عندما ألقى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خطابه أمام المشاركين في المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في يناير/كانون الثاني 2025، امتلأ الجو بالعصبية، وكان التفاعل الفاتر مؤشراً على صراع وجهات النظر. استهدف الرئيس مباشرة ركيزة من ركائز الخطة العالمية عندما وصف تمويل مشروعات التخفيف من تأثيرات التغير المناخي بـ "الخدعة الخضراء الجديدة".
استجاب العديد من قادة الشركات لانتخاب الزعيم الشعبوي عام 2017 من خلال بناء تحالف مضاد يمكن أن يصمد في وجه هجوم أجندته التي تحمل عنوان "لنجعل أميركا عظيمة مجدداً" (Make America Great Again). وفي العام نفسه، وقّع ترامب أمراً تنفيذياً بالانسحاب من اتفاقية حماية المناخ، مُجمّداً بذلك إرث سلفه أوباما وسياساته المناخية دون مراعاة الأضرار البيئية والاقتصادية الناجمة عن تقبّل فكرة أن الاقتصاد يتعارض مع البيئة، وأن الاستثمار في الطاقة المتجددة يجب أن يتوقف.
لكن عام 2025 مختلف، وقد لاحظ العديد من قادة الأعمال ذلك. كان الرئيس ترامب محاطاً بالرؤساء التنفيذيين لشركات جوجل وميتا وآبل وأوبن أيه آي، في حفل تنصيبه الأخير، إلى جانب أكبر رجلي أعمال في العالم، إيلون ماسك وجيف بيزوس. كما حضر قادة أعمال عالميون مثل موكيش أمباني من الهند وبرنارد أرنو من فرنسا.
يعكس هذا اعترافاً واسع النطاق بشعبية ترامب والسلطة التي يتمتع بها. ومن الواضح أيضاً أن المناخ السياسي والاجتماعي قد شهد تغيّراً أعمق. في أوائل يناير/كانون الثاني 2025، ظهر مؤسس شركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ في مدونة جو روغان الصوتية، وقدّم اعتذاراً عن العقد الماضي ونبذ ما أسماه "الرقابة المفروضة من الحكومة" على المحتوى المتعلق بلقاحات كوفيد-19، وألغى برامج التنوع والمساواة والشمول في شركة ميتا.
الرسالة الجديدة واضحة: حان الوقت لأن تتجاوز الشركات سياسات الماضي، وتلك التي تفشل في مواكبة هذا التغيير ستتخلف عن الركب.
عصر البرامج الاستراتيجية
على مدى العقدين الماضيين، ارتبط عالم الأعمال ارتباطاً وثيقاً بالتغيرات السياسية الحاصلة. وفي عهد إدارة الرئيس أوباما، كان هناك تقارب بين السرديات في أميركا ومختلف أنحاء العالم. أدى ذلك إلى انتشار الأفكار نفسها في مختلف القطاعات العامة والخاصة والاجتماعية، كما أدى التمويل الحكومي إلى خلق حوافز وتوجه أكبر نحو تدفق الأرباح. وبالتالي ظهرت أطر عمل مشتركة أصبحت بمثابة دليل إرشادي موحد للشركات.
اليوم، لا يدور النقاش في المنتديات التجارية الكبرى، مثل دافوس أو ميلكن، حول الأعمال التجارية إلا نادراً. بدلاً من ذلك، تهيمن على المحادثات خطط متنوعة، مثل التنوع والمساواة والشمول (DEI) والحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG) وأهداف التنمية المستدامة (SDG)، لدرجة أن موقع لينكد إن أصبح أشبه بجوقة عملاقة من الاختصارات اللغوية المتناغمة.
الامتثال بدلاً من النتائج
فقدت الشركات في الكثير من النواحي قدرتها على التركيز على النتائج، وأصبحت تركز على الامتثال للخطط والاستعراض العام، وقد أدى ذلك إلى انخفاض كفاءة الأسواق، وتضخم المؤسسات، وتوحيد الخطاب (غير المبتكر)، إضافة إلى عدم توافق متزايد بين الحلول المطروحة والمشكلات.
هل تحل أسواق الكربون مشكلة التغير المناخي، أم أنها مجرد ساحات للمضاربة المالية؟ هل تعزز برامج الشمول التفاهم أم ترسّخ الانقسامات؟ هل تحتاج البلدان ذات الدخل المنخفض إلى برامج التنوع البيولوجي بدلاً من حلول الطاقة الفعّالة؟
مع تغيير الحكومات الغربية للظروف التضخمية التي دعمت هذه النُهج، ستشهد الشركات تراجعاً في الربحية ما لم تغير مجال تركيزها. يجب على الشركات أن تتحرر من خطط الماضي في عالمنا الديناميكي المتغير. وفي نهاية المطاف، النتائج واضحة، ويجب على الشركات أن تسعى إلى تحقيق صافي الدخل.
طبيعة الفترة المقبلة
قد يسعى قادة الأعمال إلى تغيير ولائهم من خطة إلى أخرى مع تغير مسار السياسة. لكن الآن، لديهم فرصة لمنح الأولوية مجدداً لنتائج الأعمال ونظام الجدارة والتوجهات التي تركز على مهام الشركات. يتلخص الدور الطبيعي للقطاع الخاص في تجاوز الصراع السياسي، لا التدخل فيه.
لا يعني ذلك التخلي عن القيم أو التملص من المسؤولية الاجتماعية للشركات، بل يعني اتباع المبادئ الأولى؛ الحد من الضرر وفعل الخير، بدلاً من الانجراف وراء أطر صعبة التحديد. لن يكون من السهل إعادة النظر في النهج لأنه سيشمل منظومة العمل بأكملها، من كليات إدارة الأعمال إلى الجمعيات المهنية إلى منتديات الشركات.
لا تدرك شركات عالمية كثيرة مدى تأثّرها بسياسات الماضي، التي أصبحت جزءاً أساسياً من الاستراتيجيات.
ميزة الشركات السريعة الاستجابة
عندما يكون التغيير وشيكاً، فمن الأفضل اتخاذ إجراءات سريعة ولكنها مدروسة. على الرغم من أن التغييرات تبدو وكأنها تحدث تدريجياً، فإن الخطط الاستراتيجية والتوقعات ستتغير فجأة. الحوافز التمويلية بدأت تنعكس بالفعل، وعلى كل مؤسسة تحسين خططها وتوجهاتها التي تركّز على مهمتها، وهي دليلها الأهم. يفتح كل من التحول المؤسسي والعقلية التي تتسم بالذكاء الباب أمام تحقيق مكاسب جديدة أكبر ربما كانت مخفية في السابق.
بينما تتطلع الشركات إلى تحديد خططها لما تبقّى من عام 2025، حان الوقت الآن لتتجاوز الشركات سياسات الماضي.