5 طرق لمنع الذكاء الاصطناعي من إنهاء مسارك المهني

6 دقائق
مسارك المهني
آرون مارين
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: ما الذي يمكننا فعله على المستوى الشخصي لتلافي إحلال الآلات محل الموظفين المحتمل نتيجة الذكاء الاصطناعي؟ يقدم كاتبا هذا المقال 5 استراتيجيات لتحصين مسارك المهني مستقبلاً في عصر الآلات الذكية: 1) تجنّب قابلية التنبؤ. من المهم التذكّر أن الذكاء الاصطناعي لا يولّد رؤى جديدة، إنه مجرد آلة تنبؤ تتكهن فقط بالكلمة التالية الأرجح. 2) صقل المهارات التي تسعى الآلات إلى محاكاتها. 3) ضاعف جهدك في “العالم الواقعي”. 4) طوّر علامتك التجارية الشخصية. 5) طوّر خبرة معترفاً بها في مجالك. حتى إذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على توليد محتوى ونماذج أولية بدقة عالية، فلا يزال من الضروري أن يخضع عمله لتدقيق مصدر موثوق يمكن الاعتماد عليه. وإذا كان هذا المصدر الموثوق هو أنت، فسيستمر الطلب عليك لأنك تمتلك سلطة التحقق من إجابات الذكاء الاصطناعي.

 

منذ الخريف الماضي احتلّ الذكاء الاصطناعي، وخاصة برنامج تشات جي بي تي (ChatGPT) وخلفه الأحدث جي بي تي 4 (GPT-4)، الصدارة في النقاشات الدائرة حول مستقبل الأعمال والعمل والتعلّم. وأصبح تشات جي بي تي أسرع تطبيق للمستهلكين نمواً في التاريخ متجاوزاً إنستغرام وتيك توك، وخسرت جوجل 100 مليار دولار من قيمتها السوقية بعد عرضها الفاشل لمنتج الذكاء الاصطناعي الذي طورته، ما أثار تساؤلات حول قدرتها على المنافسة.

تبدو المخاطر كبيرة ليس فقط على الشركات ولكن أيضاً على الأفراد الذين يأملون تجاوز الانعكاسات الكبيرة المحتملة للذكاء الاصطناعي على حياتهم المهنية، ولطالما أكد الخبراء لسنوات أن مفتاح الصمود أمام زعزعة الذكاء الاصطناعي هو التوجه نحو الإبداع وغيره من المهارات البشرية الفريدة (نظرياً). لكن سرعان ما أثبتت الموجة الجديدة من الذكاء الاصطناعي أنها قادرة على إنجاز مهام كثيرة لا تقتصر على الحساب وتحليل البيانات؛ بل تشمل أيضاً القدرة على توليد إبداعات فنية وتصاميم احترافية (انظر دال إي (DALL-E) وميدجورني (Midjourney) من بين نماذج أخرى) وتأليف مقالات وتحرير النصوص بشكل يمكن أن يُغني عن العديد من الصحفيين وخبراء التسويق.

نعتقد أنه لم يعد من المفيد مناقشة إذا ما كانت هذه الأداة “أذكى” أو “أفضل” منّا، فهي موجودة بالفعل وتُستخدم على نطاق واسع. ونهتم أنا، توماس تشامورو بريموزيتش، مؤلف كتاب “أنا، بشري: الذكاء الاصطناعي والأتمتة والسعي لاستعادة التميّز” (I, Human: AI, Automation, and the Quest to Reclaim What Makes Us Unique)، وشريكتي في التأليف المستشارة والمتحدثة الرئيسة المتخصصة في مجال الهويات التجارية الشخصية وتطوير المسار المهني، دوري كلارك، بموضوع تطوير الذات من خلال استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.

بالطبع، ثمة تطبيقات لا حصر لها في مجال الذكاء الاصطناعي؛ فبإمكاننا على سبيل المثال تسريع قدرتنا الإنتاجية باستخدام جي بي تي 4 أو أدوات أخرى، مثل مايكروسوفت بينغ (Microsoft’s Bing) الذي يدمج حالياً جي بي تي 4 أو نسخته الأحدث كوبايلوت (Copilot) لأغراض العمل المختلفة، للمساعدة على العصف الذهني وتحرير مسودات رسائل البريد الإلكتروني أو إجراء بحوث سريعة ومعقدة.

وعلاوة على حالات الاستخدام المحددة، اهتممنا بدراسة مسألة بقاء استراتيجيات يمكن للمهنيين توظيفها لتحقيق قيمة فريدة حتى بعد أن بدأ الذكاء الاصطناعي إبراز قوته الهائلة (المتزايدة على نحو متسارع). بعبارة أخرى، ما الذي يمكننا فعله على المستوى الشخصي لتلافي إحلال الآلات محل الموظفين المحتمل نتيجة الذكاء الاصطناعي ولتحصين أنفسنا ومساراتنا المهنية المستقبلية في عصر الآلات الذكية؟ إليك إذاً 5 استراتيجيات نجدها مهمة جداً في هذا الإطار.

تجنّب قابلية التنبؤ

من المهم التذكّر أن الذكاء الاصطناعي لا يولّد رؤى جديدة، إنه مجرد آلة تنبؤ تتكهن فقط بالكلمة التالية الأرجح. ويبدو ذلك مفيداً على المستوى الجزئي، فكلمة “شكراً” ستتبعها بالطبع كلمة “لك”. لكن على المستوى الكلي تميل اقتراحاته إلى النمطية ولا تتجاوز فائدتها فائدة “حكمة الجمهور”، وهي نقيض “الحكمة” غالباً؛ طبقاً للمقولة الشهيرة لأوسكار وايلد الذي ربما ما كان له أن يصبح مستخدماً شغوفاً بتشات جي بي تي: “كلّ ما هو سائد خطأ”.

وعلى الرغم من ذلك فقد يكون هذا الجانب من الذكاء الاصطناعي التوليدي أداة فعالة إذا ما استُخدمت بالشكل الصحيح، فإذا كنت تريد أن تعرف على سبيل المثال طبيعة تفكير أغلب الناس وشعورهم تجاه قضية ما، بما في ذلك أحكامهم المسبقة ومفاهيمهم الخاطئة عنها، فيمكنك استخدام تشات جي بي تي 4 للوصول إلى هذه المعرفة -والجهل- السائدين؛ ولكن إذا استخدمنا هذه الأدوات دون طرح التساؤلات، فإن خوارزمياتها ومنبهاتها التحفيزية قد تحولنا إلى مخلوقات قابلة للتنبؤ بدرجة أكبر لتصبح متطابقة تماماً في النهاية.

مثلاً، عندما نترك تطبيق جيميل (Gmail) يكمل أبحاثنا أو رسائلنا الإلكترونية فإننا نتخلى عن جزء من أصالتنا وتفرّدنا، ونحوّل تنبؤ الذكاء الاصطناعي إلى نبوءة ذاتية التحقق تجعل سلوكياتنا وأفكارنا متوقعة بدرجة أكبر. وإذا كنت ترغب في التميز وتريد أن تحظى بالأفضل فقد يتعين عليك (في بعض الحالات) أن تفعل عكس ما يقترحه عليك جي بي تي 4 على الرغم من أنه أداة فعالة لابتكار الأفكار وصياغة المسودات الأولية، لأنك بذلك ستخالف الفكر السائد، ولعلنا نكتشف بذلك ميزات التصرف على طبيعتنا والانسجام مع شخصياتنا وعفويتنا وعدم قدرتنا على التنبؤ، بينما يتحول الجميع نحو الذكاء الاصطناعي، مثلما أدرك بعض الشركات أن “الخطاب الجاهز” المعياري ينفّر العملاء.

صقل المهارات التي تسعى الآلات إلى محاكاتها

لا شك أن تطبيق جي بي تي 4 دُرّب كي يكون محترِماً ومهذباً (خاصة الآن بعد أن ظهرت نقاط الضعف المذكورة سلفاً). فإجاباته تُظهر التعاطف (“أنا آسف أن إجابتي أزعجتك”) والوعي الذاتي (“أنا مجرد نموذج للذكاء الاصطناعي وإجاباتي ترتكز على بيانات التدريب”) بل وحتى القدرة على الإبداع (توليد قصيدة رائعة بطريقة “هايكو” اليابانية عن اللامساواة، أو تقليد إيلون ماسك أو توليد عدد لا محدود من النكات السخيفة بلغات عديدة). لكننا نؤكد مرة أخرى أن هذه الإجابات ترتكز على التنبؤ بالنص، وأن الذكاء الاصطناعي غير قادر على اختبار النسخة البشرية من هذه المهارات الشخصية أو عرضها. أوضح توماس بالتفصيل أن تكوين البشر يسمح لهم بالتفاعل مع العواطف الحقيقية لذا فإن معرفة معتقدات الآخرين ومشاعرهم والاهتمام بها، وفهم الذات حقاً وامتلاك القدرة على ابتكار ما لا تستطيع الآلات ابتكاره، يمثل استراتيجية ضرورية للتميّز في عصر الذكاء الاصطناعي.

ضاعف جهدك في “العالم الواقعي”

يقتصر برنامج جي بي تي 4، مثل الذكاء الاصطناعي عامة، على العالم الرقمي حبيس قفص افتراضي من الشفرات الثنائية (0-1)، وللأسف هذا هو حال الكثير من الأنشطة البشرية في الوقت الراهن. لكن من الضروري معرفة أن ثمة شيئاً لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يزعزعه: تواصلنا الشخصي المباشر مع الآخرين، لذا من المهم تخصيص الوقت الكافي للحفاظ عليه. هذا ما يلخصه الأستاذ بجامعة هارفارد، آرثر بروكس قائلاً: “إن التكنولوجيا التي تزاحم تفاعلاتنا مع الآخرين في الحياة الواقعية ستقلل من رفاهنا، ويجب إذاً إدارتها بقدر بالغ من العناية في حياتنا”. قد تبدو متع حياة ما قبل الجائحة، مثل تناول الطعام مع الزملاء أو حضور المؤتمرات أو خوض المحادثات مع الأغراب، أقل أهمية اليوم بعد أن حُرمنا منها فترة طويلة، لكنها تمثل فرصة لبناء الروابط واكتساب الرؤى التي ليس من السهل تحقيقها بواسطة الذكاء الاصطناعي، ما يجعلها إذاً ميزة تنافسية فريدة ما تزال بحوزتنا.

وعلى غرار ذلك تصبح طرائق البحث الأصيلة، أي التحدث مع الناس واقتباس الأفكار الجديدة، مهمةً جداً لأن الذكاء الاصطناعي لا يقدر إلا على ربط الرموز السابقة والمعلومات التي قُدّمت إليه سلفاً. وعندما تستخدم معلومة غير مدرجة بعد على الإنترنت اكتسبتها بفضل تجاربك في الحياة أو حواراتك ومحادثاتك الجديدة مع الآخرين، فإنك تضيف شيئاً جديداً فعلاً إلى الحوار الثقافي لا يمكن للذكاء الاصطناعي إضافته.

طوّر علامتك التجارية الشخصية

بلغت أدوات الذكاء الاصطناعي مستوى كافياً قد يخولها القضاء على أسواق التكلفة المنخفضة والمتوسطة في العديد من المهن (على سبيل المثال كُتاب الإعلانات والمصممون العاملون في أسواق العمل المستقل، أو الذين يعملون مع العملاء المنشغلين بالتكلفة الراغبين في تقليص النفقات مقابل خيار مجاني). ويمكن للذكاء الاصطناعي في بعض الحالات أن يضاهي جودة ما يقدمه المهنيون على أعلى مستوى، لكن من المؤكد تقريباً أن الآلات لن تحل محل هؤلاء المهنيين الرائدين في قطاعاتهم بفضل قوة علاماتهم التجارية. ومثلما سيدفع هواة الفن التشكيلي مقابلاً لشراء “لوحة حقيقية” للرسام الهولندي رامبرانت أكبر بكثير مما سيدفعونه لشراء رسم جميل لأحد معاصريه الأقل شهرة، سيواصل قادة الشركات دفع أجور مرتفعة للعمل مع أشخاص يعدّون “الأفضل في مجالاتهم” لإظهار جودة منتجهم أولاً وهوية شركاء علامتهم التجارية وقيمتهم ثانياً. فعلى سبيل المثال يمكن لمتجر عجلات أو بائع زهور محليين أن يستخدما الذكاء الاصطناعي لتصميم شعار، لكن أصحاب الفطنة والمال الوفير منهم فقط يستطيعون تحمل تكلفة توظيف نخبة من الوكالات المتخصصة لإنجاز ذلك. وهذا يعني أن صعود الذكاء الاصطناعي لا يغير حقيقة أهمية ترويج العلامة التجارية التي تظل مسألة لصيقة بالطبيعة البشرية.

زرع الخبرة

برنامج جي بي تي 4 وتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي الأخرى هي أدوات بحث رائعة قادرة على استدعاء مجموعة من الحقائق بصورة فورية. لكن بعض هذه الحقائق غير صحيح للأسف، ويمثل شكلاً من أشكال “الهلوسة” التي ابتُلي بها الذكاء الاصطناعي حتى الآن (في الحقيقة، اتصل أحد القراء بالمؤلفة دوري يسألها أين يمكنه أن يجد أحد مقالاتها المنشورة بمجلة هارفارد بزنس ريفيو التي أشار إليها تشات جي بي تي. لكن هذه المقالة غير موجودة أصلاً للأسف). وإذا كان الذكاء الاصطناعي أداة ذات قيمة غير عادية، فلا يمكن الوثوق بها دائماً لتقديم نتائج دقيقة على الأقل حتى الآن. وهذا هو سبب الأهمية البالغة لتطوير خبرة معترف بها في مجالك. حتى إذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على توليد محتوى ونماذج أولية بدقة عالية، فلا يزال من الضروري أن يخضع عمله لتدقيق مصدر موثوق يمكن الاعتماد عليه. وإذا كان هذا المصدر الموثوق هو أنت، فسيستمر الطلب عليك لأنك تمتلك سلطة التحقق من إجابات الذكاء الاصطناعي.

تتمتع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بالقوة الكافية لتغيير حياتنا المهنية ربّما في المستقبل القريب جداً، لكننا نعتقد أن اتباع هذه الاستراتيجيات قد يساعدك على إيجاد الطرائق المناسبة لتحديد قيمة فريدة وتقديمها حتى في ظل تقدم برنامج جي بي تي 4 وتكنولوجيات أخرى. إنه أوضح طريق لتأمين مسارك المهني حتى في الأزمنة المتقلبة.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .