هل كونك قائداً متواضعاً يؤدي إلى تبعات سيئة؟

4 دقائق
القائد المتواضع

عندما نبدأ الحديث عما نتوقعه من القائد المتواضع فإننا نجد العديد من التناقضات. فمن ناحية، نؤمن بأنّ القادة أصحاب الكفاءة عليهم أن يكونوا متواضعين؛ بمعنى آخر، يساعدون الآخرين لتقديم أفضل مهاراتهم، كما أنهم منفتحون على الاعتراف بعيوبهم وأخطائهم، ويعطون التقدير والفضل لأتباعهم. وتظهر الفضائح العامة الأخيرة ما يمكن أن يُحدثه افتقار التواضع في الأماكن العامة. لنأخذ ما فعله الرئيس التنفيذي لشركة يونايتد أيرلاينز أوسكار مونوز، الذي أدت ردة فعله الأولية تجاه الإبعاد العنيف لمسافر من إحدى طائرات الشركة إلى سخط الناس. أو كما في حالة مارتن شكريللي، الرئيس التنفيذي السابق لشركة تورينغ فارماسيوتيكالز (Turing Pharmaceuticals)، والذي لم يقم بالاعتذار عن رفعه المبالغ لسعر الدواء المنقذ للحياة. لقد تغيّرت النظرة لتلك الشخصيات وباتت سلبية، حيث يُنظر إليهم الآن على أنهم مغرورون ومتغطرسون ويرفضون الاعتراف بأخطائهم.

ومن ناحية أخرى، هناك وفرة في الأمثلة المتصلة بالقادة الذين يُظهرون تواضعاً قليلاً، إلا أنهم في الوقت نفسه صعدوا بسرعة كبيرة سلم النجاح في الشركة. وفي الواقع، يرتبط النجاح في كثير من الأحيان بالاعتداد بالنفس، فضلاً عن ذكر العديد من القادة للضغط الذي يواجهونه ليُظهروا أنفسهم كقادة على قدر المسؤولية وخاليين من العيوب، في نفس الوقت الذي يُفسّر فيه التواضع أحياناً على أنه ضعف أو تردد أو انعدام ثقة.

فعالية القائد المتواضع

بالتالي، هل يكون القادة المتواضعون قادة أكثر فاعلية؟ وهل لدى فرقهم نتائج أفضل؟

طرحنا هذه الأسئلة ضمن دراسة ميدانية نُشرت في مجلة علم النفس التطبيقي، وخلصنا فيها إلى أنّ تواضع القائد سيكون أفضل ضمن بعض الفرق مقارنة بأخرى، وأنّ ارتباط تواضع القائد بتقديم الفريق لنتائج إيجابية سيعتمد بشكل كبير على توقعات أعضاء الفريق حول الكيفية التي ينبغي أن يتصرف بها القائد. وعلى وجه التحديد، اقترحنا أنّ مدى السلطة (power distance)– الدرجة التي يرى فيها الناس التوزيع غير المتكافئ للسلطة ضمن الفريق أمراً مقبولاً وشرعياً – ستؤثر على ما إذا كان الأعضاء يتوقعون أن يكون القائد متواضعاً. وعندما يكون مدى السلطة مرتفعاً، يتوقع الأعضاء من القادة أن يتحملوا المسؤولية ويعطوا توجيهات قوية. ولكن عندما يكون مدى السلطة منخفضاً، يتوقع الأعضاء المزيد من التواضع.

اختبرنا هذه النظرة مع 72 فريق عمل و354 عضواً فرداً من 11 شركة لتكنولوجيا المعلومات في الصين، استطلعنا فيها آرائهم باستخدام استطلاعات معتمدة على شبكة الإنترنت ضمن فترة مدتها 6 أشهر. في المرحلة الأولى من دراستنا، طلبنا من الأعضاء الأفراد تقييم تواضع قادتهم تجاه عبارات مثل: "قائد فريقي منفتح على تلقي النصح من الآخرين"، و"عندما لا يعرف قائد فريقي كيفية القيام بأمر ما، فإنه يعترف بذلك"، و"يدوّن قائد فريقي ملاحظات عن نقاط القوة لدى الآخرين". كما طلبنا من المستجيبين تقييم قيمة مدى السلطة الخاصة بهم، باستخدام عبارات على غرار، "عندما لا يتناسب تقييم الأداء المقدم من مشرف مع توقعات المرؤوسين، يجب أن يشعر المرؤوسون بحرية مناقشة الأمر مع المشرف"، و"لكي تكون هناك علاقات عمل فعالة، من الضروري غالباً تجاوز المستويات الإدارية".

اقرأ أيضاً: هل أنت قائد قادر على الصفح؟

وبعد مرور ثلاثة أشهر، قمنا بقياس مدى تبادل الأفراد للمعلومات والمعارف المشتركة مع زملائهم في الفريق، ودرجة شعور الأعضاء بالأمان النفسي للتحدث علناً. قمنا بالتواصل مع المستجيبين بعد ثلاثة أشهر أخرى وطلبنا من قادة الفرق تقييم إبداع فرقهم بأسئلة مثل: "ما مدى نجاح فريقك في إنتاج أفكار جديدة؟"، "ما مدى فائدة هذه الأفكار؟"، حيث يعتبر الإبداع المعيار الأساسي لفعالية ونجاح أي فريق عمل على المدى الطويل.

لقد وجدنا أنّ القادة الذين أظهروا نظرة متواضعة تجاه أنفسهم وأظهروا تقديراً لأفكار الآخرين كانوا أكثر فعالية في تسهيل تبادل المعلومات وكانت فرقهم أكثر إبداعاً بالمحصلة. في حين، سهّل تواضع القائد مشاركة الفريق للمعلومات بشكل إيجابي بعد ثلاثة أشهر ضمن الفرق ذات مدى السلطة المنخفض فقط. بعبارة أخرى، عندما توقعت الفرق المساواة، زاد وجود قائد متواضع من المعرفة وتبادل المعلومات وساعد تلك الفرق على أن تكون أكثر إبداعاً.

ولكن لم يكن التأثير نفسه متحققاً عندما توقعت الفرق أنّ على توزيع السلطة ألا يكون متساوٍ. ففي الواقع، وجدنا أنه في فرق ذات مدى السلطة المرتفع، ارتبط تواضع القائد بمستويات أقل من السلامة النفسية. ففي الفرق التي كان يتوقع فيها الأعضاء وجود قادة مهيمنين وأقوياء، قوبل القادة المتواضعون بالشك، وكان أعضاء الفريق يشعرون بعدم الأمان للتحدث علناً والمجازفة بالقيام بالأمور.

نصائح للموازنة بين الهيمنة والتواضع

إذاً، هل يجب على القائد أن يكون متواضعاً؟ بحسب بحثنا، الجواب هو: إنه أمر نسبي. وفي ما يلي بعض النصائح الملموسة للقادة الذين يحاولون الموازنة بين الهيمنة والتواضع.

قم بمطابقة مستوى تواضعك مع ما يتوقعه أعضاء فريقك

تُظهر النتائج التي توصلنا إليها أنه يمكنك زيادة فعالية الفريق من خلال التواضع فقط إذا كان أعضاء الفريق يتوقعون من قائدهم إظهار هذه الخاصية. انتبه إلى القيم التي يحملها الفريق وعدّل سلوكك وفقاً لها. إذا أظهر فريقك رغبة في مشاركة السلطة، فإنّ تواضعك يمكن أن يشجع على تبادل المعلومات بشكل مكثف ومتكرر ويزيد من الإبداع. وفي الفرق التي يكون من المتوقع فيها قبول التوزيع غير المتكافئ للسلطة، من المرجح أن يتوقع الأعضاء منك تولي المسؤولية واتخاذ قرارات مهمة. في هذه الظروف، قد يؤدي التواضع إلى إظهار الضعف وقد يؤدي إلى نتائج عكسية. لا يعني هذا أنّ عليك ألا تظهر التواضع مطلقاً، بل لا يزال بإمكانك أن تكون منفتحاً على حدودك ونقاط ضعفك، ولكن من الأفضل أن تفعل ذلك مع إظهار إمكانية امتلاكك القدرة على التغلب على أوجه قصورك والتعرف عليها وقيادة فريقك إلى التحسّن والنمو. يتيح لك هذا الاستفادة من ميزة إظهار التواضع في تشجيع الإبداع وإظهار الثقة والقوة التي تتوافق مع توقعات فريقك.

اقرأ أيضاً: كيف تكون قائداً مُلهِماً للآخرين؟

شجّع الإبداع من خلال مساعدة أعضاء فريقك على تبادل المعلومات

أظهرت الدراسات أنّ التبادل المفتوح للأفكار والمعرفة يؤدي إلى الإبداع. وإذا كنت تدير فريقاً يُتوقع مشاركة السلطة، فاعتمد على تواضعك لإنشاء مساحة آمنة يرغب فيها أعضاء الفريق في المجازفة في تقديم الاقتراحات وإبداء اعتراضهم بشكل صريح. أوضح أنك ترى الأخطاء على أنها فرص للفريق لكي يتعلم.

اقرأ أيضاً: كيف تمكنت قائدة جديدة من التغلب على ثقافة الاتهام وإلقاء اللوم والانتقاد؟

طوّر من تواضعك

على الرغم من أنّ التواضع هو سمة مستقرة نسبياً، يمكن للقادة تعلم كيفية عرض سلوكيات أكثر تواضعاً. إذا وجدت أنّ هذا التواضع هو ما يتوقعه أعضاء فريقك ويقدّرونه، ركز على تشجيعهم على رؤية أوجه القصور كفرص للتعلم وتحديد نقاط قوة أعضاء الفريق ومساهماتهم وتقديرها. يمكن للشركات دمج هذه المهارات في التدريب أو التمارين المتصلة بالقيادة.

تشير أبحاثنا إلى أنه قد لا يكون الجميع راغبين في الحصول على القائد المتواضع، بالتالي، تحتاج إلى تكييف أسلوبك بحسب توقعات فريقك. ومع ذلك، إذا كان الأشخاص الذين تقودهم يتوقعون التواضع، فإنّ إثبات أنك كذلك يمكن أن يفيد إبداع الفريق ونجاحه.

اقرأ أيضاً: دليل القائد إلى الثقافة المؤسسية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي