ملخص: لطالما كان إطلاق مشاريع استثمارية جديدة من داخل شركة قائمة أمراً صعباً. وإحدى الطرق التي تساعد الشركات الناشئة الداخلية في التغلب على بعض المشكلات التي تواجهها هي الحصول على تمويل خارجي من شركات رأس المال المغامر (الجريء)، وهذا نموذج نسميه "شراء الحصة المسيطرة في المشروع" (VBO). ويمكن اعتباره نموذجاً جديداً يساعد في تحفيز الابتكار في الشركات الكبيرة.
تنفق الشركات الراسخة التقليدية قدراً هائلاً من الطاقة والمال على جهود التحول الرقمي بعد أن أدهشتها سرعة النمو الفائقة في الشركات الرقمية بطبيعتها مثل "أمازون" و"ألفابت" و"علي بابا"، لكن نسبة كبيرة من هذه المشاريع تكون بإدارة "رواد أعمال" عديمي الكفاءة يعملون على إطلاق شركات رقمية جديدة داخل شركة قائمة بالفعل. يتمتع رواد الأعمال هؤلاء بالرؤية والقوة اللازمتين لإقناع قادة شركاتهم بتقديم تمويل أولي لهذه المشاريع بناء على عدة عوامل يتمثل أحدها في رغبة القادة أنفسهم في إقامة مبادرة رقمية مقنعة.
نموذج شراء الحصة المسيطرة من المشروع
لكن نموذج "رائد الأعمال" هذا ينطوي على عقبات تحطّ القيادة من شأن كثير منها أو لا تعترف بها أساساً. فعلى خلاف الشركات الناشئة الخارجية التي يقيّم مستثمرون خبراء من أصحاب رأس المال المغامر (الجريء) خططها وكفاءتها ويقارنوها بمئات من فرص الاستثمار المتنافسة الأخرى، لا يُفرض على الشركات الناشئة الداخلية تجاوز اختبار السوق الصارم. وحتى إن حصلت الشركة الناشئة الداخلية على تمويل أولي بالفعل، من المحتمل دوماً أن تواجه صعوبات متزايدة في تأمين الموارد الإضافية (مثل رأس المال والمواهب) التي تتنافس عليها مع وحدات العمل الأخرى التي قد تتمتع بمظاهر إيجابية قصيرة الأجل أفضل وأهلية داخلية أكبر. وقد تستاء وحدات عمل الشركة القائمة من فكرة تخصيص التدفق النقدي الذي حصلت عليه بشق الأنفس لمشاريع خيالية ذات فرص نجاح غير مؤكدة. وحتى إذا بدأت الشركة الناشئة الجديدة بجني المال فعلاً فمن الممكن ألا تكون لها أهمية ضمن الشركة الكبيرة. خذ مثلاً شركة ناشئة داخلية تصل إيراداتها السنوية إلى 100 مليون دولار (وهي ميزة مهمة بالنسبة لشركة ناشئة ويمكن أن تجلب لها تقييماً مرتفعاً جداً)، في حين أنها لا تحقق سوى 1% من النمو التدريجي بالنسبة لشركة تبلغ قيمتها 10 مليارات دولار.
سيستفيد رواد الأعمال والشركات التي تدعمهم إذا توفرت آلية تمويل مختلفة لدعم جهودهم، وهي آلية أطلقنا عليها اسم "نموذج شراء الحصة المسيطرة من المشروع" (venture buyout -VBO). تتيح بنية هذا النموذج للشركات القائمة الاستفادة من بيئة العمل القوية التي تبني الشركات في عالم رأس المال المغامر (الجريء)، وهي تمنح هذه الشركات القدرة على الابتكار واسع النطاق وتحقيق الإيرادات المالية التي تدعم النمو الكبير والسريع الذي حققته الشركات الابتكارية المنافسة.
نشأت فكرة نموذج شراء الحصة المسيطرة من رحلة ميدانية مشتركة قمنا بها منذ عدة أعوام إلى الهند والتقينا فيها بقادة عدة شركات ناشئة متسارعة النمو وقادة شركات كبيرة كانت تحاول إطلاق مشاريعها الرقمية الداخلية، إذ لحظنا تناقضاً شديداً بين ثقافات هذه الشركات واتجاه نموها وتركيز قياداتها ومعدلات تقدمها. ومنذئذ، اتخذت شركة رأس المال المغامر (الجريء) "جنرال كاتاليست" (General Catalyst)، حيث يشغل أحدنا (هيمانت) منصب مدير إداري، قراراً بتطبيق نموذج التمويل بشراء الحصة المسيطرة (VBO)، وهي تعمل الآن بالتشارك مع عدة شركات راسخة على إطلاق مشاريع رقمية بدأت بإعدادها داخلياً وتوسيع نطاقها بسرعة كبيرة.
نظرياً، ثمة أوجه تشابه بين نموذج شراء الحصة المسيطرة ونموذج شراء الحصص بالرفع المالي (LBO) الذي كان سائداً في ثمانينيات القرن الماضي. عرض في فيلم "وول ستريت" في عام 1987 على نحو درامي استخدام عمليات شراء الحصص بالرفع المالي للسندات ذات العائد المرتفع المتوفرة حديثاً بهدف السماح للخبراء الماليين بشراء جميع حقوق الملكية المستحقة في شركة مساهمة عامة. كانت معظم العمليات الأولى التي أجريت وفق نموذج شراء الحصص بالرفع المالي صفقات "عدائية" حيث يمكن أن يطرح المشتري المحتمل (الذي غالباً ما يُذمّ على اعتباره "مضارباً مُغيراً على الشركة") مناقصة الاستحواذ من دون موافقة إدارة الشركة الحالية. كان نموذج شراء الحصص بالرفع المالي مرغوباً بسبب قدرته على زيادة الكفاءة والتدفق النقدي والإيرادات داخل الشركات التي باتت متضخمة وبيروقراطية. ثم فقد شعبيته بعد أن قدمت عدة شركات طلبات لإعلان إفلاسها، ولأجل المفارقة كانت إحداها شركة "دريكسل برنام لامبرت" (Drexel Burnham Lambert) التي ساهمت في نشر هذا النموذج. مع ذلك يبقى المفهوم العام لاستخدام الرفع المالي من أجل تحويل الشركات العامة إلى شركات خاصة سليماً، وأصبح أساس بنية قطاع الأسهم الخاصة الذي يشكّل منذئذ جزءاً حيوياً من الاقتصاد العالمي.
يتضمن نموذج شراء الحصة المسيطرة في جوهره إنشاء شراكة بين الشركة الراسخة وشركة رأس المال المغامر (الجريء) لإنشاء مشروع داخلي، وهو يجلب رأس المال النامي عالي المخاطر من أجل تحفيز تسريع نمو العائدات وتحقيق مناسيب اقتصادية أعلى للوحدة الواحدة، تماماً كما يستخدم نموذج شراء الحصص بالرفع المالي رأس المال المقترض ذا العائد المرتفع من أجل تحفيز زيادة التدفق النقدي والإيرادات. كما أنه يتيح إجراء تحول مرتكز على النمو بدلاً من التحول المرتكز على الأرباح الذي نراه في نموذج شراء الحصص بالرفع المالي، وهو يستفيد من خبرات شركات رأس المال المغامر (الجريء) وتجاربها في إجراء استثمارات البوابات المرحلية بناء على إنجازات النمو، في حين أن نموذج شراء الحصص بالرفع المالي يجلب الأنظمة المالية وأنظمة تخصيص رأس المال المتبعة في شركات الأسهم الخاصة. يمكن لنموذج شراء الحصة المسيطرة تحديد الحوافز المناسبة وتوفيرها من أجل جذب رواد الأعمال أصحاب الكفاءات الضرورية لنمو المشروع الجديد، تماماً كما يستطيع نموذج شراء الحصص بالرفع المالي جذب الخبراء الإداريين أصحاب المواهب لمساعدة الشركة على تحديد الكفاءات التشغيلية ونمو الإيرادات المتزايد والاستفادة منهما. يمكن لنموذج شراء الحصة المسيطرة إنشاء حافز قوي ومسار متين وإطار زمني مناسب كي تتحول الشركة الناشئة إلى شركة عامة أو تحصل على صفقة استحواذ، تماماً كما هو الحال مع شراء الحصص بالرفع المالي. والأهم من كل ذلك أنه على خلاف "المضارب المُغير" غير المرحب به في عصر نموذج شراء الحصص بالرفع المالي، نؤمن أن نموذج شراء الحصة المسيطرة سيكون بداية عصر شراكات جديد يسود فيه "بناة المشاريع".
