ملخص: تستمد تابي عوائدها من العمولات التي تتقاضاها من الباعة لقاء كل عملية شراء تتم عبر المنصة؛ ما يعني أن الباعة هم مَن يتكفلون فعلياً برسوم الخدمة. ويرجع هذا إلى 3 عوامل:
- أولها تأثير تابي في إبعاد الزبون عن الخيارات المكلفة عند الدفع عند التسليم.
- ثانيها قدرتها على رفع معدل التحويل والمبيعات لأن الزبون يغدو أكثر رغبة في الإنفاق عند وجود خيار التقسيط دون فوائد.
- ثالثها أن سلة الشراء تكون أكثر تنوعاً مع خيار تابي.
انتشر مقطع فيديو أمام الكعبة المشرفة لأحد عملاء تابي وهو يؤدي مناسك العمرة، وفي أثناء الطواف، التفت إلى الكاميرا الموجودة في هاتفه وقال: "الله لا يحرمنا تابي". إن "هذا الفيديو جعلني أشعر بالفخر لأنه يعكس ببساطة الغاية التي سعينا دائماً لتحقيقها ألا وهي تحسين حياة الناس. لا نعلم بالضبط كيف كانت تابي عاملاً مساعداً له، ولكنها حتماً كانت رسالة مؤثّرة، وسيبقى هذا الموقف محفوراً في ذاكرتي مدة طويلة جداً". بهذه الكلمات اختصر الرئيس التنفيذي لشركة تابي للتكنولوجيا المالية والمتخصصة بحلول الدفع الآجل، الموقف.
بزوغ فكرة تابي: تكريس الراحة في عالم الدفع بالتقسيط
عندما أنشأنا منصة "نمشي" السعودية للتسوق الرقمي في عام 2011، كانت الرسالة هي توفير الأريحية التي يبحث عنها المستهلكون وسط مجموعة من خيارات المنافسين التي افتقرت بوضوح إلى هذه الميزة. لذا كان المبدأ بسيطاً: المستهلك أو العميل سيختار دائماً المنتج أو الخدمة الأكثر ملاءمة وأريحية له عبر جميع مراحل رحلة الشراء. ويمكنني القول إن رحلة تابي هي تكريس لهذا المبدأ.
لم يكن قطاع خدمات "اشترِ الآن وادفع لاحقاً" أو اختصاراً (BNPL) ناضجاً أو متّضح المعالم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وكان يفتقر إلى رأس المال. لكنّه، في المقابل، كان يُمثل فرصة استثمارية مغرية، في ظل تجارب ناجحة نسبياً في أسواق آسيوية تحاكي نوعاً ما أسواق الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. لقد أدركنا أن المشهد كان قاصراً فيما يتعلق باللوجستيات التي لم تكن مُهيكلة بعد، والأمر نفسه ينطبق على تجربة المستخدم، لذلك أيقنّا أن الحل ليس في الانتظار إلى حين نضوج القطاع بل في المبادرة إلى هيكلته ووضع أسس واضحة يمكن البناء عليها. ويحضرني في هذا السياق بعض الأفكار من كتاب الراحل كلايتون كريستنسن "مفارقة الازدهار: كيف يمكن للابتكار أن ينتشل الأمم من الفقر"، حيث يتناول الكثير من الأمثلة لشركات نجحت في هذه المهمة في بلدان أسوأ من حيث البنية التحتية مقارنة بأسواق البلدان التي كنا نستهدفها.
تشخيص المشكلة وتقديم الحل
فكرتُ مليّاً في تفاصيل رحلتي مع "نمشي"، وعلى الرغم من أنني لم أكن ملماً بخبايا المدفوعات الرقمية، كنت مُدركاً لحجم المشكلة التي تعانيها الشركات الناشطة في هذا المجال، ألا وهي إتاحة الدفع نقداً عند التوصيل.
