ملخص: سيعتمد الاستخدام الفعّال للذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل أي جانب من جوانب التحول الرقمي، على مدى تكيف البشر معه أكثر من اعتماده على القدرة التكنولوجية. في الواقع، سيكون العامل البشري (الأشخاص والثقافة) الحافز الرئيسي لتبنّي الذكاء الاصطناعي من عدمه. استناداً إلى البحث العلمي ودراسات الحالة الواقعية، هناك 7 دروس رئيسية يمكن تعميمها لتحسين قدرة المؤسسات على تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي وأي تكنولوجيا جديدة: يعزز الابتكار مناعة المؤسسة؛ التركيز على المشكلة المطروحة مفيد؛ الأقل أفضل؛ الحدس هو العائق المشترك؛ يتبنى الجميع مفهوم التغيير، إلى أن يواجهوا حقيقة تنفيذه؛ يمكن أن تطغى العملية على الثقافة؛ كن استباقياً بشأن بالمخاوف الأخلاقية.
على الرغم من التبني السريع القياسي للذكاء الاصطناعي التوليدي والضجة الإعلامية المستمرة المثارة حوله، من الروايات المتشائمة إلى المتفائلة، لا يزال تطبيقه العملي مفهوماً نظرياً أو مصدر قلق بالنسبة للشركات ولم يصبح بعد واقعاً تشغيلياً تماماً. وعلى الرغم من التقديرات التي تشير إلى أن سوق الذكاء الاصطناعي قد تصل إلى نحو 670 مليار دولار بحلول عام 2030، مع تحقيق مكاسب في الإنتاجية تصل إلى 4.4 تريليونات دولار، لا يزال قادة الأعمال غير متأكدين من كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي والاستفادة منه، وكيف سيوفر الفوائد الاقتصادية الموعودة. مع ذلك، ثمة الكثير من التفاؤل والإيمان بالقدرات التي سيتيحها الذكاء الاصطناعي، خاصة في الظروف الاقتصادية الصعبة.
سيعتمد الاستخدام الفعّال للذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل أي جانب من جوانب التحول الرقمي، على مدى تكيف البشر معه أكثر من اعتماده على القدرة التكنولوجية. في الواقع، سيكون العامل البشري (الأشخاص والثقافة) الحافز الرئيسي لتبنّي الذكاء الاصطناعي من عدمه. أي يتعين على الشركات أن تركز جهودها على استكشاف كيفية استخدام مواطن قوتها الثقافية وتنفيذ العمليات اللازمة لتعويض نقاط ضعفها الثقافية أو معالجتها من أجل تحفيز تبني الذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، إذا كانت الثقافة تقاوم التغيير بطريقة غير مباشرة أو تتجنب المخاطرة، فإن إضافة حوافز رسمية مناسبة لتشجيع المخاطرة سيحقق المعجزات. وعلى العكس من ذلك، إذا كانت ثقافةٌ ما تتسم بالمبالغة في ريادة الأعمال، حيث تميل إلى اللحاق بكل فرصة جديدة في السوق إلى حد التشتت، فلا بد أن تُخصص الحوافز والعمليات الرسمية للتركيز والانضباط والقدرة على تجاهل البدع الجديدة.
على الرغم من أن الذكاء الاصطناعي التوليدي مجال حديث جداً لدرجة يصعب فهمه أو التنبؤ بكيفية تطوره، وبالنظر إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي عموماً لم ينتشر إلا مؤخراً نسبياً، لا تزال هناك دروس قيّمة من تاريخ الشركات الحديث حول كيفية تبني المؤسسات للتكنولوجيات الناشئة والاستفادة منها. توضح هذه الدروس السبب في أن بعض الثقافات مهيأة على نحو أفضل ليس فقط لتبني التكنولوجيات الجديدة ولكن أيضاً لتعزيز الابتكار. وعلى وجه التحديد، تحدد الأدلة المستقاة من كل من البحث العلمي ودراسات الحالة الواقعية 7 دروس يمكنك استخدامها لتحسين قدرتك على تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي وأي تكنولوجيا جديدة على المستوى المؤسسي:
افهم مصدر المقاومة، وعزّز الابتكار
التغيير أمر حتمي، وإذا لم تجرِ التغيير فستُضطر إلى فعل ذلك. هذه هي الحجة الأكثر إقناعاً للابتكار، ومع ذلك تصطدم في بعض الأحيان بمقاومة المؤسسة للتغيير، هذه المقاومة موجودة في كل مؤسسة، لكن التغلب عليها أمر حاسم لكي تحافظ الشركات على قدرتها التنافسية.
والذكاء الاصطناعي التوليدي ليس استثناءً في هذا الصدد؛ فبينما تتبناه بعض المؤسسات، هناك الكثير من المؤسسات التي تقاومه بحجة أن لديها طرقاً مجربة ومختبرة لإنجاز العمل بالفعل، بالإضافة إلى أن خشيتها المجهول تطغى على أي رغبة لها في التغيير. مثل أي ابتكار آخر، سيعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي على تعزيز فعالية المؤسسة إذا أمكن تطبيقه في جميع أنظمتها، ما يعزز قدرتها على الصمود في المستقبل ويحسّن من أدائها العام. لكن تحقيق ذلك يتطلب وجود المناصرين المناسبين (مثل وكلاء التغيير ورواد الأعمال الداخليين، وما إلى ذلك) لمواجهة المقاومة المتأصلة والتلقائية داخل النظام، التي تقف في وجه أي تغيير يُنظر إليه على أنه تهديد للوضع الراهن.
كما يتطلب نجاح إدخال تكنولوجيا جديدة إلى المؤسسة -خاصة إذا كانت هذه التكنولوجيا مثيرة للجدل أو مزعزعة- فهمُ مصدر المقاومة ومبرراتها. يمكن أن تكون المقاومة في بعض الأحيان رسمية وصريحة، كما يرد في التقارير التي تشير إلى أن 75% من المؤسسات تفكر في منع موظفيها من استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي. وفي أحيان أخرى تكون المقاومة خفية وغير رسمية وتجب معالجتها، وهي ظاهرة شائعة جداً لدرجة أن الباحثين صاغوا مصطلحاً أكاديمياً لها، دعوه "المقاومة السلبية للابتكار"، لتسليط الضوء على المقاومة اللاواعية الناتجة عن مقاومة الموظفين للتغيير والرضا بالوضع الراهن. تتمثل الطريقة الأكثر فعالية للتغلب على هذه المقاومة الخفية في توضيح كيف ستعمل هذه التكنولوجيا على تقوية المؤسسة وتعزيز قدرتها على التحمل، بهدف تحويل المواقف من السلبية إلى الإيجابية، أو على الأقل إلى الحيادية.
التركيز على المشكلة المطروحة مفيد
الذكاء الاصطناعي التوليدي تكنولوجيا متعددة الاستخدامات، لكن عدم ارتباطه بمشكلة محددة يمكن أن يكون نقطة ضعف، ويمكن أن يحيله إلى مجرد حل ذكي ينتظر تحديد مشكلة لحلها.
لمعالجة هذا القصور، يجب أن تبدأ المؤسسات بتحديد المشكلة؛ أي التحديات الأكثر إلحاحاً وصعوبة التي تجب على الشركة معالجتها، وبعد ذلك، يجب عليها تقييم الذكاء الاصطناعي إلى جانب الحلول المحتملة الأخرى. عندما يتعلق الأمر بالذكاء الاصطناعي التوليدي، يتمثل التحول المهم في العقلية النظر إليه ليس على أنه أداة للأتمتة (أي أداة لاستبدال المشاركة البشرية أو القضاء عليها)، بل على أنه أداة لتعزيز القدرات البشرية والعمليات الحالية.
على سبيل المثال، تحولت شركة آتش آند إم (H&M) من شركة متخلفة إلى رائدة في تبني الذكاء الاصطناعي من خلال النظر إلى الذكاء الاصطناعي ليس على أنه "اصطناعي" بل ذكاء "معزز"، مركزة على كيفية تعزيز هذه التكنولوجيا للقدرات التنظيمية الحالية بدلاً من مجرد القضاء على أوجه القصور، بما في ذلك المشاركة البشرية. وبالمثل، من بين عمالقة التكنولوجيا، كانت أمازون متأخرة نسبياً في مجال الذكاء الاصطناعي، لكنها تمكنت من تحديد الأولويات وتجاوزت منافسيها بعد استخدام الذكاء الاصطناعي عاملاً يمكّن الابتكارات الأخرى ضمن خطوط الأعمال الحالية. وعلى المنوال نفسه، قررت شركة وول مارت (Walmart) الاستثمار في الذكاء الاصطناعي التوليدي بصفته وسيلة لتحسين خدمة العملاء من خلال تعزيز قدرة شركائها على تحديد احتياجاتهم وتلبية طلباتهم.
الأقل أفضل دائماً
ستمثل التحسينات الصغيرة والتدريجية على الوضع الراهن نهجاً أفضل لاختبار الابتكارات التكنولوجية وتطبيقها من تنفيذ خطة رئيسية ضخمة واسعة النطاق عموماً. وكما تشير الأستاذة الجامعية في كلية هارفارد للأعمال، إيمي إدموندسن، في كتابها الأخير "النوع الصحيح من الخطأ" (Right Kind of Wrong)، هذا النهج هو أيضاً الطريقة المثلى لتصميم تجارب تؤدي إلى إخفاقات ذكية تمكننا من اكتشاف الأخطاء الصغيرة قبل أن تخرج عن نطاق السيطرة وتصبح مشكلات كبيرة متوطنة.
ومن ثم، فإن بدء تجارب الذكاء الاصطناعي عاجلاً والتعامل معها بعقل منفتح وعقلية تجريبية أفضل طريقة للتعلم، حتى من التجارب الفاشلة، كما أن الفشل السريع يمكن أن يمهد الطريق للنجاح على المدى الطويل شريطة أن تتعلم من تلك الإخفاقات.
الحدس هو العائق المشترك
الحدس البشري هو العقبة الأكبر أمام تطبيق الذكاء الاصطناعي التوليدي، أو أي شكل من أشكال الأتمتة المستندة إلى البيانات. في الواقع، غالباً ما ينظر الأشخاص، بغض النظر عن دورهم، إلى إنتاج نشاط يحاكي نشاط البشر بواسطة التكنولوجيات الذاتية التشغيل على أنه تهديد لسيطرتهم وسلطتهم واستقلاليتهم، ولكن كي نكون منصفين، يمكن أن تحد هذه التكنولوجيات فعلاً من حرية الأشخاص وقدرتهم على الارتجال. فالموظفون يخشون أن تأخذ التكنولوجيا نفسها التي يعملون على تدريبها مكانهم، ويرى المسؤولون التنفيذيون توحيد المعايير المستند إلى الذكاء الاصطناعي انتهاكاً لسلطاتهم، حيث تصبح عملية صنع القرار منهجية ومنفصلة عن سيطرتهم الفردية.
على هذا النحو، يصبح من الضروري أن نوضح لهؤلاء أن هناك مقايضة هنا: من خلال التخلي عن بعض السيطرة على القرارات الثانوية، يمكن للأشخاص تخصيص مزيد من الطاقة للمهام الأكثر قيمة.
على سبيل المثال، يميل وكلاء التوظيف ومدراء التعيينات إلى المبالغة في تقدير قدرتهم على تقييم مواهب الآخرين، لكن الأبحاث أثبتت أن الذكاء الاصطناعي دقيق بالقدر نفسه على الأقل، وربما أدق، في تحديد إمكانات الأفراد. في نهاية المطاف، كلما اقتربت التكنولوجيا من الوصول إلى مستوى القدرات البشرية، أصبح لدى الأشخاص فرصة أكبر لتطوير مهاراتهم والاستفادة منها، خصوصاً المهارات التي لا تستطيع التكنولوجيا، بما فيها الذكاء الاصطناعي التوليدي، إتقانها. على سبيل المثال، يستفيد وكلاء التوظيف في شركة مان باور غروب (ManpowerGroup) من الذكاء الاصطناعي التوليدي في الاستعانة بمصادر خارجية في بعض المهام الرتيبة وغير الإبداعية (مثل تلخيص السير الذاتية وتحليلها وتدقيق خطابات المرشحين وتصحيحها وتعديل إعلانات الوظائف) ليتمكنوا من تخصيص جهودهم في أنشطة أكثر قيمة، مثل مساعدة مرشحي الوظائف على تحديد إذا ما كانت الوظائف مناسبة لهم ومساعدة العملاء على تضييق الفجوة بين المرشحين الذين يسعون للعمل لديها والمرشحين الذين تحتاج إليهم فعلياً.
يتبنى الجميع مفهوم التغيير، إلى أن يواجهوا حقيقة تنفيذه
التغيير فكرة جميلة، لكنها تبدأ، على المستوى الفردي أو الجماعي، بفقدان جاذبيتها بعد أن نواجه الجهد والمثابرة والتحديات المطلوبة لتحقيقها. في الواقع، ما نرغب فيه حقاً ليس عملية التغيير في حد ذاتها، بل نتيجة التغيير.
وكذلك الأمر بالنسبة للذكاء الاصطناعي التوليدي، ففكرة وجود مؤسسة مرّت بالفعل بمراحل تجريبه ونجحت بتسخير قدراته وتوسيع نطاقه أو تصنيعه فكرة جذابة، لكن العمل الحقيقي يكمن في عملية اجتياز هذه المراحل والخوض في هذه التجارب والتعلم منها. لذلك يجب على المؤسسات أن تتعامل مع تبني الذكاء الاصطناعي بالطريقة نفسها التي يتعامل بها الأشخاص مع تعلم لغة جديدة أو الحصول على شهادة جامعية جديدة، بالصبر والوقت والتفاني وإدراك أن الرحلة لا تقل أهمية عن الوجهة.
يمكن أن تطغى العملية على الثقافة
في الواقع، غالباً ما يُشار إلى المقاومة الثقافية باعتبارها العقبة الرئيسية أمام تبني الذكاء الاصطناعي. فعلى الرغم من الاستثمار المؤسسي المتزايد في الإجراءات التدخلية لـِ "تغيير الثقافة"، تستغرق محاولات التغيير المتعمد لثقافة الشركة أو إعادة تشكيلها وقتاً طويلاً وغالباً ما تفشل.
قد يكون النهج الأكثر فعالية هو النظر إلى الثقافة على أنها قيد ثابت أو معيار محدد، مثلها مثل الطقس، لا يمكن تغييره ولكن يمكن أن تسترشد به لاختيار ملابسك. المفتاح هو وضع أنظمة وعمليات جديدة توازن آثار الثقافة، مثل الحوافز الرسمية العرضيّة التي تحد من تأثير القواعد والأعراف والسلوكيات والتأثيرات غير الرسمية الموجودة في ثقافة المؤسسة. وكما تُظهر المراجعات الأكاديمية، من المستحسن تطبيق هذه العمليات وإدارتها عبر مدراء الإدارة الوسطى لأن سلوكياتهم وقراراتهم تحفز التغيير وتؤسس لعادات جديدة ضمن القوى العاملة الأوسع نطاقاً.
كن استباقياً بشأن المخاوف الأخلاقية
تتسم التغطية الإعلامية المعتادة للذكاء الاصطناعي التوليدي باستخدام أسلوب الإثارة الشديدة، لذلك غالباً ما يثير هذا الموضوع معضلات أخلاقية ومخاوف قانونية. يجب على المؤسسات مواجهة هذه المخاوف في البداية لتقديم الذكاء الاصطناعي على أنه مصمم لمراعاة الجوانب الأخلاقية وباعتباره تحسيناً للوضع الراهن. على سبيل المثال، يمكن أن تساعد الشفافية مع المستخدمين ومنحهم الخيار في استخدام الخدمات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي وضمان أن يؤدي تطبيقه إلى تحسين العمليات والأساليب الحالية الشركات على تجنب المشكلات، وإقناع المشككين بأن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يُحدث تحسيناً قيّماً في عملهم وحياتهم. وكما يوصي تقرير شركة غارتنر حول تبني الذكاء الاصطناعي الأخلاقي، فإن الشفافية جانب بالغ الأهمية: "كن صريحاً مع الأشخاص، سواء كانوا موظفين أو عملاء أو أناساً عاديين، بشأن حقيقة أنهم يتفاعلون مع آلة من خلال الإشارة إلى ذلك بوضوح عدة مرات في أي محادثة".
في النهاية، الثقافة كيان دائم التطور. فالتقدم لا يأتي فقط من تبني كل ابتكار أو تكنولوجيا جديدة، بل هو نتيجة الاستفادة من الأدوات المناسبة للنهوض باستراتيجية الشركة وتحسين فعالية المؤسسة على المدى الطويل. إذا تمكنت الشركات من معرفة كيفية دمج الذكاء الاصطناعي بسلاسة في استراتيجيتها وثقافتها الحالية، يمكنها غالباً أن تكتسب ميزة تنافسية على الشركات الأخرى. لا يزال معظم المؤسسات في طور اكتشاف تحقيق ذلك، والشركات التي ستنجح في دمج الذكاء الاصطناعي بطريقة تتناسب مع ثقافتها الحالية هي التي ستستفيد إلى أقصى حد ممكن من هذه التكنولوجيا الجديدة.