كيف تستخدم تقييمات الأداء مثل الرياضيين الأولمبيين لتطوّر نفسك؟

4 دقيقة
تقبل الملاحظات
فريق عمل هارفارد بزنس ريفيو/بيبول إميدجيز/ميراج سي/غيتي إميدجيز

ملخص: حينما كنت أعمل مع المنتخب الأميركي لكرة الطائرة للسيدات بصفتي مختصاً بعلم نفس الأداء خلال أولمبياد لندن 2012، كشفت إحدى أهم لاعبات الفريق، نيكول ديفيس، عن نظام الملاحظات الصارم الذي كان يحكم كل خطوة في حياتها باعتبارها لاعبة أولمبية، قائلة: "كل كرة لمستها أو لم ألمسها، كل قرار اتخذته على أرض الملعب، كل ساعة أمضيتها في صالة الألعاب الرياضية خضعت للملاحظة والإحصاء الدقيقَين على مدار 8 أعوام، حتى تحوّل هذا النظام إلى وسيلة لتقدمي وصقل إمكاناتي، ما أهّلني للصعود إلى منصة التتويج الأولمبية". كانت تفاصيل حياتها كلها تحت المراقبة الدائمة.

لم تقتصر هذه المراقبة على الجوانب البدنية وفنيّات اللعبة، بل كان المحللون ينظرون إلى نظام نيكول الغذائي ومواعيد نومها وصحتها النفسية، وحتى أنشطتها الترفيهية، من منظور تأثيرها المحتمل على أدائها، حتى بات مفهوم "الإجازات" مستهجناً. كانت أيام الراحة تسير وفق خطة استراتيجية، وليست بغرض الراحة بالمعنى المتعارف عليه؛ إذ كانت إجازاتها ترتبط غالباً بالنقاهة وتعزيز الصحة النفسية أكثر من ارتباطها بالترفيه أو الاستكشاف. تقول نيكول، التي أصبحت الآن زميلتي بصفتها مدربة تطوير العقلية (Mindset Coach) بوكالة فايندنغ ماستري (Finding Mastery)، إن الضغوط التي كانت تحاصرها من كل جانب للحفاظ على معايير أدائها وتجاوزها تعني أن كل خيار تتخذه في الحياة كان لا بد أن يسهم في تحقيق هدفها المتمثل في النجاح الأولمبي.

يؤدي العيش تحت وطأة التدقيق والمقارنة الدائمين إلى تعليم هؤلاء الرياضيين كيفية التفوق في رياضاتهم، فضلاً عن تعليمهم كيفية تسخير الملاحظات بفعالية من أجل الاستمرار بالتحسُّن. ولا بد من تعلُّم كيفية التمييز بين الملاحظات التي يجب تبنّيها وتلك التي يجب تجاهلها ليس من أجل النجاة فحسب، بل من أجل الازدهار أيضاً، وهذه الدروس قابلة للتطبيق علينا جميعاً دون تمييز.

لماذا يصعب تلقي الملاحظات؟

يجد معظمنا صعوبة في تلقي الملاحظات؛ لأننا نربط تقدير الذات بنتائج الأداء، ومن ثم تبدو لنا الملاحظات تهديداً مباشراً لهويتنا، بدلاً من أن نعتبرها معلومات قيّمة ترشدنا إلى طرق تحسين أنفسنا؛ إذ ترتبط هويتنا غالباً ارتباطاً وثيقاً بمستوى أدائنا في مجال معين.

ونحاول حماية أنفسنا لا إرادياً غالباً بتجاهل هذه الملاحظات أو الاستخفاف بها، لكننا بذلك نغفل عن رؤى قيّمة تساعدنا على النمو والتحسُّن؛ فبدلاً من التركيز على التقدم والسعي الجاد لتحقيق أهدافنا ننشغل بتجنب الفشل، ما يعرقل قدرتنا في النهاية على تحقيق النجاح المنشود.

وحين ننشغل بمواقفنا الدفاعية نغفل عن حقيقة أن الملاحظات ترتبط بالسلوك لا بالشخص نفسه.

كيف يتعامل اللاعبون الأولمبيون مع الملاحظات؟

حظيتُ بشرف العمل مع عدد من الفرق الرياضية خلال دورات الألعاب الأولمبية الأربع الماضية، كان آخرها في باريس مع اللاعبتين الحاصلتين على الميداليتين الفضيتين في الكرة الطائرة الشاطئية، براندي ويلكرسون وميليسا هيومانا باريديس، وتوصلت إلى عدد من استراتيجيات تقديم الملاحظات التي يمكن استنساخها من الملاعب الأولمبية وتطبيقها في عالم الأعمال.

أحط نفسك بمستشارين تثق بملاحظاتهم.

ترتكز استراتيجيات تلقي اللاعبين الأولمبيين للملاحظات على الالتزام بالتحسُّن يومياً، لذلك تبنّ التحسُّن مبدأ ثابتاً تسترشد به في كل إجراء وقرار تتخذه.

ويدرك اللاعبون الأولمبيون فائدة الفريق الذي ينتبه إلى الجوانب التي تغيب عنهم ويحملهم مسؤولياتهم ويعزز ممارساتهم وعاداتهم ويركّز جهودهم. وإن أردت تشكيل فريق يقدّم ملاحظات واضحة وصادقة ولطيفة حول كيفية تحسين مستوى أدائك، فعليك أن تحدد مجموعة صغيرة من الأشخاص الذين تثق بمشورتهم، ولا مانع من أن تضم المجموعة أفراداً من الأسرة أو الأصدقاء أو الزملاء أو الموجهين أو الخبراء. احرص على أن تبقى المجموعة صغيرة، وعلى التزام كل عضو بها على دعمك وحمايتك.

اسأل نفسك:  مَن يدعمك؟ مَن يفهمك حقاً لا ينظر إلى صورتك المثالية المزينة فقط، بل يرى شخصك المرهَق والكادح والهش الذي يحاول اكتشاف أسرار النجاح في الحياة. مَن يُخلِص للحقيقة؟ مَن يمكنك الاعتماد على صدقه معك؟ مَن جسّد القيم التي تحترمها طوال حياته؟

ميّز بين الملاحظات المفيدة والآراء.

قد تبدو الآراء والملاحظات متشابهة، لكن الآراء تعكس أفكار صاحبها وتصوراته في المقام الأول، أما الملاحظات فمصممة لإفادة الطرف المتلقي وتوجيهه.

تعكس الآراء وجهات نظر أصحابها الذين يُقدمونها للتعبير عن أفكارهم أو مشاعرهم الشخصية، دون أن يطلبها الطرف الآخر غالباً؛ أما الملاحظات فمحدَّدة وقائمة على الملاحظة الدقيقة وقابلة للتنفيذ ويقدمها أصحابها بهدف تعزيز النمو، استجابة لطلب الطرف الآخر عادةً.

عندما عملت مع فريق سياتل سي هوكس (Seattle Seahawks)، اعتدنا أن نعمل بموجب مبدأ أننا أدرى بحقيقة ما يجري في فريقنا. كان العالم الخارجي من وسائل إعلام ومشجعين يُتحفنا بآرائه، وربما كانت تصيب البعض بالتوتر بين الحين والآخر، لكنها تظل مجرد آراء، لا ملاحظات عملية قابلة للتنفيذ. وينطبق ذلك على اللاعبين الأولمبيين؛ فهم يصغون إلى ملاحظات مَن يعرفونهم، ولا يبالون بآراء الآخرين بل يعتبرونها ضجيجاً، لا أكثر.

تحكّم باستجابتك العاطفية.

بعد دائرة مستشاريك الموثوقين، أنت نفسك ثاني أفضل مصدر موثوق للملاحظات؛ فمعيارك الذاتي لسلوكك يتفوق على معايير معظم المحيطين بك؛ لأنك وحدك مَن تعرف إذا ما كانت أفكارك ومشاعرك وأنشطتك البدنية تعمل في انسجام أم تنافر. يتيح لك هذا الوعي اكتشاف التحولات الطفيفة في حالتيك الذهنية والبدنية، وبالتالي تقديم ملاحظات فورية ودقيقة حول الممارسات المجدية وغير المجدية.

قد تشتت العواطف انتباهك وتحول دون تعلُّم الدروس من التحديات والعثرات التي تواجهك، وإن أردت فهم المعلومات القيمة التي تحفل بها تجاربك، على غرار اللاعبين الأولمبيين، فعليك تعلم كيفية التحكُّم في عواطفك بفعالية.

انتبه إلى ما يثير عواطفك وأثره في أفكارك وسلوكياتك، وعندما تمر بانفعالات عاطفية شديدة، خذ بعض الوقت للتفكير في الموقف. وبدلاً من الاستجابة باندفاع، فكر فيما تشير إليه عواطفك وعلاقتها بالموقف الحالي. حوِّل تركيزك عن الاضطراب العاطفي (الضجيج) ووجهه إلى الفائدة التي تنطوي عليها التجربة (الإشارة). اسأل نفسك: أين مكمن الخطأ، وما الذي يمكن تحسينه، وما هي الدروس التي يمكن استخلاصها؟

التزم بتنفيذ الملاحظات المفيدة التي تتلقاها.

يحرص اللاعبون الأولمبيون على دمج المقترحات بدقة في أنظمتهم التدريبية ويسعون جاهدين لإجراء تغييرات ملموسة، واضعين معايير عالية للاستفادة من الملاحظات بفعالية. هذا الالتزام بالعمل بالملاحظات هو ما يميز اللاعبين المتميزين عن غيرهم في كثير من الأحيان.

فقد يقر معظم الناس بصحة الملاحظات ويدركون قيمتها، بل يعبّرون عن نواياهم للتغيير، لكنهم يعجزون غالباً عن العمل بمقتضى هذه الملاحظات. قد تنبع هذه الفجوة بين النوايا والأفعال من عوامل مختلفة، منها عدم وجود خطة واضحة أو عدم كفاية الحافز أو عدم الارتياح لفكرة تغيير عادات راسخة.

يستلزم سد هذه الفجوة تطوير أسلوب منهجي للعمل بالملاحظات؛ ضع خطوات محددة لدمج الملاحظات في روتينك، واحتفظ بسجل لتدوين جهودك والتحسينات التي حققتها، وراجع تقدمك بانتظام لتقييم استفادتك من الملاحظات. اجعل هذه الخطوات جزءاً منتظماً من روتينك، لا إجراءً تتخذه مرة واحدة وينتهي الأمر. وإذا لم تحصل على النتيجة المرجوة من إجراء ما فكُن على استعداد لتعديل أسلوبك.

عند تطبيق استراتيجية الملاحظات على أداء اللاعبين الأولمبيين، لن تضطر إلى تقييم كل ملاحظة تتلقاها؛ فإدراك الفارق بين النقد الهدام الذي يهدف إلى تدميرك والتوجيه البنّاء الذي يهدف إلى تعزيز فرص نجاحك يستهلك الكثير من الموارد الداخلية.

ومن هنا دعونا نتبنى عقلية اللاعبين الأولمبيين في أثناء خوضنا رحلة الحياة، فلننتقِ الملاحظات القيّمة ونستخدمها أداة لتطوير أنفسنا على المستويين الشخصي والمهني، ولنتذكر ضرورة الفصل بين عملنا وهويّتنا لضمان الاستناد إلى قيمنا المتأصلة في سعينا للتميز في حياتنا اليومية. يسهم هذا النهج في إعدادنا للمنافسة وتحقيق الإنجازات المهنية، فضلاً عن إعدادنا لمواجهة تحدي الحياة المعقد والرائع في الوقت نفسه.

 

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي