كيف يمكن أن تحسّن منصات الرعاية الصحية الجديدة من مستوى رعاية المرضى؟

6 دقائق
أهمية منصات الرعاية الصحية الجديدة

لا يكاد يمر يوم دون أن يعلن منافس جديد عن دخوله قطاع الرعاية الصحية بسبب أهمية منصات الرعاية الصحية الجديدة، فقد استطاعت شركة "بيست باي" (Best Buy) من خلال سلسلة من عمليات الاستحواذ الاستراتيجية أن توسّع أعمالها من بيع الإلكترونيات ونشر فرق شركة "جيك سكواد" (Geek Squad) التابعة لها والمتخصصة بعمليات الإصلاح إلى توفير الخدمات الصحية المنزلية والمراقبة عن بُعد. وكما أشار رئيس الشركة، يجب إيجاد شركاء جدد من أجل تحقيق الهدف المتمثّل في تخفيض تكاليف الرعاية الصحية المتزايدة.

ومن بين هؤلاء الشركاء كانت شركة "ليفت" (Lyft) التي أطلقت عرضاً خاصاً بالرعاية الصحية للحدّ من التكاليف المرتفعة لإلغاء طلبات الرحلات ولإزالة عوائق نقل المرضى، خاصة المصابين بأمراض مزمنة. وأصبح طلب فرق الرعاية الصحية سيارة تقلّ المرضى اليوم إجراء روتينياً كإجراء اختبارات الدم، وقد يكون طلب هذه السيارة مشمولاً ضمن بعض خطط التأمين الصحي حتى. كما يوجد ازدهار كبير في التطبيقات والاستشارات الافتراضية وروبوتات الدردشة الصحية التي تشكّل سوق الطبابة عن بُعد والذي من المتوقع أن ينمو إلى 64 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

أهمية منصات الرعاية الصحية الجديدة

تشير هذه التوجهات إلى توسّع كبير متوقّع خلال السنوات المقبلة لقطاع الرعاية الصحية يتمثّل في تحول مركز الرعاية من المستشفى أو العيادة إلى المرضى أنفسهم سواء في العمل أو المنزل أو أي مكان ترشدهم إليه هواتفهم الذكية. كما سيشهد قطاع الرعاية الصحية تحولاً آخر يتمثّل في تقديم رعاية قائمة على القيمة وإلى مواءمة الحوافز مع النتائج. وتقدّم هذه الموجة من الابتكارات أملاً بنهج طبّي ذو طابع شخصي يركّز على الحفاظ على صحة المرضى والحد من تواتر توجههم إلى المستشفيات، وهو ما يقلل من التكلفة الإجمالية للرعاية. لكن لا تخلو ممارسة هذا النهج من تحدّيات مهمّة تتطلب اتباع أساليب وتدابير وقائية جديدة.

"مراقبة حركة الرعاية الطبية"

مع ازدياد اهتمام قطاع الرعاية الصحية بالمرضى وتنامي عدد المراكز ومدخلات البيانات، تحتاج فرق الرعاية إلى منصة تحكم "موحّدة" تدمج بيانات رحلة رعاية المريض بأكملها، والتي وصفها جون هالامكا، المدير التنفيذي لمركز استكشاف التكنولوجيا الصحية في شركة "بيث لاهي هيلث" ، بعبارة "مراقبة حركة الرعاية الطبية". إذ يتطلب تنظيم الرعاية الصحية ودمج بيانات المرضى في نظام فريق رعاية افتراضية متنوع بشكل متزايد أدوات جديدة، إضافة إلى ما دعاه هالامكا "نموذج جديد للتواصل قائم على تنظيم الفرق ونشر برامج العافية". وكما تبنّى قطاع البيع بالتجزئة منهجاً يعتمد على مشاركة المعرفة وعلى التواصل القائم على القنوات المتعددة المتكاملة للبيع بالتجزئة من خلال منصات إدارة علاقات الزبائن، يدرك قطاع الرعاية الصحية بالمثل الحاجة إلى اتّباع نهج منسّق لإدارة علاقات المرضى.

اقرأ أيضاً: كيف تغذي السجلات الطبية الإلكترونية الابتكار والإبداع في مجال الرعاية الصحية؟

واستجابة لذلك، بدأت العديد من النظم الصحية بالتشارك مع مجموعة متنوعة من منصات إدارة علاقات الزبائن التي طوّرت مسارات عمل وإمكانيات متعددة لمواجهة التحدّيات الفريدة لنهج مشاركة المرضى ولتمكين مراقبة حركة الرعاية على نطاق المنظومة. على سبيل المثال، عقد نظام "بيدمونت هيلث كير" (Piedmont Healthcare)، وهو نظام صحي يخدم أكثر من مليوني شخص في جميع أنحاء جورجيا شراكة مع شركة "سيلز فورس" (Salesforce) لمساعدته في تقديم الرعاية ومشاركتها وإضفاء الطابع الشخصي عليها على نطاق واسع. وتوفّر المنصة للمؤسسة نافذة مشتركة لاستعراض معلومات المريض بما في ذلك تاريخه الطبي ونظام تأمينه الصحي وجدول مواعيده وتفضيلاته، وذلك عن طريق جمع البيانات من التطبيقات والخدمات الشريكة.

ويمكن لفرق الرعاية في نظام "بيدمونت" أن تحصل على صورة أكثر اكتمالاً عن حالة المريض من خلال الاطّلاع على تاريخه الطبي إلى جانب معلومات عن الوظيفة التي يشغلها ووضعه الاجتماعي والاقتصادي وغيرها من العوامل الاجتماعية المحددة للصحة. كما يمكن لمزودي الخدمات المنزلية الوصول إلى ملفات تعريف المرضى نفسها لتوضيح أوجه القصور المتعلقة بالعادات الغذائية أو وسائل النقل التي قد تتسبب بإعادة المرضى المصابين بأمراض مزمنة إلى المستشفى. ويمكن لفرق التوعية بفضل هذه البيانات والرؤى الثاقبة المتولدة إرسال رسائل تذكير أو إدارة حملات مستهدفة حول موضوعات مثل فصول التغذية لإشراك المرضى بطرق ذات طابع شخصي أكبر. وينطوي الهدف الرئيس على توفير تجربة رعاية طبية للمريض تكون أكثر تنسيقاً وذات طابع شخصي بتكلفة إجمالية منخفضة.

اقرأ أيضاً: كيف تحدث التقنيات الجديدة نقلة في منظومة الرعاية الصحية في أفريقيا؟

وقد يزعم البعض أنّ بإمكان السجلات الصحية الإلكترونية أن تؤدي دور منصة توحيدية، بل ينبغي لها ذلك، إلا أن معظم هذه السجلات لا تركز على المرضى وعلى رحلة علاجهم خارج جدران المستشفيات أو النظام الصحي. كما يواجه النظام الصحي العادي تحدياً يتمثّل في صعوبة دمج البيانات وتنسيق الرعاية الطبية عبر 18 نظاماً مختلفاً من أنظمة السجلات الصحية الإلكترونية لدى مختلف مزوّدي الرعاية المنتسبين إليه. ويمكن لمنصة خاصة بعلاقات المرضى والتي تتصدر قمة هذه الأنظمة المفككة أن توفر لمزودي الخدمات الصحية صورة أكثر اتساقاً عن رحلة المريض التي تفتقر إليها بشدة.

ولا يزال تحقيق هذا الهدف المتمثّل في تقديم رعاية صحية متمحورة حول المريض وذات طابع شخصي يواجه تحدّيات منهجية مزمنة تتعلق بقابلية التشغيل البيني. إلّا أنّ التوسع في مجال الصحة الرقمية ودخول الجهات الفاعلة الكبيرة في مجال التكنولوجيا مثل شركتي "آبل" و"أمازون" وغيرهم قد قلب الموازين تدريجياً وخلق الحوافز التي تدفع مورّدي السجلات الصحية الإلكترونية القديمة والأنظمة الصحية إلى تبني نهج التبادل الحر للبيانات. ويُعتبر هذا التحول السريع في القطاع لمشاركة البيانات من خلال واجهات برمجة التطبيقات التي تستخدم معايير موارد قابلية التشغيل البيني السريعة للرعاية الصحية علامة إيجابية على أن صوامع معلومات القطاع المنعزلة قد تنهار في النهاية.

إدارة الكم الهائل من بيانات الرعاية الصحية

قد يصبح تنسيق ملفات رعاية المرضى في بيئة عمل موسعة وأكثر تنوعاً أكثر صعوبة نتيجة الكم الهائل من البيانات الواردة من هذه المصادر الجديدة، حتى مع توفر الأدوات المناسبة لذلك. ويتوقع تقرير حديث لمؤسسة البيانات الدولية نمواً يبلغ 36% لبيانات الرعاية الصحية على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهو معدّل يتنامى على نحو أسرع من معدل أيّ قطاع آخر. ومع مرور كل شهر، تظهر أجهزة طبية ذكية جديدة ويزداد عدد المرضى الذين يستخدمون التطبيقات الطبية لمراقبة صحتهم، والذين يتوقعون أن تُرسل هذه التطبيقات البيانات الناتجة إلى أطبائهم وإلى السجلات الصحية الإلكترونية. وقد استجابت مراكز خدمات الرعاية الطبية "ميديكير" (Medicare) و"ميديك إيد" (Medicaid) لهذا التطور بتقديمها في أوائل عام 2019 قاعدة مقترحة دعت فيها قطاع الرعاية الصحية إلى اتخاذ خطوات تسمح للمرضى "بالوصول الآمن إلى بيانات الرعاية الصحية والتحكم فيها".

ما الذي يعنيه هذا في الواقع؟ كيف يمكن للمرضى الذين بدؤوا في استخدام التطبيقات الطبية مؤخراً اختيار التطبيق الموثوق والفاعل، خاصة مع عدم وجود إجراء منح شهادات الاعتماد لهذه التطبيقات؟ وبالمثل، ما هي المعايير التي يستخدمها مزودو هذه الخدمات في "وصف" التطبيقات أو قبول البيانات الواردة فيها والتحقق من صحتها؟ وكما أوضح جون توروس، الأستاذ في الطب ومدير قسم الطب النفسي الرقمي في مركز "بيث ديكونيس الطبي" قائلاً: لا يزال يتعين علينا معرفة كيفية إجراء نسخ تجريبية عشوائية للتطبيقات بطريقة مماثلة للتجارب التي نجريها على الأدوية. وبالتالي، من الصعب التمييز بين التطبيقات لمعرفة أيّها يقدّم الفائدة العلاجية وأيهّا يحمل الطابع التسويقي فحسب. وإلى جانب هذه التساؤلات الخاصة بموثوقية التطبيقات، يوجد أيضاً تساؤلات لا تقل أهمية حول قابلية استخدام هذه التطبيقات. إذ يجب وضع قوانين تميّز البيانات الصالحة من البيانات عديمة النفع بغية أن تكون البيانات الواردة في تطبيق معتمد أو جهاز ما قابلة للاستخدام. على سبيل المثال، ما هي أنماط معدل ضربات القلب لمرضى قصور القلب الاحتقاني التي يمكن تجاهلها وما هي الأنماط التي تعدّ بمثابة تحذير للسجلات الصحية الإلكترونية؟ يوجد حاجة إذاً إلى بذل المزيد من الجهد للتصدي لهذه القضايا الشائكة من أجل نقل المهارات السريرية بفاعلية إلى رعاية صحية رقمية.

وأخيراً، في حين يبدو منح المرضى صلاحية التحكم ببياناتهم تمكيناً لهم، إلا أننا نعرف جيداً من الانتهاكات والفضائح الأخيرة كيف أن منح هذه الصلاحيات يفتح أبواب استغلال بيانات المرضى على مصراعيها. فقد وجدت دراسة حديثة أُجريت على 24 تطبيقاً من أفضل التطبيقات الطبية المتوفرة حالياً في السوق أنّ 79% من هذه التطبيقات تشارك بيانات المستخدم بطرق قد تعرض خصوصية المرضى للخطر. ومع انتقال البيانات إلى أيدي المرضى، يبدأ الدور التقليدي للطبيب بصفته الحارس الأمين لبيانات مرضاه في الانهيار. ذلك أنك عندما تشارك بياناتك الصحية مع طبيبك، تحمّله التزامات الخصوصية، لكن إذا كنت تشارك هذه البيانات مع "أليكسا" أو "جوجل هوم"، فلن تسري على هذه الأدوات قواعد الخصوصية نفسها. لذلك، نحن بحاجة إلى تثقيف المرضى حول مخاطر هذه التقنيات مقابل فائدتها وإلى تطوير قوانين خصوصية البيانات لتتناسب مع الواقع الجديد.

تقف الرعاية الصحية اليوم أمام نقطة انعطاف بين اتباع نماذج تقديم الرعاية التقليدية مع فوائدها وأوجه القصور الموثقة جيداً، وبين موجة من العروض والتدخلات الجديدة والمثيرة التي لم يجري اختبارها على نطاق واسع. ومن الضروري أن نتحلّى بقدر صحي من الشك واليقظة في الوقت الذي تتطلع فيه الشركات والمستثمرين إلى ركوب هذه الموجة واغتنام المكافآت المترتبة على المدى القريب. إلا أن الوعد بتحقيق رعاية صحية متمحورة حول المرضى وذات طابع شخصي والمستندة إلى النتائج هو وعد حقيقي ووجيه وفي متناول اليد من أجل الإستفادة من أهمية منصات الرعاية الصحية الجديدة.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي