ملخص: قد تتعرّض لفقدان وظيفتك بشكل مفاجئ عند فصلك أو تسريحك من العمل، أو عند تقديم استقالتك بسبب شعورك بأنك لا تملك خياراً آخر، أو عند انتقالك إلى منصب مختلف داخل مؤسستك، أو عند شعورك بالاحتراق الوظيفي وبناءً عليه تقرّر المغادرة. أياً كان السبب، فإن الفقدان المفاجئ للوظيفة يولّد مشاعر صادمة بكل تأكيد. قد تبدو المشاعر التي يثيرها هذا الحدث عنيفة إلى حدٍّ بعيد وثقيلة على النفس، بل قد يصل الأمر إلى خروجها عن السيطرة، خاصة إذا كنت قد وصلت إلى منصب معين أو كنت تحقّق مستوى معيناً من الدخل أو كنت تتحمل المسؤولية المالية للأسرة أو إذا كان العمل يمثّل قيمة أخلاقية جوهريّة في حياتك الشخصية. من المهم أن تطلب المساعدة في خضم هذه المعاناة حتى تتمكن من استعادة صفائك الذهني وقدرتك على اتخاذ خطوات سليمة ومثمرة في المرحلة التالية. ويقدّم الكاتبان عدة نصائح لمساعدتك على التماسك خلال هذه الفترة وعدم فقدان البوصلة للوصول إلى غايتك، والأهم من ذلك التعافي من أي تداعيات سلبية قد تتأثر بها.
كان مالك مسؤولاً تنفيذياً ناجحاً لأكثر من 20 عاماً، حيث حوّل الأقسام المتعثرة إلى خطوط أعمال تتسم بالكفاءة والجودة. وعندما تولى فريق جديد قيادة المؤسسة، لاحظ مالك وجود تحوُّل جذري في الرؤية والكثير من الخداع وانعدام الثقة والخيانة. فما كان منه إلا أن أعلن اعتراضه على مبادرات خفض التكاليف التي أخلت بمعايير السلامة والجودة حتى تم إبلاغه بأن المؤسسة قد استغنت عن خدماته.
وللأسف، هناك الكثير والكثير من الأشخاص الذين مروا بتجارب كتلك التي مرّ بها مالك. فقد تتعرّض لفقدان وظيفتك بشكل مفاجئ عند فصلك أو تسريحك من العمل، أو عند تقديم استقالتك بسبب شعورك بأنك لا تملك خياراً آخر (كأن تلاحظ وقوع انتهاكات أخلاقية في مؤسستك لا تريد أن تكون جزءاً منها)، أو عند انتقالك إلى منصب مختلف داخل مؤسستك، أو عند شعورك بالاحتراق الوظيفي وبناءً عليه تقرّر المغادرة.
أياً كان السبب، فإن الفقدان المفاجئ للوظيفة يولّد مشاعر صادمة بكل تأكيد. وقد اجتهد مالك كثيراً في عمله حتى يحقق هذا النجاح، وأفنى عقوداً من حياته المهنية في سبيل إنجاح هذه المؤسسة. كانت مشاعر الحزن تؤلمه أشد الألم، ووّلدت لديه إحساساً رهيباً بالغضب الممزوج بالخيانة والعزلة والخزي واليأس.
قد تبدو هذه المشاعر عنيفة إلى حدٍّ بعيد وثقيلة على النفس، بل قد يصل الأمر إلى خروجها عن السيطرة، خاصة إذا كنت قد وصلت إلى منصب معين أو كنت تحقّق مستوى معيناً من الدخل أو كنت تتحمل المسؤولية المالية للأسرة أو إذا كان العمل يمثّل قيمة أخلاقية جوهريّة في حياتك الشخصية. قد تلاحظ أيضاً أن الانتقال القسري يزعزع روتينك المعتاد ويضطرّك إلى الوقوع فريسة عادات غير صحية للتأقلم مع الوضع المستجد ويضع ضغوطاً هائلة على العلاقة مع شريك حياتك.
من المهم أن تطلب المساعدة في خضم هذه المعاناة حتى تتمكن من استعادة صفائك الذهني وقدرتك على اتخاذ خطوات سليمة ومثمرة في المرحلة التالية. وننصح هنا باتباع النصائح التالية لمساعدتك على التماسك خلال هذه العملية وعدم فقدان البوصلة للوصول إلى غايتك، والأهم من ذلك التعافي من أي تداعيات سلبية قد تؤثر فيك.
تعاطف مع ذاتك
قد تشعر بالخزي أو الذنب إذا ركّزت على الاعتناء بنفسك بعد فقدان الوظيفة بشكل مفاجئ. قد تؤنّب نفسك وتتساءل: "ماذا جنيت لأستحق هذا؟ ما الذي كان بإمكاني فعله لمنع ذلك؟". ولكن لا بد أن تعلم أن هذه هي اللحظة المناسبة للتعاطف مع ذاتك، وإن كان جديراً بك أن تتعاطف معها في كل وقت وحين.
أولاً: عليك أن تدرك أن هذه اللحظة من أصعب الأوقات في حياتك، لذلك عليك أن تكون لطيفاً جداً مع نفسك. بعد ذلك، ضاعف جهدك لإعادة التواصل مع الأشخاص الذين تُكن لهم مشاعر الحب خارج نطاق العمل، اقضِ وقتاً ممتعاً معهم لتحسين حالتك المزاجية وتخفيف حدة التوتر والإسهام في الإحساس بالتواصل مع الآخرين. لا تخشَ أن تُبدي ضعفك من خلال مشاركة مشاعرك بشجاعة مع الآخرين وتقبل مساعدتهم ودعمهم.
اهتم بتلبية احتياجاتك التي كنت تتجاهلها في السابق
وفقاً لـ "نموذج سكارف" (SCARF Model) لديفيد روك، فإن فقدان الوظيفة، أياً كان السبب، ينتهك جميع الأبعاد الاجتماعية البشرية الخمسة: إحساسنا بالمكانة (أهميتنا النسبية للآخرين) واليقين (القدرة على التنبؤ بالمستقبل) والاستقلالية (الشعور بالسيطرة على الأحداث) والارتباط (الشعور بالأمان مع الآخرين) والإنصاف (العدالة).
ويعد فقدان الوظيفة بالنسبة للكثيرين أحد أخطر الأحداث التي يمرون بها وأكثرها توتراً وإيلاماً. وإذا كانت هذه حالك، فلا تحاول التهوين من شعورك. امنح نفسك الإذن بالحزن، وامنح نفسك كذلك الوقت الكافي للتفكير فيما تحتاج إليه للتعافي. ركّز على التماسك من جديد على المستويين الجسدي والذهني.
ابدأ بالاحتفاظ بمفكرة تسجّل فيها ما تشعر بأنك قد فقدته وما تحتاج إليه للمضي قدماً. ثم اكتب قائمة بالأشخاص الذين تشعر نحوهم بالامتنان والتجارب التي تتطلع إلى خوضها. سيساعدك هذا على تحويل تركيزك العقلي من مشاعر الخسارة وعدم اليقين إلى الشعور بالقدرة على التحكم وقوة الدفع اللازمة لمجابهة ما ينتظرك في قادم الأيام.
ركّز على الأمور التي يمكنك السيطرة عليها
استخدم ذكاءك العاطفي لتنظيم ردود فعلك المبالغ في حدتها أو هدوئها تجاه ظروفك الحالية والتركيز على الأمور التي يمكنك السيطرة عليها. فإذا ركّزت جهودك على البحث عن تفسير لسبب حدوث ذلك لك، فلن يأتي هذا إلا بنتائج عكسية لأنه يبقيك حبيس الماضي ويحرمك قوة الدفع اللازمة لمجابهة ما ينتظرك في قادم الأيام.
اعترف بواقعك المرير مع الحفاظ على مستوى من التفاؤل واليقين بأنك ستنجح في اجتياز هذه الأزمة في النهاية. يتيح لك هذا القدرة على حل المشكلات بدلاً من إهدار جهدك في محاولات ضبط النفس عاطفياً. يعتبر هذا مفتاح السر لإلقاء أحداث الماضي وراء ظهرك والمضي قدماً.
اتخذ خطوات صغيرة في البداية عن طريق فعل شيء تستفيد فيه من مهاراتك وقدراتك، مثل التطوع في منظمة تعمل في مجال يثير اهتمامك. سيساعدك هذا على استعادة ثقتك بنفسك ويسهم في إحساسك بالعمل الهادف ويقلل من مستوى التوتر لديك.
