كيف يمكن للشركات تحديد استراتيجية قنوات البيع لما بعد الجائحة؟

6 دقائق
تحديد استراتيجية قنوات البيع
كاكتوس كريتيف ستوديو/ستوكسي

ملخص: شهدت الشركات زيادة كبيرة في الطلبات عبر الإنترنت في أثناء الجائحة. ومع انحسار الأزمة، يحتاج القادة إلى تحديد استراتيجية قنوات البيع واتخاذ قرار بشأن ما إذا كان التحول الجذري إلى التجارة الإلكترونية سيكون دائماً أم لا، وتخصيص الاستثمارات وفقاً لذلك.

بينما كان المستهلكون يلتزمون بالحجر المنزلي في أثناء الجائحة، أصبح قدر كبير من النشاط الاقتصادي يتم عبر الإنترنت. أشارت شركة "ماكنزي" في تقرير صدر في أغسطس/آب عام 2020 إلى أن "الطفرة التي حدثت في التجارة الإلكترونية أدت إلى ضغط ما يعادل عدة سنوات من النمو إلى بضعة أشهر فقط في العديد من الأسواق".

والآن، مع مواصلة تقديم اللقاحات، يتعين على الرؤساء التنفيذيين وغيرهم من القائمين على تخصيص الموارد الإجابة عن هذا السؤال: هل الزيادة في التسوق عبر الإنترنت الناتجة عن الجائحة هي أمر مؤقت أم تحول كبير ودائم؟ ستشكل التوقعات التي تهدف إلى الإجابة عن هذا السؤال الأساس الذي تقوم عليه رهانات بمليارات الدولارات في مختلف القطاعات.

من الصعب التنبؤ بالمستقبل، ولكن يمكن تقسيمه إلى أجزاء من الناحية الإدارية تساعد على الفصل بين ما يمكن وما لا يمكن معرفته.

مجال التجارة الإلكترونية ليس جديداً

أولاً، انظر فيما إذا كان الماضي هو تمهيد للحاضر والمستقبل. فمجال التجارة الإلكترونية ليس جديداً. على سبيل المثال، كان موقع "بوكس دوت كوم" (Books.com) يبيع الكتب عبر الإنترنت عندما كان جيف بيزوس لا يزال يعمل في "وول ستريت" (Wall Street). وحتى بعد عقود خالية إلى حد كبير من ضريبة المبيعات، كانت التجارة الإلكترونية تمثل 11.4% فقط من مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة في عام 2019، وهي زيادة ثابتة ولكنها بطيئة للغاية من 5% قبل عقد من الزمن. وفي الربع الثاني من عام 2020 (الذي شهد ذروة الإغلاق العام في الولايات المتحدة حتى الآن)، بلغت مبيعات التجزئة عبر الإنترنت 16.1%، بزيادة أقل من 5%، وانخفضت إلى 14% بحلول الربع الأخير.

في الواقع، تَمثّل توجه تجارة التجزئة قبل الجائحة في أن تقوم شركات التجارة الإلكترونية التي كانت متخصصة في نوع واحد من المنتجات، مثل "برتشبوكس" (Birchbox) و"بونوبوس" (Bonobos) و"واربي باركر" (Warby Parker) و"أمازون" و"علي بابا" (في الصين) من بين شركات أخرى، بفتح متاجر تقليدية. ونظراً إلى أن الشركات تتعامل مع برامج حظر الإعلانات على الإنترنت التي تزداد تطوراً وضوابط تنظيمية صارمة للغاية على بيانات المستهلك، فمن غير الواضح ما سيكون عليه مقدار الشراء عبر الإنترنت في المستقبل، وما إذا كان التباعد الاجتماعي سيجعل الأشخاص أكثر استعداداً لإجراء المعاملات عبر الإنترنت أو سيبين القيود المفروضة على الشراء والبيع والتواصل عن بُعد.

ثانياً، اعترف أن التوقعات حول التكنولوجيا غالباً ما تكون مبالغاً فيها. في الثلاثينيات، عندما انتشرت خدمات الهاتف في الولايات المتحدة، توقعت الصحافة "زوال الوساطة" لأننا أصبحنا نستطيع التواصل عبر الهاتف ("البيع الافتراضي"). وفي الخمسينيات، عندما تم بناء النظام الوطني للطرق السريعة، توقع النقاد زوال متاجر البيع بالتجزئة لأن الناس يمكن أن يقودوا سياراتهم لشراء السلع بأسعار أقل من بائعي الجملة. وفي التسعينيات، كان هناك توقع مشابه وشائع حول "طريق المعلومات فائق السرعة". ولكن لم تكن أي من هذه التوقعات دقيقة. وكما قال مارك توين عن التاريخ، أوجه التشابه مع التوقعات الحالية ليست مثالية لكنها متناغمة. يقول المؤرخ ستيفن ديفيز في كتابه "الانتشار على نطاق واسع: تاريخ الجوائح واقتصادياتها" (Going Viral: The History and Economics of Pandemics): "تُحدث الجائحة الكبيرة تأثيرات هائلة. ولكنها لا تُقدم أشياء جديدة تماماً، بل تعمل على تسريع التوجهات والعمليات الجارية بالفعل وتضاعف حجمها".

التحول إلى الشراء متعدد القنوات

ثالثاً، ما يجري حالياً هو تحول إلى الشراء متعدد القنوات، وهذا سيكون له تبعات لأن المدراء يخصصون الموارد من أجل تحقيق نمو مربح.

المراقبون الذين ينظرون إلى العالمين المادي والإلكتروني على أنه يجب اختيار أحدهما عادة ما يكونون على خطأ. في عام 2019، تم بيع أكثر من 1.2 مليار تذكرة سينما في الولايات المتحدة، وهو تقريباً نفس ما تم بيعه قبل 5 سنوات. ارتفع متوسط أسعار التذاكر بنسبة 12% خلال تلك الفترة، على الرغم من إمكانية مشاهدة الأفلام في المنزل عبر خدمات البث المباشر. وبين عامي 2009 و2018، زاد عدد المكتبات المستقلة في الولايات المتحدة بنسبة 49% (من 1,651 إلى 2,470 مكتبة) على الرغم من وجود موقع "أمازون". يستخدم البائعون منصات متعددة حتى ضمن قنوات البيع الرقمية. في عام 2019، 60% تقريباً من تجار سوق "أمازون" في الولايات المتحدة عرضوا منتجاتهم للبيع على موقع "إيباي" (eBay)، وعرض 47% منهم المنتجات للبيع على مواقعهم، وما يقرب من ثلثي التجار (66%) باعوا من خلال المتاجر التقليدية. "أمازون" نفسها تُعد موزعاً في العديد من الفئات، ومنصة للشركات في فئات أخرى، وموزعاً وسوقاً في فئات أخرى، كما أنها تفتح متاجر. غالباً ما يكون التعامل عبر شبكة الإنترنت والتعامل خارجها مكملين لبعضهما، وليسا بدائل عن بعضهما، فالعملاء يستخدمون مصادر متعددة للمعلومات عبر قنوات توزيع المنتجات والخدمات.

عند محاولة التكيف مع المستقبل، احذر من حدوث قصور في قنوات البيع. ومع انحسار الجائحة ومواجهة المستهلكين لقيود أقل، حان الوقت الآن لتقييم خياراتك، والعوامل التالية ذات الصلة بتخصيص الموارد من بين الخيارات:

التعاملات عبر الإنترنت وخارجها

ينفق المتسوقون الذين يستلمون السلع التي طلبوها عبر الإنترنت من المتجر أموالاً أكثر بما يصل إلى 25%، كما ورد في بعض الدراسات. ويتم إرجاع حوالي ثلث الملابس التي يتم طلبها عبر الإنترنت مقابل 8% من الملابس التي تم شراؤها في المتجر، وتبلغ تكلفة عملية الإرجاع في المتجر نصف تكلفة إعادة شحن سلعة تم طلبها عبر الإنترنت إلى مركز التوزيع. وفقاً لشركة البحوث "بودي لابز" (Body Labs)، العملاء الذين يجربون الملابس في غرفة القياس في المتجر يكونون أكثر ميلاً إلى الشراء من أولئك الذين يبحثون على الإنترنت بما يعادل 7 أضعاف تقريباً. قبل الجائحة زار ما يقرب من 25% من متسوقي الملابس في الولايات المتحدة موقع "أمازون" في مرحلة مبكرة من رحلاتهم الشرائية، لكن معظم هؤلاء الزوار اشتروا من مكان آخر. وهذا يشير إلى أن قنوات البيع عبر الإنترنت مهمة في البحث واستكشاف المنتج في تلك الفئات، ولكنها أقل أهمية فيما يتعلق بتقييم منتج معين وعملية الشراء نفسها.

التعاملات عبر الإنترنت وخارجها لها تأثيرات اقتصادية أكبر في أسواق التعامل التجاري بين الشركات، حيث تُعد معاملات التجارة الإلكترونية العالمية أكبر بست مرات مما هي عليه في سوق الشركات التجارية الموجهة للمستهلك، وحيثما تساعد مواقع مثل "باور ريفيوز" (PowerReviews) و"ماركتنغ نيشن" (Marketing Nation) التابع لشركة "ماركيتو" (Marketo) في البحث عن عملاء مرتقبين من خلال رحلات الشراء الحافلة بآراء العملاء وتجارب الاستخدام. في هذه الأحوال، ينبغي أن تميز بين ما تبيعه والكيفية التي يشتري بها العملاء والآثار المترتبة على اختيار شركاء قنوات البيع. في العديد من فئات الشركات في مجال التعامل التجاري بين الشركات، يمكنك بيع المنتج نفسه لشرائح متعددة من العملاء، ولكن كل عميل يشتري بطرق مختلفة. ونتيجة لذلك، تختلف معايير قبول المنتج اعتماداً على قناة البيع التي يتم من خلالها بيعه وصيانته.

في فئات المنتجات التي يشارك موزعون أو مندوبو مبيعات خارجيون أو شركاء آخرون في إجراء عملية بيعها، وضّح دور الشريك في استراتيجيتك. هل يتعلق الأمر بشكل أساسي بكفاءة التكلفة؛ ما يعني أن هذا الشريك يمكنه أداء مهام مهمة بتكلفة أقل منك؟ أم أنه يتعلق بفرص الوصول إلى السوق؛ ما يعني أن يتيح الشريك إمكانية الوصول إلى قطاعات معينة أو صنّاع القرار لدى العملاء؟ أم أن للشركاء أهمية رئيسية للحل الذي يشتريه العملاء؛ بمعنى أنهم مكون ضروري مكمل للمنتج الذي تبيعه؟ لهذه الأدوار آثار مختلفة على تصميم قناة البيع وإدارتها. ميّز بين "البيع مع" الشركاء الذين يتعاملون مع نفس المشترين مثل عملائك و"البيع من خلال" الشركاء الذين يملؤون فجوة في عروض منتجاتك أو خدماتك.

الأدوات والتدريب

التدريب على التخطيط للسوق والمبيعات يركز في معظم الشركات على المنتج أو المنصة ويتجاهل بيئة الأعمال. على سبيل المثال، يشير أحد التقديرات إلى أنه مقابل كل دولار تنفقه الشركة على منصتها الخاصة بتقديم البرمجيات كخدمة، فإنها تنفق 4 أضعاف هذا المبلغ على خدمات دمج النظم وشركاء قنوات البيع الآخرين. وبما أن التكنولوجيات مدمجة في منتجات وخدمات وحلول أخرى، فإن النجاح في البيع يتطلب المزيد من الشركاء. على سبيل المثال، توظف شركة "سيلز فورس" (Salesforce) الآلاف من الشركاء الجدد، وتشير التقارير إلى أن شركة "مايكروسوفت" (Microsoft) تضيف أكثر من 7 آلاف شريك كل شهر.

يمكن للأدوات البرمجية الجديدة أن تتيح لك ولشركائك الاستفادة من المحتوى والرسائل والمعرفة التي تخلق الطلب. فالبيع متعدد القنوات معقد ولكنه ضروري. ومحاولة القيام به دون الاستخدام الذكي لهذه الأدوات تجعله معقداً ومرهقاً بلا ضرورة.

علاوة على ذلك، عادة ما يكون موظفو المبيعات هم العنصر الرئيسي في التعاملات المستمرة مع شركاء قنوات البيع والمستخدمين، خاصة في أسواق التعامل التجاري بين الشركات. ولكن عندما يعمل مندوبو المبيعات مع الشركاء، فإن مهامهم تتغير. وهذا يرجع إلى أنه أصبح لدى المساهمين الفرديين الآن مسؤوليات إدارية بالإضافة إلى مسؤولياتهم المتعلقة بالبيع. ستكون هناك صعوبة في إدارة قنوات البيع ما لم تكن استباقياً فيما يتعلق بمبادرات التوظيف والتدريب.

لن يكون المستقبل كما هو متوقع. فهو ينطوي على تنافس بين نُظم قنوات البيع، وليس بين فرادى الشركات فحسب، لذلك من المهم تحديد استراتيجيات قنوات البيع. والتنافس مع "أمازون" يعني التنافس مع سلاسل التوريد والتوزيع، وليس فقط مع سعر ومنتج على موقع إلكتروني. كما أن فعالية المبيعات لا تتعلق فقط بالاستماع إلى العملاء وتقديم قيمة في مختلف القطاعات، بل إنها تتطلب أن تتقاطع إمكانات الشركة وقناة البيع مع العملاء طوال رحلاتهم الشرائية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي