غالباً ما يصنف الموظف ذو الإمكانات العالية ضمن الخمسة بالمائة الأفضل أداءً في المؤسسة. ويعتقَد أن هؤلاء الأشخاص هم الأعلى قدرة وتحفيزاً، ولديهم أكبر الفرص في بلوغ أعلى المراكز من حيث المسؤولية والسلطة. وتؤسس غالبية المؤسسات برامج رسمية لأصحاب الإمكانات العالية، تعرف باسم "High Potential" واختصاراً باسم "هيبو" (HIPO)، لمساعدة هؤلاء الموظفين على التحضير للأدوار القيادية بطريقة مدروسة وفعّالة.
لكن وفقاً لمعلوماتنا، قد لا تكون برامج الإمكانات العالية "هيبو" مكاناً مناسباً لأكثر من 40% من المشاركين فيها. إذ قمنا بجمع معلومات عن 1,964 موظفاً من ثلاث مؤسسات عُرِّفوا بأنهم من ذوي الإمكانات العالية، وقيست قدراتهم القيادية باستبيان شامل يعتمد على تقييمات مدرائهم المباشرين وبعض زملائهم وجميع مرؤوسيهم المباشرين. وفي حالات كثيرة، اعتمد الاستبيان على تقييمات أشخاص كانوا زملاء سابقين للموظفين في مكان الدراسة أو كانوا أقل منهم برتبتين وظيفيتين. ووسطياً، حصل كل موظف منهم على 13 تقييماً. وأظهر بحث سابق قُمنا به مع هذه المؤسسات، أن طريقة التقييم هذه ترتبط كثيراً بمخرجات المؤسسات، كتفاعل الموظفين بشكل أكبر، وترك أقل للعمل، وإنتاجية أعلى. وكلما أحرز الموظف ذو الإمكانات العالية نقاطاً أعلى، يعود الأمر بنتائج أفضل على المؤسسة.
لكن عندما نظرنا إلى المشاركين في برامج الإمكانات العالية، كان 12% منهم في الربع الأدنى من المؤسسة من حيث فعالية القيادة. وبالمجمل، كان 42% تحت الوسط، وهذا بعيد جداً عن الخمسة بالمائة الأفضل التي من المفترض أن يكونوا ضمنها.
إذاً، كيف تمّ اختيار هؤلاء الأشخاص؟ وجدنا أن هناك أربعة خصائص يتسم بها الموظفون في كل من المؤسسات الثلاث:
- الخبرة التقنية والمهنية. عادة ما يُنظر إلى المهندس أو عالِم الكيمياء أو المبرمِج أو المحاسب الأفضل على أنه يستحق الترقية أكثر من غيره. إذ تساعد المعرفة والخبرة العميقتين الأشخاص ليصبحوا محطّ أنظار الجميع وموضع تقديرهم. ومن المؤكد أن الخبرة الفنية مهمة جداً للمدراء. ومع ذلك، من الضروري أن تفهم أن: ما دُعيتَ لأجله إلى الحفلة ليس كافياً لإبقائك فيها. إذاً، يتعيّن على أصحاب المهارات الفنية تطوير مهاراتهم القيادية أيضاً.
- المبادرة وتحقيق النتائج. وجدنا أن كبار القادة في المؤسسة كانوا مستعدين للتغاضي عن ضعف المهارات القيادية للأشخاص المنتجين على الدوام ويتمتعون بتحفيز ذاتي. في الواقع، إنه ليس بالأمر المفاجئ، فعندما سألنا 85 ألف مدير عما ينبغي على مرؤوسيهم فعله لتحقيق النجاح، كان اختيارهم الأول "السعي لتحقيق النتائج". النتائج مهمة بلا شك، لكن في بعض الأحيان من الأفضل أن يبقى المساهم الفردي على حاله وألا يصبح هو الرئيس.
- الوفاء دائماً بالالتزامات. عندما يقولون "سيتم الأمر"، فإنه يتم فعلاً. وهذا حتماً يخلق ثقة بالشخص واستعداداً للتغاضي عن ضعف مهاراته الأخرى. لا جانب سلبي واضح في هذه المهارة إلا عندما يُرقّى الشخص وينهمك في الكثير من الواجبات التي تعهد بتنفيذها، فقد وجدنا أن الأشخاص الذين يفتقرون لمهارات القيادة لا يثقون بمرؤوسيهم بما يكفي لتكليفهم بالمهام وإشراكهم بالعمل. وهذا يجعلهم يغرقون بالالتزامات.