بالمقارنة مع الأسواق الخارجية الأخرى في أوروبا وأستراليا والولايات المتحدة، فإن فكرة الدفع الآجل أو تقسيط المدفوعات في التجارة الإلكترونية كانت مدفوعة بمشكلة حميدة إن صح التعبير، ألا وهي تفضيل معظم شرائح المجتمع عدم اللجوء إلى البطاقات الائتمانية على الرغم من توافرها على نطاق واسع؛ أي أن لديها بديلاً جاهزاً عن الدفع النقدي عند التسليم، أما في منطقتنا العربية، فلم نكن نؤمن بأن هذه الحالة تنطبق تماماً علينا. ولاحظنا أن تأجيل المدفوعات وتقسيطها قد يكون حلاً فريداً لاستبدال طريقة الدفع نقداً عند التسليم في ظل النفور من البطاقات الائتمانية. وقد كانت تلك نقطة تركيزنا الأهم عند عرض الفكرة على الباعة وتجار التجزئة، التي لاقت استحساناً وأصداءً إيجابية، وقادتنا أخيراً نحو بداية التنفيذ على أرض الواقع.
وقت دفع الرواتب في المنطقة العربية مختلف
إن استنساخ نموذج عمل من بلد آخر وتطبيقه في تابي لن يكون بالسهولة التي قد يتصوّرها البعض، بل إنه لن يكون مُجدياً، فالفرق بين سوق المنطقة العربية والأسواق الخارجية التي تنشط فيها شركات مماثلة له تأثير بارز، وكان لا بد من نموذج يعكس خصوصية هذه المنطقة. أحد هذه الفروقات هو الاختلاف الواضح في تواتر الرواتب والأجور، والتي هي على أساس أسبوعي أو نصف شهري في الغالب في الدول الغربية، في المقابل يتقاضى معظم الموظفين في بلداننا رواتبهم مع نهاية كل شهر. لذا، لم يكن منطقياً أن نأخذ نموذج التقسيط الأسبوعي ونطبّقه على أسواق المنطقة، بل اعتمدنا المدفوعات الشهرية التي تتفق مع تواتر المرتبات، وهو أمر يُمثل عبئاً إضافياً علينا؛ فعوضاً عن تحصيل مستحقاتنا كاملة خلال 6 أسابيع مثلاً، علينا الانتظار 90 يوماً.
خلق ثقافة الدفع الآجل
لم يكن التحدي الأول في المنطقة يتعلق بالمنافسة، بل ارتبط بدرجة أكبر بكيفية التأثير في عقلية المتسوقين وتثقيفهم حول نموذج الخدمة الجديد. وقياساً بحجم الناتج المحلي ونمو الاقتصاد، فإن أسواق الشرق الأوسط متأخرة فيما يتعلق بالإنفاق الائتماني، ويرجع السبب في ذلك إلى تحيّز تقليدي متجذر في أذهان المستهلكين ضد هذا النوع من الإنفاق. بلغة الأرقام، لا يتجاوز الإنفاق الائتماني في المملكة العربية السعودية 20%، وهو رقم هزيل جداً مقارنة بغيرها من الدول ذات الناتج المحلي الكبير ومستويات الدخل الجيدة، التي تصل فيها نسبة تعاملات التجارة الإلكترونية إلى حدود 65% إلى 70%.
يتعين علينا في تابي أولاً أن نميّز خدماتنا في الدفع الآجل عن البطاقات الائتمانية، من خلال إعطاء قيمة مضافة للمستهلكين والباعة، عن طريق بناء الثقة والشفافية. فنحن في النهاية خيار أكثر أريحية وأخف تكلفة، حيث نلغي كل المخاوف المرتبطة بالبطاقات الائتمانية، فيما يتعلق بالرسوم الخفية أو نسب الفائدة والغرامات المرتفعة. فعندما يقع المستخدم بين خيار التقسيط مدة 3 أشهر دون فوائد، ومهلة 30 يوماً للرصيد الائتماني، فما الذي قد يمنعه من اختيار تابي عندئذ؟
من جانب آخر، كان جزء من المهمة التثقيفية الملقاة على عاتقنا متعلقاً بشركائنا من الباعة وشركات التجارة، إذ كان علينا توفير كل التفاصيل اللازمة الخاصة بمراحل تقديم الخدمة وكيفية تطبيقها، وآليات اختيار المنتجات والمستهلكين، وكيفية حساب هوامش الربح والعمولة. خضنا هذه المهمة إلى حدٍّ ما مع الجهات التنظيمية، حيث كنا وافدين جدداً تماماً إلى سوق تفتقر إلى أي بنية تنظيمية مسبّقة.
مخاض البدايات
بحلول مارس/آذار 2020، بلغنا مرحلة الجهوزيّة للانطلاق رسمياً، وتصادف ذلك تماماً مع فترة الإغلاق العام إبان جائحة كوفيد-19. كنا واعين حول التأثيرات المقبلة حينها، فلم يتبقَ في السوق آنذاك إلا خيار البيع عبر الإنترنت، لكن خلال الفترة الأولى من الإغلاق، لاقينا إحجاماً من بعض الباعة والتجار ممن خضنا معهم في فكرتنا وكانت لنا تفاهمات معيّنة معهم، وكان جوابهم بأنهم يرون أن حلّ المدفوعات مميز جداً، لكنهم الآن أمام تحدٍّ لإنقاذ أعمالهم والحفاظ على وجودهم في السوق، وليس لديهم السعة لتقديم خدمات أو خيارات دفع جديدة في وقت يعانون فيه لتسليم المشتريات على أرض الواقع؛ أي كانت المقاربة مرتبطة بالبقاء أكثر من ارتباطها بتقديم حلول مبتكرة أو تحسينات في نمط المدفوعات.
بصراحة، كانت تلك الفترة التي امتدت لأشهر باعثة على شيء من الخوف، لكن ما حصل بعد ذلك هو أن مختلف الباعة والتجار أدركوا في ظل توقف حركة التسوق والشراء التقليدية أن الطريق الوحيد للنجاة يكمن في توسيع عملياتهم وحضورهم على الساحة الرقمية، لتتحول تابي من خيار "يمكن النظر فيه لاحقاً" إلى عامل ضروري للبقاء والاستمرار في السوق. لطالما كان توقيت دخول الأسواق أحد أهم عوامل نجاح الشركات، لكننا كنا جاهزين لاقتناص الفرصة التي جاءت بها الجائحة، ولم تُحطمنا هذه الأزمة بل خرجنا منها أقوى.
نموذج العمل المتميز
بوصفنا منصة تقدّم خدمات "الشراء الآن والدفع لاحقاً"، فإن نموذج عملنا الأساسي يقوم على التكامل مع البائع باعتبارنا وسيلة دفع خاصة، وعندما يصل المشتري إلى صفحة الدفع، سيرى أن بمقدوره تقسيم المبلغ إلى 4 أقساط شهرية متساوية، بحيث يسدد 25% من المبلغ آنياً، والباقي خلال 90 يوماً من ذلك (مع توافر خيارات أخرى). في السابق لم نكن نتقاضى أي عمولة إضافية من المستهلك إلا عند تفويت موعد الأقساط المستحقة، لكن من أجل تعزيز الحرية المالية للأفراد وتغيير النظرة التقليدية للتعاملات المالية، ألغت الشركة رسوم التأخير تماماً. على سبيل المثال، عندما تشتري منتجاً بسعر 1,000 ريال، فستدفع عبر تابي المبلغ نفسه وعلى أقساط، في حين تتكفّل الشركة بدفع ثمن السلعة بالكامل مقدماً للبائع.
تستمد تابي عوائدها من العمولات التي تتقاضاها من الباعة لقاء كل عملية شراء تتم عبر المنصة؛ ما يعني أن الباعة هم مَن يتكفلون فعلياً برسوم الخدمة. ويرجع هذا إلى 3 عوامل، أولها تأثير تابي في إبعاد الزبون عن الخيارات المكلفة عند الدفع عند التسليم، وثانيها قدرتها على رفع معدل التحويل والمبيعات لأن الزبون يغدو أكثر رغبة في الإنفاق عند وجود خيار التقسيط دون فوائد، وثالثها أن سلة الشراء تكون أكثر تنوعاً مع خيار تابي.
المنافسة محلياً
كما هي الحال مع أي قطاع حديث العهد، حظينا في تابي بشيء من الأريحية نظراً للمنافسة شبه المعدومة في البداية، على الرغم من أن استحداث هذه التجربة للمرة الأولى كان يشكّل مسؤولية ومخاطرة كبيرتين. لكن وجود جهة منافسة في سوق حديثة العهد يساعد في الحقيقة على تسهيل عقبة ملموسة ألا وهي تثقيف السوق إجمالاً؛ إذ ستقع المهمة على عاتق المتنافسين جميعهم، وليس على كاهل جهة وحيدة، وذلك يعني الارتقاء بفرص توسيع السوق.
