب آسيا.
من خلال دراستنا، عقدنا شراكة مع شركة روشان (Roshan)، أكبر شركة للهاتف النقال في أفغانستان، وقد ساعدتنا على تصميم حساب ادخار افتراضي تم توفيره بالكامل عبر شبكة الهاتف النقال، بحيث يمكن للأشخاص إجراء الإيداعات والسحوبات من دون الحاجة إلى زيارة أحد المصارف. ثم أجرينا تجربة ميدانية مع ما يقرب من 1,000 موظف لمعرفة ما إذا استطاع هذا المنتج من نقل الادخار إلى مستوى آخر. وكانت النتائج مذهلة، حيث أعطت ملمحاً عن الكيفية التي يمكن لأصحاب العمل والحكومات العمل بها لمساعدة الناس على الادخار، حتى في أكثر البيئات صعوبة في العالم.
الجدير بالملاحظة، أننا وجدنا أنّ الموظفين الذين تم اختيارهم عشوائياً - وبشكل افتراضي - لتخصيص نسبة 5% من رواتبهم للادخار تلقائياً، كانوا أكثر رغبة في المشاركة من أولئك الذين اضطروا للتسجيل من تلقاء أنفسهم. هذا التأثير (زيادة بنسبة 40 نقطة مئوية في المشاركة) مماثل تقريباً للآثار الملحوظة في بلدان مثل الولايات المتحدة وأوروبا، وكان كبيراً تقريباً مثل الزيادة في المدخرات التي لوحظت عندما قدمنا حافزاً مالياً ضخماً (نسبة تطابق 50%) للموظفين للادخار. وعلى مدار 6 أشهر، كان متوسط الموظف الذي تم تسجيله للادخار بشكل افتراضي يتقاضى راتب نصف شهر إضافي في حساب الادخار الخاص به، مقارنة بالموظفين الذين اضطروا إلى الاشتراك.
هذا أمر مثير - ومهم - لأن الادخار رسمياً أصبح أمراً ضرورياً للاقتصاد السليم. وتوفر المدخرات للمؤسسات المالية مصدراً كبيراً لتدفق رؤوس الأموال، وتمكن المستهلكين من شراء الأصول الكبيرة وإدارة النفقات غير المتوقعة والاستعداد للتقاعد.
إننا نرى فكرتين أساسيتين يمكن للرؤساء التنفيذيين والمدراء والمستثمرين المؤثرين الخروج بها. الأولى، إنّ القيم الافتراضية مهمة - ويمكن للشركات في كل مكان أن تساعد في تعزيز الشمول المالي من خلال ترغيب موظفيها في الادخار. إذا تم ذلك بشكل استراتيجي، كما يمكن لبرامج الادخار التلقائية أن تدعم الموظفين والدخل الصافي من خلال تقليل معدل دوران رأس المال وتوفير بديل أكثر استدامة لسلف الرواتب. أما الفكرة الثانية، مع الانتشار السريع للتمويل الرقمي، هناك فرصة واضحة لتصدير أفكار الاقتصاد السلوكي إلى البلدان النامية. على سبيل المثال، يمكن لأية معاملة تتم بانتظام، مثل التحويل النقدي لمكافحة الفقر أو حتى لمالك متجر يقبل الدفع عبر الهاتف النقال، أن تدمج ميزة يتم فيها ادخار مبلغ بشكل افتراضي. ويمكن أن يؤدي الجمع بين الرؤى السلوكية والتمويل الرقمي إلى خلق منتجات قابلة للتطوير بدرجة عالية وذات تأثير اجتماعي إيجابي. والأرجح أنّ الشركات والمستثمرين الذين يدمجون بشكل خلاق ما بين الاقتصاد السلوكي والتمويل الإلكتروني هم الذين سيجنون الثمار.