يصبح البعض قادة مهما كان المسار الذي اختاروه لأنفسهم، لأن طاقتهم الإيجابية تمكن من رفع المعنويات جداً، وبوسعهم العثور على فسحة الأمل، حتى في الأوقات العصيبة. ويبدو أنهم يعيشون الحياة وفق شروطهم الخاصة، حتى عندما يضطرون إلى الامتثال لمتطلبات غيرهم، ويبثون الحيوية والتفاؤل في كل مكان يحضرون فيه، وترتاح نفس كل من يستمع إلى رسائلهم، وتتحول طاقتهم إلى مغناطيس يجذب الآخرين إليهم.
وما الطاقة إلا بُعد من أبعاد القيادة لم نسلط عليه الضوء كما يجب، إنها شكل من أشكال القوة متاح للجميع وفي أي ظرف. وإذا كان الإلهام طبع طويل الأمد، فإن الطاقة ضرورة يومية للاستمرار في الحياة.
يتميز المحفِّز بثلاث سمات:
1. التركيز المستمر على الجانب المشرق من المشهد. يبحث المحفز عن المسار الإيجابي ويتبعه. تتغلب مسؤولة حكومية في ولاية لا يحب أهلها الحكومة على هذا العائق بقوة حضورها الإيجابي، فتبادر بالثناء على الجميع وتدعم المجتمع الذي تخدمه جهتها الحكومية، ما يجعلها تبدو في نظرهم كأنها تعمل لصالحهم وليس لصالح الحكومة. تحيّي الجميع بكل بهجة الدنيا، وكأن كل فرد منهم هو قريب لها عاد لتوه من أرض المعركة. بوسعي تخيل ردود فعل المتشككين منكم الآن، ولكن الناس يستشعرون نجاحها فيحبون لقاءها أو تلقي رسائلها الإلكترونية العاطفية المشجعة، وأصبحت ضيفاً مرحباً به في جميع أفراحهم وأتراحهم.
مكاسب التركيز على الجانب المشرق جمّة؛ في كتابي الجديد "الشركات الكبيرة" (SuperCorp)، أروي حكاية الرئيس التنفيذي في شركة التسويق العالمية ببليسيس غروب (Publicis Groupe) موريس ليفي، الذي تمكّن من ترجيح كفة شركته في المنافسة بين عدة شركات للاستحواذ على شركة ديجيتاس (Digitas) الرائدة في مجال الإنترنت. وفي مرحلة ما من المفاوضات الطويلة، واجهت ديجيتاس بعض المشاكل وانهار سعر السهم، وراسل أحد أعتى منافسي ببليسيس رئيس ديجيتاس إلكترونياً، قائلاً: "أنتم اليوم بسعر في متناول الجميع، لذا ينبغي لنا أن نتحدث". وفي اليوم نفسه، أرسل ليفي رسالة إلكترونية إلى الرجل يقول له فيها: "من فادح الظلم أن يصيبكم الضرر على هذا النحو، لأن معاييركم تبقى جيدة جداً". وهكذا نجح ليفي، ببثه للطاقة الإيجابية، في كسب الاستحواذ الثمين.
2. أن تقدم السلبيات في ثوب الإيجابيات. المحفِّز منجز. لن تجده محباً للمكوث في الخانة السلبية، حتى عندما تكون الأمور محبطة بالفعل. فمثلاً، قد تجد مبالغةً في كلام من يصف البطالة بأنها "الوقت المناسب للتفكير وإعادة التوجيه في أثناء الانتقال من وظيفة إلى أخرى"، ولكن المحفز يؤكد صادقاً النقاط الإيجابية البسيطة في موقف قاتم محبط. رأى مدير تسويق، سرّحته شركته بعد أن تضررت بشدة من الركود، إمكانات في أشخاص التقاهم في مركز استشارات مهنية وأقنعهم بمشاركته في تأسيس شركة خدمات، فأصبح القوة المحفزة التي مثّلت لهم النقلة من المحنة إلى المنحة.
وقد تبدو عبارات من قبيل "التفكير الإيجابي" و"تعداد النِعم" ساذجة مبتذلة، ولكن المحفز ليس بالساذج؛ بل يمكن أن يكون محللاً ذكياً يعرف عيوبه وينصت لمنتقده حتى يستمر على درب تطوير نفسه. وتشير الدراسات إلى أن المتفائل أكثر قابلية للاستماع إلى معلومات سلبية مقارنة بالمتشائم، وهذا لأنه يؤمن بقدرته على الفعل والتغيير. وكي يتسنى له الصمود في وجه أشد التقلبات قسوة، يكتسب المحفز قدرة على تحييد مشاعره بحيث لا تضعف أمام السلبيات، وتصبح برودة أعصابه درعه الواقي وحصنه الحصين، وحتى إن جزع في بعض المواقف فلن تراه أبداً في ثوب الضحية.
يحمل رائد الأعمال الذي أسس العديد من الشركات واحتضن شركات أخرى على عاتقه مهمة شخصية سامية تتمثل في رفع المعايير الوطنية في القطاع الذي ينشط به، وبدأ مسعاه بالاجتماع برؤساء المنظمات الصناعية الكبرى كلاً على حدة، إذ أخبروه جميعهم أنه سيفشل، فما كان منه سوى أن أومأ برأسه بلباقة، وطلب من كل منهم التزاماً بسيطاً بخطوة واحدة على أي حال، على سبيل الاختبار فحسب، ومن ثم مضى إلى الاجتماع الذي يليه. وبعد 8 أو 9 اجتماعات، كان يخطو بثقة على الدرب الذي حذّره الجميع من المضي فيه.
3. زمن استجابة سريع. المحفز لا يتلكأ. لا يتعلل المحفز بالحجج حتى يقنعك باستحالة التنفيذ، بل يبادر بخوض التجربة فحسب. قد يستغرق وقتاً في التفكير والتخطيط، ولكنه لا يعطل الدفة مطلقاً. ويبادر بالرد على رسائل البريد الإلكتروني أو المكالمات الهاتفية، حتى لو كان رده السريع هذا هو أنه لا يمتلك رداً بعد، وهو ما يساعده في تنفيذ المزيد من المهام. ولأنه متجاوب جداً، يلجأ الآخرون إليه لما لديه من معلومات أو ما يتمتع به من علاقات. وفي أثناء ذلك، تزداد معلومات المحفز وتتسع شبكة علاقاته الشخصية، وهي أصول ضرورية لتحقيق النجاح.
أما أروع ما في مصدر الطاقة هذا فهو أنه وفير ومتجدد ومجاني. وليس على المحفز سوى أن يحافظ على نشاطه وروحه الإيجابية وتجاوبه وقناعته برسالته. فهل تعتبر نفسك من المحفزين؟ هل لديك نصائح تود الإدلاء بها؟
روزبيث موس كانتر (Rosabeth Moss Kanter):
أستاذة كرسي إرنست أرباكل لإدارة الأعمال في كلية هارفارد للأعمال، وعضو مؤسس في مجلس إدارة مبادرة القيادة المتقدمة في جامعة هارفارد (Harvard Advanced Leadership Initiative)، ورئيسة التحرير السابقة في هارفارد بزنس ريفيو. وهي مؤلفة كتاب: "التفكير خارج حدود المؤسسة: كيف يمكن للقادة المتقدمين تغيير العالم من خلال الابتكارات الذكية في كل مرة" (Think Outside the Building: How Advanced Leaders Can Change the World One Smart Innovation at a Time)، مؤسسة بابليك أفيرز، 2020.