ومن منظور إيجابي آخر، فإن وجود أطراف أخرى في السوق يعني أن الباعة والتجار سيكونون أمام مهمة إيجاد الأسباب لاختيار أحد الأسماء، أكثر من تساؤلهم عن السبب الذي يدفعهم إلى اختيار نمط خدمات جديد تقدمه شركة واحدة فقط، وهو ما يسميه خبراء العلوم السلوكية "تأثير التأطير".
ضرورة الانتقائيّة
يفرض نموذج أعمالنا ضوابط تحكم اختيارنا لفئات العملاء والمستهلكين الذين سنقدّم لهم خدماتنا. فنحن في نهاية المطاف نتكفل بمخاطرة فريدة من نوعها. وكان اختيارنا للمنتجات التي ستخضع بطبيعة الحال لنظام تقسيط الدفع من الأمور الأكثر دقة في نموذج أعمالنا، إذ حرصنا، خلال المراحل الأولى، على انتقاء المنتجات ذات هامش المخاطرة الأصغر؛ أي تلك التي لا تكون عرضة للاحتيال. فذلك النوع غالباً ما يكون من الفئات ذات قيمة إعادة بيع مرتفعة، مثل الإلكترونيات والهواتف المحمولة.
إن تجنّبنا لهذا النوع نبع من اعتبارات بالغة الأهمية؛ فنحن كنا ببساطة نقرض المال للزبائن في ظل وجود كمٍّ محدود من البيانات عنهم. في فكرة "تسوق الآن وادفع لاحقاً"، فإن تابي في جوهرها شركة تقدم الرصيد للمستهلكين، الذين يتعين علينا ضمان استحقاقهم وتأديتهم للمدفوعات كي نتمكن من مساعدتهم وضمان أريحيتهم في الشراء، ولكن ما يجعل سوقنا أكثر تحدياً هو الحاجة إلى البيانات والمعلومات اللازمة لضمان استحقاق المستهلكين، في الوقت الذي يصعب فيه الوصول إليها فعلياً. لم نستطع اعتماد أنظمة التقييم التقليدية التي تتبعها شركات البطاقات الائتمانية، التي لا تنطبق على طبيعة عملائنا، بل اعتمدنا على بيانات خاصة لتفصيل نظرة شاملة للاستحقاق، مثل تواتر إقبال المستخدم على التسوق، ونوع هاتفه، وسنه وجنسه وما إلى ذلك، لذا تحتم علينا التوجه صوب فئات المنتجات ذات مستوى المخاطرة الأدنى.
السّمة الثانية التي حرصنا على وجودها في المنتجات هي هامش الربح الواسع؛ ذلك أننا اعتمدنا في تحصيل أرباحنا على الباعة، لذا كان علينا التأكد من أن لديهم هامشاً ربحياً كافياً حتى يتمكنوا بدورهم من سداد نسبة العمولة اللازمة لنا للاستمرار في نموذج عملنا، كما ركزنا دائماً على المنتجات ذات الاستهلاك المتكرر، خاصة في بداياتنا الأولى. لم نفضّل العمل مع بائع أو شركة قد يشتري منها الزبون مرة واحدة كل عام أو أكثر، بل أردنا تقديم منتجات واسعة التداول والاستهلاك. وهذا ما توافر في منتجات مثل الأزياء، ومستحضرات التجميل، ومنتجات الأم والطفل.
بمرور الوقت، ومع التحسين المستمر على نموذج التقييم، وإقبال مزيد من التجار، ونمو شريحة مستهلكينا، تمكّنا من إدخال فئات منتجات أعلى مخاطرة ضمن خدماتنا. في كثير من الحالات كانت العملية عبارة عن توسيع طيف المنتجات لزبائن يستخدمون تابي ونعرفهم بالفعل. تلك الخطوة الدقيقة تُرجمت إلى نسبة تخلف عن السداد أقل من 1%، وهي الأدنى على صعيد الأسواق الأخرى كلها.
الحاجة إلى التوسع
فرضت هوامش الربح المتدنية في نموذج الدفع الآجل علينا لزاماً أن نتوسع لنستحوذ على أكبر شريحة ممكنة من العملاء، سواء الباعة والتجار، أو المستهلكون النهائيون، كي نتمكن من تحقيق الربحية. للوصول إلى ذلك، اعتمدنا استراتيجية تخفيض تكلفة الاستحواذ على العميل قدر الإمكان، مع الإبقاء على نموذج خدمتنا دون فوائد على المشتري، وهو أمر تمكّنا من تحقيقه بالنظر إلى أن تلك التكلفة كانت متدنية إلى حد ما، إذ إن الشراكة مع بائع أو متجر واحد أتاحت لنا الوصول المباشر إلى آلاف المستهلكين من شريحة عملائه. وبذلك، لم نكن مضطرين إلى الكثير من حملات الإعلان والتسويق.
خطوة آبل
للوهلة الأولى، كان إعلان آبل عن إطلاق خدمة الدفع بالأقساط بمثابة الخبر الصاعق لنا، فذلك كان يعني أننا سندخل قريباً في منافسة مع شركة عالمية كبرى ستقدم في الغالب حلاً على مستوى عالٍ من النضج والتطور. حينها، كان لا بد من رؤية الأمور على حقيقتها وتوخي الشفافية المطلقة مع الجميع لوضع كل تفصيل في مكانه. لقد كنا تحت ضغوطات جمّة من عدة جبهات، لكننا قررنا إعطاء الأولوية للجانب العملي والمنطقي، والبحث جيداً في حيثيات توجه آبل ذاك. وخلُصنا إلى أن نية العملاق الأميركي كانت بالدرجة الأولى زيادة إقبال المستخدمين وتبنّيهم لمحفظتها الخاصة، وذلك بالتحديد في الأسواق التي لم تصل آبل فيها إلى نسبة شعبية مُرضية، وهو أمر لا ينطبق على منطقتنا التي تحظى فيها محفظة آبل باي بحضور واسع وراسخ فعلياً، ما يعني أنه ليس من بين أولويات آبل تقديم نموذج الخدمة ذاك هنا، وهو أمر اتضحت صحته اليوم بعد مرور عامَين.
الأهم من ذلك هو حقيقة أن آبل لم تدفع نحو اعتماد هذه الخدمة بذلك المستوى العالي من الزخم، حتى في أسواقها الرئيسية، ما يعطي فكرة عن مدى تركيزها على نموذج العمل هذا. إذاً، تعيّن علينا التقدير السليم وعدم التقليل من مستوى التهديد المحتمل، وقررنا أننا بحاجة إلى الاستمرار في تطوير خدماتنا وتعزيز شراكاتنا المحلية، كي نكون في وضعية أقوى في حال قرر أحد اللاعبين الكبار عالمياً دخول هذه السوق يوماً ما في المستقبل.
حتمية التنويع
ركّزنا على ترسيخ وجودنا وتكيّفنا في سوق دولتين (السعودية والإمارات) من أعلى الدول عالمياً على صعيد الناتج المحلي الإجمالي، وحيث ينفق السكان بوتيرة أكثر وحجم أكبر، لنعيد حينها صياغة مفهومنا العام لمجال خدمتنا؛ إذ رأينا أن من صالحنا تقديم خدمات الدفع الآجل لكل ما ينفق المستهلك عليه، وليس فقط على المشتريات، إنما على السياحة والتأمين والتذاكر، وغير ذلك.
على صعيد آخر، أطلقنا خدمة اشتراك "تابي كارد"، التي كان الغرض منها تقديم خدماتنا إلى ما وراء الإنترنت، في نقاط الدفع التقليدية. كانت منصّة "تابي شوب" (Shop) أيضاً أحد الخيارات لتعزيز حضورنا في تجربة التسوق منذ بدايتها، وأيضاً للإفادة من شريحتنا المتنامية في السوق للترويج لشركائنا من الباعة والتجار.
الجهود التنظيمية
من المنصف القول إن الجهات التنظيمية لا تحبّذ تشريع أو تنظيم أعمال إن لم تكن ذات انتشار ملموس. في بدايات عملنا، ذهبنا إلى الجهات التنظيمية في كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية شارحين خطتنا حول نموذج العمل الجديد، وقد لاقينا استجابة عقلانيّة وإيجابية إلى حد كبير؛ إذ كان القرار وقتها أن نبدأ نحن، وتأخذ الأمور مجراها، وسيجري اتخاذ الخطوات التنظيمية وفقاً لما تقتضيه الأحوال.
كان ذلك التوجه مريحاً على نحو كبير، إذ كرّس نمطاً فعالاً من التواصل، وأعطى الوقت الكافي لنضج التفاصيل وتوجيه صناعة القرار نحو الأفضل، ومكّن من حماية حقوق المستهلك، وفي الوقت نفسه جنّب ظهور العقبات أمام نمو السوق واتساعها. لقد أتينا بسوق جديدة، وكانت الجهات التنظيمية ذات فضول لمعرفة كيفية مسير الأمور تماماً، لذا أرادت البقاء على مقربة دوماً.
في مقاربة أخرى، لقد أمضينا نحو عامَين من وقتنا إلى الآن في الإجراءات التنظيمية والتشريعية، وهو أمر سيمثّل تحدياً لأي لاعب جديد قد يفكر في دخول السوق مستقبلاً، حيث سيضطر إلى استثمار كثير من الوقت والموارد المادية والبشرية لبلوغ مستوى مماثل في النواحي التنظيمية، في الوقت الذي قد تكون أمامه أمور أكثر أهمية للتكفّل بها في أماكن أكثر حيوية وقرباً له. في مثل هذه الحالات، تغدو التفاصيل التشريعية والتنظيمية عقبة وتحدياً في قطاع قائم بشدة عليها، مثل الخدمات المالية.
طرح الاكتتاب العام في السعودية
جاء اختيارنا لخطوة الاكتتاب العام في السعودية بعد دراسات وافية، فحجم التبادل في السوق السعودية من الأعلى عالمياً، فضلاً عن أن حصتنا في السوق السعودية تمثل نحو 80% من مجمل مبيعاتنا. يُضاف إلى ذلك أن إقبال المستثمرين في هذه السوق نحو شركات التقنية المالية مرتفع جداً. من جهة أخرى، لاحظنا أن توجه الشركات الخارجية الكبرى نحو عمليات الاستحواذ ذات القيمة المرتفعة قد انخفض لدرجة كبيرة، والسبب الأبرز في ذلك هو نقص مستوى السيولة عما كان عليه قبل 3 أو 4 سنوات، وقد عاينّا هذه الحالة في كثير من الأمثلة، سواء في أسواق منطقتنا أو الأسواق العالمية.
نجحنا في إغلاق جولة تمويل جديدة بقيمة 200 مليون دولار بقيادة إحدى أكبر شركات إدارة الاستثمار، ويلينغتون مانجمنت، وبمشاركة من شركة بلوبول كابيتال (Bluepool Capital) بالإضافة إلى المستثمرين الحاليين مثل إس تي في، وشركة مبادلة للاستثمار، وأربور فنتشرز، وباي بال فنتشرز، ما يرفع قيمة الشركة إلى أكثر من 1.5 مليار دولار، جاعلاً تابي أول شركة ناشئة في مجال التكنولوجيا المالية (الفنتك) في المنطقة تصل إلى تقييم يفوق المليار دولار قبل الطرح العام الأولي المقرر في المملكة العربية السعودية.
وفي 3 سبتمبر/أيلول 2024، أبرمت تابي اتفاقية للاستحواذ على تطبيق طويق، المحفظة الرقمية السعودية المرخصة من ساما، بهدف توسيع منتجاتها المالية خلال مؤتمر "24 فنتك" في الرياض. تسهم هذه الصفقة في تحقيق أهداف رؤية 2030 عبر تعزيز الشمول المالي والتحوّل إلى مجتمع غير نقدي. وتنتظر الصفقة الموافقة التنظيمية والإجراءات القانونية اللازمة. ويتيح التعاون بين تابي وطويق إطلاق مجموعة كاملة جديدة من المنتجات المالية المصممة لتمكين مستخدمي تابي من مجموعة فريدة من الحلول المالية، مثل الدفع والادخار وغيرهما.