ملخص: تكتب وكالات توظيف المسؤولين التنفيذيين أوصافاً وظيفية طويلة في إعلانات شواغر المناصب التنفيذية العليا، لكن لا بدّ أن يُدرك المرشحون أنها مجرد مستندات تسويقية هدفها إثارة حماسهم للوظيفة، وأنها ليست بالضرورة انعكاسات دقيقة لمقاييس الأداء والمسؤوليات التي ستُلقى على عاتقهم إذا قبلوا المنصب. ولتقييم حالة عدم التوافق بين الوصف المكتوب ومسؤوليات المنصب الفعلية، على المرشحين البدء من نقطة الصفر، واعتبار المقابلات الشخصية فرصة لهم لفهم المعايير الحقيقية للعمل، وتدوين فهمهم لمتطلبات الوظيفة والمصادقة عليها من قِبل المسؤولين التنفيذيين قبل قبول العرض.
يقرر رئيس تنفيذي تعيين أحد كبار المدراء التنفيذيين، ويتواصل مع وكالة توظيف متخصصة في تعيين المسؤولين التنفيذيين لتولي عملية البحث، بما فيها التعريف بالمنصب والعثور على المرشحين وفرزهم، وتكتب الوكالة بدورها وصفاً وظيفياً طويلاً للمؤهلات والمهارات التي ترغب الشركة في توافرها في المرشحين، والمسؤوليات المتوقعة منهم.
وقد تكلّف عملية التوظيف هذه مئات الآلاف من الدولارات وتستهلك الكثير من الموارد، وتستغرق شهوراً لملء منصب واحد، وتتطلّب التزامات زمنية جدّية من قِبل الرئيس التنفيذي وربما مجلس الإدارة، مقارنة بما لو وظّفت الشركة موظفين من المستوى المبتدئ أو المتوسط. أليس من المنطقي أن نفترض إذاً أن الاستثمار العالي في المناصب التنفيذية العليا سيؤدي إلى احتمالات نجاح أفضل بكثير؟
ليس بالضرورة؛ ففي الواقع، إن متوسط مدة الثبات الوظيفي لدى الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية (4.7 سنوات) والرؤساء التنفيذيين للمعلومات (4.6 سنوات) أعلى بفارق بسيط فقط من متوسط مدة الثبات الوظيفي لدى الموظف العادي (4.3 سنوات للرجال و3.8 سنوات للنساء)، في حين أن متوسط مدة الثبات الوظيفي لدى المسؤولين التنفيذيين للموارد البشرية (3.7 سنوات) والمسؤولين التنفيذيين للتسويق (3.5 سنوات) أقل حتى.
وفي الواقع، إن أسباب مثل هذه المدة القصيرة للثبات الوظيفي معقدة، لكنني توصّلت إلى سبب يمكن للمرشحين الاستفادة من فهمه: عدم الدقة والمواءمة في الأوصاف الوظيفية.
تحدث المواءمة عندما يكون هناك اتساق بين ثلاثة عناصر رئيسية لتصميم المناصب متمثّلة في التوقعات والمسؤوليات المُسندة والمهارات المطلوبة. على سبيل المثال، إذا كُلّف أحد الرؤساء التنفيذيين للتسويق بمسؤولية البحث والتطوير، وكان الوصف الوظيفي ضمن قسم المهارات يتطلّب أن يتمتع المرشّح المثالي بخبرة سابقة في البحث والتطوير فهناك توافق، في حين يحدث عدم التوافق إذا تطلّب الوصف الوظيفي لمنصب الرئيس التنفيذي للشؤون المالية قيادة نشاط الاندماج والاستحواذ، دون أن تتطلب الشركة امتلاك المرشّح المثالي خبرات سابقة في عمليات الاندماج والاستحواذ. ويحدث التوافق الحقيقي بالفعل عندما يمتلك الموظفون الجدد خبرة في المهام المتطلبة منهم وعندما تُسند إليهم المسؤوليات المطلوبة لتحقيق التوقعات. وعلى الرغم من أن هذه الفكرة تبدو بسيطة، توضح الأدلة فشل شركات كثيرة في تحقيقها.
وحلّلتُ في الواقع 185 وصفاً من الأوصاف الوظيفية لمناصب الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية والرؤساء التنفيذيين للمعلومات والرؤساء التنفيذيين للتسويق ووجدت أن درجة عدم التوافق بين الجوانب المختلفة للوظيفة (مثل التوقعات والمسؤوليات والمهارات) تراوحت بين 33% و41% اعتماداً على طبيعة الوظيفة.
على سبيل المثال، كانت واحدة من كل ثلاثة أوصاف وظيفية (33%) تفتقر إلى التوقعات والمسؤوليات، ما يشير إلى أن الصلاحيات الممنوحة للمنصب كانت أقل من التأثير المتوقع للفرد على الشركة. ويمكن لعدم التوافق هذا أن يثني عزيمة الموظفين الجدد ويقوّض قدرتهم على تحقيق النتائج المتوقعة من مسؤولياتهم، فضلاً عن أنه قد يؤدي إلى حدوث احتكاك نتيجة محاولة مسؤول الإدارة التنفيذية العليا الجديد التأثير على أقرانه الذين يتولّون مسؤولية أداء الأنشطة التي يُشرف عليها.
كيف يمكن للمرشحين تجاوز حالة عدم التوافق في الأوصاف الوظيفية السيئة إذاً؟ وضعتُ استناداً إلى خبرتي في العمل مع القادة 8 خطوات رئيسية يمكن للمرشحين للمناصب التنفيذية العليا اتخاذها لزيادة احتمالية تواؤمهم مع المنصب.
تجاهل الأوصاف الوظيفية
تكتب وكالات التوظيف أوصافاً وظيفية مفصّلة للغاية تتكون غالباً من عشرات الصفحات أو أكثر لمناصب الإدارة التنفيذية العليا.
وثمة مشكلتان رئيسيتان تؤثران سلباً على الأوصاف الوظيفية، أولاهما رغبة الشركات في جعل الوظائف تبدو جذابة قدر الإمكان، خاصة في سوق العمل الذي يعاني ندرة في المرشحين، ما يجعلها تلجأ إلى تجميل الوصف. وثانيتهما صعوبة كتابة أوصاف وظيفية مترابطة ومتسقة.
وتتمثّل نتيجة مشكلات تصميم الوظائف هذه في أن تصبح الأوصاف الوظيفية انعكاساً غير دقيق للوظيفة الفعلية، وهو ما يتطلّب من المرشّح تجاهلها وفهم متطلّبات الوظيفة الفعلية بمفرده.
حدد الوظيفة "الفعلية"
لفهم السمات الحقيقية للوظيفة، عليك طرح الكثير من الأسئلة طوال عملية المقابلة الشخصية بمهارة ودبلوماسية. وعلى الرغم من أهمية الحصول على وجهة نظر الأقران، تبقى وجهة نظر مديرك المحتمل (المفترض أن يكون الرئيس التنفيذي) الأكثر أهمية.
وعليك التحقق من خمسة مجالات رئيسية:
- التوقعات (ما الذي يحدد النجاح على فترات زمنية مختلفة؟)
- المسؤوليات (ما الواجبات والمهام المحددة والعملية المُسندة؟)
- الموارد المخصصة (ما الإدارات والمناصب المخصصة لدعم المرشح؟ ما الميزانية؟)
- مجموعة الأقران الرئيسية (مَن الأقران الأساسيون الذين سيؤثرون على النجاح في المنصب، وكيف توائم الشركة الأهداف/الحوافز لضمان التعاون؟)
- خبرة المرشح المرغوبة (ما المهارات والخبرات الأساسية المطلوبة من المرشّح المثالي؟)
تبدو هذه العملية بسيطة، لكن قد يتّخذ القائمون بإجراء المقابلات أحياناً موقفاً دفاعياً عندما يجهلون الإجابات. وقد يقدم ثلاثة أشخاص مختلفين إجابات مختلفة في أحيان أخرى، ما يشير إلى عدم الوضوح والتواصل فيما يتعلق بالمنصب الشاغر، وهو ما يمنحك معلومات مهمة حول الثقافة والمواءمة والتواصل بين المسؤولين في المناصب التنفيذية العليا.
اكتب وصفك الوظيفي
اكتب نسخة موجزة للوصف الوظيفي استناداً إلى فهمك باستخدام الفئات الخمس أعلاه، مع توخي أكبر قدر من الدقة، فالهدف هو توضيح سمات الوظيفة الرئيسية في وثيقة بسيطة يمكنك استخدامها لاحقاً لإجراء المناقشات وفي عمليات التفاوض.
تأكّد من فهمك
تحقق من فهمك لمتطلّبات الوظيفة مع مديرك المحتمل عبر البريد الإلكتروني باستخدام مسودة ملّخص الوظيفة لنفي احتمالية إساءة تفسير المناقشات اللفظية أو نسيانها. كما أن التوصل إلى تفاهم خطي ومتّسق أمر مهم قبل قبول الوظيفة وبعدها لئلا تبرز مشكلات تتعلق بالتوقعات أو المسؤوليات.
على سبيل المثال، أعرب أحد مسؤولي الإدارة التنفيذية العليا الذين تحدثت معهم عن دهشته عندما أُسندت وظيفة مهمة كانت مخصصة لمنصبه إلى قائد آخر من الإدارة التنفيذية العليا بعد إجراء المقابلة وقبل أن يبدأ العمل في الشركة. وبالتالي، يمثّل الملخص المكتوب مرجعاً للمرشّح يتيح له مناقشة التوقعات المعدّلة بعد تغيير البنية التنظيمية.
قيّم إمكانية تحقيق النجاح في المنصب
تتمثّل الخطوة التالية المهمة بعد فهم الدور الفعلي في تحديد ما إذا كنت مستعداً للنجاح أم لا، بمعنى آخر، عليك تقييم درجة الترابط أو التطابق في جوانب الوظيفة (مثل المسؤوليات والصلاحيات والتوقعات).
إذا كان من المتوقع أن يقود الرئيس التنفيذي للتسويق النمو، في حين أن مسؤولياته تنحصر في الإعلان والإعلام والتواصلات (وكان قادة المناصب التنفيذية العليا الآخرين مسؤولون عن الابتكار والبيانات والتحليلات واستراتيجية المؤسسة والشراكات الاستراتيجية والتسعير والبيع والتوزيع وما إلى ذلك)، ولم يكن الرئيس التنفيذي على دراية بسياسات التبعية الحرجة التي يواجهها الأقران، فهناك عدم توافق يصعّب إنجاز المهمة. وإذا كان الرئيس التنفيذي للمعلومات مسؤولاً عن التحوّل الرقمي لكنه يفتقر إلى الميزانية وإلى الموظفين المتخصصين، فقد يواجه تحديات منذ اليوم الأول. وتمثّل هذه الخطوة في بحثي لحظة "الحقيقة" لفشل القادة في المناصب التنفيذية العليا عادة في تقييم احتمالية تحقيق النجاح في الدور.
قيّم مدى ملاءمتك
التقييم النهائي صعب ويتطلّب التحلّي بالصدق. هل مهاراتك وخبراتك كافية للنجاح في الوظيفة؟ تتمثّل صعوبة إجراء هذا التقييم في افتقار المرشحين عادة إلى جميع المهارات المطلوبة. ومع ذلك، كلما كانت الملاءمة أسوأ، زادت المخاطر. وعلى الرغم من أنه قد يكون من المغري تولّي منصب ممتد، فقد يجلب لك (وللشركة) المتاعب إن لم يكن متوافقاً مع مهاراتك.
تفاوض على معايير الوظيفة
إن أفضل وقت لإصلاح أي مشكلات في التصميم هو قبل قبول وظيفة جديدة. ويمثّل الملخص المكتوب أساساً للمفاوضات يتيح للمرشح تسليط الضوء على الفجوات الرئيسية في التوافق بين التوقعات والمسؤوليات والموارد والتبعيات والخبرات.
يجب أن تبدأ مناقشاتك مع الرئيس التنفيذي بمعالجة حالة عدم التوافق في تصميم المنصب، بمعنى أن تحدد حالات التبعية بين الأقران وتعالجها قبل بدء المهمة.
وعليك أيضاً إجراء مناقشة صادقة حول الفجوات في المهارات وفرص التطوير المحتملة. وعلى الرغم من أنه من النادر أن يمتلك المرشح جميع المهارات المطلوبة، تزداد المخاطر إذا تمثّلت مسؤوليتك الأساسية في قيادة التحوّل الرقمي مثلاً دون أن تمتلك أي خبرة سابقة عن عمليات التحوّل الرقمي. ويمكنك قبل قبول الوظيفة التوصية بالموارد المهمة التي يمكن أن تعالج فجوة المهارات وتقلل من المخاطر، كأن تقترح تولّي مرؤوس مباشر مسؤولية التحوّل الرقمي وتحديد أفضل الممارسات وإطلاعك أنت والمؤسسة على آخر المستجدات.
وثّق الوصف الوظيفي النهائي وشاركه
حدّث ملخص وظيفتك ونقّحه بمجرد إعادة التفاوض على الوظيفة (إذا لزم الأمر) لاستخدامه كأساس للتفاوضات المستقبلية في حال تغيّرت متطلبات الوظيفة، أو لاستخدامه في المناقشات مع الأقران الرئيسيين للتوصل إلى فهم متبادل قبل قبول المنصب أو في اجتماعات التوجيه بعد مرحلة الإعداد. قد يتمثّل أحد الأسباب المهمة للنزاعات في المناصب التنفيذية العليا في الوظائف ذات التصميم السيئ. لكن استخدام الملخص لتحديد مدى ملاءمة المنصب وضمان الفهم المتبادل يضمن تحقيق التوافق بين الأقران الرئيسيين.
من المفترض أن تكون الأوصاف الوظيفية انعكاسات دقيقة للمناصب، فهي الأساس الذي يقيّم المرشحون للمناصب التنفيذية العليا مدى اهتمامهم بالمنصب الشاغر وموافقتهم على إجراء المقابلات الشخصية، وهي بالتالي عامل مهم فيما إذا كان المرشح يفكر في الوظيفة المعروضة عليه ويقبلها.
ومع ذلك، لا يؤدي الاستثمار في الوقت والمال اليوم إلى نتائج توظيف ناجحة لقادة المناصب التنفيذية العليا (مقارنة بتوظيف الموظفين المبتدئين)، وهو ما يدل على وجود مشكلة ما. وكلما زادت درجة عدم التوافق والنزاع الداخلي في تصميم الوظيفة، زادت المخاطر التي يتعرض لها المرشّح في أثناء عمله في منصب سيئ التصميم.
لكن تطبيق هذه العملية القائمة على الفهم والتقييم والتفاوض، يتيح للمسؤولين التنفيذيين في المناصب التنفيذية العليا التمتع بسلطة أكبر على مساراتهم المهنية بطريقة تقلل من المخاطر وتؤثر على النجاح.