مع اكتساب المؤسسات إمكانية وصول أوسع إلى نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي القادرة على إجراء المحادثات، يدرك العديد من المدراء الآن أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تنجز المهام التي تتجاوز المهام الإنتاجية البسيطة. يعتقد ثلثا المدراء أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يكون شريكهم في التفكير؛ إذ إنه يقدم وجهات نظر جديدة ويوازن بين الإيجابيات والسلبيات ويقيّم التنازلات ويعزز التفكير الاستراتيجي ويدعم تطوير القدرات القيادية. لكن على الرغم من أن التوقعات المستقبلية عالية، فإن الطريق ما زال طويلاً، فقد أفاد 30% فقط من المدراء أنهم يتمتعون بالمهارات والمعارف اللازمة لاستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بهذه الطريقة.
لحسن الحظ، يستطيع المدراء سد هذه الفجوة بسرعة. استناداً إلى خبرتنا ومحادثات عديدة خضناها، ومن خلال تقديم آلاف الأوامر النصية لأدوات الذكاء الاصطناعي، أنشأنا دليل هارفارد بزنس ريفيو الذي يضم تعليمات وأدوات لمساعدة المدراء على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي القادرة على خوض المحادثات على أنها شريكة في التفكير.
من خلال تطبيق هذه التقنيات، يستطيع البشر وأدوات الذكاء الاصطناعي معاً تحقيق نتائج عالية الجودة لا يمكن تحقيقها من خلال العمل على نحو مستقل. أطلقنا على هذه العملية اسم "التفكير المشترك"، وسنشرح في هذا المقال كيفية تطبيقها.
فعالية التفكير المشترك
يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي على أنه شريك في التفكير في أي مهمة، بدءاً من إعداد الخطابات وتحليل الأسباب الجذرية إلى وضع الاستراتيجيات. لنبدأ بطرح بعض الأمثلة:
- يعمل عمار مدير مشروع في معمل تصنيع، ويتعين عليه هو وفريقه غالباً حل المشكلات التقنية. يُعد الكشف عن الأسباب الجذرية للمشكلات مهمة متكررة ومعقدة في الوقت نفسه، لهذا صمم عمار حواراً منظماً مع إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لتساعده على التفكير في كل مشكلة، إذ يتولى عمار ضبط سلسلة الأوامر النصية واختبارها مع ظهور المشكلات الجديدة.
- كنانة هي مديرة اتصالات في شركة كبيرة للسلع الاستهلاكية. وهي تستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي لكتابة مسودات البيانات الصحفية وتقييم تفاعل أصحاب المصلحة المختلفين معها. تخوض كنانة محادثة ثنائية مع إحدى أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي تطلب فيها من الأداة أن تؤدي دور أصحاب المصلحة المحددين وتتناقش معها حول محتوى كل مسودة. القاعدة الأساسية التي تتبعها كنانة هي التحدي المتبادل بينها وبين الأداة في أثناء الحوار.
- أماني هي قائدة في مجال الماليات في شركة تكنولوجية كبيرة. وهي مكلّفة بالترويج لمبادرة تغيير من شأنها تحويل قسمها من مزود خدمة داخلي إلى شريك استراتيجي لوحدات العمل. صاغت أماني سلسلة أوامر نصية مخصصة لإحدى أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي يستطيع أعضاء فريقها استخدامها لتساعدهم على فهم طرق تبنّي العقلية والسلوكيات الجديدة التي ستتطلبها هذه المبادرة والتفكير فيها.
تسلط هذه الأمثلة الضوء على طريقة للتفاعل مع الذكاء الاصطناعي تتجاوز مجرد الإجابة عن الأسئلة أو الضغط على زر والحصول على نتائج؛ إذ إنها تنطوي على إجراء محادثة نشطة يتبادل فيها المستخدم أطراف الحديث مع أداة الذكاء الاصطناعي. أدرجنا أمثلة على هذه المحادثات في الجدول أدناه، وهي محادثات يسهم فيها كل من الإنسان والذكاء الاصطناعي بطرح الأفكار ويبني كل منهما على أفكار الآخر في كل خطوة من خطوات الحوار.
لا تكمن أهمية حوار التفكير المشترك فقط في النتائج بل في الحوار نفسه. في الواقع، يمنح كل من المستخدم والذكاء الاصطناعي الحوار قيمته من خلال الخطوات المختلفة في المحادثة بينهما.
تحدّث المدراء التنفيذيون الذين يؤدون الأدوار المختلفة عن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي على أنه شريك في التفكير. قال رئيس مجلس الإدارة في شركة سوفت بانك (Softbank)، ماسايوشي سون: "أنا أتحاور مع تشات جي بي تي يومياً، وأتبادل الأفكار معه وأحاوره حول استراتيجيات الأعمال الجديدة". وصف الرئيس التنفيذي لشركة كورسيرا (Coursera)، جيف ماغيونكالدا، الذكاء الاصطناعي التوليدي بأنه "شريك تفكير مذهل يغيّر الطريقة التي أؤدي بها عملي".
خارج نطاق المناصب التنفيذية العليا، التقينا مدراء من المستويات جميعها يتبنون طريقة التفكير المشترك. قال مدير المشروع في شركة فيراري (Ferrari)، فالنتين مارغيت: "يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي على أنه شريك في التفكير في حل المشكلات التقنية؛ إذ إنه يؤدي دور خبير منهجي يوجه عمليات التفكير المنظمة لاستكشاف الأسباب الجذرية بطرق منهجية". نعتقد أن هذه الطرق تساعد أي قائد أو مدير، وأن الوقت المناسب للبدء باستخدام الذكاء الاصطناعي بهذه الطريقة حان.
كيفية تصميم حوار التفكير المشترك مع الذكاء الاصطناعي
أنشأنا إطار عمل يتألف من 4 خطوات لمساعدة المدراء على تصميم حوار التفكير المشترك مع أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي بنجاح.
الخطوة الأولى: تحديد دور الذكاء الاصطناعي. حدد دوراً معيّناً تريد أن يؤديه الذكاء الاصطناعي، مثل التصرف بصفته خبيراً أو عضواً في فريق أو مجادلاً شكلياً. استخدم عبارات تمهيدية مثل "تصرف بصفتك" أو "ساعدني على" أو "ناتج الحوار هو" وما إلى ذلك.
الخطوة الثانية: حدد ظروف الحوار. اختر الظروف التي تريد أن تجري المحادثة فيها. من سيشارك في المحادثة؟ هل يجب أن تكون تفاعلاً فردياً بينك وبين أداة الذكاء الاصطناعي أم تفاعلاً بين شخص ومجموعة (في اجتماع فريق أو ورشة عمل مثلاً)؟
الخطوة 3: حدد الخطوط العريضة للحوار. تصور سلسلة من الأسئلة والعبارات التي ستوضح مهام المستخدم ومهام أداة الذكاء الاصطناعي في الحوار. حدد بدقة دور الأداة ودور المستخدم؛ إذ إن الاعتماد على الصدفة في الحوار يزيد خطر انحرافه عن مساره وهدفه.
الخطوة الرابعة: صياغة الأمر النصي. اكتب الأمر النصي بناءً على المخطط العام الذي اتبعته. يمكنك استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي لمساعدتك على تنقيح النص أكثر. على سبيل المثال، يمكنك أن تكتب ما يلي في الدردشة: "أنشأت هذا المخطط التفصيلي لحوار، وأحتاج إلى مساعدتك في تحويله إلى أمر نصي منظم يمكننا التحاور بناءً عليه: "[أدخل المخطط العام هنا]".
يعرض لك الشريط الجانبي بعنوان "حواران من حوارات التفكير المشترك يمكنك تجربتهما" (Two Co-Thinking Dialogues to Try) أمرين نصيين صغناهما باستخدام إطار العمل هذا. نشجّعك على نسخهما ولصقهما في أي نموذج من نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي وبدء الحوار الآن. بعد إكمال الحوار مرة واحدة، حاول تعديل الأمر النصي لتناول مشكلة مهنية تواجهها، أو صمم حواراً جديداً تماماً. ستتحسّن مهارتك بسرعة أكبر كلما خضت المزيد من حوارات التفكير المشترك.
الاستفادة من الحوارات مع الذكاء الاصطناعي التوليدي بالحد الأقصى
قادنا بحثنا إلى التواصل مع الرئيسة العالمية السابقة للاتصالات والشؤون المؤسسية في قسم العمليات بشركة يونيليفر (Unilever)، جيسيكا تومبكنسون، التي شاركتنا بعضاً من إيجابيات تعلّمها استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بصفته شريكاً في التفكير وسلبياته، إذ قالت: "لاحظت عند مراجعة الأوامر النصية الأولى التي كنت أصيغها أن الإجابات لم تكن مفيدة في الموضوعات التي كنت أحتاج إلى المساعدة فيها. اضطررت إلى تغيير منهجي وبدأت التحدث إلى الذكاء الاصطناعي التوليدي كما لو كنت أتحدث إلى زميل أو وكالة. حسّنت المحادثة المتبادلة النتائج على نحو ملحوظ وأتاحت للأدوات تعلم المزيد في الوقت نفسه".
عندما تبدأ باستخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي بصفته شريكاً في التفكير، توقع نتائج متباينة في البداية. يمكن أن يساعدك اتباع أفضل الممارسات الواردة في القائمة الآتية على تسريع عملية التعلم.
ما يجب أن تفعله
- احرص على تبنّي عقلية المحادثة: تعامل مع الذكاء الاصطناعي التوليدي كما تتعامل مع شخص تتعاون معه. يمكنك اتباع المنهج السقراطي في التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي؛ أي طرح الأسئلة بهدف تحفيز التفكير النقدي والتوصل إلى الإجابات من خلال التحليل والمناقشة. ويمكنك توجيه أوامر نصية للأداة تنص على أن توجّه الحوار حول موضوع أو مشكلة تختارها على نحو منظم، مع توضيح الإجابات والتنبيه على النواحي المهملة وتوجيه أسئلة المتابعة.
- شارك بنشاط: يجب عليك إجراء الحوار مع الأداة على نحو تبادلي وتكراري. يسهم الطرفان في التقييم والتحدي المتبادل، ما يؤدي في النهاية إلى المشاركة في إنشاء النتائج. يمكنك الحصول على المشورة المناسبة والإجابات المصممة خصوصاً والاقتراحات المفيدة من خلال البدء بتقديم لمحة موجزة ودقيقة عن الموضوع مع توفير سياق واضح. بعد ذلك، استخدم هذه اللمحة على أنها أساس وانخرط في الحوار بنشاط. شارك أفكارك وتجاربك الشخصية واطرح أسئلة المتابعة.
- احرص على تحدي الذكاء الاصطناعي: كما هي الحال في الحوار مع البشر، من المفيد أن تتضمن عملية التفكير القليل من التحدي. اطلب من الذكاء الاصطناعي تقديم وجهات نظر أو أفكار أو خيارات مختلفة أو إضافة الخيارات المهملة. لا تكتفِ بأول نتيجة يولّدها أو توافق بسرعة على ما يقدمه. على سبيل المثال، اطرح أسئلة مثل: "هل أغفلنا أي جوانب مهمة؟" أو "ماذا لو نظرنا إلى هذه المشكلة من وجهة نظر كذا؟".
ما يجب ألا تفعله
- العمل بمفردك: عندما يعمل الأشخاص عادة بمفردهم مع الذكاء الاصطناعي التوليدي بدلاً من إشراك زملائهم في الفريق وخوض الحوار معهم بنشاط، قد ينخفض التواصل بين أفراد الفريق وتبادل المعرفة داخله. قد يخفض ذلك قدرة الفريق على الحكم وعلى الوقاية من المخاطر وتخفيف حدتها. لذلك خذ استراحات من التفاعل المنفرد مع الذكاء الاصطناعي وتفاعل وجهاً لوجه مع زملائك في الفريق، وأشرك الزملاء الآخرين في عملية الحصول على المساعدة من الذكاء الاصطناعي، واطلب تقييمات من الخبراء واحرص على إضافة وجهات النظر المتنوعة وشجّع التعلم من الأقران.
- العمل بسرعة كبيرة: ربما تميل إلى الكتابة أو النقر أو الانتقال من نقطة لأخرى في الحوار بسرعة كبيرة. يمكن أن تجعل سرعة الذكاء الاصطناعي التوليدي في العمل البشر أكثر عرضة للتسرع دون تفكير. اطلب من الذكاء الاصطناعي مساعدتك على التمهل والتفكير. وجّه أمراً نصياً صريحاً ينص على أن تطلب الأداة منك تقييم الإجابات، ما يضمن تخصيص وقت للتأمل والتحقق من صحة الإجابات قبل إكمال المحادثة.
قريباً، سيتفوق المدراء الذين يطورون قدراتهم على استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي على غيرهم. حان الوقت لتستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي وتفهم كيفية استخدامه بطريقة تفيدك وتفيد فريقك وشركتك. حدد المهام التي تريد اختبار طريقة التفكير المشترك فيها، ثم حدد الأولويات وتتبع الفوائد والمخاطر والدروس المستفادة وشاركها مع فريقك. تتمثّل مهمتك في أن تكون قدوة في تطبيق طريقة التفكير المشترك، وأن تشجع فريقك على مناقشة الإجراءات المطبّقة الفعالة وتلك التي يمكن تحسينها، وأن تجمع الدروس المستفادة بطريقة منظمة مع تطور التكنولوجيا.