كانت مؤسّسات الرعاية الصحية، طيلة عقدين من الزمن تقريباً، تختبر، بإصرار، برامج تهدف إلى تحسين الرعاية المقدّمة للمرضى ذوي الاحتياجات الكبيرة وعالية التكلفة. ركّزت معظم تلك الجهود على نماذج رعاية مخصّصة للأشخاص الكبار في السنّ الواهنين والمصابين بأمراض مزمنة، لكن تعمل المؤسّسات حالياً بشكل متزايد على تطوير برامج تهدف لتقديم خدمات أفضل للمستفيدين من برنامج المساعدة الطبية "مديكيد" (Medicaid) أصحاب الاحتياجات الصحية والاجتماعية المعقدة. ورغم أن البرامج المختارة تبدو فاعلة، فقد أثار تقييم رفيع المستوى أُجري لأحدها مؤخراً، وهو "تحالف كامدن لمقدّمي الرعاية الصحية" (the Camden Coalition of Healthcare Providers)، المخاوف بشأن فائدة نماذج الرعاية المقدّمة للمرضى ذوي الحالات الطبية والاجتماعية المعقدة.
تُعتبر شكوك مثل هذه سابقة لأوانها. سبق لنا وأن نشرنا في مقالة وردت في العدد الجديد من "المجلة الأميركية للرعاية المدارة" (American Journal of Managed Care) نتائج مشجّعة لبرنامج إدارة الرعاية الدقيقة الذي يلبّي مرضى برنامج المساعدة الطبية "مديكيد" ذوي الاحتياجات الكبيرة وعالية التكلفة في مدينة ممفيس بولاية تينيسي. وخفض البرنامج - الذي يستند إلى نموذج الرعاية المتكامل القائم - إجمالي الإنفاق من خلال الحفاظ على صحة المرضى، حتى لا يدخلون المستشفى. ونحن نعتقد أن خبرتنا في هذا البرنامج تُقدّم دروساً قيّمة للآخرين الذين يسعون إلى تصميم برامج إدارة الرعاية الدقيقة الخاصة بهم وتطبيقها.
بدأ برنامج "كير مور هيلث" (CareMore Health)، نظام تقديم الرعاية المتكامل المقاد من قبل الطبيب، والذي يُشكل جزءاً من شركة "أنثيم إنك" (Anthem Inc.)، بتقديم خدمات الرعاية الشاملة للمستفيدين من برنامج المساعدة الطبية في مدينة ممفيس عام 2015. وكشف تحليل مبكّر لعيّنة مرضانا أنّ الإنفاق كان مركّزاً بشكل ملحوظ، فالنسبة الأكثر تكلفة من المرضى، والتي بلغت 5%، كلّفت حوالي 70% من إجمالي الإنفاق. وعانى معظمهم من عدة حالات طبية مزمنة ترافقت غالباً مع اضطرابات صحية سلوكية متزامنة. كما كان لدى الكثيرين احتياجات اجتماعية كبيرة تتراوح بين انعدام الاستقرار السكني وتصل إلى انعدام الأمن الغذائي. وكجزء من استراتيجية تقديم الرعاية المتكاملة، طوّرت شركة "كير مور" (CareMore) برنامجاً يهدف إلى تقديم رعاية شاملة، ووثيقة إلى هؤلاء المرضى ذوي الحالات المعقّدة.
استفدنا أثناء تصميم البرنامج من خبراتنا في الاعتناء بمرضى برنامج المساعدة الطبية وفي البرامج الموجودة التي استهدفت المرضى ذوي الحالات الاجتماعية والطبية المعقدة. كما عزّزنا نموذج الرعاية الأولية الطبية المنزلي والمُقاد من قبل الطبيب بوساطة أخصائي صحّي محلّي متفرّغ، وبقدر أكبر من الدعم المقدَّم من العمال في مجال الخدمات الاجتماعية. وخضع المرضى الملتحقون في البرنامج إلى تقييم شامل ومتعدّد التخصّصات لاحتياجاتهم الطبية والاجتماعية، واستُخدمت نتائج ذلك التقييم لإيجاد خطّة رعاية صحية مفصّلة حسب الطلب.
تلقّى المرضى المشاركون في البرنامج زيارات متابعة متواترة ومنظّمة. وتواصل الأخصائي الصحي المحلي مع المرضى أسبوعياً (عبر الهاتف أو بشكل شخصي) كي يطمئن عليهم، ويُقيّم التطور الحاصل، ويتناول العوائق التي تحول دون التزامهم بخطة الرعاية (مثل المواصلات أو مستوى الإلمام بالشؤون الصحية). كما راجع الأخصائي الصحي المحلي، والعامل في مجال الخدمات الاجتماعية، وطبيب الرعاية الأولية، خطّة الرعاية الصحية أسبوعياً، وأعادوا ترتيب المهام حسب أولويتها، وأسندوا مسؤوليات جديدة. وعاد المرضى إلى مراكز الرعاية التابعة لشركة "كير مور" شهرياً للقيام بزيارات شخصية للفريق بأكمله. وخُصصت زيارات مراجعة إضافية أيضاً. كما رافق الأخصائي الصحي المحلي بعض المرضى أثناء زياراتهم للأخصائيين ومواعيد الخدمات الاجتماعية. وقدّم العامل في مجال الخدمات الاجتماعية المشورة بشأن الاحتياجات الصحية السلوكية، وساعد في استعراض الخدمات الاجتماعية، واتّخذ الترتيبات من أجل الإحالات اللازمة، ودبّر المعدات الطبية. وقابل طبيب الرعاية الأولية المرضى في المكتب ليعالج الثغرات القائمة في الرعاية ويجعل الحالات المزمنة مستقرّة.
النتائج والتأثير. بهدف فصل تأثير البرنامج عن التغيّرات غير ذات الصلة التي طرأت خلال الاستفادة (بما في ذلك التراجع نحو الوسط)، قيّمنا تأثيره بوساطة تجربة منضبطة عشوائية. ووجدنا أن البرنامج أدّى إلى انخفاض في إجمالي الإنفاق الطبّي السنوي لكلّ مريض بقيمة 7,732 دولاراً أميركياً (أو 37%). كان هذا مدفوعاً بشكل أساسي بالانخفاض في استخدام المستشفى. وانخفض احتمال قبول المرضى في المستشفى (بلغ الانخفاض نسبة 50%)، وعندما جرى قبولهم، كانت فترات إقامتهم في المستشفى أقصر (بلغت نسبة انخفاض فترات الإقامة 62%). كما شهدنا أيضاً انخفاضاً طفيفاً في زيارات الأخصائيين، وربما حدث ذلك بسبب الإدارة الأكثر فاعلية للأمراض المزمنة من قبل طبيب الرعاية الأولية. شعر المرضى برضا بالغ عن البرنامج، فقد بلغ صافي نقاط الترويج (المُقاس بعد ثلاثة أشهر من التسجيل في البرنامج) 100 من 100.
إليك العبر المستخلصة من أجل الآخرين.
يمكن للاستهداف الدقيق للمريض أن يُحسّن الفاعلية والكفاءة. استخدمنا نماذج تنبؤية وبيانات المطالبات ومعايير سريرية وحكم الأطباء لنحدّد المرضى الذين يرجّح أن يحقّقوا أقصى استفادة من إدارة الرعاية المعقّدة، بدلاً من التركيز على المرضى الذين تكبّدوا تكاليف باهظة في السنة السابقة فحسب. وأتاح لنا تضمين حكم الأطباء الاستفادة من حدس أعضاء فريق الرعاية وحكمتهم، ووجدنا أن المرضى الذين أُحيلوا إلى البرنامج، بالاستناد إلى حكم الطبيب، كانوا أكثر عرضة للمشاركة في البرنامج وشهدوا المزيد من التخفيضات في الإنفاق واستخدام المستشفيات.
قد تكون البرامج ذات النموذج المتكامل المخصّص لمعالجة المخاطر الطبية والاجتماعية أكثر فاعلية. إذ عزّزنا نموذج الرعاية المتكاملة الموجود بوساطة زيادة عدد الموظفين والموارد والبروتوكولات من أجل تحديد المخاطر الاجتماعية وإدارتها. كان التكامل الوثيق بين الأخصائي الصحي المحلي وطبيب الرعاية الأولية ضرورياً لمعالجة العوامل الاجتماعية المحفّزة لنتائج الصحة السيئة سريعاً وحالات الاستشفاء غير اللازمة. على سبيل المثال، بعد أن اكتشف أحد أخصائينا الصحيين المحليين أن مريضة لم تعد قادرة على تحمّل جرعات الأنسولين خاصتها، أنذر فوراً طبيب الرعاية الأولية الذي يعمل معه، والذي وصف لها نظاماً أيسر خلال ساعة.
التركيز على أهمّ العوامل المحفّزة للنتائج السيئة فقط. بدأت عملية التخطيط التي قمنا بها من خلال تحديد العوامل المحفّزة الفريدة للنتائج السيئة لكلّ مريض على حدة. وأولينا اهتماماً خاصاً للعوامل المحفّزة الأكثر أهمية بالنسبة إلى المرضى، وتلك العوامل التي يمكن تناولها على مدى الأسابيع أو الأشهر المقبلة. بالنسبة للمرضى الذين يُعانون من مخاطر اجتماعية متعدّدة (مثل عدم استقرار المسكن والفقر والوحدة وانعدام الأمن الغذائي)، ساعد هذا التدريب على توضيح المواضع التي يجب توجيه الانتباه والموارد إليها بشكل مبكر، متيحاً استقراراً سريعاً للعديد من الحالات الأكثر تعقيداً.
التعاون مع مؤسّسات محلية وهيئات شبكات أمان اجتماعي من قبيل بنوك الغذاء وهيئات الإسكان. كثيراً ما تتسم الإحالات المجهولة، ومحاولات تنسيق الخدمات في الوقت الفعلي بالبيروقراطية والتعقيد، مما يؤدي إلى انتظار المرضى الذين يحتاجون إلى تلقّي الرعاية سريعاً لأوقات طويلة. وكان بناء علاقات طويلة وقائمة على الثقة مع المؤسّسات في منطقة ممفيس هاماً جداً بالنسبة إلى مرضانا. فعلى سبيل المثال، اكتشفنا أن مريضاً مشاركاً في برنامجنا كان يستخدم قسم الطوارئ بشكل متكرّر بسبب انعدام الأمن والدعم في دار رعايته. وبالاستفادة من الصلات التي أقمناها مع دور الرعاية في المجتمع، كنّا قادرين على مساعدة المريض على الانتقال سريعاً إلى دار تقدّم دعماً أكبر وتجاوز العقبات الإدارية التقليدية وأوقات الانتظار.
ما الذي ينتظر هذا المجال تالياً؟
تشير النتائج التي توصّلنا إليها، ونتائج النماذج الناجحة الأخرى، إلى أن البرامج المصمّمة والمستهدفة بعناية تستطيع تحسين الرعاية الصحية وتخفيض الإنفاق على مرضى برنامج المساعدة الطبية ذوي الاحتياجات الكبيرة والتكلفة العالية. وما نحتاج إليه الآن هو فهم أفضل لعناصر البرنامج التي تحقّق أفضل النتائج لمجموعات محدّدة من المرضى، وما تتطلّبه توسعة التدخلات الناجحة سريعاً. يجري عمل هام في هذا المجال بالفعل في أماكن مثل "جامعة بنسلفانيا" University of Pennsylvania. فإننا نوحّد معايير العمل في شركة "كير مور"، ونطبّق النموذج الخاص بنا عبر الأسواق الجديدة، ونقيس تأثيرها بشكل وثيق.
تحتاج الولايات المتحدة إلى التزام أوسع نطاقاً من أجل تحسين الخدمات الصحية والاجتماعية المقدّمة إلى مرضى برنامج المساعدة الطبية "ميديكيد" ذوي الاحتياجات المعقّدة. وإذا كان هناك سكّان يحتاجون إلى مثابرتنا وعبقريتنا والتزامنا بإيجاد نماذج تسليم ناجحة، فهم المرضى الأشد حاجة في مجتمعات مثل ممفيس.