هل قيل لك من قبل إن عليك أن تفكر بطريقة استراتيجية؟ سواء بعد أن خضعت لتقييم الأداء بطريقة 360 درجة أو بعد محاولة فاشلة للحصول على ترقية، ستنزعج جداً حينما يقال لك إنك تفتقر إلى مهارة التفكير الاستراتيجي، ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فحينما تحاول استجلاء المقصود من التفكير الاستراتيجي، قد لا تحصل إلا على بضع اقتراحات ملموسة.

لا يعني تعزيز التفكير الاستراتيجي أن تتخذ قرارات تؤثر في المؤسسة بأكملها أو أن تخصص مواردها المحدودة، بل يتطلب منك فقط وضع أصغر القرارات التي تتخذها في سياق الأهداف الكبرى للمؤسسة. من الأمثلة على التفكير الاستراتيجي للغاية تعزيز علاقة توفر لك معلومات فريدة عن المورّد أو العميل أو المنافس، ويمكن لكل شخص أن ينمي تفكيره الاستراتيجي.

إذا كان مَن حولك يرون أنك تفتقر إلى التفكير الاستراتيجي الكافي، فأعتقد أن السبب هو انشغالك الشديد: ما نسبة الوقت الذي تقضيه من أسبوع العمل في الاجتماعات؟ ما مقدار الوقت المتبقي الذي تنهمك فيه بالرد على رسائل البريد الإلكتروني وإجراء المكالمات الهاتفية وإنجاز العمل الفعلي؟ وهل يتبقى لديك أي وقت بعد ذلك؟ تحت ستار الإنتاجية ستجد أنك ربما قلصت الوقت المخصص للتفكير، ما يؤدي إلى اتخاذ قرارات تستند إلى ردود الفعل أكثر من التفكّر، وتكمن خطورة القرارات العفوية غير المحسوبة في أنها تستند إلى النُهُج التي نجحت فيما سبق، وهذا حسن إذا كانت الظروف المحيطة بنا ثابتة، لكنها ليست كذلك، إذ يتغير مجال عملك ومنافسوك وعملاؤك على نحو غير مسبوق، لذلك، ينطوي تكرار النهج السابق على مخاطر قد تضاهي مخاطر تجربة نهج جديد، إن لم تكن أكبر.

في هذا السياق، من المهم جداً تخصيص وقت للتفكّر قبل اتخاذ القرارات: ما الجوانب التي يؤثر فيها هذا القرار؟ ومَن الأشخاص المعنيون به؟ وما الذي سيكون على المحك؟ وما الفرص والمخاطر التي يحملها؟ فما قد يبدو في البداية فرصة قد يكشف لاحقاً عن مخاطر كبيرة، والعكس صحيح.

حينما يرهقك تراكم المهام، بإمكانك ترتيبها في قائمة لتعمل على إنجازها وتريح ذهنك منها، لكن التركيز على نطاق ضيق جداً قد يحدُّ من قدرتك على التفكير بطريقة استراتيجية، فالأشخاص ذوو التفكير الاستراتيجي يخلقون روابط بين الأفكار والخطط والأشخاص، يعجز غيرهم عن رؤيتها.

كان أحد كبار المسؤولين التنفيذيين يبحث عن شركة مورِّدة جديدة لتكنولوجيا المعلومات لأجل عملياته في منطقة الكاريبي حينما علم أن قسماً آخر يعمل على وضع معايير جديدة لخدمة العملاء، وكان رد فعله الاعتيادي في مثل هذه الحالة أن يواصل العمل على هدفه، لكن ذلك يمكن أن يؤدي إلى ضياع فرصة للجمع بين متطلبات النظام ومعايير الخدمة الجديدة، ومن ثم الجمع بين بروتوكولات أفضل للتفاعل مع العملاء وبيانات ذات كفاءة وفعالية أعلى ومتوافرة على نحو فوري.

تذّكر أن العلاقات استراتيجية أيضاً: طلب المسؤول التنفيذي من الشركة مورِّدة تكنولوجيا المعلومات الجديدة أن تعرفه إلى عملاء آخرين ممن استخدموا أنظمتها الجديدة، وعلى هذا النحو أتيحت له الفرصة لطرح أسئلة حولها وتحسين عقده معها والعلاقة التي تجمعه بها.

يرى ذوو التفكير الاستراتيجي العالم شبكة مترابطة من الأفكار والأشخاص، ويكتشفون فرصاً لتعزيز مصالحهم في نقاط الاتصال هذه.

لكن تبقى هنالك مشكلة واحدة لدى من يتفكّر في المواقف ويربط الأفكار بالأشخاص، ألا وهي أنه ليس بإمكانه استخدام الخيارات المتاحة كافة، فالاحتمالات غير محدودة، لكن الوقت والمال والموارد ليست كذلك، ومن ثم فعليه التمتع بما يكفي من القدرة والإرادة للاختيار، على سبيل المثال، أدى فشل مجموعة البحث المعروفة، رينيسانس (Renaissance)، في التركيز على بعض الاستراتيجيات الرئيسية إلى فشلها في تنفيذ استراتيجيتها.

يمثل تحديد خياراتك، سواء بشأن ما عليك فعله أو ما عليك تجنبه، جانباً مهماً من التفكير الاستراتيجي، ويتطلب تفضيل خيار على آخر التحلي بالشجاعة لاتخاذ خطوة قد تُلام عليها لاحقاً، وبالثقة للتخلي عن بديل قد يُمثل فرصة ضائعة، والاختيار هو الاختبار النهائي لقدرتك الاستراتيجية. لا يخلو الأمر من المخاطر، لكن الخطر الأكبر هو عدم الاختيار، أو توزيع الموارد المحدودة على عدد كبير جداً من الخيارات.

يرى من حولك أن اتخاذ الخطوات وتصحيح المسارات هو ما ينم عن تفكير استراتيجي، لا الجمود أو عدم فعل شيء أو التعثر في أثناء محاولة استخدام الخيارات المتاحة كافة.

لا تحتاج إلى مسمى وظيفي جديد، أو مزيد من التحكم، أو ميزانيات أكبر لتعزز مهارة التفكير الاستراتيجي لديك، بل يجب أن تكون أفكارك وقراراتك مدروسة أكثر، ومن خلال استثمار الوقت والطاقة للتفكير في المواقف والقرارات التي تواجهك، والتوصل إلى سبل للربط بين الأفكار والأشخاص الذين لم يسبق لك الربط فيما بينهم من قبل، والتحلي بالشجاعة لاختيار ما ستفعله وما ستتجنبه، ستعزز إسهاماتك الاستراتيجية على نحو كبير، وستتغير نظرة مدرائك إليك عاجلاً، وسيستعينون بك أكثر، وربما يعطونك الترقية التي كنت تأمل الحصول عليها.