كيف تتجنب الدخول في دوامة جلد الذات؟

4 دقائق

طُلب من سعيد، نائب الرئيس لشؤون العمليات في شركة إعلامية، تقديم عرض عن برنامج التحول الرقمي في المؤسسة أمام 100 من مدرائها التنفيذيين خلال الخلوة الاستراتيجية السنوية. ولأن سعيد يُدرك أنه ليس جيداً في إلقاء المحاضرات، قرر تخصيص وقت كافٍ للتحضير لذلك اليوم. لكن، على الرغم من كل التحضيرات والاستعدادات فقد ارتبك بشدة عندما حان دوره في الحديث، فتلعثم ونسي كثيراً مما أراد الحديث عنه، وقرر عدم الذهاب إلى العمل ليومين متتاليين خجلاً من نفسه ومن الموقف الذي ظهر به أمام الآخرين. ويمكن جمع تلك المشاعر التي سيطرت على سعيد في كلمة واحدة: الخزي.

الشعور بالخزي دوماً يجلب معه الرغبة في الاختفاء وعدم الظهور مجدداً أمام الناس، وهذا ما يعبّر عنه بما يقوم به البعض من تغطية وجوههم بأيديهم حين يقعون في موقف محرج، وتلك الرغبة العارمة في الهرب بعيداً أو أن "تبتلعك" الأرض وتختفي. فالخزي يترافق مع شعور بالفضيحة والانكشاف أمام الآخرين أو حتى أمام النفس. وليس ثمة شعور أكثر إزعاجاً أو أذى على النفس من هذا الشعور.

فبعد ارتكاب غلطة فادحة، من الطبيعي أن نشعر بالخجل والخزي، ولكن الحل لهذه المعضلة لا أن نتصرف مثل سعيد ونقرر التغيب عن العمل ليوم أو اثنين، وإنما يجب تفهم تلك الحالة التي وقعنا فيها وتحديد الطرق الأمثل للخروج منها.

السقوط في الورطة

يميل الأشخاص الذين يشعرون بالخزي على نحو مرضيّ إلى استبطان كل شيء مع المبالغة في إضافة الطابع الشخصي لكافة الأمور التي تحدث معهم. حيث يفقدون القدرة على رؤية الأمور في سياقها الصحيح، فتراهم إن طرأت مشكلة ما يلقون اللوم على أنفسهم فوراً. ولا يقتصر الأمر على أنهم ينتقصون من قيمة أنفسهم فحسب، ولكنهم كذلك يشعرون بنقص الحيلة، ويعتقدون أنه ليس ثمة شيء يمكن فعله لإنقاذ الموقف. فيسمحون لذلك الصوت المنتقد داخل رؤوسهم بالاستمرار في الحكم عليهم وتقريعهم وإخبارهم بأنهم ليسوا أكفاء ولا قيمة ولا اعتبار لهم.

ينعكس هذا بعمق في السلامة النفسية لهؤلاء الناس. فالشعور المفرط بالخزي هو سبب وراء العديد من الأمراض النفسية. فالخزي يدفع للشعور المتواصل بالذنب، كما يؤدي إلى سرعة الغضب، ويظهر على شكل يأس واكتئاب. وبما أن الناس عادة ما يتحاشون الحديث عن المواقف التي تدفعهم للخزي، يُصبح من الصعب اكتشاف ذلك، خاصة عندما تنكر هذا الشعور بأشكال متعددة.

لكن عموماً تم التوصل إلى استراتيجيتين للتعامل مع الشعور بالخزي: الهجوم على الذات أو الهجوم على الآخرين. ففي بداية الأمر خلال تجربة الخزي يتم توجيه العدوانية نحو الذات ("أنا لا شيء" أو "أنا لا أفلح في أي أمر")، وبعض الأشخاص، مثل سعيد، يذهبون إلى حد الانسحاب من محيطهم تماماً. في المقابل، نجد آخرين وهم يحاولون التعاطي مع خزيهم يهاجمون غيرهم ويلقون اللوم عليهم، ويظهرون ردود فعل تجاههم عبر التجاهل أو الدفاع عن الذات أو الإنكار. والبعض يحاولون تجاوز ذلك الشعور بانعدام القيمة أو الخزي عبر المبالغة في الكرم، وعبر إرضاء الآخرين. وبالرغم من أن هذه المحاولات تساعد الشخص على الشعور بقدر أقل من الخزي، لكنها في المحصلة تؤدي إلى مفاقمة المشكلة. فمن دون معالجة أصل المسألة يقع الشخص بحلقة مفرغة من نقد الذات، بحيث يُصبح الخزي سمة متأصلة في شخصيته لا يسعه الإفلات منها.

أصل شعور الخزي

نظراً لشيوع هذا الشعور بين الأشخاص على اختلاف أعمارهم وثقافاتهم، فما هو الغرض من الخزي؟ من وجهة نظر علم التطور يمكن افتراض أن الخزي تطور في الإنسان ضمن شروط كان البقاء فيها معتمداً على التزام الناس بتوقعات محددة. فقد كانت هنالك حاجة إلى الوحدة من أجل العمل بفعالية ضمن مجموعة وإلا بقي الفرد وحده في مواجهة الطبيعة القاسية. ففي العصر الحجري، ربما كان الخزي هو الطريقة لتأسيس التراتبية لضمان أفضل طرق التعاون. فربما كانت السبيل الأكثر فعالية لوضع أسس واضحة للسلطة والطاعة في المجتمع. ومن اللافت أن بعض التصرفات التي يمكن تتبعها لتلك العصور القديمة ما تزال آثارها ظاهرة لدينا اليوم، وذلك مثلاً في وضعية الجسد حين يشعر الإنسان بالخزي، وحين نعرض أنفسنا لسلطة الآخرين وحكمهم.

أما من وجهة نظر علم التطور النفسي، فيكون الخزي ردة فعل شعورية معقدة يكتسبها الإنسان في مرحلة مبكرة من نشأته، حيث يكون الطفل معتمداً بشكل مطلق على تلك الرابطة مع الذي يقدم له الرعاية، وهو شعور أساسي: يحاول الطفل تلبية توقعات والديه، وفي حال أخفق فإنه يتعرض للشعور بالخزي. وحتى الطفل في سنواته الأولى يطوّر مشاعر من الخجل يمكن أن تتحول إلى حالة من الخزي خلال السنوات الثلاثة الأولى من عمره.

ويمكن أن يكون الشعور بالخزي مفيداً في بعض الأحيان، إذا شعر الطفل، على سبيل المثال، بذلك بعد أن أنّبته أمه لأنه جرى بسرعة باتجاه الشارع. ولأن دماغ الطفل ليس معقداً بالشكل الذي يتيح له أن يدرك فوراً جانب الخطورة الذي يمثله الشارع، فإن الشعور بالخزي من التأنيب سيكون كافياً ليتجنب تعريض نفسه لذلك الخطر مجدداً. لكن الخزي بحد ذاته شعور مؤلم وفظيع. فالأطفال الذين يتعرضون دوماً للانتقاد والعقاب والإهمال والترك أو يتعرضون لسوء المعاملة بسرعة، يتسلل إليهم شعور بأنهم ليسوا جيدين وأنهم أدنى قيمة واعتباراً من الآخرين. هذه التجارب المخجلة تؤثر في الأساس الذي يقوم عليه تقدير الذات. ومثل هذه الأنماط الخاطئة من التربية تجعل الطفل دائم الارتباط بهذا الشعور، وهذه حالة يصعب تجاوزها في حال تشكلت لديه. فمن المعروف أن الأذى الذي يتعرض له الإنسان في طفولته، كتعرضه للمضايقات أو التنمر من الأولاد في المدرسة أو أن يكون منبوذاً من قبل الوالدين والأقران وغيرهم، ربما يصبح جزءاً ثابتاً من هويته.

التعامل مع الشعور بالخزي

كلما كانت تجربتنا مع الخزي شديدة، زاد لدينا الدافع لإخفائه عن الآخرين وحتى عن أنفسنا. لذلك، فإن الخطوة الأولى هي المصارحة بالأمر الذي يسبب حالة الخزي، فتغطية الجرح لا يعنى أنه سيندمل بالضرورة. فإذا كان الجرح عميقاً، فقد يكون من اللازم زيارة استشاري أو معالج نفسي كي يساعدك. حيث إن القدرة على اكتشاف مسببات الشعور بالخزي ستجعلك أكثر استعداداً لاستعادة السيطرة على حياتك، وذلك لأنك ستصبح واعياً بتلك الأمور التي تبعث على الخزي.

أما الخطوة الثانية، فهي بناء القدرة على التعاطف مع الذات، وذلك عبر تقبل ذاتك على ما هي عليه، وأن تتعامل مع نفسك بنفس القدر من الاحترام والتعاطف الذي تعامل به الآخرين. فعلى سبيل المثال، لو أن أحد زملاء سعيد أو موظفيه هو الذي أخفق في تقديم العرض، سيظهِر الدعم له، ولربما واساه قائلاً: "لقد حاولت جهدك، ولكنك فقدت السيطرة على أعصابك" أو سيقول "سيكون أداؤك أفضل مع التدريب والممارسة، وسنستعين بمدرب خاص لمهارات الإلقاء". وحين تشعر بالخزي اسأل نفسك هذا السؤال: "هل يمكن أن أتكلم مع صديقي بنفس الطريقة التي أكلم بها نفسي الآن؟"، وهذا السؤال جدير بأن يساعدك على تحديد الحالة التي تقع فيها ضحية لحلقة مفرغة من الأفكار السلبية التي تسيطر عليك، كما يساعدك على تجاوز جلد الذات.

يساعد التعامل مع هذه التجارب العاطفية التصحيحية (كما يدعونها في علم النفس) على تعزيز تقديرك لذاتك ومكانتك وشعورك بالانتماء، كما يزيد من تقبلك لذاتك، ويحد من ردود الفعل السلبية على المواقف التي تدعو للخزي كالانسحاب أو الهجوم المضاد.

ويمكننا القول إن الخزي جزء طبيعي من التجربة البشرية، لكن قدرتك على ضبط هذا الشعور والتعاطي بعقلانية معه يضمن ألا تجنح إلى جلد الذات، كما سيساعدك التصالح مع ذاتك أيضاً إلى إدراكك قيمتك. إضافة إلى ذلك، إن معرفة أنك تستحق المحبة والقبول أمر بالغ الأهمية لتعزيز مرونتك وعيش حياتك على أتم وجه.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي