تخيل هذا المشهد: أنت متأخر عن منافسيك في التحول الرقمي وتشعر بالقلق إزاء الشركات الناشئة ذات التمويل الهائل التي قد تتفوق عليك. قد تحاول إحراز تقدم، لكنك تعجز عن توظيف عدد كافٍ من علماء البيانات أو الموجهين المرنين أو المهندسين أو مالكي المنتجات أو خبراء الأمن السيبراني أو مفكري التصميم. وقد يسعى منافسوك إلى بناء شركات فتية تتبنى نهج المتعة في العمل، بدلاً من شركات قديمة قائمة على عقلية الصومعة، والتحكم والسيطرة، والهياكل القائمة على التنظيم المصفوفي التي تبطئ عملية صناعة القرار.
في الوقت نفسه، يشغل العديد من العاملين الحاليين في شركتك مناصب تتقادم ببطء بسبب الأتمتة. إضافة إلى ذلك، لديك عدد كبير جداً من مدراء الإدارة الوسطى غير المُنتجين، ولا يزال عمال الخطوط الأمامية يفتقرون إلى المهارات الرقمية وغير مستعدين إلى العالم المتغير الذي ينتظرهم.
هل يبدو ذلك الوضع مألوفاً لك؟ تلك هي التحديات التي نسمعها من العديد من عملائنا، وهي تمثّل مفترق طرق بلغناه في ظل أزمة المهارات العالمية. في الواقع، يقدر "المنتدى الاقتصادي العالمي" أن أكثر من نصف جميع الموظفين حول العالم بحاجة إلى تحسين مهاراتهم أو صقلها بحلول عام 2025 للتكيّف مع الطبيعة المتغيرة للوظائف. وتتجه مؤسسات كثيرة بالفعل إلى صقل المهارات لتطوير المواهب التي لا يمكن للموظفين اكتسابها أو استخدامها على نحو منتج. ومع ذلك، أظهرت دراسة عالمية أجرتها شركة "بوسطن كونسلتينغ جروب" (BCG) عام 2020 أن "المواهب والمهارات" احتلتا المركز الثاني في قائمة المجالات غير المستثمرة على نحو كافٍ في جهود التحول المؤسسي.
وبما أن الشركات تعيد دراسة كيفية إتاحة فرص التعلم إلى آلاف الأشخاص بسرعة، نشارك في هذه المقالة 6 رؤى عملية في مجال قوة العمل تستند إلى خبرة شركة "بوسطن كونسلتينغ جروب" الواسعة في دعم أكثر من 100 عميل على مستوى العالم، وإحداث فارق في حياة مئات الآلاف من المتعلمين في السنوات الأربع الماضية.
1. اعتبر مهمة بناء المهارات استثماراً تجارياً بدلاً من اعتبارها نفقات إضافية
تفشل غالبية جهود بناء المهارات لأنها معدة لتحسين تكاليف التعلم والتطوير بدلاً من إحداث تأثير حقيقي على الأعمال. فعلى الصعيد العالمي، تُنفق الشركات أكثر من 300 مليار دولار على التعليم كل عام، وجاء ذلك بحسب تقدير وضعته شركة "آلايد ماركت ريسيرتش" (Allied Market Research). وبحسب خبرتنا في العمل مع العملاء، تُظهر غالبية مبادرات التعليم في الشركات تأثيراً محدوداً قابلاً للقياس.
لذلك، يجب على القادة أن يعدوا مهمة بناء المهارات استثماراً تجارياً؛ أي أحد الأصول التي ستساعد على تحقيق الأرباح على مدى عدة سنوات، وأن ينظروا إلى طبيعة النشاط التجاري والموظفين ومؤشرات الأداء الرئيسية للتعلم كنقطة انطلاق لتصميم البرامج التعليمية.
على سبيل المثال، عقدت إحدى الشركات العقارية الآسيوية برنامجاً لتطوير القدرات القيادية صممته بنفسها من خلال تحديد أهداف العمل النهائية أولاً: وقت أسرع بنسبة 50% لدخول السوق الجديدة وزيادة بمقدار الضعف في تحقيق الهدف المتمثل في الاستحواذ على الأراضي من خلال اتخاذ قرارات أسرع.
وأدى ذلك إلى تغيير تصميم تدخلاتها في عملية التعلم والتطوير تماماً. كانت الشركة في الماضي تنوي عقد سلسلة من الورش الميسّرة حول مهارات القيادة وصناعة القرار. بدلاً من ذلك، خضع المشاركون لتدخل تعليمي عملي، حيث تم تدريبهم وتوجيههم على كيفية إدارة اجتماعات مراجعة أعمالهم الشهرية بشكل مختلف لتحقيق أهداف أعمالهم النهائية. وكانت النتيجة تحوّلاً هائلاً في وضعهم بالسوق ومبادرة ناجحة شاركوها مع مدراء الإدارة الوسطى.
2. قدم برامج شاملة لبناء المهارات
غالباً ما تُعرض موضوعات برامج بناء المهارات على شكل قائمة يختار الموظفون من بينها، على سبيل المثال، المهارات الوظيفية أو الرقمية أو القيادية أو التجارية أو الشخصية. لكن تُظهر تجربتنا أن النجاح العالي التأثير لعملية صقل المهارات يتحقق عند دمج كل تلك المهارات المختلفة في برنامج واحد.
على سبيل المثال، عملنا مع الحكومة في سنغافورة على برنامج واسع النطاق يهدف إلى صقل مهارات قوة العمل لمساعدة المهنيين في منتصف حياتهم المهنية على الانتقال من الوظائف التقليدية إلى مناصب علماء بيانات ومناصب رقمية أخرى. غطى البرنامج مجموعة واسعة من المهارات، من المهارات الفنية، مثل حل المشكلات، وتوليد الرؤى الثاقبة، والتحليلات المحوسبة، إلى المهارات الشخصية، مثل إشراك أصحاب المصالح والتواصل.
وبدلاً من إعداد وحدة لكل موضوع من تلك الموضوعات، ركز البرنامج على المشاريع التي تستلزم تطبيق كل تلك المهارات في وقت واحد. وتمثّلت النتيجة في منحنى تعلم سريع على مدى 6 أشهر، حيث تمكّن ما يزيد على 65% من المتعلمين من شغل مناصب علماء البيانات والمناصب الرقمية الجديدة في غضون بضعة أشهر فقط من إكمال البرنامج.
3. اِدمج المتعة مع التعلم
تهدر الشركات ساعات كثيرة من وقت التعلم على الوحدات الإلكترونية أو الورش التي تُعقد عبر منصة "زووم". لكن يجب على مصممي تجارب التعلم إعادة دراسة كيفية تقديم البرامج التعليمية ووقت تقديمها والمجالات التي يجب أن تركز عليها مع وضع سؤال رئيسي في الاعتبار: كيف نضيف متعة التعلم وحب الاستطلاع الذي يُبديه الأطفال إلى برامج المتعلمين البالغين؟
جلبت شركة رائدة في مجال الهواتف المحمولة في الصين زبائن حقيقيين إلى الورش التعليمية، ما أدى إلى كشف العديد من الأفكار الخاطئة وتوليد رؤى ثاقبة جديدة للشركة بدلاً من مجرد مشاركة دراسات الحالة حول التركيز على العملاء. وطوّرت جهة فاعلة رئيسية في مجال السلع الاستهلاكية في الهند مهارات التواصل لدى مدراء الإدارة الوسطى من خلال حثّهم على تصوير مقاطع فيديو شخصية (سيلفي) وتحليلها، ما أدى إلى زيادة إحساسهم بالوعي الذاتي حول كيفية تواصلهم، مقارنة بالنهج التقليدي المتمثّل في تلقي التعليقات من ميسّر. واستفادت إحدى مؤسسات القطاع العام العالمية من التحسين لجعل مدراء الإدارة الوسطى يركزون على فهم أسلوب العمل المرن من خلال عرض سيناريوهات العمل النموذجية في وضع "التحكم والسيطرة" أولاً، ثم إعادة عرض السيناريوهات نفسها في وضع "الاستقلالية والمواءمة".
4. عزز البرامج بالبيانات
يُعتبر تصميم التعلم وتقديمه علماً وفناً في الوقت نفسه. ويمكن استخدام البيانات لتوجيه عملية صناعة القرار في كل خطوة من رحلة التعلم.
على سبيل المثال، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي تحليل الخبرة الوظيفية والمسار المهني لموظف ما من أجل تحليل فجوة مهاراته وإضفاء الطابع الشخصي على تجربته التعليمية. ويمكن لتلك الأدوات أيضاً تحديد مسارات مجموعات الموظفين الذين ستتزعزع وظائفهم بدرجة كبيرة لنقلهم إلى المناصب المطلوبة بشكل استباقي. ويتمثّل النهج الآخر في إجراء اختبار أ/ب على تنسيقات مختلفة من البرنامج أو أنماط التعلم لمجموعات مختلفة والسماح للبيانات باتخاذ القرارات مع توسّع نطاق البرامج. أخيراً، قد يتيح قياس النتائج باستخدام المؤشرات الريادية والمتأخرة بمرور الوقت إجراء تحسين مستمر لمبادرات بناء المهارات.
5. حدد مجموعتك الخاصة لبناء المهارات
يتطلب صقل مهارات الآلاف من الموظفين على نطاق واسع استثمارات كبيرة في إنشاء مجموعة بناء مهارات شاملة، بما فيها التقييمات، ومخزون المهارات، وتنظيم المحتوى، وتكنولوجيا التعلم والتحليلات المحوسبة، والتدريب، والعرض، وإدارة تجربة التعلم، وتقديم وثائق الاعتماد، ودعم الانتقال الوظيفي.
لكن بدلاً من "تنفيذ" تلك البنية التحتية من الألف إلى الياء، يمكن للشركات اليوم تسريع تلك الخطوة عبر "شراء" أو "استئجار" البرامج من خلال الشراكات لتجميع مجموعة بناء المهارات الخاصة بها. ومع ذلك، يُشير نُقاد ذلك النهج إلى احتمالية فشله في التكييف مع سياق المؤسسة. لكن يمكن لفريق التعلم والتطوير التمييز بين المهارات الأساسية العامة والمهارات التي يمكن تعلمها من الخارج (على سبيل المثال، تعلم لغة برمجة جديدة) وتحديد المجال الذي ستكون قيمة التكييف فيه عالية (على سبيل المثال، إفصاح خبير داخلي عن الحالات التي سيكون استخدام تحليلات البيانات المحوسبة فيها مهماً في مؤسستك).
6. تمكين الموظفين من التعلم
غالباً ما يُعتبر بناء المهارات مهمة "يجب على العمال أداؤها"، لكن تؤكد البحوث إدراك العاملين اقتراب موعد التغيير واستعدادهم للتكيف معه. وتُظهر البيانات المستمدة من تقرير "فك رموز المواهب العالمية" الصادر عن شركة "بوسطن كونسلتينغ جروب" أن 68% من العاملين على مستوى العالم مستعدون لإعادة تدريب موظفيهم على وظائف جديدة للبقاء في وجه المنافسة. إذا آمنا أن الموظفين قادرون على تحمل مسؤولية صقل مهاراتهم بأنفسهم، فستكون التدخلات التي تتيح لهم تحديد المهارات التي يحتاجون إليها والاختيار من بين الخيارات المختلفة هي الحل الأمثل. ويجب على أصحاب العمل تزويد موظفيهم بالأدوات المناسبة والموارد المرنة والسياق الداعم لمساعيهم الشخصية في صقل المهارات.
على سبيل المثال، تُتيح شركة "بوسطن كونسلتينغ جروب" لاستشاريها الخبراء البقاء على اطلاع بآخر المستجدات من خلال تصميم تدخلات تعلم بميزانية سنوية مخصصة، ما أدى إلى تطوير العديد من مسارات التعلم الإبداعية، كالتعاون في مبادرات القطاع العام، والتصميم المشترك مع الشركات الناشئة، وجولات اندماج مع بيئات عمل مختلفة تماماً وغير ذلك.
باختصار، يمكن لقادة الأعمال والموارد البشرية اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب لإعداد قوى عملهم لليوم وللمستقبل من خلال إعادة تصميم الأساليب التقليدية لبناء المهارات. ولدى المؤسسات خيار يتمثّل في خلق ميزة تنافسية في مجال بناء المهارات أو المخاطرة الوشيكة بالتخلف عن الركب.