- الانسجام مع ثقافة المنظمة: بالإضافة إلى المهارات، وجدنا أن الأشخاص الذين فشلوا في برامج "هيبو" كانوا يميلون للتركيز على ميزةٍ محددة تقدرها المؤسسة تقديراً عالياً. على سبيل المثال، إحدى المؤسسات كانت تركز كثيراً على اللطف في التعامل، لذلك كان الموظفون الذين يُظهرون الاهتمام والتقدير للآخرين يُرشَّحون لبرنامج "هيبو"حتى لو كانوا يفتقدون المهارات القيادية الأخرى. أما المؤسستان الأُخريان فكانتا تقدِّران الأشخاص الذين يتطوعون في البرامج والمبادرات الجديدة، بالتالي، كان الأفراد يُنسّبون إلى برنامج "هيبو" كنوع من المكافأة لهم وإن لم يكونوا فعّالين في النواحي الأخرى من العمل. وقد يساعد الانتباه للميزات التي تقدّرها المؤسسة عالياً على لفت الانتباه.
كما لاحظنا أن ضعيفي الأداء في برامج الإمكانات العالية يفتقرون بشكل خاص إلى مهارتي الرؤية الاستراتيجية والقدرة على تحفيز الآخرين. يتوجب على الشركات التي تعمل على ملء الشواغر في برامج الإمكانات العالية البحث عن أشخاص تظهر لديهم إشارات عن هذه المهارات- التي تعتبر مهمة جداً في تسلق السلم التنظيمي- وألّا يركزوا على أشياء أخرى كالتلاؤم مع ثقافة الشركة والنتائج الفردية.
وتتعدد المخاطر التي تهدد المؤسسة عند انضمام أشخاص لا يمتلكون فعلاً إمكانات قيادية إلى برامج "هيبو". إذ قد يطمئِن قادة المؤسسة أن لديهم عدد كافٍ من القادة في حين ليس لديهم إلا نصف العدد المطلوب. ويتسبب هذا في فقدان المؤسسة للأشخاص الذين باستطاعتهم فعلاً أن يصبحوا قادةً جيدين ولو لم تنطبق عليهم الصورة النمطية للقائد العالي الإمكانات.
ولن يكون الوضع أفضل للمشاركين في برنامج "هيبو" الذين لا ينجحون في الوصول إلى مناصب إدارية عليا. قد يعتقد هؤلاء الأشخاص أنهم يسيرون على درب المهنية الصحيح، بينما هم في الحقيقة سائرون في درب لا يحقق آمالهم. عادة ما يكون هؤلاء الأعضاء الذين يُنسبّون بطريق الخطأ لبرنامج الإمكانات العالية، هم من أصحاب المساهمات الفردية الفعّالة للغاية، ولو كانوا يفتقرون لما يؤهلهم لمناصب أعلى. لذا تسعى المؤسسة للحفاظ عليهم، وهو ما قد يكون السبب الأساسي لإشراكهم في برنامج "هيبو"، في حال لم تجد الإدارة العليا طريقة أخرى لمكافأتهم على مساهماتهم. وعندما تدفع المؤسسات بأصحاب المساهمات الجيدة للقيام بأدوار إدارية لن ينجحوا فيها، فإنهم بذلك يخاطرون بخسارتهم ويتسببون بتثبيط همم أشخاص سيرفعون تقاريرهم إلى مدراء لا يتمتعون بالكفاءة، ويخسرونهم هم أيضاً بالمحصلة.
لكن هذا لا يعني خسارة كل شيء بالضرورة. إذ لا بد للأشخاص الذين لا يمتلكون المؤهلات الكافية لدخول برامج "هيبو"، والذين يطمحون فعلاً لبلوغ مناصب عليا في المؤسسة، التركيز على تعلم وممارسة المهارات القيادية المطلوبة. نحن نؤمن بشدة أن المنتسبين لبرنامج "هيبو" ممن لديهم ضعف في القيادة بإمكانهم تطوير مهارات ممتازة في نهاية المطاف. لكن المشكلة أن معظم ذوي الإمكانيات الضعيفة لا يدركون أصلاً نقاط ضعفهم، ويأتي أيضاً انتسابهم لهذه البرامج ليغطي عيوبهم. لهذا انظر إلى نفسك نظرة صادقة في المرآة لتعرف ما تحتاج تعلمه.
أما المدراء الذين يديرون برنامج "هيبو" ويختارون المشاركين فيه، فنقترح عليهم أن يكونوا أكثر حذراً في الاختيار.