منذ قيام الاتحاد، وعلى مدى خمسة عقود، كان الإنسان محور التطور في الإمارات وقد أولت القيادة دوماً اهتماماً كبيراً بالإنسان الإماراتي كونه أساس التنمية ومحورها وغايتها، كما أكد سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، "نحن اليوم في عصر متغير وسريع الحركة... نحتاج أن نكون دائماً مبادرين ومبدعين... نحن في وطن لا يعرف المستحيل، وأبناؤه ينظرون إلى المستقبل بعيون التفاؤل والأمل والطموح إلى المراكز الأولى". وقد انعكس ذلك جلياً من خلال التقدم الكبير والمتواصل في مستوى التعليم وانتشاره وتطوره وتأهيل الكفاءات الإماراتية التي تبوأت مراكز مهمة في مجالات العمل المختلفة محلياً وعالمياً. ويمثل اليوم أبناء الإمارات العلامة الفارقة لدولة أصبحت في وقت قياسي من بين أفضل دول العالم فيما توفره من بيئة حاضنة للتنوع والإبداع والتطوير المستمر، وأصبحت الإمارات اليوم تصدّر معارف وخبراء وتنشر المعرفة في العالم بقيادة كوادر ومؤسسات وطنية.
وتعد التنمية البشرية حجر الزاوية في رؤية الإمارات 2021 ومئوية الإمارات 2071، والأداة الرئيسة للتنمية الاجتماعية وأساس النمو الاقتصادي المستدام، وعلى مر العقود تطور مفهوم الاستثمار في "رأس المال البشري"، والذي يعني مجموعة المهارات والمعارف والقدرات والخبرات المكتسبة بشكل فردي أو جمعي، والتي يؤدي حسن استغلالها وإدارتها إلى تحقيق الحد الأعلى من الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والشخصي.
إن إدارة رأس المال البشري لا تقتصر بأي حال من الأحوال على التعليم "لأجل التوظيف" وإنما تشمل إدارة كافة المراحل العمرية للأفراد بما يناسبها "حتى خارج الإطار التقليدي مثل تنمية الطفولة المبكرة والتعلم مدى الحياة". وفي ذات الوقت إدارة تلك القدرات ككتلة متكاملة قادرة بشكل جمعي على تحقيق أفضل المخرجات والنتائج في جميع المجالات كالتعليم وسوق العمل والمهارات وريادة الأعمال والابتكار والنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية، ما يساهم في تحسين جودة الحياة وخلق نمو مستدام تستفيد منه كافة فئات المجتمع.
هذا وقد أنشأ البنك الدولي مؤخراً مؤشر رأس المال البشري والذي يقيم قابلية الجيل لتحقيق كامل إمكانياته. وصنف هذا المؤشر دولة الإمارات ضمن أكثر الدول تقدماً في الشرق الأوسط. إلا أن المستقبل يحمل تحديات وفرص تفرض علينا التفكير بشكل مبتكر لنبقى في المقدمة. ففي عصر الثورة الصناعية الرابعة سيشهد العالم تغيرات متسارعة في آليات العمل الحكومي والخاص، فاختلاف ممارسات العمل ومتطلباته والنمو المتسارع في مجالات العمل غير التقليدية وزيادة الطلب على المهارات التقنية زاد الحاجة لتهيئة جيل يتمتع بعقلية التعلم المستمر.
وفي هذا الإطار، نعمل في دولة الإمارات على بناء حكومة المستقبل. حكومة مرنة، تستغل التقنيات الحديثة، وتقدم خدمات متميزة واستباقية، وتعمل على تحقيق أهداف التنمية الوطنية وتطوير جودة الحياة في الدولة. وأساس حكومة المستقبل هذه كادر حكومي من قيادات وخبراء يملكون المهارات الحديثة، ويتعاملون مع المتغيرات بأساليب مبتكرة، ويسعون دائما للتطوير المستمر.
ومن هذا المنطلق جاء برنامج خبراء الإمارات ليكون أحد أهم الأدوات التطبيقية لبناء قاعدة متنوعة من الكوادر والخبرات الوطنية الاستشارية، وتمكينهم بمختلف عناصر القوة وتطوير مهاراتهم وأدواتهم المهنية والشخصية ليصبحوا أكثر إسهاماً ومشاركة في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية والإنتاجية والمعرفية ضمن رؤية واضحة لمواكبة المتطلبات الحالية والمستقبلية لمسيرة التطوير والتنمية المستمرة التي تشهدها الدولة.
وقد لمست في عملي موجهة لقطاع الخدمات الحكومية والإدارة العامة، ضمن محور التنمية الاجتماعية بالدورة الأولى لبرنامج خبراء الإمارات، حرصاً كبيراً من كوادرنا الوطنية المتميزة على التطور وفهم التوجهات المستقبلية التي تقودها الدولة في مجالات تحديث العمل الحكومي وابتكار خدمات وأطر عمل تتجاوز المفهوم التقليدي لتقديم الخدمات الحكومية.
إن هذه الخبرات الوطنية ستسهم بدور أساسي في بناء حكومة المستقبل التي ستعزز النمو الاقتصادي في المستقبل، وستسهم في رفع جودة الحياة، و ترسخ نموذج الاقتصاد المعرفي المستدام. وسيكون لها الأثر الأكبر في إدارة حكومة المستقبل كحكومة مرنة، توفر منصة للتعاون مع القطاع الخاص وكافة أطراف المجتمع. فهناك ارتباط مباشر بين قطاع الخدمات والإدارة الحكومية من حيث الأثر على تعزيز البيئة الجاذبة للعقول والاستثمارات، وتحفيز المبتكرين ورواد الأعمال والشركات الناشئة على التطور والازدهار.
كموجهين في هذا البرنامج، وضعنا خبراتنا بين أيدي الجيل القادم من الخبراء والمتخصصين، ونعمل معهم لبناء شبكة من الكفاءات الناضجة القادرة على الإنجاز ومواصلة مسيرة التميز في دولة الإمارات، ولن يكون اختتام البرنامج التدريبي إلا نقطة بداية لهؤلاء الخبراء الشباب. تجربتي الشخصية في حياتي العملية كان لها التأثير الأكبر على مشاركتي كموجه لخبراء المستقبل، حيث اعتز بكوني أحد خريجي برنامج محمد بن راشد لإعداد القادة، حيث لمست أهمية التوجيه والدعم الذي مكنني من تنفيذ مهامي ومسؤولياتي، واليوم أشعر بمسؤولية وواجب لنقل هذه الخبرات لتنمية الكوادر الوطنية.
تسعى الإمارات دائماً للريادة والتنمية المستدامة ورفع جودة الحياة، ولذا ركزت القيادة على تعزيز جاهزية قدراتنا الإدارية للتعامل مع التحديات والفرص المستقبلية. وأعتقد أن التطوير وصناعة النهضة يعتمدان على محاور ثلاثة، فهناك التنمية الاجتماعية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية الإدارية، ومن الضروري أن تتكامل الجهود في الاتجاهات الثلاثة بما يعزز أحدها الآخر. وأساس هذه المحاور أولاً وآخراً هو رأس المال البشري، وفقاً لما أكده سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: "إن حجم التغييرات من حولنا، وحجم الطموحات التي نريدها لشعبنا يتطلب فكراً جديداً في شكل الحكومة وآليات عملها. لا يمكن أن نعبر للمستقبل بأدوات الماضي، ولا يمكن تحقيق قفزات تنموية كبيرة من دون التفكير بطريقة جديدة في شكل الحكومة. التغيير يخلق فرصاً كبيرة، ويجدد الدماء والأفكار، ويجبر الجميع على التفكير بطريقة مختلفة. إن بناء رصيد استراتيجي من رأس المال البشري يمثل أحد أهم ضمانات التقدّم والتميّز في المستقبل".