اقبل الأمور التي لا يمكنك السيطرة عليها واستعد للمضي قدماً
حاول قبول هذا التغيير والتعلُّم منه، حتى إن لم تكن أنت مَنْ سعى وراء حدوثه في المقام الأول. لا تكن أنت نفسك عقبة في طريق اجتياز الموقف من خلال المقاومة الغريزية للاحتمالات أو الفرص الجديدة. واحرص بدلاً من ذلك على اغتنام هذه الفرصة للتفكير ملياً في الدروس الإيجابية التي تعلمتها من الوظيفة التي فقدتها للتو.
سيثبت لك بمرور الأيام أن هذه الخطوة لا تُقدَّر بثمن خلال مقابلات العمل التالية. إذ يعتبر رسم السعادة على وجهك أمام مسؤول التوظيف أو مدير التعيينات، على الرغم من حزنك على وظيفتك القديمة وخوفك من الرفض مرة أخرى، تحدياً صعباً. وفي حين أنك لا تستطيع التحكم في نتيجة المقابلة الشخصية، يمكنك استغلال الدروس المستفادة من وظيفتك السابقة كمحفز لتطوير إجابات قوية لمقابلتك الشخصية التالية. سيؤدي هذا إلى تحسين ثقتك بنفسك، وهو ما سينعكس على لغة جسدك.
غيّر وجهة نظرك وابقَ منفتح الذهن
حينما تركّز على الفرص المتاحة في المستقبل وتكوّن رؤية للصورة المثالية لشخصيتك، فإن هذا سيحوّل استجابتك العاطفية تدريجياً من الحزن والفقدان إلى الشعور برباطة الجأش والسيطرة والثقة. واعلم أن التخلُّص من الشعور بالصدمة والحزن واستبداله بالأمل تجاه الفرص الجديدة يحتاج إلى بعض الوقت والجهد والعزيمة. انظر إلى الانتقال القسري كمنحة.
عندما تمضي قدماً وتبدأ استكشاف فرص عمل جديدة، كن منفتحاً على تولي وظيفة "بينية"، ربما مع انخفاض في الراتب إذا كان بإمكانك تغييرها، أو وظيفة ليست في المجال الذي تريده، وتعامل مع الوظيفة على أنها فرصة للنمو بدلاً من النظر إليها على أنها انتكاسة أو فشل. وفي حين أن الفقدان المفاجئ للوظيفة يمثل مرحلة مؤلمة ومثيرة للقلق لا يمكن إنكارها في حياتك المهنية، يمكنك استغلال الوقت كفرصة لالتقاط الأنفاس واستعادة التركيز وإعادة تحديد الطريقة التي تريد أن تعيش بها حياتك بحيث يعكس عملك هويتك في نهاية المطاف، وليس العكس.
من السهل أن تنسى أنك تؤدي دوراً وظيفياً في مؤسسة ما وأن هويتك لا تحدد على أساس وظيفتك. وينطبق هذا عليك بصفة خاصة عندما تكون عضواً فاعلاً ودائم الوجود في العمل. وعندما تتمكن من فصل عملك عن غايتك، ستجد أن الوظيفة مجرد وظيفة، وأن غايتك تعيش فيك بكل كيانك وأن حالها كحالك تماماً، أي إنها تتكيف وتتغير وتنضج بمرور الوقت. يقول عمير حقي: "تعدّ الغاية عملية مستمرة وليست حالة تنتهي عند مرحلة ما، أي إنها إنجاز لم ولن يكتمل على الإطلاق، وليست خوارزمية". فخذ وقتك في التفكير ليس فقط فيما تريد فعله بعد ذلك، ولكن أيضاً في الأشخاص الذين تريد خدمتهم من خلال عملك.
استغل مالك الوقت بعد فقدانه المفاجئ لوظيفته لإعادة تقييم مثله العليا التي يدافع عنها في الحياة والأطراف التي يريد خدمتها وإلى أي مدى يرى أن حياته المهنية تتفق مع هدفه. لطالما حلم بالتدريس ووجد منصب أستاذ غير متفرّغ في إحدى الجامعات المحلية. جاءت هذه الوظيفة مصحوبة بانخفاض في الراتب، ولكنها أسهمت في زيادة لا يمكن إنكارها في إحساسه بالسعادة. وبعد مرور عام واحد، أصبح شغل المنصب بدوام كامل متاحاً، فاقتنص مالك الفرصة وحصل عليه. ولم تكد تمر 3 أعوام حتى حصل على لقب أستاذ العام.