تبني منظور أوسع للسوق
ثمة فائدة خفية أخرى لنموذج شراء الحصة المسيطرة، وهي تبني منظور أوسع للسوق. فالشركة الناشئة الداخلية تواجه عادة مشكلات وفرصاً تنظر إليها من موقع شركتها المتميز، فتبقى مقيدة بإطار داخلي لفرص السوق بدلاً من الإطار الخارجي. ولأن الشركة الناشئة تبنى بهدف حلّ مشكلة شركتها الأم، قد لا يكون بالإمكان مواءمة حلها هذا مع الزبائن الخارجيين أو توسيع نطاقه ليشملهم. بالمقابل وبمساعدة مستشاري رأس المال المغامر (الجريء)، يمكن لنموذج شراء الحصة المسيطرة بناء تكنولوجيا قابلة للتوسيع أكثر، ولأن تمويل الشركة الناشئة الخارجية يخلق لها هوية مستقلة فسيتمكن نموذج شراء الحصة المسيطرة من جذب زبائن جدد كانوا سيتعاملون مع هذه الشركة الناشئة بحذر لولاه.
والمشكلة الأخرى هي أنه عندما تحقق الشركة الناشئة الداخلية نجاحاً تقوم الشركة الأم بامتصاصها ودمجها في أعمالها الأساسية، وغالباً ما يكون ذلك إعلاناً لموت الشركة الجديدة على الرغم من الاحتفال بنجاحها. إذ يحلّ القادة الراسخون الذين يفتقدون الرؤية أو الطاقة أو المهارة اللازمة لمساعدة الشركة الناشئة على الاستمرار بالنمو محل القادة الخارجيين الذين كانوا يقودونها، فيتسببون بنفاد طاقة الشركة الناشئة وفقدانها القدرة على الاستمرار.
على الرغم من أن نموذج شراء الحصة المسيطرة بسيط نظرياً، فالشركات التي تأمل أن تتمكن من إنشائه ستضطر إلى التعامل مع بعض العقبات العملية. قد يكون من الصعب تقييم الشركة في أثناء التفاوض على تمويلها، لأن الشركة التقليدية قد تبالغ في تقدير ما بنته بالفعل وتقلل في نفس الوقت من القيمة التي تضيفها شركة رأس المال المغامر (الجريء). وقد تعتقد القيادة الحالية أنه من الأنسب الاستمرار في تنمية الأعمال بعد تطبيق نموذج شراء الحصة المسيطرة، إلا أنه من الناحية العملية تعتبر شركات رأس المال المغامر (الجريء) أن الحق في استبدال المدراء الحاليين يمثل مشكلة أساسية تعيق الاستثمار، ما قد يدفع القيادة الحالية للتعامل مع فكرة تطبيق نموذج شراء الحصة المسيطرة بحذر. ماذا إذا فشل نموذج شراء الحصة المسيطرة؟ يمكن لأصحاب رؤوس الأموال المغامرة (الجريئة) الذين اعتادوا المراهنة على مجموعات الاستثمارات عالية المخاطر تقبّل فكرة الفشل المحتمل، لكن الشركة الأم لمشروع يطبق نموذج شراء الحصة المسيطرة قد لا تتمتع بدرجة عالية من تحمل المخاطر.
وعلى الرغم من أن هذه التحديات حقيقية إلا أن المكاسب تتفوق على المخاطر.
لماذا الآن هو الوقت المناسب لاعتماد أصحاب رؤوس الأموال المغامرة (الجريئة) وكبار التنفيذيين في الشركات على نموذج شراء الحصة المسيطرة؟ يكمن جزء من الجواب في سرعة التحول الرقمي وقدرته على الزعزعة. يجب على الشركات الكبيرة الابتكار الآن، لكن يبدو أن الأساليب التقليدية التي تتبعها في إنشاء شركات ناشئة جديدة مثقلة بالصعوبات. وفي المقابل، فإن الشركات الناشئة الجديدة التي يمولها أصحاب رأس المال المغامر (الجريء) تعمل بسرعة وتتمتع بمخيلة أوسع في التفكير في أنواع جديدة من نماذج العمل وتجارب العملاء وبيئات العمل وطرق الاستفادة من البيانات في الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة.
نمو الشركات المبتكرة
هل تقبع بذور شركات ابتكارية جديدة مثل "سترايب" (Stripe) في شركات مثل "جيه بي مورغان تشيس" أو "أميركان إكسبرس"؟ هل يتم إنشاء شركة "إير بي إن بي" التالية في مكان بعيد داخل "ماريوت" أو "هيلتون"؟ هل بدأت شركة "ليمونيد" (Lemonade) التالية بالنمو في مكان ما داخل "أول ستيت" أو "جيكو"؟ إذا كان الأمر كذلك فإن هذه البنية المالية الجديدة قادرة على منح الشركات القديمة أداة وآلية جديدتين لرعاية الابتكار دون خنقه أو امتصاصه أو التخلي عنه قبل الأوان، ما سيتيح لهذه الشركات الاستفادة من مجموعة المهارات الفريدة التي يتمتع بها أصحاب رأس المال المغامر (الجريء) لمساعدة الشركات المبتكرة على النمو والاستمرار.
في الثمانينيات من القرن الماضي كتب أحدنا (نيتين) أطروحة دكتوراة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (إم آي تي) درس فيها سبب معاناة شركة "إيستمان كوداك" من صعوبات شديدة في تمكين نجاح رواد الأعمال على الرغم من امتلاكها شركات ناشئة داخلية واعدة جداً. حتى حينئذ، أي قبل أعوام من بدء كلايتون كريستنسن بالكتابة عن الابتكار المزعزع، كان من الواضح أن الشركات الراسخة تلقي ظلاً ثقيلاً يخنق الابتكار، تماماً كما تلقي الأشجار الراسخة ظلالاً تمنع نمو البذور تحتها. وكان أحد الحلول الشائعة لهذه المشكلة هو توجيه رواد الأعمال لإنشاء "بيئة عمل خاصة" ضمن المؤسسة الراسخة وإنما في موقع منفصل عنها مادياً، وعلى الرغم من أن هذا المفهوم بدا مقنعاً فقد كان نجاحه محدوداً. نأمل أن يعتبر نموذج شراء الحصة المسيطرة نهجاً مختلفاً لمعالجة نفس المشكلة. ربما كان نوع التمويل والحوكمة الذي لا يستطيع تقديمه سوى مالك أو شريك مختلف، مثل شركة رأس المال المغامر (الجريء)، أكثر أهمية من جميع أساليب الحماية الأخرى التي يمكن أن تحاول الشركة منحها لمشروع جديد.
تماماً كما نجح نموذج شراء الحصص بالرفع المالي في ثمانينيات القرن الماضي، يمثل نموذج شراء الحصة المسيطرة فرصة مماثلة لتحفيز الابتكار في الشكات الكبيرة وهو ابتكار قابل للاستمرار. إذا كان بإمكان شركات رأس المال المغامر (الجريء) توفير إمكانية الحصول على رأس المال النامي وتقديم دليلها الإرشادي حول توسيع نطاق الأعمال للشركات الناشئة التي تولد داخل الشركات الراسخة، فستتمكن من مساعدة هذه المؤسسات التقليدية على إطلاق كامل إمكانات مشاريعها الرقمية. ثق بأن هذا سيولّد فرص ربح لجميع الأطراف.