ربما تتساءلين عما إذا كانت الأمهات الأخريات يشعرن بالقلق الناجم عن صعوبة تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية مثلك. وربما تشعرين أيضاً أن الوقت ينفد وأنكِ لا تستطيعين تحقيق طموحاتك المهنية بينما يكبر أطفالك بسرعة كبيرة. وسواء كنتِ في المنزل أو العمل، تشعرين وكأنه ينبغي أن تكوني في مكان آخر تنجزين شيئاً مثمراً. وتحلمين داخلك بقضاء عطلة نهاية الأسبوع بعيداً عن كل شيء ولكنكِ تختلقين أعذراً حول سبب عدم قدرتك على القيام بذلك. كل ما سبق قد يسبب لك عقدة الشعور بالذنب.
في كتاب "لا يمكن الحصول على كل شيء" (Forget Having It All) تلخص الكاتبة والصحفية آيمي ويسترفيلت معضلة الأم العاملة، حيث تقول: "نتوقع من النساء أن يعملن كما لو أن ليس لديهن أطفال، وأن يربين الأطفال كما لو أنهن لا يعملن". ولهذا السبب تشعر المرأة بالذنب إذا كانت تعمل أو إذا كانت لا تعمل! فالحدود غير الواضحة لوقت العمل تؤثر على الوقت المخصص للعائلة، وعدم الاستماع إلى قصص أطفالك حول ما حدث في يومهم باهتمام أو الحرمان من قضاء وقت كبير معهم قد يؤدي إلى شعورك بالفشل والتقصير. والعوائق التي تحول دون تطوعك في مدرسة أطفالك أو حضور معرض العلوم تجعلكِ تخططين لمغادرة العمل خلسة دون أن يلاحظ أحد لكي تتمكني من الوصول في الموعد المحدد بحيث يراكِ أطفالك عندما يبحثون عنكِ بين الحضور (كل ذلك بينما تتحققين من بريدك الإلكتروني بحثاً عن أي رسائل عاجلة). يبدو الأمر وكأنه موقف لا فوز فيه، وهو ما يؤجج الشعور بالقهر والإنهاك والهزيمة، ويمكن أن يؤدي إلى الإصابة بالاحتراق الوظيفي.
تسعى الأم العاملة بجد إلى تحقيق التوازن بين العمل في الوظيفة التي تريدها أو تحتاج إليها، وبين أن تكون الأم التي تصورتها. فأنتِ لا تشعرين أنكِ تخذلين أطفالك أو فريقك أو مديرك فحسب، بل تشعرين أيضاً بالذنب حيال العناية بذاتك أو بالندم على عدم مساعدة والديكِ المسنين بالقدر الكافي أو بالإحراج من إخبار صديقتك عن مدى الضغط الذي تشعرين به، كما لو أنه ليس لديكِ الحق في أن تشعري بذلك.
علاوة على ذلك، أدت جائحة "كوفيد-19" إلى اضطرار الوالدين العاملين، وخاصة الأمهات، إلى البحث عن حلول لتعليم الأبناء ورعايتهم. فقد فُتحت للجميع نوافذ مطلة على عالم الأمهات العاملات ليروا أن الأمهات لا يزلن يهتممن بصورة غير متكافئة بالأعمال المنزلية ويعتنين بالأطفال مع أداء مهام العمل. ونتيجة لذلك، ينتشر الشعور بالذنب في كل مكان نظراً إلى قضاء الأطفال وقت أطول أمام الشاشات وقضاء الأمهات وقت أطول في الاجتماعات على برنامج "زووم".
استراتيجيات للتخلص من شعور الأم العاملة بالذنب
ينبغي أن يكون العمل على التخلص من هذا الشعور بالذنب على رأس قائمة مهامك الطويلة. فهذا الشعور منهِك ويسبب اضطرابات في النوم ويؤثر على حالتك المزاجية وحضورك الذهني. وقد علمت من واقع خبرتي في تقديم المشورة للأمهات العاملات أنه في حين أنهن ما زلن يشعرن بالضغط، إلا أنهن يشعرن أيضاً براحة كبيرة عندما يكن واعيات وحازمات بشأن عقلياتهن وسلوكياتهن. فيما يلي بعض الاستراتيجيات للتخلص من شعورك بالذنب بدءاً من اليوم.
سامحي نفسك
التخلص من الشعور بالذنب يبدأ بالتعهد بالتوقف عن لوم نفسك على اختياراتك وظروفك. فالشعور بالذنب غير الطبيعي يتحول إلى شعور بالخزي والعار، ومن المؤلم عاطفياً الشعور الدائم أنكِ أم أو موظفة أو صديقة سيئة. وبدلاً من ذلك تذكري الأسباب الكامنة وراء اختياراتك. وفي كل مرة تقولين لنفسك "أشعر بالذنب حيال..."، قولي لنفسك بدلاً من ذلك "اتخذت هذا القرار لأن..." وامضي قدماً.
راجعي قيمك
عملت لسنوات مع آباء وأمهات كانوا يشعرون بالذنب حيال قراراتهم المتعلقة بتربية الأطفال أو الساعات التي يقضونها في العمل (أو الساعات التي يقضونها في العمل من المنزل، نظراً إلى الوضع الحالي). من بين التمارين الأساسية التي يمكن للأشخاص المشاركة فيها هي أن يكونوا واضحين بشأن قيمهم وأولوياتهم في الحياة وأن يعيشوا حياتهم وفقاً لها. غالباً ما يقول الأشخاص أن هناك أشياء مهمة للغاية بالنسبة إليهم، ولكنهم لا يلتزمون في حياتهم بتلك القيم.
على سبيل المثال، إذا كان الوقت المخصص للعائلة على رأس أولوياتك ولكنكِ لا تشعرين أنكِ تحصلين على ما يكفي منه، تخلصي من شعورك بالذنب من خلال إيجاد طرق لقضاء المزيد من الوقع مع عائلتك. وتمرني على قول "لا" للالتزامات غير الضرورية كالتطوع في جميع حملات جمع التبرعات للمدارس أو قضاء الساعات السعيدة بصفة منتظمة مع زملائك في العمل (ولو حتى افتراضياً) أو حضور اجتماعات مجلس إدارة "جمعية مُلّاك المنازل" (يعرف أيضاً باسم "اتحاد شاغلي الوحدات السكنية") في منطقتك. أشركي أطفالك في المهام التي تقومين بها بالفعل مثل إنجاز الأعمال المنزلية أو إعداد الوجبات أو اصطحاب الكلب في نزهة. واستغلي عطلات نهاية الأسبوع عن عمد من خلال تخصيص فترات زمنية للعائلة بدلاً من شراء الطلبات وما إلى ذلك. وهذا قد يستلزم وضع حدود واضحة للجوانب الأخرى من حياتك ومراجعة (وتحديث) قيمك العائلية بحيث تكون متكاملة ومتوافقة مع ما تريدينه.
اطلبي المساعدة
يُعد طلب المساعدة من أكثر الأشياء التي يصعب على كثير من النساء فعلها. وبدلاً من طلب المساعدة، قد تزيد الأم العاملة من ضغوطها من خلال محاولة فعل كل شيء بنفسها، ثم تدرك أنه من المستحيل فعل ذلك. طلب المساعدة يحتاج إلى تدريب ولكن بمجرد اتخاذ خطوة بسيطة في هذا الصدد، سيبدأ الآخرون من حولك في فعل الشيء ذاته. اطلبي المساعدة من الجيران أو الأصدقاء المقربين أو والدي أصدقاء أطفالك أو والديكِ أو والدي زوجك أو برنامج الرعاية اللاحقة في المدرسة أو الآباء والأمهات المشاركين في توصيل الأطفال إلى المدرسة. وفي غضون فترة قصيرة لن يشعر أحد بالضيق لأنه يطلب المساعدة، وستصبح العلاقة بينكم متبادلة وتعود بالنفع على الجميع.
كوني أماً "جيدة بما يكفي" في المنزل
تعود فكرة "الوالدين الجيدين بما يكفي" إلى عقود. فقد اكتشف الباحثون في التعلق، مثل جون بولبي، أن الآباء والأمهات بحاجة إلى أن يكونوا حاضرين عاطفياً لطمأنة أطفالهم وفهم مشاعرهم وإظهار البهجة والسرور عند رؤيتهم ودعمهم لتكوين تعلق صحي وآمن بين الوالدين والأطفال. بعبارة أخرى، ينبغي أن يرعى الآباء والأمهات أطفالهم ويرتبطوا بهم دون التضحية باحتياجاتهم الشخصية وصحتهم. ونحن بحاجة إلى الاقتداء بهذا المثال وخفض المعايير المحددة لمواصفات الأم المثالية التي يمكنها أن تفعل كل شيء، بحيث تقوم بكل ما "ينبغي" لها القيام به، ويُشاد بها لتفانيها وفي نفس الوقت الاهتمام بحياتها والاعتناء بنفسها. فبدلاً من وضع ضغوط إضافية على نفسك، تذكري الأساسيات. وأدركي العلاقة التي لا يزال بإمكانك تكوينها مع أطفالك بأن تكوني أماً "جيدة بما يكفي" فحسب.
ألغي متابعة هؤلاء الذين يحبطونك
مشاهدة ما يفعله الآخرون أثناء إجازاتهم ومشاركة صورهم العائلية أو الإعلان عن الترقية التي حصلوا عليها مؤخراً على منصات التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك" و"إنستغرام"، هي أمور كافية لدفع الأم العاملة إلى البكاء. فالوقت الذي تقضينه في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي لتكوين روابط وعلاقات ينبغي أن يكون الهدف منه رفع معنوياتك. فإذا وجدتِ أن بعض منشورات الأشخاص أو المجموعات تتسبب في شعورك بالإحباط باستمرار، ألغي متابعتهم.
وأخيراً، تذكري أن الشعور بالذنب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتعاطف. فالشعور بالذنب يعني أنكِ ترأفين بمن حولك وتعتنين وتهتمين بهم. والتخلص من هذا الشعور لا يعني أنكِ لستِ أماً محبة أو حنونة، بل يعني أن شعورك بالتعاطف الكامن وراء شعورك بالذنب سيتم فهمه وملاحظته. وبدلاً من الشعور بالعجز، يمكن لقوة عطفك وحنانك تحفيزك على الارتباط بعملِك والشعور بمتعة أن تكوني أماً في الوقت نفسه.