ملخص: بات تدهور أداء العمليات المبتكرة بمرور الوقت مشكلة مألوفة في مجال الرعاية الصحية والعديد من المجالات الأخرى، تحتاج المؤسسات إلى فهم أسباب التدهور بدلاً من التخلص من هذه العمليات مباشرة، فمن الممكن أن تعيد تصميمها وتفعّلها من جديد. تشرح هذه المقالة طريقة إعادة تفعيل العمليات باستخدام مثال إعادة تفعيل القائمة المرجعية الخاصة بالعمليات الجراحية في مستشفى سنغافورة العام.
يتطلب الابتكار في مجال الرعاية الصحية والعديد من المجالات الأخرى سعياً مستمراً، ولكن ما الذي يجب أن تفعله المؤسسات عندما تخفق عملية مبتكرة واعدة في الارتقاء إلى مستوى التوقعات أو تتلاشى فعاليتها مع مرور الزمن؟
يتمثل أحد الحلول في إعادة التنفيذ؛ أي إعادة النظر في العملية المبتكرة ضمن سياق المؤسسة، وإجراء التغييرات اللازمة، ثم إعادة تقديمها. أسهم فريق من مركز إريادني لابز (Ariadne Labs) في تنفيذ عملية إعادة تفعيل ناجحة في مستشفى سنغافورة العام (SGH). كانت العملية هي تطبيق قائمة مرجعية للسلامة الجراحية، وشاركنا نحن الثلاثة فيها وسنعرض في هذا المقال ما تعلمناه منها.
أداء متعثر
وضع مستشفى سنغافورة العام قائمة مرجعية للسلامة الجراحية مثل معظم القوائم المرجعية المستخدمة في غرف العمليات خلال موجة الاعتماد العالمي للقائمة المرجعية لمنظمة الصحة العالمية بشأن السلامة الجراحية. طرحت منظمة الصحة العالمية القائمة المرجعية للسلامة الجراحية أول مرة في عام 2009، وهي أداة تواصل للحد من المضاعفات الجراحية. كانت القائمة بادئ الأمر الحدث الأبرز في مجال تحسين الأداء، حتى إنها باتت مصدر إلهام لكتاب أتول غاواندي الأكثر مبيعاً "بيان القائمة المرجعية" (The Checklist Manifesto). لكن غالبية المستشفيات التي اعتمدت القائمة المرجعية وجدت أن أداءها يتراجع على مر السنين وأن فوائدها تتلاشى، وهذا ما حدث مع مستشفى سنغافورة العام.
بعد أن استخدم مستشفى سنغافورة العام القائمة المرجعية لأكثر من عقد، كشفت عمليات تدقيق السلامة عن تحديات كبيرة على الرغم من إكمال القوائم المرجعية لمعظم العمليات الجراحية. كان الالتزام بالقائمة المرجعية شكلياً وليس جوهرياً في كثير من الأحيان، ما يشير إلى عدم ترسخ ثقافة السلامة.
تراوحت التحديات بين مشاكل في تفاعل الموظفين وتواصلهم، إلى حالات الضرر الذي يمكن تفاديه، و"حوادث وشيكة" وهي أخطاء جسيمة محتملة في رعاية المرضى يجري اكتشافها قبل أن تسبب الضرر. هذه الحوادث وإن كانت نادرة، لكنها سلطت الضوء على نقاط الضعف المنهجية والحاجة الماسة إلى تحسين التواصل وعمليات السلامة الجراحية.
جهود إعادة التفعيل
أدرك مستشفى سنغافورة العام أن معالجة المشاكل الأساسية تستدعي إجراء إصلاح شامل لنهج القائمة المرجعية، فتعاون مع فريق من مركز إريادني لابز (Ariadne Labs) للمساعدة في إعادة تصميم القائمة المرجعية وإعادة تفعيلها التزاماً منه بتعزيز ثقافة السلامة والتواصل المفتوح بين الفرق الجراحية، وموّلت شركة جونسون آند جونسون (Johnson & Johnson) هذا المشروع.
أسس أتول غاواندي وبيل بيري مركز إريادني لابز، وكلاهما من المصممين الرئيسيين للقائمة المرجعية للسلامة الجراحية، وقدّمنا إلى هذا المركز خبرتنا في التصميم والتنفيذ المرتكزين على العنصر البشري وأكثر من عقد من الإشراف على القائمة المرجعية.
تكلل تعاوننا بالنجاح، وحقق أداء الفريق مكاسب كبيرة؛ فباستخدام مقياس مراقبة معتمد لتقييم أساليب القيادة والعمل الجماعي وحل المشكلات وحالة الفرق الجراحية، لاحظنا تحسن أداء الفرق بأكثر من 4 نقاط، حيث تقدمت من الأداء "القياسي" إلى الأداء "الممتاز" في الفئات جميعها. بعد إعادة التفعيل، أظهرت ثقافة مستشفى سنغافورة العام حول سلامة المرضى تحسناً في 9 مجالات من أصل 12 مجالاً، وحدث تراجع ملحوظ في حوادث السلامة الجراحية والمضاعفات الخطرة ومعدلات الوفيات.
استخلصنا 4 مبادئ رئيسية لإنجاح جهود إعادة التفعيل من خلال شراكتنا مع فريق التنفيذ في المستشفى.
1. مواءمة التحديات التنظيمية مع الابتكارات الحالية
حدد أهم المشاكل المُلحة في مؤسستك، ثم انظر من زاويتها لفحص جدوى الابتكارات الحالية بمنظور جديد؛ لاحظ قادة مستشفى سنغافورة العام من خلال فحص توجهات السلامة أن القائمة المرجعية أصبحت عملية روتينية تركز على المهام بدلاً من أن تشجع التواصل الهادف حول السلامة.
كما أدركوا أنه كان من الممكن تجنب بعض الأضرار الممكن تفاديها لو استخدمت الفِرق القائمة المرجعية على أكمل وجه، وبدلاً من الشروع في مبادرة تنظيمية جديدة تحمِّل فرق الجراحة عبء مجموعة إجراءات إضافية، اختار قادة المستشفى الاستثمار في إعادة تفعيل القائمة المرجعية بطريقة تعالج التحديات.
2. إعادة تصوّر الإمكانات
ترتكز عملية إعادة التفعيل على إعادة تصور العمليات القائمة، ويمكنها أن تجدد الابتكار الذي بات قديماً بإعادة النظر فيما يتعلق به من افتراضات وتوقعات وأنظمة قائمة.
وبالنظر إلى ثقافة الجراحة في مستشفى سنغافورة العام اتضح أن التواصل كان يشوبه التوتر بسبب التسلسل الهرمي للفريق، حيث يتولى الممرضون المهام الإدارية ويتولى الجراحون قيادة غرفة العمليات، ما يضيّق مجال التواصل بين الأدوار؛ فوضع قادة المستشفى تصوراً لمستقبل حيث يولي كل عضو من الفريق الأولوية للقائمة المرجعية ويتحمل مسؤوليته تجاهها ويتمتع بفرص متساوية في التحدث.
ولتحقيق هذه الغاية، تضمنت القائمة المرجعية الجديدة إرشادات لتوجيه النقاشات بين الفرق حول الأنشطة الرئيسية وتحفيزها، وجرى تكليف كل عضو من الفريق بقيادة العمل على جزء من القائمة مع توضيح اسمه عليه بالخط العريض. ساعدت عملية إعادة تفعيل القائمة المرجعية الجديدة هذه في قيادة عملية التحول في ثقافة السلامة الداخلية في المستشفى، ما دفع أعضاء الفريق إلى التحدث فيما بينهم وتمكين الجميع من التعبير عن مخاوفهم وتحمل مسؤولية الحفاظ على سلامة المرضى.
3. بناء الزخم للتغلب على العادات الروتينية
تتطلب إعادة التفعيل تنسيق الجهود من أجل توفير دعم واسع النطاق، ويتطلب ذلك إشراك الموظفين على نحو مستمر، والاستعانة برسائل مقنعة وتكرارها. يجب غرس الإحساس بالضرورة المُلحة في نفوس العاملين، كما أن الدورات السريعة للاختبار والتكيف ضرورية لبناء الزخم.
ومع ذلك، قد تشكل العادات التي نشأت عن طريقة العمل القديمة عقبات كبيرة، لذلك يجب أن تتضمن عملية إعادة التفعيل تحديد السلوكيات الإشكالية والتخلص منها، فمن الضروري أن تتوقف هذه السلوكيات وأن يحصل تحوّل جليّ يفرّق بين "ما قبل" و"ما بعد" بوضوح حتى لا يعود العاملون إلى السلوكيات القديمة من جديد.
على سبيل المثال، ساعدنا مستشفى سنغافورة العام على إنشاء مقاطع فيديو تدريبية لتوضيح طريقة استخدام القائمة المرجعية الجديدة، وجعلها مرجعاً لتوضيح أساليب المشاركة الفعالة والتواصل الفعال المطلوبين من الفريق. وبدلاً من أن يقرأ الممرض القائمة المرجعية من ورقة، حوّلنا القائمة المرجعية إلى ملصق يشغل مساحة كبيرة على جدران غرفة العمليات، وأصبحت دليلاً بصرياً ونقطة تركيز مساعدة للفرق بعناوين خضراء وأرجوانية نابضة بالحياة وحروف سوداء عريضة. كما أنشأنا أداة لإدارة مستشفى سنغافورة العام لمراقبة استخدام الفرق للقائمة المرجعية على المدى الطويل، حتى تستطيع التدخل في حال عاد الأفراد إلى سلوكياتهم القديمة والعمل على تصحيح السلوك وتدريب الموظفين على الاستخدام الصحيح للقائمة المرجعية.
4. تقبّل الضعف
إن عملية إعادة التفعيل ضعيفة بطبيعتها. يجب أن يكون القادة على استعداد للكشف عن المشاكل ومواجهة الإخفاقات. قد يقاوم الموظفون عملية إعادة التفعيل لعدم رغبتهم في تغيير ما اعتادوا عليه ويعتبرونه جيداً بما فيه الكفاية. وبالفعل، تساءل أعضاء طاقم الجراحة في مستشفى سنغافورة العام صراحةً عن سبب تغيير القائمة المرجعية، وشككوا في أنها ستحدث فرقاً في التواصل بين أعضاء الفريق الجراحي، وأبدوا قلقهم من أن يستغرق ذلك الكثير من الوقت ما يزيد أعباء العمل اليومية التي تثقل كاهلهم فعلاً في غرفة العمليات.
أحد الأسباب المهمة لنجاح عملية إعادة التفعيل في مستشفى سنغافورة العام هو الدعم القوي الذي قدّمه قادة قسم الجراحة الذين تحدثوا بشفافية عن المجالات التي رأوا فيها فرصاً للتحسين وتبنّوا العملية بحماس وشجعوا الموظفين على المشاركة في المبادرة. على سبيل المثال، عقد الجرّاح الذي قاد فريق التنفيذ في المستشفى اجتماعات مع فريق كل قسم من أقسام الجراحة، حيث شرح أسباب عملية إعادة التفعيل وأوضح كيف يمكن تجنب الحوادث من خلال تحسين القائمة المرجعية، وعرض نتائج استطلاع رأي الموظفين حول ثقافة العمل الجديدة.
كان أحد أهم الداعمين الآخرين جراح محترم وقائد في قسم الجراحة وافق على أن يكون من أوائل مَن يختبرون القائمة المرجعية الجديدة وأدى دوراً في مقاطع الفيديو التدريبية؛ أدت قدرة هؤلاء القادة على التركيز على ضرورة إعادة التفعيل وتعميم رؤيتهم والتزامهم إلى حشد الدعم للقائمة المرجعية الجديدة في الفرق الجراحية.
يمكن أن يبهت نجاح العمليات المبتكرة مع مرور الوقت، لذلك من الضروري أن تتحقق المؤسسات من هذه العمليات دورياً حتى تتمكن من تحديد التراجع في أدائها من بدايته. وبمجرد أن يكتشف القادة هذا التدهور، عليهم تحديد الأسباب بدلاً من الإسراع إلى إجبار الموظفين على "الالتزام بالبرنامج"، ويمكنهم بعد ذلك إعادة تصميم العملية وإعادة تفعيلها وتمكينها من تحقيق أهدافها مجدداً.