ثمة أوقات يصبح فيها العمل مكثفاً وتحتاج فيها إلى عون الجميع. من الناحية النظرية، قد تأمل أن يهرع الجميع إلى العمل وهم متحمسون وسعداء بدلاً من أن يشعروا بالقلق إزاء ما ينتظرهم. إذاً، ما الذي بوسعك عمله لتحفيز فريق العمل ولتحميس الفريق عندما تكون أعباء عمله مرهقة بصفة خاصة؟ كيف تتحدث عن المشروع أو الفترة الزمنية بحيث لا يشعر الناس بالخوف؟ وكيف تراقب مستويات التوتر بينما تستمر بتحفيز الأشخاص على تجاوز الأزمة؟
ما الذي يقوله الخبراء عن تحفيز فريق العمل؟
سواء كنت تواجه وقتاً عصيباً موسمياً أو مشروعاً مكثفاُ للغاية ذا موعد نهائي قصير، فقد يكون الحفاظ على تركيز الناس وحماسهم عندما تُثقلهم المهام أمراً صعباً. وفي الواقع، "لدى معظم الأشخاص الكثير من المهام لإنجازها بالفعل" وفقاً لليزا لاهي، مستشارة الأعمال والمدربة. وبالتالي، عندما تطالب فريقك بالمزيد، "قد يجعل ذلك الأشخاص يشعرون بالارتباك والقصور". علاوة على ذلك، مع ارتفاع وتيرة العمل والتوافر الدائم للتكنولوجيا كصلة وصل مع المكتب، تسود الفترات المجهدة وفقاً لإيثان بيرنستاين، أستاذ القيادة والسلوك التنظيمي في "كلية هارفارد للأعمال". إذ قال: "إن الأوقات العصيبة آخذة في التزايد ويحدث مقدار أكبر من العمل الذي ننجزه أثناء الأزمات". ويترتب على هذا تبعات هامة بالنسبة للمدراء. إذ يقول بيرنشتاين: من خلال "تركيز انتباهك على موظفيك" وإبداء تواجد واثق ورصين، يمكنك أن تجعل هذه الأوقات أيسر على الأشخاص في فريقك. إليك طريقة القيام بذلك.
اقرأ أيضاً: الشفافية المالية تساهم في تحفيز فريق العمل
إبداء طاقة إيجابية
بالنسبة للمبتدئين، تقول لاهي: "تفقد طاقتك النفسية كمدير". إذا كنت تشعر بأنك مُطوّق أو متوتر أو قلق أو محبط بسبب مشروع، "يستحيل أن يراك فريقك" كقوة مرشدة واثقة. كي تقود، يجب أن تكون "متفاعلاً ومتحمساً" و"أن تكون داعماً من الناحية النفسية". إبدأ بـ "التفكير في أسباب أهمية العمل". واكتشف "سبب أهمية هذا المشروع ومن الذي يستفيد منه" حسب قولها. وتذكر أيضاً أن أوقات الأزمات يمكن أن تُمثل فرصاً تعليمية مفيدة. أجل، غالباً ما تكون المشروعات الهامة والمستعجلة باعثة على التوتر، لكن "ما تحتاج إليه هو فترات صعود وهبوط" وفقاً لبرينشتاين. "تُعد فترات الصعود - وهي الفترات التي يشارك الجميع فيها بالعمل ويشعرون بالحماسة في آن معاً - جيدة" لمعنويات الفريق ودوافعه. لكنها لا يجب أن تُمثل الوضع الراهن. إذ يقول: "ثمة قيمة للتناوب". وإذا كان فريقك يعاني أزمة مستمرة، فإن الموظفين "لا يعملون وفقاً للمستوى [الأمثل] من الإنتاجية والفاعلية".
التعبير عن التعاطف
تقول لاهي، حالما تشكل رابطاً شخصياً مع العمل وهدفه، "أُنقل تلك الرسالة إلى فريقك". "لا تقل فقط: ’إليكم المنجزات المستهدفة. وهذا هو الموعد النهائي‘". بدلاً من ذلك، "أنشئ قصة" حول سبب أهمية المشروع والهدف النهائي منه. "حدد ماهية النجاح". كن مباشراً مع فريقك ونوّه "بالأعباء والتضحيات" المشمولة من قبيل العمل لوقت متأخر في المكتب أثناء العطلات. التعبير عن التعاطف وكُن سريع التأثر، تضيف لاهي. "قُل: ’لن يكون هذا سهلاً. وأنا أشعر بذلك أيضاً‘". عبر عن التضامن انطلاقاً من قولك: "سنجتاز هذا الأمر معاً" كما يقول بيرنشتاين. "يجب أن نحقق النجاح كفريق واحد". وحاول ألا تُسهب في الحديث عن السلبيات. أخبر مرؤوسيك أن "بعض الأمور التي سيجتازونها ستكون ممتعة أيضاً". الحفاظ على المودة في الفريق هو أولوية. وبتلك الطريقة، "ليس من الضروري أن يكون الأمر صعباً جداً".
التفكير في المراحل
بعد ذلك، فكر في تقسيم العمل إلى أجزاء معقولة بحيث لا تكون النواتج الإجمالية مخيفة جداً. توصي لاهي بـ "إنشاء منحنيات مُجدية" للمشروع بالاستناد إلى الأعمال الأكثر أهمية. يُوجه تحديد أهداف قصيرة الأجل لكل مرحلة تركيز الفريق ويخلق تحملاً للمسؤولية ويساعد على تقريبهم بقدر أكبر من الهدف النهائي. "قُل: ’سنأخذ قسطاً من الراحة بعد إنجاز كل مرحلة. وسنقيم ونتأكد من أننا ماضون على المسار الصحيح. وإذا كنا بحاجة إلى تغيير المسار، فسنقوم بذلك‘". يجب أن تساعد المراحل الفريق على الشعور بالرضا إزاء التقدم التدريجي الذي يُحرزه، لذا احرص على إرسائها للأسباب الصحيحة. يقول بيرنشتاين: "لا تُعاني من هذه الأزمات البسيطة جميعها بهدف الإدارة التفصيلية". من المهم أيضاً أن تُفكر في الطريقة التي قد تؤثر بها المواعيد النهائية المتعددة على وتيرة عمل فريقك. وإذا حددتَ للفريق فترة زمنية محددة لأداء مهمة، تُبين البحوث أن الفريق سيعمل بسرعة مختلفة قبل نقطة المنتصف وبعدها. يقول بيرنشتاين: كلما اقترب الموعد النهائي، "وُضعت الخطة قيد التطبيق".
توفير الاستقلالية
اسمح للفريق بتنظيم أيام عمله بطرق تزيد من إنتاجيته. تقول لاهي: "ليست الأوقات العصيبة مناسبة لتُشكّل فيها صياغة سياسات حول وقت المقابلة المباشرة أو قواعد الموارد البشرية عقبة في طريقك". دع موظفيك يضطلعون بدور في تحديد الفريق وطريقة عمل أعضائه معاً. وأضافت لاهي: "إذا كان صوتهم مسموعاً، فمن المرجح أن يعكفوا على العمل". "أنت تريد أن يشارك الأشخاص في العملية وأن يشعروا بأنهم معنيون بها". وبينما يجب أن يكونوا مسؤولين، قُم ما بوسعك لتمهد الطريق أمامهم. على سبيل المثال، يقول بيرنشتاين إنه من المفيد أن تتخلص مما لا ينفع حتى يتمكن الموظفون من التركيز على المهمة التي يضطلعون بها. كما يقول: أنت تتمتع بالقدرة على"إلغاء التشويشات" و"جعل الوقت العصيب يتسم بطابع تخفيفي من بعض النواحي".
اقرأ أيضاً: لتحفيز الموظفين.. اهتم جيداً بثلاثة أشياء
الترشيد فيما يتعلق بالحوافز
يمكن أن تُشكّل المكافآت والحوافز أداة تحفيزية أساسية. وتقترح لاهي توزيعها خلال الفترة الزمنية المتوقعة، لا عند انتهاء المشروع فحسب. إذ تقول: "أنت بحاجة إلى الاحتفال أحياناً". "ستخلق تفاعلاً مستداماً بهذه الطريقة". فكر في طرق لمكافأة العمل الشاق الذي قام به فريقك: كعطلة بعد ظهر يوم الجمعة مثلاً أو تناول جميع موظفي المكتب للمثلجات. ومع ذلك، يحذر بيرنشتاين من أن "المكافآت العرضية لها بعض الجوانب السلبية". ووفقاً لبيرنشتاين، إذا أخبرت فريقك مثلاً أن الجميع سيحصلون على عطلة في فترة الصباح بعد بلوغ الموعد النهائي، "فأنت تشجّع على الانتهاء من العمل بدلاً من التحفيز على جودته". وهو يوصي بدلاً من ذلك "بتقديم المكافآت العرضية مقدماً وأثناء العمل". ركز على الطريقة التي يمثل بها المشروع "فرصة تنموية جيدة لأعضاء الفريق" والأسباب التي ستجعل "العمل عن كثب" مفيداً للفريق على المدى الطويل.
التحوط من مؤشرات الخطر
يمكنك في كثير من الأحيان أن تُحدد ما إذا كان مرؤوسك المباشر قلقاً من خلال التعبير الذي يرتسم على وجهه أو طريقة حديثه. يقول بيرنشتاين: "أنت تتمتع بالقدرة على قراءة أفكار الناس، لذا استخدم هذه الهبة". وإذا أدركتَ أن الموظف يعاني، فتواصل معه. وتنصح لاهي بألا "تستمر ببذل جهد جهيد" مهما كان الثمن. "فأكبر مؤشر للخطر هو عندما يتوقف الناس عن الكلام" كما تقول. "عندما يصمت فريقك"، يدلّ هذا على أن الموظفين "يشعرون بالضياع أو الإرهاق". تحدث مع فريقك "اطرح عليه أسئلة مثل: ما الذي يسير بشكل جيد وما الذي لم يُفلح؟ علامَ يجب أن نعتمد؟ ما هي العوائق التي يتعين علينا إزالتها؟".
الحضور والامتنان
إليك نصيحة أخيرة: "كن متوافراً"، يقول بيرنشتاين. وقالت لاهي مؤكدة: "حتى إذا كنت تقوم بجميع الأشياء الأخرى بشكل صحيح، فستمثل قيادتك "فشلاً كبيراً" إذا كنت تختفي وراء أبواب موصدة". يجب أن تكون متوافراً باستمرار. أبلغ موظفيك بأنهم يحظون بدعمك. "تجول في الطابق وتحدث إلى الناس. واطرح عليهم أسئلة مثل: "من يحتاج إلى المساعدة؟". تضيف لاهي: "سيقدر زملاؤك أنك موجود من أجلهم". فمن البديهي أنك بحاجة إلى التعبير عن امتنانك للتضحيات التي يقدمونها. قل بانتظام "شكراً لك" وابحث عن أساليب بسيطة لإظهار مدى تقديرك للجهد الذي يبذلونه. وتضيف لاهي: "لا يضر أبداً أن تُحضر الكعك".
مبادئ عليك تذكرها
قم بما يلي:
- تفقد طاقتك النفسية. لا يمكنك تحفيز فريقك ما لم تكن مشاركاً في المشروع ومتحمساً إزاءه.
- قسّم العمل إلى أجزاء تسهل إدارتها بحيث لا تكون النواتج الكلية مخيفة جداً. يمكن للمراحل أن تجعل الفريق أكثر تركيزاً.
- شجع أعضاء فريقك على تنظيم أيام عملهم بطرق تزيد من إنتاجيتهم.
احذر أن:
- تكون مخادعاً أو أن تلطّف المشاكل. تعترف لفريقك بالأعباء والتضحيات المعنية.
- تتجاهل المشاكل الواضحة. وإذا أدركتَ أن الموظف يعاني، فتواصل معه. واطرح عليهم أسئلة مثل: ما هي العوائق التي يجب أن نزيلها؟
- الاختفاء وراء الأبواب الموصدة. يجب أن تكون متوافراً لفريقك وحاضراً دائماً.
دراسة حالة رقم 1: الحماسة تجاه المشروع والإبلاغ عن سبب أهمية العمل
سيد عرفان أجمل هو رائد أعمال في مجال التسويق الرقمي يتخذ من باكستان مقراً له ويتمتع بخبرة كبيرة في مجال تحفيز فِرق العمل خلال أوقات الأزمات.
وهو يقول: "لتتصرف بحكمة، يجب أن تعرف فريقك جيداً. يجب أن تعرف ما يُشعره بالحماس وما يهابه ورغباته الدفينة وأضخم التحديات التي تواجهه".
في يناير/ كانون الثاني من عام 2013، أقام سيد شراكة مع رائد أعمال آخر يدعى ياسر حسين شيخ في شركة ناشئة للتكنولوجيا. جمع الاثنان فريقاً صغيراً مؤلّفاً من ثمانية أشخاص لإنشاء منتج استخبارات مكانية متخصص وترخيصه.
وكان المنتج المستوحى من حل "ماجيك وول" الذي أصدرته قناة "سي إن إن" مخصصاً لمساعدة مذيعي التلفاز على توضيح نتائج الانتخابات الباكستانية باستخدام الخرائط والتصور البصري للبيانات على شاشة تعمل بتقنية اللمس المتعدد.
كان الضغط شديداً، فقد أُجريت الانتخابات في شهر مايو/ أيار وبالتالي لم تُتح للفريق إلا بضعة أشهر للتسليم. يقول سيد: "لقد أُتيحت لنا فترة زمنية قصيرة جداً لنعمل خلالها". "وإذا فشلنا في بناء المنتج وترخيصه بحلول شهر مارس/ آذار 2013، فسيكون عملنا كله عديم الجدوى".
شعر سيد وياسر بالقلق إزاء الوفاء بالموعد النهائي الوشيك لكنهما أدركا أنهما بحاجة إلى منح طاقة إيجابية لفريقهما. سوياً، تباحثا في ما قد يحققه النجاح لشركتهما الناشئة وما قد يعنيه بالنسبة إلى باكستان. لقد فكرا في أهدافهما وغايتهما. ويتذكر سيد ذلك قائلاً: "لم يسبق لأحد في البلد أن فعل ما كنا نحاول تحقيقه".
وعندما أبلغا فريقهما بأهمية المنتج، "تغير كل شيء للأفضل"، كما يقول.
وأضاف: "كان شريكي بارعاً في تحفيز الفريق من خلال مشاركة رؤيته حول ما يعنيه إنجاز هذا المشروع في الوقت المحدد للجميع". "وكان شغف ياسر معدياً وأدى إلى معجزات في طاقة الجميع وحماستهم".
لم يتردد سيد في طرح التضحيات المقدمة. إذ قال: "لم أستخدم أي أساليب ترويع، لكنني أخبرت الجميع أن هذا المشروع يتطلب منا العمل ليلاً ونهاراً". "وأعتقد أن الفريق قدر صراحتي".
كما حاول هو وشريكه في العمل تعزيز روح الصداقة والتعاون من خلال تقسيم فريقهما الصغير إلى فِرق فرعية أصغر حجماً، حيث تكاملت مهارات كل عضو مع مهارات الآخرين. وبتلك الطريقة، أُتيح لكل عضو من أعضاء الفريق إبداء رأيه في طريقة إنجاز العمل. وقال سيد: "لقد كنتُ وياسر جاهزَين دائماً لتقديم الملاحظات الفورية والبناءة".
وفي نهاية المطاف، فاز الفريق وكان فخوراً بإنجازاتهما. "لقد نجحنا وشهدنا استخدام منتجنا في التلفزيون الوطني".
اقرأ أيضاً: تحفيز الموظفين: نموذج جديد متين
دراسة حالة رقم 2: فكر في طرق تُفيد في تحفيز فريق العمل من خلالها وعبّر عن امتنانك
يقول كارل رايدن، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "بريسيجن ليندر"، شركة البرامج المدعومة بالذكاء الاصطناعي المخصصة للبنوك التجارية، إن أهم شيء يجب أن نأخذه في الحسبان عند تحفيز الموظفين خلال فترة عصيبة هي أن "الأزمة يجب أن تكون مغايرة للمألوف".
ويضيف: "لا يستطيع الأشخاص أن يبذلوا قصارى جهدهم طوال اليوم وبشكل يومي". يجب أن يكون الوضع مؤقتاً ويجب على [الموظفين] أن يثقوا في أن هذا ليس أمراً طبيعياً وأنهم [يعملون] لصالح مؤسسة تحترم التوفيق بين العمل والحياة الخاصة".
مؤخراً، احتاجت شركته التي تتخذ من ولاية كارولينا الشمالية مقراً لها إلى إطلاق الإصدار الأول من مساعدها الافتراضي الذكي "آندي" ضمن تطبيقها. وقال كارل: "كان لدينا موعد نهائي تعيّن علينا الوفاء به". ومع اقتراب الموعد النهائي، أصبح من الواضح أنه "لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يلزم إنجازه وأن العديد من مطوري البرمجيات سيضطرون إلى العمل في العطلات الأسبوعية لإنجازه".
عرف كارل أن الفريق كانت متوتراً، وأراد أن يساعد قدر استطاعته. وقال: "أردتُ أن أبدي تضامني ولكنني أردتُ أيضاً ألا أعيقهم وأن أتيح لهم أداء وظائفهم". يقول كارل إنه إذا بقي في المكتب إلى جانب فريقه، "فسيبدو الأمر كما لو [أنه] كان موجوداً هناك ليمارس دوراً إشرافياً" يتطلّب "تقاريراً مستمرة عن الحالة". بدلاً من ذلك، قرر منح الاستقلالية لفريقه. لقد قلت: "أثق بكم لإنجاز هذا العمل. وأريد أن أتأكد من امتلاككم لكل شيء تحتاجونه. ما هي الأمور التي أستطيع إلغاءها لأتيح لكم تركيز انتباهكم؟".
"لم أُرد أن أزيد الطين بلة".
قدر الفريق منحه الثقة. وحالما انتهى المشروع - "أنجزه الفريق في الوقت المحدد واتضح أنه حقق نجاحاً كبيراً" - حرص كارل على التعبير عن امتنانه. وقال: "لقد شكرتُ الفريق بصورة فردية وجماعية". "أردت أن أُعبر عن تقديري لعملهم الرائع".
اقرأ أيضاً: